إلى متى علينا تجريب المجرب والاعتماد على الخارج لرسم مستقبل بلادنا؟

د. أحمد بابكر
قرأت تصريحاً للأستاذ فتحي الفضل، الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي السوداني، يتحدث فيه عن مخاطر إدارة العمل المعارض من الخارج، وذكر ضمن حججه نقل مركز المعارضة للإنقاذ والتي كان يقودها التجمع الوطني الديمقراطي من الداخل للخارج وتحديداً القاهرة، وسيكون تصريح استاذ الفضل مدخلاً لما أريد مناقشته في هذا المقال عن أكبر خطأ استراتيجي تكرره بعض القوى السياسية السودانية في العمل المعارض، وهو الاعتماد الكامل على العامل الخارجي في الوصول لأهدافها، رغم فشل هذا الرهان، وما أشبه الليلة البارحة.
في هذا المقال أنطلق من الحرص الشديد على سلامة العمل المعارض، عبر عملية نقدية لما أراه سلوك سياسي أضر بالعمل الثوري والمعارض ضرراً كبيراُ، ونتيجة لغياب عملية التقييم وإعادة قراءة التجارب، تقع بعض القوى السياسية في فخ تكرار الأخطاء بالكربون، وكأن التاريخ يعيد نفسه في مهزلة ربما لا تحدث إلا في السودان.
في البداية أريد التأكيد على بعض الحقائق:
▪️ إن هذا المقال محاولة لتصويب العمل المعارض وليس هدمه.
▪️ إن أي عمل معارض يجب أن يكون مركز إدارته في الداخل بين المواطنين، وتكون غايته ووسيلته هي الجماهير.
▪️ الاستفادة من الخارج للدعم والاسناد وليس كمركز انطلاق للعمل المعارض.
▪️ أعلم اننا لسنا في جزيرة معزولة، فهناك تقاطع مصالح دولية واقليمية مع بلادنا تجعل من المهم التعامل مع الخارج، ولكن يجب أن يكون هذا التعامل ضمن الأجندة الوطنية وليس ان نتحول إلى أحد آليات المشاريع الأجنبية والخارجية، وهذا لن يحدث إلا إذا كان مركز عملنا السياسي في الداخل بين الجماهير ليكتسب شرعيته بالتفافها حولك.
▪️ إن الاعتماد على الخارج يكون متأثرا بخيارات واستراتيحيات الممولين والمسهلين.
▪️ إن ارتكاز العمل المعارض في الخارج يفرغ الداخل من كوادر العمل الثوري، كما حدث أيام التجمع الوطني الديمقراطي في القاهرة واسمرا، إذ خرجت أغلب كوادر الأحزاب من البلاد وأصبح همها الوصول لأمريكا وأوروبا وأستراليا، مما أفرغ الساحة من الكوادر المجربة والتي لم ترجع للسودان حتى بعد الثورة، إلا البعض منهم لشغل منصب معين، وعندما حدث الانقلاب رجعوا للبلاد التي كانوا فيها، وفي ذات الوقت هذا التواجد في الخارج يعطي ذريعة للسلطة الاستبدادية بتشويه العمل المعارض، بأنهم مجرد عملاء مما يساهم في اطالة عمر الديكتاتوريات كما حدث للانقاذ والتي استفادت من نقل مركز المعارضة للخارج (القاهرة) واستطاعت تحييد الجماهير من التفاعل مع المعارضة بحجة ان هؤلاء عملاء.
▪️ العمل المعارض في الخارج ينتهي به الأمر، بأن تديره استخبارات الدول التي ينطلق منها، والتي كانت نتيجته في فترة التجمع الوطني الديمقراطي ان تم تسليم المعارضة لنظام الإنقاذ لكي تكون شريكة له وليس كرافد لدعم معارضة الداخل.
