تجمع المهنيين .. الوعد وخميرة الأمل

بقلم:
الاستاذة: ناهد حسين ابو الحسن
الاستاذة: الهام عبدالخالق بكري
هذا المقال نتاج نقاش أصدقاء قدامى وجدد. شارك فيه ما لا يقل عن 45 شخص بطريقة او أخرى. بعضهم جزء من الحراك الشعبي منذ 2013 وقبلها وبعضهم جزء أساسي في الحراك الذي بدا في ديسمبر 2018. فيه افكارنا الخاصة نحن الاثنين، ناهد حسين أبو الحسن والهام عبد الخالق بكري، وفيه تحيزاتنا ، لا ننكر ذلك، وفي نفس الوقت عبرنا بأمانة عن آراء كثيرة استكشفناها. نطرح وبكل أمانة نظرة واحدة لمستقبل البلد كما نراه، رغم اختلافنا في التفاصيل. ناهد حسين أبو الحسن و الهام عبد الخالق بكري
تجمع المهنيين .. الوعد وخميرة الأمل
أمام شعب السودان فرصة تاريخية يجب الا تبدد.
وامام تجمع المهنيين عبء تأريخي ينبغي ان يتحمله.
منحت الجماهير السودانية ثقة مطلقة لتجمع المهنيين منذ اليوم الأول لثورة ديسمبر واستجابت لموجهاته التاكتيكية وقراراته الحاسمة في لحظات الصراع المميت مع الدكتاتورية، وبالمقابل قدم تجمع المهنيين قيادة شجاعة وجاسرة ذات رؤية ثاقبة، لم تتردد في اللحظات الحاسمة. أقترب تجمع المهنيين من افئدة الجماهير وادركت الاحزاب السياسية ذلك فوقّعت تحالفات المعارضة المختلفة على الميثاق الذي بادر به لتظهر الى الوجود الان قوي الحرية والتغيير، الشريك المدني في الحكومة الانتقالية.
لا توجد في تاريخ السودان مؤسسة سودانية حظيت بالهيبة والاحترام الذي يحظى به تجمع المهنيين الان عدا مؤتمر الخرجيين في أول عهده الذهبي القصير الذي امتد من ديسمبر 1938 الى ابريل 1942 قبل ان تقضى الاحزاب السياسية على مؤتمر الخريجين تحت اسنة صراع الرؤي وصراع المصالح والمطامح الشخصية بعد انتخابات هيئات المؤتمر عام 1943. وليس في هذا لوم للاباء فالتحديات التي واجهوها تختلف عن زمننا والتجربة الوطنية كانت آنذاك يافعة، وانما في ذلك استعادة واستلهاما لعصر ذهبي منح فيه شعبناء ثقته المطلقة لمؤسسة ظن ان بين يديها مفاتيح المستقبل.
لا نقارن تجمع المهنيين بجبهة الهيئات التى انبثقت مع ثورة أكتوبر 1964 ولن نقارنه بالتجمع النقابي في 1985 لاسباب سنوضحها لاحقا بل نقارنه بمؤتمر الخريجين . السبب الرئيسي في عقد هذه المقارنة يكمن في الفرق الشاسع بين مفهومي النفوذ والسلطة (Influence and Power ) . تجمع المهنيين الان يملك النفوذ ولا شيء له من السلطة. النفوذ هو القدرة على التأثير والإلهام وتفجير طاقات الابداع والانقياد في الاساس للذات ودوافعها الخاصة (Agency) قبل الانقياد لموجهات القيادة. بينما السلطة، وإن كانت منتخبة، تحكم بقوة القانون والزام الدستور. السلطة تزول بدورة انتخابات قادمة او انهيار او انقلاب أو ثورة. النفوذ يبقى. بل اخطر من ذلك، تنبثق من النفوذ الاخلاقي الدساتير وتبني عليه السلطة راسخة مرضية ومرتضاة اذا ما اتيح لهذا النفوذ ان يتحول الى إجماع مجتمعي (Societal Consensus) ، وهذا يتطلب قيادة اخلاقية في الاساس ارتضت عبء ثقيل أكبر من الافراد وحيواتهم وعلمت انه ينتظرها عمل شاق يتضمن بناء المؤسسات بل المساهمة الخلاقة في رفد الثقافة الوطنية بقيم حيوية ولازمة لتكوين امة في طور التشكل.
