أخبار متنوعة

عزاء .. ونعى فاروق أبو عيسى.. بقلم: هاشم محمد احمد

,بسم الله الرحمن الرحيم
إنا لله وإنا إليه راجعون
المحامى فاروق أبو عيسى، علم من أعلام تاريخ السودان الحديث .
ببالغ الحزن والاسى رحل عنا اليوم 12 ابريل ، مناضلا صلبا من اعتى المناضلين من أجل الحرية والديمقراطية..
وبفقده يفتقد الوطن اليوم الوطنى الغيور ، والمحامى الضليع ، والمناضل الجسور، والمدافع المستميت من اجل السودان و اهل السودان، ولرفعة الوطن من وهدته و تحقيق بناء وطن حر ديمقراطى ينعم بالسلام والعدالة والعيش الكريم،نباهى بخصاله وانجازاته بين الامم..
لقد أدى أبو عيسى دوره الوطنى وظل يؤديه بكل عزيمة وصبر، دون تراجع أو خذلان وفى شجاعة دون تخاذل أو حتى استراق سويعات للراحة رغم ما يواجهه من ظروف صحية قاهرة الى أن وافته المنية . .جاءته فى ظروف احوج ما نحتاجفيها لحكمته وتجاربه المهنية واالسياسية والوطنية.. تلك التى تمتد من ايام نضاله المبكر فى الحركة الوطنية السودانية، من نضال ضد المستعمر ومعركة الاستقلال مرورا بثورة اكتوبر 1964 وابريل 1985والنضال حتى ثورة ديسمبر 2018 العظيمة، ووقفته الصلبة ضد نظام البشير الدكتاتورى حتى اخر لحظات حياته..ولقد ظل يناضل واهبا حياته وطاقاته للقضية التى يناضل من اجلها . .
لقد عظم فقدك يافاروق..وأنا يدور بخلدى وذاكرتى فى هذه اللحظة،شريط أيام نضالك ضد الحكم العسكرى الاول فى نوفمبر 1958 وفى قيادتك لموكب المحامينالصامت بزيهم المميز، وهم عائدون بشارع الجامعة بعد تسليم مذكرتهم الساخنة للمجلس السكرى إحتجاجا وتنديدا بموقف حكومة الفريق ابراهيم عبود..وذلك على خلفية تعاونها مع حكومة الكنغو فى قضية اغتيال المناضل باتريس لوممبا فىفبراير 1961.. وأذكر دورنا كطلاب فى جامعة الخرطومفى الوقوف معكم دعما لموكبكم بمظاهرة طلابية،هزت الشارع وشقت الصمت بصورة ازعجت النظام لدرجة الانتقام..مما ادى لاعتقال 6 طلاب وتقديمهم لمحاكمة فورية بليل فى نفس اليوم .. فكان ان بادرت أنت وزملائك الشهيد جوزيف قرنق و انور أدهمومجموعة من ممن كانوا شهود عيان فى موكبكم، وانبريتم للدفاع عن طلاب جامعة الخرطوم المعتقلين مما كلن له اكبر الاثر فى تخفيف الحكم عليهم أولا، ومن ثم فشل الحكومة ثانيا فى ارهاب الشعب ووقف النضال الطلابى والشعبى المعارض من اجل اسقاطها ونيل الشعب للحريه والديمقراطية ..
ولم يتوقفنضالكم..ومن ثم دوركم فى ثورة 21 أكتوبر 1964 العظيمة بقيادتك انت وزملائك عابدين اسماعيل والقضاة عبد المجيد امام وبابكر عوض اللة وكل القوى الديمقراطية وقوي الثورة لجبهة الهيئات، و واصلت النضال والاستنفار لمواجهة” القصر حتى النصر” وسقوط النظام.. ولم تركنوا للراحة، بل ظللت تتوخى الحذر واليقظةضد الردة او انتكاس الثورة والتى تجلت فى ليلة المتاريس.. تلك التى كانت بمثابة تنبيه واستنفار فى مواجهة ما كان يدور من تىمر وتآمر خلف الكواليس، وفى ومواجهة ووقف ما تم من تحركات من المجلس العسكرى لحكومة عبود وقوى الرجعية.. تماما كما كان يدور ومازال يدور اليوم من تحركات لقوى الثورة المضادة، فى مواجهة ثورة ديسمبر المجيدة التى ازاحت نظام البشير المباد..
كما أن مواصلة دورك فى النضال ضد نظام البشير لم يكن اقل أهمية من دورك فى ثورة ابريل 1985 الذى أضفت له البعد الخارجى إقليميا وعالميا .. فقد كنت فى قيادةنقابة المحامينفى الداخل، واهلتك خبرتك وسيرتك العطرة لتسنم قيادة إتحاد المحامين العرب كامين عام للاتحاد.. وان مالعبته من دور كبير خلال فترة الديمقراطية الثالثة، تفوق عليه دورك الاكبر عند الانقلاب على الديمقراطية بانقلاب الجبهة الاسلامية عليها.. فكان ان واصلت دورك الوطنى المعارض بتكوين والمشاركة فى لجنة التنسيق العليا ومركزها القاهرةبرئاسة المرحوم محمد الحسن عبدالله يس.. والتى وافيتنى بتسجيل صوتى لك عن خطوات تكوينها وتمثيلك فيها، حتى تطورها بتكوين التجمع الوطنى الديمقراطى وانتقاله للخارج مستمدا شرعيته وميثاقه من الداخل..