▪️ ارتكاز العمل المعارض في الخارج يعمل على بروز جيل منقطع عن القوى السياسية بل وعن التراكم النضالي والمعرفي، حيث كان واضحاً في ثورة ديسمبر المجيدة إن كثيراً من الشباب يعتقد أن النضال ضد الإنقاذ قد بدأ في سبتمبر 2018م وله كامل الحق، فهو لم ير أو يسمع إلا باجتماعات المعارضة في باريس واديس وبرلين وغيرها، وكأن هذه المعارضة تناضل لتحرير الشعب الأوروبي من سطوة الرأسمالية.
ولذلك كانت هناك نظرة الشك تجاه القوى السياسية، خاصة إن إعلام الإنقاذ ركز بأن هؤلاء مجرد عملاء ولا علاقة لهم بالوطن، بل أن الإنقاذ وفي إحدى تجلياتها في عدم الحياء، قد أسندت كل الأزمة التي تسببت فيها للأحزاب والقوى المدنية، ولذلك كان من العادي أن تسمع أحد المواطنين وهو ليس من أعوان الإنقاذ يقول أن الأزمة الوطنية هي من الأحزاب.
▪️ العمل المعارض في الخارج لم تخضعه القوى السياسية التي مارسته للنقد والتشريح والتقييم وهذا ما يفسر لنا تكرار ذات الممارسة.
هذه حقائق يجب ادراكها أولا ً
كنت أتوقع من الأستاذ فتحي فضل ان ينتقد تجربتهم في نقل مركز المعارضة للخارج أيام التجمع الوطني الديمقراطي، في عام 1990م حيث كان الحزب الشيوعي أحد القوى السياسية المكونة للتجمع الوطني الديموقراطي، وأحد الفاعلين بشدة في الخارج وأغلب كوادره خرجت للقاهرة واسمرا ومنها لأوروبا وأمريكا، وهذه المسوغات التي ذكرها استاذ فتحي الفضل في نقده لنقل العمل المعارض للخارج، هي ذات المسوغات التي أدت لخروجنا نحن في حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل من التجمع الديمقراطي بالإضافة لعسكرة العمل المعارض بعد التحاق الحركة الشعبية بقيادة الراحل جون قرنق، حيث انتقل العمل المعارض من النضال السلمي المدني للنضال العسكري، وكلنا نتذكر ان كل حزب كون جناح مسلح، جيش الأمة قوات مجد، وغيرها، والذي كان مركزه اسمرا والذي كانت تديره المخابرات الأرترية في ذلك الوقت، وهو ما رفضناه وكان سبباً في خروجنا من التجمع الديمقراطي، وارتكز عملنا المعارض في الداخل مع شعبنا، وفي ذلك الوقت تم اتهامنا بأننا ضد العمل المعارض لأن من ترعاه هي أمريكا، ونحن لدينا موقف من أمريكا يرتبط بما يحدث في العراق وووالخ، مع أننا وما زلنا نعتقد ان مركز العمل السياسي يجب ان يكون في الداخل تحت أي ظروف ما دام هناك مواطنون داخل البلاد، فنحن كقوى سياسية يجب ان نمارس عملنا المعارض من الداخل بين هذه الجماهير.
الآن بعض القوى السياسية وتحديداً مركزي الحرية قد خرج بكامله يبحث عن حل للأزمة السودانية في الخارج، مما يجعله تحت رحمة تقاطعات استراتيجيات الدول الإقليمية والدولية، وأيضاً سيستغله دعاة الحرب والفلول بأن هذه القيادات مرتهنة للخارج وبأنها تخلت عن الشعب السوداني في أحلك ظروفه في الوقت الذي كان عليها أن تشاركه المعاناة والظروف الصعبة.
خاتمة:
▪️ هل ستأتي هذه القيادات بعد ان تقف الحرب عبر الضغوط السعودية الأمريكية للداخل مع طلائع القوات التي ستراقب مسألة وقف اطلاق النار؟
أليس كان من الأوفق أن يتم نقل مركز العمل السياسي من الخرطوم العاصمة لإحدى المدن السودانية في مدني أو كوستي أو حتى بورتسودان أو عطبرة، حتى تستطيع معه قيادات القوى السياسية الالتقاء بالجماهير والإشراف على معسكرات النزوح ومشاركة الناس معاناتهم ورهقهم!