لحسن الحظ لن نبدأ من العدم، فتجربة الأباء بخيرها وشرها تركت ما يلهم. فتجربة مؤتمر الخريجين في سنواته الذهبية، قبل انقسام المؤتمر على اثر انتخاباته عام 1943، كانت خميرة أمل ووعد لبنات وابناء السودان ببناء الأمة الديمقراطية الحديثة. ونسبة لوعد التقدم والانعتاق من اسار الاستعمار والتخلف فقد شرع الخرجين في بناء ما عجز الاستعمار عنه في شأن حياة الناس. انقطعت خميرة الأمل الى يومنا هذا من البيت الوطني بفعل انقسام المؤتمر في انتخاباته عام 1943 على اساس حزبي . دعنا نتأمل تلك الفترة الذهبية للمؤتمر 1938-1942. كانت تلك الفترة فترة التكوين والمشاريع التى جمعت ووحّدت جميع الخريجين – اسلاف المهنيين الحاليين – باختلاف توجهاتهم الفكرية. شهدت تلك الفترة إكمال بناء المدارس غير المكتملة التي عجز القائمين عليها عن إكمالها وشهدت بناء المدارس الاهلية واعانة الطلاب غير القادرين وتدريب المدرسات والمدرسين. العبرة هنا ليست بالبرنامج وانما العبرة هنا في الوحدة التي انتظمت الخريجين وقدرتهم المشهودة آنذاك على استنهاض بقية اقسام مجتمع في غاية الفقر من غير الخريجين والتفافهم حول تلك المؤسسة الوليدة. العبرة في ارادة المجتمع التي تفجرت والنفوذ الاخلاقي الشاسع الذي حظي به المؤتمر آنذاك. العبرة في الأمل الوطني العام الذي استجاب لوعد ناشئة مجتمعه المتعلمة.
تجمع المهنيين يملك الفرصة لبعث تلك الروح الغائرة في الحمض النووي لشعبنا وليست تلك الاصوات التي صدحت في احلك لحظات الثورة، لحظات التردد وعدم اليقين والخوف أبان مجريات الثورة الدامية أن “تجمع المهنيين يمثلني” الا هي تعبير عن هذا الأمل والاحتمال (Potential). اسرت هذه المؤسسة الطالعة قلوب السودانيين ليس فقط لجسارتها والقدرة الحاسمة لاتخاذ قرارات صارمة في لحظات قاتمة وانما لخلق واخلاق قادة عرف الشعب بفطرته السليمة انهم قادة من نوع جديد. اشياء تبدو صغيرة حببت هذا الشعب في التجمع. التواضع الجم والأدب في الخطاب مع الشعب والثقة به في بيانات تجمع المهنيين، ربما كانت واحدة منها. تلك البيانات التي أشعرت كل شابة وشاب انها موجهة اليه شخصيا. القدرة على الاعتذار وطلب الصفح من هذا الشعب ، ربما كانت واحدة منها. فقد صدر مرارا من تجمع المهنيين تصحيح للخطأ واعتذار وهذا أمر مشهود له حتي الان وغير معهود في سوح العمل العام في السودان. يحضرنا هنا اعتذار التجمع الرقيق عن لغة خطاب جاءت ذكورية وأغضبت النساء الناشطات. هذه المبدئية والخلق الكريم في سوح العمل العام تؤهله لميراث الأمة والمراكمة عليه وهي ما ميز الخريجين في عهدهم الأول حين كان الأمل معقود عليهم.
اتخذ تجمع المهنيين خطوات عملية تؤهله ليحتل هذه المكانة التي فقدها المثقفون منذ 80 عاما، وقد تكون هذه الخطوات طابع لمؤسسيته وممارسته القادمة للعمل العام النقابي والسياسي والمجتمعي:
1- التجمع هو من قام بتوحيد اجنحة المعارضة الحزبية بطرح ميثاق الحرية والتغيير واقناعها بالتوقيع عليه.
