الرئيس (المُستبد) وزعماء خلدهم التاريخ .. بعد إسدال الستار

الرئيس والزعيم الجنوب أفريقي مانديلا فاجأ شعبه عندما أعلن أنه لن يرشح نفسه للرئاسة مرة أخرى في جنوب أفريقيا حتى يعطي الفرصة لأجيال جديدة تلعب دورها السياسي … وبحكم التاريخ والدور والمسئولية يستطيع مانديلا أن يبقى حاكما لجنوب أفريقيا طوال حياته . لقد دفع الرجل شباب عمره من أجل قضايا وطنه وشعبه … وقضى في سجون المستعمر ما يقرب من ثلاثين عاما وذاق كل أنواع العذاب النفسي والبدني والإنساني ومعروف عن النظام العنصري (أبارتايد) قسوته في معاملة السجناء الأفارقة … ولكن ظل مانديلا وفيا لقضاياه .. وكان يؤمن أن الطريق إلى الحرية يحتاج إلى ثمن كبير … وكان على إستعداد لأن يدفع هذا الثمن ودفعه بالفعل .. ولو أن مانديلا رغب أن يبقى طوال حياته في الحكم فلن يعارضه أحد ولن يكون ذلك بإنقلاب عسكري أو بتعديل الدستور أو بتجنيد المليشيات لتعذيب المتظاهرين ولا بالوعيد والتخويف ولا بدباية تجتاح القصر الجمهوري ولكن ذلك سيكون بحكم المشاعر العميقة التي ربطت بين الرجل وشعبه وأن رصيد مانديلا يعطيه الحق في أن يجلس على كرسي السلطة عشرات السنين فهو رصيد مناضل دفع لوطنه ثمنا غاليا .. ورغم هذا أعلن الرجل أنه لن يرشح نفسه ولن يبقى في السلطة غير فترة رئاسية واحدة
وفي تنزانيا الرئيس الدكتور ماجوفولي الذي وصل للحكم بانتخابات عام 2015 في عهده أصبح الاقتصاد التنزاني ثاني أسرع إقتصاد نموا . وتضخ حاليا أكثر من 10 مليارات دولار لبنيتها التحتية . وهناك مشاريع ضخمة تقوم بها تركيا في تنزانيا وتلقت من تركيا قرضا بـ 3 مليارات دولار فلماذا لا تتجه تركيا بهذه القروض لأصدقائها الإسلاميين في السودان الإجابة واضحة خوفا من الفساد وضياع قروضها كما ضاعت قروض غيرها فالاقتصاد لا يعرف الصداقات بل المصالح والشفافية .
الرئيس ماجوفولي الذي يفاجئ الشعب التنزاني للنزول بنفسه لجمع القمامة من أماكن قريبة من مقر الرئاسة برفقة مجموعات من السكان كمبادرة أمر الرئيس بتدشينها بدلًا من احتفالات يوم الاستقلال، والتي انضم إليها الآلاف من مختلف أنحاء تنزانيا. وكان ماجوفولي قرر إلغاء جميع مظاهر الاحتفال بيوم الاستقلال بما في ذلك العروض العسكرية والحفلات الموسيقي، قائلًا إنه من (العار) أن ننفق هذه المبالغ الضخمة على الاحتفالات في حين أننا نواجه أزمة تفشي وباء الكوليرا . فلم يقم معاونيه بجلب المواطنين لإستقباله بتكلفة تفوق تأسيس مدرسة إبتدائية . وزيارات ماجوفولي الخارجية تحسب في أصابع اليد وحتى هذه الزيارات لم تكن باستئجار طائرة خاصة , فضلا عن تقليصه عدد الوزراء وكذلك مخصصاتهم . وحارب الفساد بل واقتلعه نهائيا من تنزانيا بالرغم من كل هذه الإنجازات وهذا التطور لبلاده وفي زمن وجيز جدا رفض تعديل الدستور لكي يتم ترشحه مرة أخرى وطلب الشعب والبرلمان منه تعديل الدستور لأجل البقاء لكنه رفض . ولم ينشئ منظمة تدعمه للترشح مرة أخرى
