الجنرال (قوش)..عودة في زمن الأزمات !!!

الخرطوم.. عبد الرؤوف طه
خواتيم الأسبوع الماضي ضربت (الصيحة) موعداً لإجراء حوار صحفي مع الفريق أول مهندس صلاح قوش بعد إعلان موافقته، ولكن بعض التقاطعات الاجتماعية أدت لتأجيل الحوار لمدة يوم آخر، بعدها اعتذر قوش عن المقابلة الصحفية بحجة أن قرارات رئاسية مهمة في الطريق وأن ظهوره إعلامياً في الوقت الراهن سيفسر بعدة طرق، ثم تم إرجاء الحوار إلى حين إشعار آخر، لم تمر سوى 72 ساعة عن موعد تأجيل حوار (الصيحة) مع قوش حتى تم إعلان تسميته مديراً عاماً لجهاز الأمن والمخابرات الوطني خلفاً للفريق أول مهندس محمد عطا المولى عباس.
من هو قوش؟
ينحدر صلاح عبد الله محمد صالح (قوش) من قرية صغيرة ترقد على ضفاف النيل بالولاية الشمالية، وهي قرية (بلل) التابعة لمنطقة نوري، غادرت أسرته لمدنية بورتسودان مبكراً وكان عمره ست سنوات، درس الابتدائية بمدرسة الضاحية ، ثم المرحلة الثانوية بمدرسة بوارث الثانوية العامة في العام 1973م، التحق بمدرسة البحر الأحمر الثانوية العليا، ثم جامعة الخرطوم كلية الهندسة في العام 1976م.
تعود سر تسميته بقوش تيمناً بأستاذ رياضيات هندي كان يعمل بجامعة الخرطوم، وكان صلاح أحد تلاميذه .
نشاطه السياسي:
في بورتسودان الثانوية انضم قوش للاتجاه الإسلامي، وبحسب الروايات المتداولة أن أسباب انضمامه للتيار الإسلامي ببورتسودان أن مشاجرة نشبت بين أحد طلاب الاتجاه الإسلامي وطلاب اليسار، تعرض من خلالها الطالب الإسلامي لضرب مبرح وقتها، كان صلاح بقوامه الفارع وبنيته الجسدية الضخمة يشاهد الحدث مما اضطره للتدخل وإنقاذ الطالب الإسلامي من براثن اليسار، ثم سأله عن أسباب الاعتداء عليه فقال له إن الأمر يعود لكونه ينتمي للحركة إلاسلامية، هنا قال قوش (أنا من الليلة معاكم في الاتجاه الإسلامي) من يومها صار قوش منتمياً للحركة الإسلامية، بعدها صقل تجربته في الحركة الإسلامية بجامعة الخرطوم، حيث تقلد منصب أمينها السياسي، ومشرفاً على تكوين النواة الأساسية لمكاتب المعلومات بأم الجامعات (جامعة الخرطوم)، بعد تخرجه في الجامعة عمل مهندساً بشركة دانفوديو للإنشاءات، وتعد دانفوديو من أبرز استثمارات الحركة الإسلامية، وكان المهندس المشرف على تشييد برج التضامن بشارع البلدية.
بعد سقوط الرئيس جعفر نميري، كان قوش من أبرز المؤسسين لمكاتب الأمن السري للحركة الإسلامية وهو النواة الأساسية لجهاز الأمن الإنقاذي.
صاحب النظارة السوداء:
يتسم قوش بصفة الصمت المطبق، وهو قليل الحديث كثير التدخين، لا تكاد تمر دقيقة دون أن يتطاير دخان التبغ من فمه، النظارة السوداء لا تكاد تفارق عينيه وهي ذات العينين التي بها شيء من الشراسة. معاصرون للرجل أكدوا أن ذات النظارة السوداء ظلت تلازم قوش منذ أن كان طالباً بجامعة الخرطوم.
مراحل متدرجة
عمل قوش مديراً بالإنابة في هيئة العمليات بإدارة جهاز الأمن والمخابرات الوطني وقتها كان يحمل رتبة رائد، وكان د.نافع علي نافع مديراً للأمن، ثم مديراً للتصنيع الحربي (مصنع اليرموك) في العام 2004م تم دمج الأمن الخارجي مع الأمن العام وتعيين صلاح قوش مديراً عاماً.