2- اعلن عدم المشاركة في مجلس السيادة او الحكومة الانتقالية مع احتفاظه بحقه في المشاركة في السلطة التشريعية.
3- حافظ على وحدته واستقلاليته وحافظ على مسافة بينه وبين الاحزاب السياسية وبينه وبين السلطة الانتقالية.
هذا يقودنا الى الحديث عن مهمة تجمع المهنيين. ماهي هذه المهمة؟ عندما أعلن تجمع المهنيين عدم المشاركة في الحكومة الانتقالية قال في بيانه: “ونحن لها، بما حملته لنا جموع الشعب السوداني من مسؤوليات جسيمة، وبرنا بالوعد والعهد يستوجب تمام الاستقلال عن اية تأثيرات قد تلحق بالدور المناط بنا كعضد للشعب ومسند لبنات وابناء الوطن الشرفاء.” هذه الرؤية العميقة – وأن جاءت في لغة البيانات لشعب لا يزال في خضم صراع ثوري- تشف عن فهم وتفهم لجسامة العبء التاريخي الذي القي على عاتق تجمع المهنيين وأن التجمع قد تحمل هذه المهمة زاهدا في سلطة انتقالية مفضلا الدور المناط به كعضد وسند للشعب السوداني. هذا المهمة هي ولا ريب مهمة توطين الديمقراطية – ليس فقط الحفاظ عليها – مهمة المساهمة في خلق وتخليق وترسيخ ثقافة وطنية تكون الديمقراطية والحقوق لحمتها وسداها. هذه المهمة باختصار هي العمل على خلق الاجماع المجتمعي لابناء السودان بأنه لا سبيل لنا كأمة في طور التشكل غير الديمقراطية سبيلا . نشر الوعي التأريخي بين جموع ابناء هذا الشعب هو أن الديمقراطية لازمة كالماء والهواء. أن مهمة تجمع المهنيين هي انجاز مهمة فشل فيها حتي الان مثقفي هذا البلد بل نفض نفر منهم اياديه منها.
السبيل الى ذلك يقتضي اتباع خمس مباديء اساسية ترتبط ببعضها ارتباطا وثيقاً:
اولا: الحفاظ على استقلال التجمع وفي نفس الوقت مقرطته الكلية كمؤسسة تطلق مبادرات اعضائه من اجسام نقابية ومدنية لا تكبلها، ففاقد الشيء لا يعطيه، فلنجعل ديمقراطية التجمع انموذجا للحلم الأكبر. نعلم انه قد قام بتكوين التجمع مهنيين من شتى المشارب. بعضهم ينتمي الى احزاب سياسية وهم ملتزمين باحزابهم، وبعضهم لا ينتمي لاحزاب سياسية، وبعضهم ينتمي لاحزاب سياسية ليس لها قول في خيارات اعضاءها ولا تحاول حتي مجرد التأثير عليهم، اما لعدم قدرتها أو لتمرد. في نهاية الأمر تكونت ثقافة محلية تخص هذا التجمع في العمل العام وترتبط بهوية المهنيين (Institutional cultural identity). هذه الثقافة/الهوية عبرت هويات مختلفة وتوحدت في خلق هوية جديدة. وهذه الهوية الجديدة صانت التجمع حتي الان من نفوذ الأحزاب ومواقفها فصان وحدته واستقلاليته. هذه الثقافة ينبغي أن تترسخ وتتجذر اكثر خاصة أن استعادة استقلالية النقابات والاتحادات مقبلة وانتتخاباتها قادمة. تلك الانتخابات لن تنجو بحال من تكتلات الاحزاب ومحاولتها للكسب المشروع في العمل النقابي. الثقافة المحلية والهوية الدامغة