من أطلق الحرب؟ من يستهدف قحت؟ من يلعب بالسودان وشعبه؟ (٢ – ٣ )

قلنا في المقال السابق ان الكيزان عبر كوادرهم في الجيش وهيئة العمليات أطلقوا الحرب بمهاجمة معسكرات الدعم السريع فجر ١٥/ابريل، ولم يكن هدفهم الدعم السريع نفسه وانما القوى المدنية ومشروعها لاقامة دولة مدنية تتم عبر تفكيك التمكين الكيزاني داخل الجيش وتحويله لجيش قومي مهني بعيدا عن السياسة، وظنوا ان الدعم السريع لقمة سائغة سيلتهمونها في ست ساعات لكن ما حدث كان مفاجئا لهم تماما.
الدعم السريع وقع على الاتفاق الاطاريء وأصبح من مناصريه عكس الجيش، لذلك اصبح عدوا في نظر كيزان الجيش، ولان الدعم السريع من رحم الكيزان فهو يعلم ألاعيبهم، لذلك منذ ان بدأت الخلافات تظهر للعلن بين قادة الجيش والدعم السريع إهتم قادة الدعم السريع بهذا الامر وبإمكانية مهاجمة الجيش لهم مادام مختطفا بيد الكيزان، لذلك اشتغلوا على التحسب ومواجهة أي تهديد لهم بما فيه ما جرى في مطار مروي، نظموا كل شيء ولم يتركوا شيئا للصدفة، كانوا جاهزين (موية ونور) لاي هجوم عليهم بخطة رد كاملة، وهذا ما يفسر ان هجوم الكيزان على سوبا والمدينة الرياضية فجر ١٥/ابريل هو الذي فجر سلسلة الأوامر التي كانت جاهزة أصلا ومعدة ومرتبة داخل الدعم السريع.
استسهل كيزان الجيش قدرات الدعم السريع وما يمكن أن يفعله وظنوا انهم قادرين على مسحه من الوجود في ست ساعات، أو على الأقل إعادة تدجينه داخل حظيرتهم بعد ان بدأ يخرج عن طوقهم بعد ظهور الاتفاق الاطاريء، ولكنهم كانوا مخطئين بصورة مريعة، اذ بعد ساعات فقط من اطلاقهم الحرب كانت معظم الخرطوم تحت سيطرة الدعم السريع وليس العكس.
استطاع الكيزان ان يخدعوا شرفاء الجيش بأن الدعم السريع يريد ان يصبح جيشا فوق الجيش، مع ان الدعم السريع وقع في الاتفاق الاطاريء على موافقته على الاندماج والذوبان في الجيش، ولكن من يقرأ الاتفاقيات ومن ينتبه للحقائق في ظل هيجان الانفعالات العاطفية غير الموضوعية؟!
افرزت الحرب انتهاكات مريعة من جانب الطرفين وكانت انتهاكات الدعم السريع هي الافدح لانها مست المواطنين في بيوتهم واعراضهم، وهذا المنحى جعل الكيزان بعد فشلهم في حسم الدعم السريع عسكريا يستغلون الانتهاكات كسلاح عاطفي يجيشون به المواطنين ضد الدعم السريع، تماما كما جيشوا المواطنين بعاطفة الدين في حرب الجنوب، فهم خبرة في التجييش العاطفي و(سواقة الخلا). لما رأي الكيزان وقوف جميع القوى السياسية ضد الحرب لمعرفتها بانها حرب كيزانية صرفة ولانها قوى سياسية ناضلت ضدهم سنينا طويلة وخبرت مكرهم وخداعهم ولا يمكن خمها بسلاح العواطف، انتقت الكتائب الكيزانية الاعلامية بمهارة قوى الحرية والتغيير من بين كل الرافضين للحرب لكي توصمها امام الجماهير بأنها نصيرة للدعم السريع، والهدف ليس قوى الحرية والتغيير لوحدها وانما جميع القوى الثورية الرافضة للحرب، فالمواطنين معظمهم لا يفرقون بين قحت وبقية القوى الثورية.