أصعب الفترات:
منذ 2004م وحتى العام 2009م ظل قوش مديراً عاماً لجهاز الأمن الوطني، وتعد هذه الفترة من أصعب الفترات حيث كانت القوى السياسية ترى في قوش العدو الأول لها، خاصة حزب المؤتمر الشعبي بزعامة الراحل حسن الترابي، إذ تمكن الرجل خلال إدارته للأمن من اعتقال معظم قيادة الشعبي بما في ذلك الراحل د. الترابي، ولم يكن الأمر محصوراً على الشعبي فقط، بل تمكن قوش من اعتقال العشرات من المعارضين إلى السجون زُرافات ووحدانا، إبان توليه إدارة الأمن، ولم تسلم قيادات من حزب المؤتمر الوطني الذي ينتمي إليه قوش من موجة الاعتقال، ثم لم يتوان في إرسال القيادي بالوطني حسن برقو إلى المعتقلات والزنازين، وفشلت اللحمة التنظيمية في إنقاذ برقو من مقصلة الاعتقال (القوشية)، بل إن الرجل لم يتوان في امتطاء سيارته الفارهة بنفسه والإسراع بها صوب مطار الخرطوم للحاق بالطائرة التي كانت ستقل الراحل د. الترابي صوب الدوحة وبالفعل تمكن من اللحاق بالطائرة وإنزال الترابي من سلمها والتوجيه باعتقاله ليطلق الرجل بعدها دخان سيجارته صوب عنان السماء، ثم عاد قافلاً إلى مكتبه بعد إنجاز المهمة التي كانت شبه عسيرة، ومن المعروف أن قوش يعد من أبرز تلاميذ الترابي في الحركة الإسلامية، ففي العام 2009م تنفست القوى السياسية الصعداء بعد إعلان إقالة قوش من منصبه وتكليف الفريق أول مهندس محمد عطا المولي مديرا لجهاز الامن والمخابرات، وقتها كان الرجل يعمل نائباً لقوش.
قوش معتقلاً:
السجون التي شيّدها قوش والتي كان يرسل إليها جحافل السياسيين المعارضين كانت على موعد مع من وضع حجر أساسها وحارسها الأول صلاح قوش، إذ تم اعتقال قوش في العام 2012م وإيداعه سجن كوبر بعد اتهامه بالضلوع في محاولة انقلابية كان يقودها العميد محمد عبد الجليل (ود إبراهيم)، وظل بها حتى منتصف العام 2013م، أخضع من خلالها لتحقيقات مكثفة بتهمة ضلوعه في المحاولة الانقلابية.. بعد إعفائه من الأمن والمخابرات ترشح قوش في العام 2010م عن دائرة مروي القومية وتمكن من خلالها من دخول البرلمان، ثم فاز في العام 2015م عن ذات الدائرة، وما زال قوش يحمل صفة نائب برلماني.
أسباب عودة قوش
يتساءل الكثيرون عن أسباب عودة الفريق أول صلاح قوش لإدارة جهاز الأمن والمخابرات الوطني بعد ما يقارب السنوات العشر قضاها الرجل خارج المنظومة الأمنية وتحول (خلالها) إلى رجل أعمال يستثمر في دولتي أثيوبيا والإمارات وبعض البلدان الأخرى مما حدا بالبعض أن يتساءل لماذا عاد قوش وما الذي يمكن أن يقدمه.
وهنا يقول رفيق دربه اللواء أمن حسب الله عمر مدير إدارة المخابرات الأسبق بجهاز الأمن والمخابرات إن الإحساس بأهمية المرحلة واكتساب الجهاز التنفيذي مزيداً من الكفاءة والقدرة وبث المزيد الطمأنينة في الشارع العام وحسن إدارة الشأن العام والتمهيد لاستشراف مستقبل أفضل هي واحدة من الأسباب التي أدت لعودة قوش لإدارة جهاز الأمن القومي.
ويضيف حسب الله عمر في حديثه لـ(الصيحة): إن الإصرار على التصدي لأية تحديات أو مخاطر قادمة ساهمت بدورها في عودة قوش لدست قيادة الأمن والمخابرات الوطني.