للتجمع هي التي ستحافظ على استقلاليته وينبغي ان تتجسد في مواثيقه ولوائحه وتوزان هيئاته بحيث ترسخ مباديء القيادة الجماعية والحد من سلطات الافراد والهيئات (Checks and balances). الاستعداد لهذه المرحلة القادمة في صون هوية التجمع لا سبيل له الا مزيد من الديمقراطية في تكوينه وتركيبه واداءه. ليس في هذا القول اي عداء للاحزاب واعضائها فليأتي العضو الملتزم بحمولة حزبه الاخلاقية وقيمه ومبادئه ليغني تجربة التجمع ببعض ما اعتنقه هذا الشعب، فقط على هذا العضو الحزبي الملتزم ان يضع اجندة حزبه جانبا قبل الدخول الى باب التجمع وعليه ان يلتزم بثقافة التجمع وهويته، فللتجمع اجندته التي تحكمها مواثيقه وتعهداته. الأمر ببساطة كما يحدث الان في الديمقراطيات الراسخة يمكن لمسلم أن يحتل منصب عمدة لندن او سفير المملكة المتحدة في السودان أو يمكن لمسيحي كاثوليكي ان يحتل موقع رئيس الولايات المتحدة ويمكن لقييمهم الدينية السامية أن تنير قلوبهم واستقامتهم في ممارسة العمل العام ولكن ليس هنالك مجال لتطيبق اجندة كاثولوكية او اسلامية في مؤسسات بلدية او في الرئاسة او وزارة الخاريجية. بأختصار ندعو لفصل الاحزاب عن تجمع المهنيين وصونه من اجنداتها حتي لا نقع مجددا في تجربة مؤتمر الخريجين الذي انفض الولاء له وضاع وعده حين تقاسمت نفوذه الاحزاب. أمام تجمع المهنيين تراث المؤسسات الديمقراطية وانظمتها الداخلية ليمتح منها ويصلح من شأنه و يمارس الديمقراطية في نفسه وفي نهاية الأمر هو رافع لراية الديمقراطية وتجسيد مصغر لصورة الوطن لذلك هفت اليه افئدة الجماهير.
ثانيا: الاقتراب الواثق من الجماهير يلحظ للتجمع، فللتجمع رغم يفاعته رصيده المحترم من ثقة الجماهير. ولا يكون ذلك الا بالتأثير اليومي في حياة الناس ابتداء من حملات النظافة التي مثلت نموذجا لاقترابه من الناس وانتهاء بتقديم السياسات البديلة في حقول الاقتصاد والتخطيط والمالية والصحة والتعليم والزراعة والمواصلات والادارة والاحصاء وغيرها. ليس المقصود هنا التغول على الجهاز التنفيذي والتشريعي فالتجمع زاهد في السلطة وانما لخلق رأي عام مستنير ومستبصر بالحلول فالحوكمة (Governance ) ليست ضربا من التنجيم وسوء او حسن الحظ. ولما لا وقد ضم التجمع في صفوفه أذكي العقول من ابناء وبنات الشعب وقد شقي هذا الشعب في تعليمهم؟ ولما لا واي حزب سياسي او منظمة مجتمع مدني له برامج يبشر بها؟ ينبغي ان يشعر الناس بالتجمع في حياتهم اليومية ولمهنيين التجمع منذ أن كانوا طلاب علم الخبرة في تسيير القوافل الصحية والتعليمية وغيرها. الراهن الاقتصادي والاجتماعي يتطلب مبادرات كبري مثل تلك التي قادها الاباء في العصر الذهبي لمؤتمر الخريجين وهذا الذي رسخ نفوذهم آنذاك قبل تذهب ريحه.
