مقالات سياسية

الديموقراطية عائدة …..ولكن

كل يوم يمر ونحن نقترب من العصيان الثانى والحاسم باذن الله ،تتجلى معلمة وعبقريات الشعب السودانى بشبابه واحزابه وكتابه وفانينه من كل حدب ولون . فلا افتح الواتساب الا وتقابلنى قصيدة جديدة ، أو بيان من جهة سياسية او عسكرية أومدنية ، أو لحن على طريقة الحقيبة ،او الاغانى الحديثة أو اغانى الجاز والراب ، أو مقال يفضح ماتبقى من مدسوس الجماعة أو صور لممتلكاتهم من العقار فى اصقاع الدنيا بدء بكافور وحتى جزر الواق واق ! بما يدل على انفتاح شهية الشعب المعلم للابداع ، وماخفى بعد النهاية الوشيكة كان أروع !
هذه المقدمة لموضوعنا المسلسل كان لابد منها ، حيث انها تدل على قرب الموعد لتطبيق ديموقراطية مغسولة من ادران التجارب الماضية ، ديموقراطية غير مدغمسة بتفسيرات من مثل : ان راى المحكمة الدستورية استشارى وغير ملزم للسلطة التنفيذية ، أو ان الديموقراطية هى الشورى ، أو حتى الديموقراطية الجديدة أو الاجتماعية . ديموقراطية جد: تعنى بفصل السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية ، فصلا لا يأتيه الباطل ، من لدن اى تفسير ، سواء اتى من اليمين او اليسار، وببسط الحريات بمعناها الشامل ، الذى لايحد منه أوضاع أمنية أوصوت معركة يعلو ، أو حتى اعطاء الاولوية للتنمية واصلاح أحوال الناس المعيشية . فقد اتضح ان كل ذلك ليس الا تمحكا من اتجاهات دكتاتورية تسعى لايجاد غطاء مناسب !
فاذا عدنا الى الماضى مرة اخرى لنكمل عرض التجارب التى وأدت التجربة الديموقراطية ، ووضعت الاساس الى ماآلت اليه الامور بنهايتها الكارثية التى يسعى الشعب اليوم بكل فئاته ان يتخلص منها ، ليضع اساسا جديداً للحرية والعدالة ، فاننا نبدأ من حيث انتهينا فى المقال السابق .
نفد صبر الدكتاتور نميرى وجماعته سريعا فى تحمل آراء الحزب المستقلة ، وذلك بعد ان اخذوا الدعم المطلوب فى ايامهم الاولى لتوطيد حكمهم . ساعدهم فى ذلك الانقسام الذى ضرب وحدة الحزب وأخرج عددا من الكوادر المهمة فى اللجنة المركزية ومكاتبها الرئيسة . بدأت الخلافات حول الموقف من المعارضة البينة من احزاب الامة وجبهة الميثاق والحزب الاتحادى الديموقراطى : هل تحل سياسيا ام عسكريا ، ثم فى قضية التأميم والمصادرة التى كتب حولها عبدالخالق عددا من المقالات محتواها يرفض مبدأ التأميم لممتلكات الرأسمالية الوطنية التى يعتبرها الحزب من قوى مرحلة التطور الوطنى الديموقراطى ، ويطالب بقصر التأميم على قمم الاقتصاد المملوكة لرأس المال الاجنبى خصوصا فى مجالات المصارف والتجارة الخارجية ، اذ ان هذين المجالين يجب ان يوضعا تحت سيطرة الدولة لما لهما من اهمية فى الوصول الى الاستقلال الاقتصادى والتنمية المعتمدة فى الاساس على الموارد الذاتية . غير ان التأميمات والمصادرة شملت اشياء مثل المحلات التجارية والمطاعم !
كانت النتيجة هى نفى عبدالخالق والصادق المهدى الى مصر ، مع اختلاف الاسباب. ثم توالت الخلافات الى ان تم ابعاد ممثلى الحزب والقوى الديموقراطية من مجلس الثورة ومجلس الوزراء . ثم تطورت الامور الى منع النشاط العلنى للحزب وحل المنظمات الديموقراطية من مثل الاتحاد النسائى واتحاد الشباب ، بل وفصل واعتقال عدد من الشيوعيين والديموقراطيين من اعمالهم . تم كل ذلك بيسر نتيجة لمساعدة الانقساميين الذين حجزوا مقاعد امامية فى اجهزة الامن والشرطة وفى التنظيم السياسى الاوحد : الاتحاد الاشتراكى .
لم يعجب الامر بالضرورة الضباط المنتمين للحزب ومجموعات يسارية أخرى ، فكانت محاولة الانقلاب الناجحة عسكريا والفاشلة سياسيا التى قادها الشهيد هاشم العطا ، بتائجها الكارثية على الحزب واليسار بشكل عام ، مما هيأ الارض للتطورات السياسية اللاحقة ، التى أدت فى نهاية الامر الى مجئ الكارثة الانقاذية .
وهكذا نرى ان الديموقراطية مبدأ متكامل الاطراف ، لايصلح تنفيذه جزئيا حتى فى بلداننا التى تنقصها الكثير من العوامل المساعدة على انجازه بطريقة يتكامل فيها التطور الاقتصادى والتنمية بمعناها الشامل مع مبادئها السياسية الاساسية . فما هى هذه المبادئ ؟ وهل تصلح بكل مافيها للتطبيق فى مجتماعتنا المتخلفة ؟ سنحاول الاجابة اعتمادا على تجاربنا السابقة وتوقعاتنا المستقبلية .
تقوم الديموقراطية على اساس فصل السلطات الثلاثة الرئيسة : السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية . هذا الفصل يهدف الى استقلال هذه السلطات عن بعضها بحيث تتمكن من مراقبة بعضها البعض بصورة تؤدى الى فعالية الاداء العام للدولة من غير تغول او سيطرة لسلطة على الاخرى . وتكون النتيجة بالضرورة هى بسط العدالة فى كل شئون المجتمع من غير فساد أو افساد . ولكى يحدث هذه الفصل بصورة حقيقية ، فلابد ? بالاضافة الى وجود البنود والاحكام الدستورية التى تحدد حدود كل سلطة ومناطق تلاقيها او مفارقتها مع السلطات الاخرى ? ان يكون استقلالها المالى كاملا ، حتى لا يصبح اعتمادها المالى على السلطة التنفيذىة مثلا ، سببا فى اذعانها ، كما نرى فى المجتمعات غير الديموقراطية ، أو الممعنة فى الدكتاتورية والفساد كماهو الحال عندنا ( هل سمعتم طوال عمر الانقاذ بقضية صدر فيها حكم ادانة فى امر فساد ؟!). كذلك من مبادئ الديموقراطية الاساسية بسط الحريات بكل انواعها : حرية التنظيم والاجتماع والكلام والكتابة ..الخ الا ان تكون هذه الحريات متعارضة مع مبادئ عامة يتفق عليها المجتمع المعين او انها تحد من حرية آخرين . وحتى فى هذه الحالة فلا يقرر حجب الحرية عن أى شخص أو مجموعة الا بطريقة قانونية . هذه المبادئ وغيرها أصبحت مستقرة فى بعض المجتمعات الديموقراطية لدرجة ان بعض هذه المجتمعات لم يعد يحتاج حتى لكتابتها . ولكن هل تصلح هذه المبادئ الديموقراطية للتنفيذ فى مجتماتنا بقضها وقضيضها دون تغيير او تبديل . بل هل مازالت هذه المبادئ تطبق حتى فى المجتمعات العريقة كما بدأت أول مرة ؟! هذه ماسنحاول الاجابة عليه فى المرة القادمة.