لماذا يصر البعض على تجريب المجرب الفاشل، وإعطاء مبررات وحجج لاعلام الفلول، أعداء الوطن والجماهير لمهاجمة القوى السياسية والقوى المدنية بل وحتى مفاهيم الديمقراطية والعدالة والسلام؟
▪️ هل يعتقد الاخوان في مركزية الحرية والتغيير بخروجهم (صرة في خيط) للخارج ان هذا في مصلحة البلاد وانه العامل الحاسم في إيقاف الحرب!
اما كان يمكنهم ان يكتفوا بوجود مكتب للاتصال الخارجي يديره البعض وأن يتفرغ الآخرون لاستنهاض الإرادة الشعبية لتكوين مركز موحد لمواجهة الحرب؟!
▪️ أما آن للأخوة في مركزي الحرية أن يراجعوا مسيرتهم، بل ويراجعوا مسيرة العمل المعارض، منذ الجبهة الوطنية في ليبيا، معارضة نظام نميري، مرورا بالتجمع الوطني الديمقراطي ايام الإنقاذ في (القاهرة.. اسمرا.. جيبوتي) ليعيدوا التفكير في استراتيجيتهم؟
▪️ نحن نطلق هذا النداء لأن الاستمرار في هذا النهج سيؤدي بأضرار بالغة تجاه الأحزاب والعمل المدني بشكل عام، رغم إننا نعمل في الداخل مع الجماهير، لكن بروباغندا الإعلام العالمي والاقليمي تعمل على تركيز أن العمل المعارض والسياسي تمثله القوى السياسية التي اتخذت من الخارج مركزا لها، لشئ في نفس يعقوب وليس لقدرات هذه القوى السياسية.
▪️ نداء لكل القوى الوطنية الموجودة في الداخل أن تعمل وبسرعة على تكوين مركز موحد لقوى الثورة في إحدى المدن السودانية تكون اهدافه:
1.العمل على معالجة اشكالات الذين نزحوا من الحرب صحياً ومعيشياً وكل ما يلزم.
2. استنهاض الارادة الشعبية وتوظيفها لايقاف الحرب وعزل طرفي الحرب من التمدد داخل المجتمع السوداني.
3. وضع تصور مشترك لإدارة البلاد لما بعد إيقاف الحرب.
4. وجود مثل هذا المركز يقلل من تدخل الخارج في رسم مستقبل البلاد السياسي والاقتصادي خاصة والجميع يتابع ان الدولة الفلانية تفضل فلان ليكون رئيساً للوزراء وان الجهة الأخرى ترى في أن فلان هو أفضل لمصالحها في السودان ودولة أخرى تريد ان يسيطر العسكر على السلطة لانه افضل لها.
اما آن لنا ان نتوحد في مركز واحد داخل البلاد حتى نحدد كيف يتم حكم هذه البلاد ومن يحكمها؟
لمتى علينا أن نختار رئيس وزراء يفضله الغرب أو المؤسسات الدولية الأخرى؟
[email protected]
دا كلام الشرفاء الصادقين تحية وتقدير
الآن الاوضاع خطرة،المعارضة ممثلة في قوي الحرية والتغيير،هي آخر ما تبقي! وجودها بالداخل يعرضها لمخاطر الاعتقالات والعصبية و هي مستهدفة من أطراف كثيرة..حتي لجان المقاومة والتي تمارس اعمالا انسانية تعرضت للمضايقات.
يدرك المواطن العادي..والذي يقيم في العاصمة،بان الموت اصبح امرا يسيرا…ويمكن لكل من يحمل سلاحا ان يشهره في وجهك..ويرديك قتيلا..الموت سمبلة! كما يقول العسكر