بينما يقول القيادي بالمؤتمر الشعبي الباشمهندس يوسف لبس (والذي كان زميلاً لقوش بجامعة الخرطوم): إن عودة قوش يمكن ربطها بوجود بعض الثغرات الداخلية والخارجية، وإن الرئيس البشير يرى أن قوش هو الشخص المناسب لسد هذه الثغرات.
ويمضي لبس في حديثه لـ(الصيحة) إلى أبعد من ذلك إذ يقول: إن المتغيرات الخارجية لعبت دوراً أساسياً في إعادة قوش للواجهة الأمنية مرة أخرى.
مرحلة مختلفة
الشاهد في الأمر أن قوش عمل في البرلمان على مدى دورتين، وكان قربياً من الملعب السياسي كمراقب ولاعب أساسي، وليس كحكم، كما كان يفعل في السابق من خلال معاقبة اللاعبين السياسيين بالاعتقال، ولذا يتوقع البعض أن يكون لقوش رصيد سياسي تراكمي كبير من خلال الخبرة التي اكتسبها إبان الممارسة السياسية التي خاضها خارج المنظومة الأمنية.
إلا أن اللواء حسب الله عمر له رأي آخر إذ يقول إن صلاح قوش كان سياسياً منذ بروزه كطالب في المرحلة الثانوية، وإنه استفاد من كل تجاربه وإن فترة بقائه في الجهاز التشريعي أكسبته مزيداً من المعرفة والتجارب والعلاقات والطاقة النفسية من أجل التصدي للتحديات.
ليس عنيفاً:
يرفض حسب الله عمر بشدة دمغ قوش بالعنف، ويقول: لا أتفق في مسألة عنفه أو أنه شخص مهاب ولكن الانطباع العام لدى الشارع أنه رجل دولة يتحمل المسؤولية ويتخذ القرار الصحيح في أصعب اللحظات، وهي سمات رجل الدولة وأن الشارع يحتاج الآن لمثل هذه الشخصيات.
متاريس في طريقه:
الشائع الآن أن عدة متاريس يمكن أن تعرقل مسيرة قوش وتجعله في حالة تحدٍّ من أجل إزالة هذه المتاريس، وهنا ينفي حسب الله عدم اعتقاده بوجود متاريس ستواجه قوش قبل أن يستدرك بقوله: (إن كانت هناك متاريس ستواجهه فلن تكون متاريس شخصية، بل هي متاريس في طريق البلد عامة وسيشكل قوش إضافة حقيقية من أجل إزالة هذه المتاريس بمساعدة ومساهمة الآخرين).
وزاد حسب الله: (من الخطأ التعويل على قوش كشخص في إزالة كل المتاريس، ولكنه قادر وبمساعدة الآخرين وبما اكتسب من خبرة وحسن ظن فيه من الشارع العام على التصدي لكل العقبات التي تواجه البلد).
إشارة خارجية:
ثمة من يرى أن عودة قوش تحمل رسائل خارجية لعدة دول منها دولة مجاورة متهمة بالضلوع في تزوير العملة السودانية بغرض تدمير الاقتصاد السوداني، وبحسب البعض فإن الرسالة لم تكن حصرية على الدولة المجاورة فقط بل صداها سيصل دولاً عربية وغربية جزء منها يعادي السودان وأخرى في حالة تقارب مع الخرطوم، ويمكن أن يلعب قوش دوراً في تمتين بعض العلاقات مع هذه الدول، وهذا ما أشار إليه الباشمهندس يوسف لبس بالقول إن المتغيرات في العلاقات الدولية لعبت دوراً محورياً في حمل قوش لمقعد مدير عام الأمن والمخابرات الوطني مرة أخرى .