وفي كينيا عام 2008 قال الرئيس الكيني أوهورو كينياتا الذي فاجأ شعبه بإعلانه للبرلمان استعداده لحضور الجلسة التحضيرية أمام المحكمة الجنائية الدولية وكان كينياتا (52 عاما) نقل صلاحياته إلى نائبه واستقل طائرة ركاب تجارية، قبل المثول أمام المحكمة في سابقة لرئيس دولة خلال فترة ولايته فلم يستأجر طائرة على حساب شعبه الجائع لأداء مناسك العمرة ومبررا ذلك لتفادي وضع (سيادة أكثر من 40 مليون كيني أمام المحاكمة)، مبينا أنه لن يمثل أمام المحكمة بصفة رئيس دولة بل سيذهب بصفته الشخصية والاتهامات كانت بتدبير جرائم قتل عرقية بعد انتخابات عام 2007 وبالفعل ذهب وتم شطب الإتهامات وطلب الادعاء تأجيل القضية بسبب نقصان الأدلة. واضعا مصلحة شعبه وبلاده في الإعتبار ولن يكون عائقا لدولته وشعبه في التنمية وأعيد إنتخابه مرة أخرى وحصوله على 98 % من نسبة الأصوات وإن لم يمثُل للمحكمة الدولية وظلّ قابعا على صدور المواطنين لوصل الدولار اليوم في كينيا مستويات قياسية وطالما المخصصات لم تتغير فليجوع الشعب وليمت ولكن الوطنية وحب الوطن الذي غلب على كينياتا دفعه ليفدي شعبه بنفسه . مثل هؤلاء الرؤساء يستحقون الصبر عليهم
وفي فرنسا في عام 1969 أعلن ديجول تنحيه عن منصبه بعد أن حققت الموافقة على تطبيق اللامركزية نسبة أقل قليلا من النسبة التي حددها سلفا , ترك ديجول قصر الأليزية أمام مظاهرات الطلبة وكان الرجل بحكم تاريخه يستطيع أن يبقى في الحكم ولا أحد يستطيع منعه حتى لو كلف ذلك قمع وقتل المتظاهرين واعتقالهم وفصلهم وتهديد أسرهم ولكنه لم يفعل ذلك لعلمه بأن التاريخ لن يرحمه وفضّل الرحيل ورحل حتى لو كان الرافضون له شبابا صغار في عمر الزهور فلم يقل أنهم شذاذ آفاق ولم يهددهم بنزول المجاهدين . وكان يُعرف بالأب الروحي للشعب الفرنسي الذي قادهم للتحرير في الحرب العالمية الثانية وينعكس تقدير هذا الرجل بشكل واضح في العاصمة باريس إذ تم تسميه العديد من المرافق الحيوية باسم الجنرال مثل(المطار، الشوارع ،المتاحف ومحطات القطارات) بالرغم من ذلك فضل الأب الروحي الرحيل بعد أول مظاهرة ضده وكان غالبتها من الطلبة
وفي البرازيل الرئيس لولا دا سيلفا انتخب رئيسًا في عام 2002م، ثم أعيد انتخابه سنة 2006م بعد أن فاز بـ 60% من الأصوات. وحتى 1 من يناير 2011م. اختير كشخصية العام في 2009م من قبل صحيفة لوموند الفرنسية، وصنف بعد ذلك في السنة التالية حسب مجلة “تايم” الأمريكية كالزعيم الأكثر تأثيرا في العالم كما لقب بأشهر رجل في البرازيل من الجيل الحديث، بل ولقب بأشهر رجل في العالم لعب الرئيس البرازيلي لولا دا سيلفا دوراً كبيراً في النهوض بالبرازيل وذلك من خلال الخطة الذي رسمها لذلك والمتمثلة في النهوض باقتصاد البرازيل وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحديث الجيش وفي عهده حدثت تحولات كبيرة في اقتصاد البرازيل وذلك بفضل المنهج الذي وضعه لبناء الدولة، وبفضل هذا المنهج الذي سار عليه لولا دا سلفيا، أصبحت البرازيل تحتل المرتبة الثامنة كأكبر اقتصاد على مستوى العالم واستطاع اخراج أكثر من 20 مليون شخص من تحت خط الفقر وتحسين حالتهم المادية . وبعد أن حكم لولا دا سيلفا البرازيل لمدة 8 سنوات , ترك منصب الرئيس بعد رفضه تعديل الدستور ونقول لمن زادت في عهده نسبة الفقر وتدمرت كل المشاريع الزراعية وتوقفت المصانع وانعدم الإنتاج وفي عهدة تتذيل دولته قائمة الفساد لقد حكمت ربع قرن من الزمان وتريد تعديل الدستور لأجل أن تحكم وهل ما عجزت في إنجازه في 30 سنة ستجد فرصة لانجازه بعد هذه السن ؟ !!