تعليق واحد

  1. ِشكرا عيدالمنعم استفتحت صباحي يمقالك الجمين كقهوة الصباح أعجبني قولك وأن الديمقراطية التي نريدها هذه المرة مبرأة من أخطاء الماضي يكون فيها القانون ملزما للسلطة التنفيذية وتعود بنا الذاكرة الى 1965 حين تم وأد الديمقراطية عيانا بيانا وما نعانيه اليوم من طغيان واستبداد وتنكيل ما هو الا نتيجة حتمية لتلك الجريمة وما زال بعض مرتكبيها على قيد الحياة لا بد أن نستفيد من دروس ما بعد أكتوبر وما حدث بعد ابريل ليس ببعيد واليوم نحيي وحدة شيبنا وشبابنا معا في طريق النصر

  2. ِشكرا عيدالمنعم استفتحت صباحي يمقالك الجمين كقهوة الصباح أعجبني قولك وأن الديمقراطية التي نريدها هذه المرة مبرأة من أخطاء الماضي يكون فيها القانون ملزما للسلطة التنفيذية وتعود بنا الذاكرة الى 1965 حين تم وأد الديمقراطية عيانا بيانا وما نعانيه اليوم من طغيان واستبداد وتنكيل ما هو الا نتيجة حتمية لتلك الجريمة وما زال بعض مرتكبيها على قيد الحياة لا بد أن نستفيد من دروس ما بعد أكتوبر وما حدث بعد ابريل ليس ببعيد واليوم نحيي وحدة شيبنا وشبابنا معا في طريق النصر

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..