هدف الكيزان من استهداف قحت دون غيرها بصورة انتقائية، لأنها القوى السياسية التي اغلقت عليهم كل أبواب العودة سياسيا وثوريا ودوليا، وابعاد قحت عن الجماهير سوف يساهم مباشرة في أضعاف تيار المدنية بكامله وتقوية معسكر الشمولية ورفع قيمة الجيش وتنظيف سمعة الكيزان التي تمرغت في الوحل بعد ثورة ديسمبر، مما سيقود مباشرة الى قيام حكم شمولي عسكري كيزاني بدعم جماهيري، وهذا بالضبط هو الهدف الحقيقي والاصلي للحرب الحالية، ويمكنك ان تراجع كتابات كل الكيزات والفلول وستجدهم يركزون على مهاجمة قحت اكثر من مهاجمة عدوهم على الارض وهو الدعم السريع.
تجييش العامة غير المطلعين على الأمور السياسية وغير الملمين بمكر الكيزان ممكن ان يفهم، ويمكن ان نفهم تجييش الناقمين على قحت مثل بعض اعضاء مكتب حمدوك وبعض الناشطين، فهؤلاء لم يعودوا مؤمنين بالمدنية ومستعدين لان يكونوا بيادق في رقعة اي دكتاتور مادام ان هذا الدكتاتور سيستهدف لهم قحت، وهزيمة قحت عند هؤلاء اصبحت اكبر قيمة من قيم ثورة ديسمبر الداعية قيام دولة مدنية ينعم فيها السودان والسودانيين بالسلام والعدالة.
كل ذلك مفهوم، لكن ما لا يمكن فهمه هو بعض من لا نشك في صدق ولائهم للمدنية كيف يدعمون جيشا يعلمون انه مختطف من قبل الكيزان ويستهدف اقامة شمولية جديدة؟! والادهى والأمر انهم يدعمون هذا الجيش بلا أي مشروع متفق عليه بينهم وبين الجيش حول ما بعد الحرب!
البعض من هؤلاء يقولون: انتم ايضا شاركتم هذا الجيش الكيزاني ووقعتم معه اتفاق سياسي. نعم نحن شاركنا الجيش ولكن هل شاركناه اعمياء وتبع بدون اتفاق ام كانت شراكة مبنية على الندية ويحصنها اتفاق سياسي موقع عليه ومعلن ووقع عليه شهود دوليين لهدف نبيل وقومي هو اقامة الحكم المدني وتفكيك التمكين وإقامة الحريات وبسط السلام وايقاف الحروب!!
نحن شاركنا باتفاق فاين اتفاقكم انتم؟ ماذا سيحدث بعد الحرب؟ ماذا سيفعل بكم جيش الكيزان وبالسودان؟ لا تملكون أجابة بالطبع، ولكن دعوني اقول لكم ان الكيزان قد وقعوا اتفاقهم بالفعل مع الجيش، على اقامة دولة كيزانية عسكرية اذا انتصر الجيش، وبالتالي انتم الان مجرد بيادق يستغلها الجيش والكيزان ليصعدوا بكم فوق جماجم واشلاء الشعب ودمار السودان نحو اقامة الحكم الشمولي الدكتاتوري الجديد (الانقاذ 2 ).
ربما تقولون الشمولية افضل لنا من الحرب، دعونا نذكركم إن نسيتم، مجيء حكم شمولي يعني استمرار الحرب، لأن الظلم الشمولي لا يقبله احد، نتيجة ظلمه للاغلبية، فيحملون السلاح ضده ويواجهونه، فيعمد الحكم الشمولي الى تكوين مليشيات لمواجهة حملة السلاح، فتعود هذه المليشيات فيما بعد لتقود حربا ضد الحكم الشمولي نفسه لاي سبب كان، وهكذا تستمر دوامة الحرب مادام هناك حكم شمولي، وهذا ما حدث في السودان مرات ومرات، و أنتم لا تتعلمون من التجارب، تدعمون إستمرار وجود السودان في دوامة الحروب العبثية في الوقت الذي تظنون انكم تفعلون العكس.
نواصل …
يوسف السندي
[email protected]