كينيا: الإخوة الأعداء‏

يوجد بكينيا حوالي الخمسين قبيلة مختلفة ، تعد قبيلة الكيكويو أكبرها بنسبة 22% من جملة ‏السكان. ورغم أن قبيلة اللويا تأتي في المركز الثاني من حيث عدد السكان بنسبة 12% إلا أن ‏التنافس بين عائلتي كينياتا من الكيكويو وأودينغا من اللوو التي تشكل 11% من مجمل السكان ظل ‏هو الأبرز على ساحة المسرح السياسي الكيني منذ استقلال البلاد في مطلع الستينات من القرن ‏الماضي. إذا ما تجاوزنا الستوات التي حكم خلالها الرئيسان أراب موي ومواي كيباكي فقد كانت ‏العائلتان ولا زالتا تمثلان قطب الرحى على الساحة السياسية في البلاد. عليه ، فقد ظل التنافس بين ‏العائلتين يمثل سمة من أهم سمات المسرح السياسي في كينيا. عليه ، لم يكن من المستغرب أن ‏يمثل التنافس بين الرئيس أوهورو كينياتا وزعيم المعارضة رائيلا أودينغا محور اهتمام الشعب الكيني ‏وصحافة البلاد ، فضلاً عن الحكومات والرأي العام في الاقليم خاصة وعلى المستوى الدولي بصفة ‏عامة. لا غرو إذن أن يجد التنافس بين الرجلين المتابعة والاهتمام في عدد من عواصم الدول ‏الكبرى وبصفة خاصة بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية اللتان تريان في كينيا حليفهما الأبرز في ‏المنطقة. ‏
ولعل مما أكسب التنافس بين كينياتا واودينغا الكثير من الإثارة وشيئاً من التوتر أنهما ينحدران ‏من صلب إثنين من قادة النضال الكيني ضد الاستعمار البريطاني وهو النضال الذي طبقت شهرته ‏الآفاق في نهاية الخمسينات ومطلع الستينات من القرن الماضي حتى غني له الشعراء والفنانون في ‏بلادنا. وكما توقع عدد من المراقبين فقد تميز التنافس بين الرجلين على منصب رئيس الجمهورية ‏بالكثير من الحدة وجرى تبادل الاتهامات منذ بداية الحملات الدعائية وحتى الإعلان عن فوز ‏الرئيس أوهورو كينياتا بالمنصب ، وهي النتيجة التي جاءت مصداقاً للمؤشرات واالدلائل التي رافقت ‏العملية الانتخابية عبر مراحلها المختلفة.‏
على ضوء التنافس الذي امتد لعدة سنوات بين الرجلين وعائلتيهما كان من الطبيعي أن يؤدي ‏اللقاء الذي جمع مؤخراً بينهما لارتفاع حواجب الدهشة ، وللكثير من ردود الأفعال المتباينة وشيئاَ ‏من التمنيات والترقب. وقد رفع من التوقعات بالطبع تعهد الزعيمين خلال لقاءهما بالسعي من أجل ‏تجاوز الخلافات التي صبغت علاقاتهما عبر عقود من الزمان ، وفتح صفحة جديدة من التعاون ‏بينهما بغرض تحقيق الأهداف العليا للشعب الكيني على حد قولهما، والمحافظة على النظام ‏الديمقراطي الذي يؤكد سلطة الشعب. يأتي هذا اللقاء كما هو معلوم بعد تطورات درامية تمثلت في ‏أداء رائيلا أودينغا القسم رئيساً مرادفاً للرئيس كينياتا الذي أعلنت لجنة الانتخابات عن فوزه بصورة ‏رسمية ، وقد حمل أودينغا صفة “الرئيس الشعبي” طعناً في حقيقة فوز كينياتا وتشكيكاً في نزاهة ‏اللجنة التي أشرفت على إجراء الانتخابات. كان من الطبيعي والحال كذلك أن تجد البلاد نفسها في ‏أزمة سياسية ودستورية فريدة ومستعصية ، مما أثار الكثير من القلق والتوتر اللذين انعكسا بوضوح ‏في ردود الأفعال الصادرة عن مختلف الجهات وعلى مختلف المستويات. ولعل ذلك يفسر حالة ‏الدهشة والترقب التي عقدت الكثير من الألسن بعد اللقاء المفاجئ الذي تم بين الرجلين في مكتب ‏رئيس الجمهورية. من ناحية أخرى ساهم اللقاء كذلك في إزاحة حمل ثقيل عن صدر الشعب الكيني ‏بصفة خاصة وعن صدور القوى الإقليمية والدولية التي كانت تتابع النزاع بين الطرفين والتطورات ‏المزعجة التي رافقته باهتمام وقلق شديدين.‏