ملفات في انتظاره:
ملفات عديدة ومهمة ستكون في انتظار قوش، وهي ملفات أشار إليها الرئيس البشير في البحر الأحمر قبل يومين، حينما توعّد بحسم (القطط السمان)، بالتالي يتوقع أن يكون ملف القطط السمان أول الملفات الموضوعة على طاولة قوش، وهذا ما ذهب إليه عضو المكتب القيادي بالمؤتمر الوطني بروفسور الأمين دفع الله الذي أشار إلى أن الأمر لا يتوقف على حسم القطط السمان فحسب، بل إنه يأتي في إطار إصلاح الدولة وإن لكل مرحلة رجالها، مضيفاً بقوله: (هذه هي مرحلة قوش بما يتوفر له من خبرة وتجربة عطفاً على علاقاته القوية مع دول الجوار). ليضيف دفع الله لـ(الصيحة) إن ممارسة الاقتصاد الداخلي تحتاج لتدخل جراحي عاجل خاصة الذين أثروا ثراء فاحشاً في الفترة الماضية، وأن من المهم ملاحقة هؤلاء والكشف عنهم وتقديمهم للمحاكمة، متوقعاً بأن يتم التنسيق حول ذلك بين كافة الأجهزة الأمنية والشرطية للكشف عنهم، وزاد دفع الله بالقول: (ستكون في انتظار قوش ملفات ساخنة تنتظر الحل)، مشيراً إلى اكتساب الرجل الخبرة إبان توليه إدارة جهاز الأمن والمخابرات الوطني في السنوات الماضية، وأن البلاد بها ملفات متشعبة تحتاج لرجل قابض بمواصفات صلاح قوش لفك طلاسمها .
عودة الحرس القديم:
عودة قوش يراها البعض مدخلاً لإعادة كل عناصر الحرس القديم في الدولة والمؤتمر الوطني وسط أنباء مكثفة عن احتمالية عودة علي عثمان محمد طه ونافع علي نافع للجهاز التنفيذي مرة أخرى.
ويرى أستاذ الدراسات الإستراتيجية د. أسامة عيدروس أن تغييرات أخرى في الطريق، بيد أنه أشار إلى أن عودة قوش لا علاقة لها بعودة الحرس القديم، وإنما جاءت في إطار قيام الرئيس البشير بإعادة ترتيباته للمرحلة القادمة.
ويضيف عيدروس لـ(الصيحة) أن الأيام وحدها هي التي ستجيب على أسئلة المرحلة، وهي ماذا سيفعل قوش، ولماذا عاد؟
ويتفق الأمين دفع الله مع العيدروس، ويقول إن الأمر لا علاقة له بعودة الحرس القديم، وإن قوش أحد رجال الدولة الذين لا يمكن الاستغناء عنهم وإن عودته تشير إلى أن الدولة في حاجة لرجالها .
خروج مفاجئ:
على نحو مفاجئ غادر الفريق أول ركن مهندس محمد عطا عباس إدارة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وهو أمر لم يكن يتوقعه أكثر المتشائمين خاصة بعد نجاحه في عدد من الملفات أبرزها الخارجية في إطار العلاقة مع أمريكا، حيث كان عطا أبرز تيم التفاوض مع أمريكا، حيث كُللت مجهودات الفريق برفع العقوبات الأمريكية عن السودان، غير أن بعض التغيرات الداخلية والخارجية لعبت دوراً مهماً في إبعاد عطا من إدارة جهاز الأمن والمخابرات الوطني، وهذا ما ذهب إليه مصدر قيادي الحزب الحاكم ـ فضل حجب اسمه ـ ليضيف بقوله إن مهددات دولة مجاورة من خلال تزويرها للعملة هي التي ساهمت في إعفاء عطا وإن عودة قوش جاءت لما له من خبرات ضخمة في التعامل مع مثل هذه الحالات، عطفاً على الانتشار الواسع لتهريب الذهب عبر مطار الخرطوم الدولي الذي انتشر موخراً بسبب الثغرات الأمنية بالمطار.
في الصدد يقول البروف الأمين دفع الله إن محمد عطا قدم عطاء وبذلاً كبيراً إبان توليه إدارة الأمن والمخابرات ولم يدخر وسعاً في تقديم كل ما يملك.
محطة قادمة
في السياق يُشاع على ناطق واسع أن محمد عطا سيتم تعيينه سفيراً في إحدى الدول الأوربية أو وزيراً للداخلية، ويبدو أن الخيار الثاني هو الأرحج.
الصيحة.
اليوم عاد .. وكأن شيئا لم يكن ..سامحته وسألت عن أخباره
حتى (نياشينى )التي أهملتها.. رقصت ……. ( وبقية الأغنية المعروفة للمطربة المصرية نجاة الصغيرة )
اليوم عاد .. وكأن شيئا لم يكن ..سامحته وسألت عن أخباره
حتى (نياشينى )التي أهملتها.. رقصت ……. ( وبقية الأغنية المعروفة للمطربة المصرية نجاة الصغيرة )