هذا يقودني الى نقد سياسة انتهجها التجمع اثناء الثورة في تعامله مع المال. ابدت رموز التجمع تعفف وتطهرية تصل الى حد العصاب في رفضهم التورط في استلام تبرعات المغتربين للثورة حيث استحال تحويل اية مبالغ مالية لتصل الى التجمع. إن كان ذلك مفهوما في ذلك العهد الظلامي فلا يوجد له مبرر الان. ولا توجد حتي الان – على حد علمي- قنوات معروفة لمد التجمع بتبرعات المغتربين الذين تري قطاعات كبيرة منهم ان التجمع هو الجهة الوحيدة التي تمثلهم. هنالك ألاف الطرق لتحقيق الشفافية في التعامل مع المال ولحسن الحظ يتوفر الان للتجمع من الكادر المالي من محاسبين ومراجعين وصيارفة وقانونيين ما يكف ويزيد. وعلى كل هذا أمر متروك لهيئات التجمع لتبت فيه. ولكن نقول بكل وضوح لا سبيل الى التحول الى قوة جماهيرية كبري واجتراح مبادرات كبري دون المال. لا سبيل للحفاظ على قيادة هذا الشعب دون الالتصاق به في مشاريع يومية تخفف من معاناته وتفتح الطريق امامه. الاكتفاء بدور السياسي الحصيف الشريف لا يكف هنا. حين التفت جماهير الشعب حول مؤتمر الخرجين في عصره الذهبي لم يكن ذلك لانها رأت النجابة والذكاء في طليعة ابنائهم المتعلمين بل لانها كانت تراهم بالليل في الجمعيات الادبية والنقاشات الفلسفية وفي الصباح كانت تراهم مشمري السواعد يجمعون جلود الاضحية وولائم الاعراس في سبيل بناء مدرسة. وللتجمع الرصيد الاخلاقي والسند الشعبي الذي يؤهله ليبعث تلك التقاليد في العمل العام. مرة آخرى، ومع تأكيدنا على مسؤوليات الدولة، إلا ان انتظار الدولة في ظل الراهن الاقتصادي لتخفيف معاناة الناس لا يجدي والا لم تكن هنالك ضرورة للعمل المدني العام الذي ينتظم كل دول العالم بما فيها الدولة المتقدمة اقتصاديا.
ثالثاً: العناية بالثقافة الديمقراطية ونشرها من خلال العمل العام: اهم عنصر في تلك الثقافة هو المقدرة على التفاعل المدني (Civic engagement) وتعريف التفاعل المدني هو مقدرة مجموعة من الناس على انجاز عمل عام سويا يعود بفائدة مادية او معنوية لمجتمع ما رغم اختلاف هؤلاء الناس في العقيدة او الانتماء الاثني او اللون السياسي . لقد حقق تجمع المهنيين التفاعل المدني في قصة تكوينه التي شارك فيها مهنيين من مختلف الانتماءات السياسية. هذه الثقافة يجب ان تنتشر وتنداح من خلال تشجيع المبادرات المدنية في كل مكان. لجان المقاومة في الاحياء والمدن هي تجسيد حقيقي للفعل المدني والتفاعل المدني في أقصى تجلياته. تربط تجمع المهنيين ولجان المقاومة ألف وشيجة ويصدران من نفس المنبع. ورغم الريادة التي قلنا بها حول تجمع المهنيين ودوره، إلا ان على تجمع المهنيين أن يصغي بانتباه واحترام لهذه اللجان دون أن يتسيد عليها او يدعي قيادتها. هذه اللجان عبارة عن رافد جديد لتكوين هذه الثقافة الوطنية الديمقراطية التي يتبناها تجمع المهنيين وكلما تعددت منابر ومنصات هذه الثقافة كلما كان ذلك في مصلحة تجمع المهنيين نفسه لانها تصب نحو هدفه السامي النهائي ألا وهو توطين الديمقراطية في تقاليد العمل السياسي والمدني في السودان. لا خير في تجمع المهنيين ولا مستقبل له ان لم يتلمس ويجلس ويصغي بانتباه ويستجيب ويتفاعل ويقبل ويرفض ، ويوضح وجهة نظره، ويختلف أو يتفق مع لجان المقاومة ، وفي النهاية لا يصح غير الصحيح خلال الحوار الديمقراطي. هذه التجربة في الديمقراطية والفعل المدني يجب ألا بعد أن بلغت امتنا الحلم عدة مرات وأجهضت احلامها. بناء الجسر بين مهنيين/خريجين بلادنا وشعبهم كانت الحلقة المفقودة في بناء الديمقراطية في وطننا. وفي الحقيقة هذه مشكلة عتيدة واجهت ولاتزال تواجه كل الديمقراطيات في كل العالم. كيفية تجسير سياسات الدولة بين خبرات الذين ذهبوا الى المدرسة وأكملوا التأهيل في رسم السياسات كدكاترة في علومهم المختلفة وأولئك الذين واجهوا واجوهوا الحياة كمزراعين وعمال وتجار واسطوات وحرفيين واختزنوا خبرات لا غني عنها. فاذا كان القلم يزيل البلم فأن الشعب يعرف موضع الألم.