وفي ماليزيا الرئيس مهاتير محمد تولى رئاسة الوزراء في الفترة من 1981 إلى 2003، وتعد أطول فترة لرئيس وزراء في ماليزيا وكذلك من أطول فترات الحكم في آسيا. وفي عهده انخفضت نسبة الفقر وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي من 1247 دولارا في عام 1970 إلى 8862 دولارا في عام 2002، اي ان دخل المواطن زاد لاكثر من سبعة امثال ما كان عليه منذ ثلاثين عاما، وانخفضت نسبة البطالة إلى 3% وكان خلال فترة حكمه من أكثر القادة تأثيراً في آسيا. كان لمهاتير محمد دور رئيسي في تقدم ماليزيا بشكل كبير إذ تحولت من دولة زراعية تعتمد على إنتاج وتصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم قطاعي الصناعة والخدمات فيها بنحو 90% من الناتج المحلي الاجمالي، وقدم استقالته من منصب رئيس الوزراء في عام 2003. ولم يمنّ على شعبه بأنه بنى ماليزيا وأنه من أتى (بالهوت دوق) ولم يقل كان قبل وصولي للسلطة كان الناس (يقتسمون الصابونة) بل أنه استقال بدون أي منّا أو أذى للشعب لأنه كان يرى ذلك واجب عليه وهذه هي مهمته . وسط مطالبات من البرلمان بالتمديد لأن كان كل يوم في عهده تشهد ماليزيا نقطة نمو جديدة ولم يشعر الشعب بسرعة مرور هذه السنين برغم من طول فترتها لحلاوتها وجمالها والرفاهية التي عاشها في ظلّ عهده . عكس الحكومات السيئة المستبدة الفاسدة اليوم يعادل سنة في حركته لأن كل الأيام متشابه في السوء والآلام
هؤلاء الرؤساء أو الزعماء العظماء وهم كُثر في العالم ولكن هذه النماذج ما أسعفتني بهم ذاكرتي لم يأخذوا حقهم في التكريم من شعوبهم ولكن سيذكرهم التاريخ بأنهم تركوا المنصب راضين راغبين مختارين بعد مسيرة نجاح حافلة وبأقلّ الموارد وأنهم حاربوا الفساد . والرؤساء السيئون المستبدون الفاشلون أيضا سيذكرهم التاريخ بالسوء والفشل وبأنهم يريدون الإستمرار في المنصب تحت أي الظروف وظلوا على الكرسي أكثر من ربع قرن وأذاقوا فيها الشعب الأمرين جوع ودمار وتقسيم ودارت عجلة الأحداث والزمن والكل جالس على أنفاس الكل .. مثل لاعب الكرة الذي يصرّ على اللعب رغم أن الفريق مهزوم والجماهير تلقي عليه الحجارة وعليه أن يترك اللعب فورا .
من أسوأ الأشياء أن يبقى الممثل يؤدي دوره بعد إسدال الستار وخروج المتفرجين وإطفاء أنوار الصالة ولكنه يصرّ على إستمرار التمثيل.
[email][email protected][/email]
يبجب على ادارة الراكوبة الموقرة رفع هذا المقال وتثبيته و وضعه لاطول فترة ممكنة في المقدمة لاهميته البالغه .
يبجب على ادارة الراكوبة الموقرة رفع هذا المقال وتثبيته و وضعه لاطول فترة ممكنة في المقدمة لاهميته البالغه .