كان من الطبيعي أن يقابل هذا التطور المهم ، والبادرة التي لم تشهد الساحة السياسية الكينية من ‏قبل مثيلاً لها ، بالكثير من الترحيب على المستويين الدولي والإقليمي. نقل عن وزير الخارجية ‏الأمريكي خلال زيارته لنيروبي الأسبوع قبل الماضي تصريحات إعلامية وصف فيها الاتفاق بين ‏الزعيمين الكينيين بأنه خطوة إيجابية للغاية ، مما يعكس بوضوح الموقف الأمريكي خاصة والغربي ‏بصورة عامة من هذا الاتفاق الذي من المؤكد أنه يجد التأييد الكامل من حلفاء كينيا الغربيين الذين ‏لا نشك في مشاركة بعضهم في الجهود التي بذلت من أجل الإصلاح بين الرجلين. ولعل منظمة ‏الإيغاد التي تعتير كينيا من أهم أعضائها كانت المبادرة بالترحيب بالاتفاق فقد جاء على لسان أمينها ‏العام ترحيبه الحار باللقاء بين الرئيس كينياتا ومنافسه رائيلا أودنغا ، وما نتج عن ذلك اللقاء من ‏اتفاق بين الرجلين. أشار الأمين العام للإيغاد أن الاتفاق الذي تم التوصل إليه يمكن أن يشكل ‏خارطة طريق لإقامة جسور التواصل بين مختلف مكونات الشعب الكيني مما سيمهد الطريق نحو ‏ميلاد دولة موحدة وقوية ومتماسكة وينسحب بالتالي بصورة إيجابية على منطقة القرن الافريقي ‏برمتها ويساهم في تحقيق السلام والتتمية في كل الإقليم.‏
غير أنه وبالرغم من التفاؤل الذي قوبل به لقاء الزعيمين الكينيين إلا أن العقبات التي تواجه ‏البلاد في طريقها نحو تحقيق الوحدة الوطنية الشاملة والتنمية المستدامة لا زالت تمثل عقبة كؤود في ‏وجه الحكومة الكينية وهو الأمر الذي قد يستمر لسنوات إن لم نقل لعقود في المستقبل. ولعل أول ‏ما يخطر بالبال في هذا الشأن هو إصرار الطرفين حتى الآن على الاحتفاظ ببنود الاتفاق الذي وقع ‏بينهما سرية وعدم الإعلان عنها على الملأ بالرغم من مطالبة العديد من كتاب الرأي بذلك. بل إن ‏البعض ذهبوا لأبعد من ذلك عندما طالبوا بطرح بنود الاتفاق على الملأ للتداول حولها والاتفاق ‏حول كيفية تنفيذها بما يصب قي مصلحة المواطن العادي ولا ينحصر على السياسيين فقط. ومما ‏لا شك فيه أن الجانبين سيضطران عاجلاً أو آجلاً للكشف عن هذه البنود أو تسريب جانب منها ‏لأجهزة الإعلام إن كانا يرغبان فعلاً في ضم المزيد من القوي السياسية والقبلية للاتفاق.‏
‏ بالرغم من هذه التطورات التي تدعو للتفاؤل بالنسبة لمستقبل البلاد ، إلا أن الحكومة الائتلافية وهي لا ‏تزال في مهدها تواجه الآن بأزمة في غاية التعقيد يرى بعض المراقبين أنها قد تقود لفض الإئتلاف جملة ‏وتفصيلاَ أو على الأقل وضع عقبات كبيرة في طريقه يستدعي تجاوزها الكثير من المرونة والمفاوضات ‏المعقدة بين مختلف الأطراف. تمثلت الأزمة الأخيرة في احتجاز المحامي ميغونا ميغونا الذي أشرف على ‏عملية أداء القسم بواسطة أودنغا رئيساً للبلاد وذلك عند هبوط ط الطائرة التي أقلته بمطار نيروبي بعد أن ‏رفض تسليم جواز سفره الكيني الذي حاوولت سلطات الجوازات الكينية مصادرته باعتبار أنه يحمل جواز ‏سفر كندي. منع المحامي ميغونا من دخول البلاد وتم وإبعاده لاحقاً إلى دبي التي غادر منها عائداَ إلى ‏كندا. مثلت الحادثة كما هو متوقع أزمة سياسية في البلاد ، وبالرغم من عودة الرجل إلى كندا كما أشرنا ‏أعلاه ، فإن تداعيات الحادثة لا زالت تتفاعل على مستوى الإعلام الكيني. ‏

محجوب الباشا
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..