أكتوبر .. ذكرى الثورة المجيدة والانقلاب المشؤوم

هذه الأيام تمر علينا ذكرى ثورة 21 أكتوبر 1964 التي أسقط فيها الشعب السوداني أول حكم عسكري، وقد خرجت أغلب مدن السودان في حشود مهيبة ومتنوعة يغلب عليها الشباب من الجنسين، لا يحملون لافتات إدارة أهلية ولا اسم قبيلة ولا حزب ولا قائد صنعته الصدف. خرجوا جميعهم راجلين لا تقلهم الحافلات والبصات وسيارات الدفع الرباعي، خرجوا وهم يعلمون أنهم لن يجدوا الموز و المحشي والمشروبات في انتظارهم، ولا أحد سيوزع عليهم المال المنهوب من خزائن الدولة، ولا يخافون من القاتل الذي يحكم بقوة ويتربص بهم حتى داخل منازلهم. خرجوا من أجل وطن حر، وليعرف العسكر ألا مفر من هذا الوطن، وإن طال الزمن.
خرجت مواكب 21 أكتوبر هذا العام هادرة مثلما ظلت تخرج كل عام بعدما حررت ثورة الناس من الخوف الذي فرضه نظام العصابة المتأسلمة، مطالبة بالحكم المدني والحرية والعدالة والسلام. هذه المطالب التي تخيف العسكر الانقلابيين وتجعلهم يفعلون كل شيء حتى لا تتحقق، ولكن لا مجال للتراجع. الكل مؤمن بأن العسكر يجب أن يعودوا إلى ثكناتهم، ولم يذكر التاريخ أنهم وفروا الحياة الكريمة للشعوب، فهم أينما حكموا انتشر الظلم والقهر والحروب والصراعات والجوع والفقر والعزلة، كما هو حال السودان اليوم، وخلال ثلاثة عقود مضت.
وخلال أكثر من خمسين سنة، الشعب يعلم أنه لن ينعم بالأمن والسلام والحرية، ولن يصل إلى الديمقراطية في ظل تمسك العسكر بالسلطة. لذلك لن يتوقف عن الاحتفال بكل ذكرى تقلقهم وترهبهم، وستظل ذاكرته حاضرة وعزيمته متقدة وملتزماً بالوفاء لأحلامه. سيحتفل الشعب بذكرى أكتوبر وأبريل وديسمبر، وفض الاعتصام، ومقتل أي شهيد. فالشعوب الحرة لا تنسى ولا تستكين، والطغاة تهزهم حتى صرخات الأطفال بالحرية وهم يقلدون الكبار.
مواكب 21 أكتوبر لم تخرج لتناصر ساسة فاشلين ضد عسكر أفشل منهم ألف مرة، وإنما لمنعهم جميعاً من قطع الطريق أمام الإصلاح وخلاص البلد من مستنقع الحكم العسكري الذي لا تنمو في كنفه إلا العصابات والفساد والأزمات والحرمان. الثورة ستستمر حتى ينتقل السودان إلى رحاب حكم مدني كامل، ولن تموت مادام وقودها أجيال شابة وصادقة ومحبة للحرية والسلام والعدالة والاستقامة وشجاعة ومؤمنة بالحق.
يوم 25 أكتوبر ستعود ذكرى أخرى مشؤومة، قضى فيها العسكر على أحلام الشعب الوليدة التي تحققت بفضل ثورة ديسمبر، الثورة الثالثة التي اغتالوها بدم بارد ثم أدخلوا السودان في أزمة أكدت أنه ليست هناك عقبة تقف أمام تقدمه غيرهم. لقد ضيعوا عليه فرصاً ذهبية، وثبت أن هذه البلد يحكمها رجال غير مسؤولين وغير وطنيين وفاقدي بصر وبصيرة ورؤية، ولا رجاء فيهم. اخرجماءسوا يوم هذه الذكرى المشؤومة، واملأوا الشوارع، ليعلم الانقلابيون أن الردة مستحيلة.
الديمقراطي