رابعا: العناية القصوى بصغار المهنيين حديثي التخرج والذين على وشك التخرج من الجامعات والمعاهد العليا وعلى وجه الخصوص في التدريب والتخديم دون تمييزواعلاء لقيمة ضد-التمكين في القطاع الخاص والعام وعدالة الفرص. كانت هنالك ندوة ابان الاعتصام حدث فيها عصف ذهني رائع اشترك فيه اباء مهنيين وابناء واخوة صغار السن من المهنيين حول هذه المشكلة. تناول الأمر بصورة اكثر جدية وعلمية من قبل المتخصصين وشبكات المهنيين الممتدة في الداخل والخارج والوزراء والمدراء العامين من الحلفاء في الحرية والتغيير واجتراح المبادرات بالحتم سيخخف من وطأة البطالة ويفتح افاق لتضمين ذلك في سياسات الدولة. العمل على عدالة الفرص بين المهنيين الجدد يضيف للرصيد الاخلاقي للتجمع.
خامسا: الوقوف بصرامة ضد الفساد الاقتصادي والاداري واستغلال السلطة في الماضي والحاضر والمستقبل. هذا من طبيعة الاشياء، ولكن الخطوات العملية فيه تتضمن التشجيع والتعاون مع الجمعيات الوطنية التي تعمل ضد الفساد ومدها بخبرة المهنيين في مجالاتهم المختلفة من قانونيين ومحامين وموظفي بنوك وغيرهم. اضف الى ذلك مد الجسور مع المنظمات العالمية المكرسة لمحاربة الفساد. وكذلك التعاون مع الحلفاء في السلطات التشريعية والتنفيذية ضد الفساد باصدار القوانيين الرادعة و تشجيع الصحافيين الاستقصائيين وتسهيل مهمتهم.
هل في هذا تخطي للطبيعة المطلبية لتجمع نقابي؟ نعم. ولكن هذا قدر المؤسسة التي استدعى الواقع تكوينها وفرض عليها عبء القيادة. هل في ذلك تخطي لتقاليد تقسيم العمل في حقل العمل المدني وحقل العمل السياسي؟ لا، فلقد ولدت المؤسسات السودانية بتلك الطبيعة المزدوجة ومنذ ميلاد مؤتمر الخريجيين وبزوغ النقابات العمالية والمهنية واتحادات الطلاب، بل انشأت بعض تلك المؤسسات الجمعيات التعاونية والدكاكين لتخفيف المعاناة اليومية لجماهيرها.
وفي خلاصة القول نقول ان تجمع المهنيين وإلتحامه بمبادرات الشعب السوداني في الاحياء والمدن انما يحيي أمل كبير وقديم للشعب السوداني مثلما فعل مؤتمر الخريجين في عصره الذهبي. امام الشعب السوداني فرصة تاريخية يجب الا تبدد وامام تجمع المهنيين عبء تاريخي ينبغي ان يتحمله.
الكلام بان تجمع المهنيين يمتلك النفوذ ولكن ليس السلطة !!!هذا الكلام غير صحيح ويكذبه الواقع ؟؟؟ وما مشاركة مدني عباس مدني وزير العدل نصر الدين والناىب العام ووزير المالية ووزيرة الخارجية ووزير الاعلام ووكيل وزارة الاعلام ( رشيد سعيد ) وغيره في السلطة والجهاز التنفيذي بقوة الا دليل على صدق ما نقوله وعدم صحة ما ذكرته الكاتبتين
دا كان زمان، ايام الثورة. ،انكشفو لمن دخلو السلطة ومارسو الاقصاء والمحسوببة وربما الفساد حتي والملفات علي قفا من يشيل من اليعين حبيبتو وتعين حبيبا واخر صور الفساد ماركة الكيزان بالزبط شركة الفاخر والدهب، ما تخدعو الشعب السوداني ما في سياسي نافع وصادق في البلد دي. ،الا نستورد من بريطانيا او نطالب بي رجوع الاستعمار