أما عن دورك فى التجمع اللوطنى الديمقراطى فالحديث فيه يطول..فجزء منه كنت اتعشم ان تراه فىكتابى الذى سوف يصدر باذن الله عن التجمع، لكى تضيف توثيقك الى توثيق تلك الفترة الغنية بالاحداث والصراعات والتجارب، خلال ثلاثين عاما من نضالك اليومى ضد نظام البشير..ولكن ليس لأمر الله مردّ ..
لقد كنت فى هيئة قيادته العليا ولكن كان دورك اعظم وهام فى مرحلة التاسيس والتنظيم والانطلاق.. فقد فتحت ابواب منزلك انت وزملائك وسخّرت امكانياتك، ومكتبك، ومالديك من اموال، لخدمة المناضلين من كل الفئات من أجل تصعيد العمل المعارض ..شاركت فى مؤتمرى التجمع باسمرا للقضايا المصيرية فى يونيو 1995 ومصوّع فى سبتمبر 2000.. وشاركت فى صياغة وتوقيع جميع مواثيق التجمع واتفاقياته، وعملت فى اصرار شديد على سيادة الديمقراطية فى اروقته الى ان تمت اتفاقية نيفاشا عام 2005.. والتى لم تكن راض عن عملية ادارتها رضى كاملا لولا تطلعك لوقف الحرب وتحقيق السلام لاهميته،.ومازال.. ورغم دخول التجمع بالمشاركة فى المجلسين التشريعى والتنفيذى(ما عدا النقابات )، إلا أن غريزة الاستشعار لديك وخبرتك السياسية، حعلتك تطالب بضرورة استمرارية التجمع وهيئته القيادية .. اذ كنت ترى ان نظام البشير الذى ظللت تقارعه سنين عددا، مازال موجودا ومتربعا فى كراسى الحكم باغلبيته الميكانيكية ..
فكنت ترى ان التجمع الوطنى كبديل مفترض لنظام البشير اصبح بعيدا عن الساحة .. ولقد وجدت فكرة ضرورة استمرارالتجمع ولملمة اطراف قيادته، صدى فى أروقة العديد من الجبهات المكونة له.. والذى اتخذ لاحقا شكل وميثاق قوى الاجماع الوطنى..الذى ايضا شاركت فى اصداره وقمت بصياغته، وظللت فى قيادة قوىالاجماع حتى ثورة ديسمبر .. حيث اضفت الى سجلك الحافل، صياغة اعلان الحرية والتغيير.. وقد كان لوجودك وزملائك المحامين خير معين فى إخراجتلك المواثيق السياسية بصورة قانونية محكمة.
لم تكتفى يافاوق، بالدفاع عن الحقوق القانونية فى المحاكم المدنية، والحقوق الديمقراطية للمناضلين فى السودان وحقوق المهمشين والمظلومين فى اطراف البلاد، وضحايا الحرب اللعينة فقط ، بل كنت من أقوى المدافعين عن حقوق الانسان فى العالم عامة، وضد خروقات حقوقه فى السودان بصفة حاصة..فلم تتخلف يوما عن جلسات لجنة حقوق الانسان للامم المتحدة بالذات وقت مناقشة البنود الخاصة بالسودان.. وقد كنت خير معين لمندوبينا فى جنيف .. ومنهم مجموعة منظمة حقوق الانسان بالمملكة المتحدة اذكر منهم الاخوة د. منصور العجب ود. صدقى كبلو و عبد الباقى الريح وهشام مدنى والاستاذة خالدة عبد الحفيظ وعبد الباقى جبريل ود. احمد محمود يوسف وآخرين كثر يضيق المجال لذكرهم.. كماهنالك ممثلى المنظمة السودانية لمناهضة التعذيب، ومنهم المرحوم عثمان حميدة وشخصى وآخرين..
لك العذر يافاروق ، فلا استطيعأن أواصل فى ترديد و إحصاء مواقفك المشرّفة، وإنجازاتك التى تقف شاهدا على نقاء سيرتك، وصراحتك، وصدقك، وامانتك، وشجاعتك، وإصرارك على مواقفك وتضحياتك للوطن رغم مالاقيته من سجن وعذاب.. ولم تبخل للوطن بوقتك، أو بمالك، أو بنفسك، فى النضال من أجل تحقيق امانيه،والتى عبرت عنها تلك الشعارات فى كل ثوراته التى شاركت فيها بادوار مختلفة ومتعددة.. فلترقد مرتاح البال ، غرير العين بما قدمته لوطنك وشعبك وأنت تسعد بانتصار ثورته.. فهذا هو كتابك يوم لقاء ربك..جعلك الله من اصحاب اليمين الذين ياتونه بيمينهم..
إن حزننا لشديد لفراقك، وما خلفه من فراغ فى الساحة لكبير .. والبركة فى اسرتك.. وعزائى الحار لزوجتك الكريمة نعمات وبناتك .. ونسال الله لك الغفران وفسيح الجنان، ولكل الاسرة والاهل والاقارب والاصدقاء والزملاء الصبر والسلوان..
“كل من عليها فان، ويبقى وجه ربك ذو الجلال والاكرام ”

م. هاشم محمد احمد
الاحد 12 إبريل 2020

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..