الخفاض الفرعوني لعقل المثقف السوداني

حيدر ابراهيم علي
توطئة:
هذه الفكرة جاءت في مداخلتي في: “اللقاء التفاكري” بالدوحة 26-27 مايو2012، وأظن أنها كانت صادمة لذلك غمرت تحت تراب المجاملة أو الأدب السوداني الذي لا يسمي الاشياء باسمائها.
لم اشعر بقلة أدب، بل تأسيت بمظفّر النواب، حين قيل له:لماذا أنت بذئ هكذا في شعرك؟ فرد: أرني وضعا أكثر بذأة مما نحن فيه؟ وقد دفعني مباشرة لتأكيد الخفاض الفرعوني لعقل المثقف السوداني، نائب برلماني يدعي:دفع الله حسب الرسول، يبث من داخل”البرلمان” ما يقدم نموذجا باهرا للعقل المختون. ولكن الاسباب كثيرة، إذ لا يوجد في هذا العصر نخبة فعلت بوطنها مثلما فعلت النخبة السودانية. ويكفيها “انجاز” تقسيم الوطن، وحروب أهلية علي خط طوله 2250 كيلو مترا، ولا تتوقف عن قصفهم جوا، وتجويعهم لا يطعمون وتمنع عنهم المساعدات الخارجية بدعوى السيادة الوطنية. والمدان ليس نظام الجبهة الحاكم فهو يقوم بالجرائم اليومية ولكن المعارضة التي سمحت له بالاستمرار حوالي23 عاما مدانة بالتقصير وترك الشعب تحت رحمة جلاديه واكتفت بالادانات والبيانات ، ولم تردع النظام بل جعلها في حالة دفاع عن النفس وكأنها المجرمة وليس هو السفاح والفساد والتردي في كل المناحي.
اتوقع ان يتصدي بعض المتقعرين لهذا النقد الذاتي ويسمونه:”جلد الذات”. فليكن، هل اوقفتم جلد الفتيات في محاكم النظام؟ هل استبدلتم علاج المساكين في قراكم حيث يستخدم السوط والجلد لاستخراج الشياطين بطب حديث؟ فلماذا تستنكرون جلد ذات النخبة المريضة؟
مدخل خفاض العقل
ظللت منذ مدة طويلة مهتما بكيفية اشتغال العقل السوداني علي القضايا التي تواجهه في الحياة؛ أي طريقة التفكير التي يتوصل بها إلي أجوبة علي الاسئلة والمشكلات المرتبطة بوجوده كفرد أو في جماعة، طوال تاريخه في هذه البقعة. ومن الواضح أن الإنسان السوداني لم يترك الكثير المكتوب، ولم يظهر ميلا للتفلسف والتنظير. وفي نفس الوقت لم يتدخل كثيرا في الطبيعة ولم يغيّر فيها كثيرا، وظل في أغلب الاحيان يتعايش مع شروطها دون أن يحاول التغلب عليها، وتوجيها بوسائله. وبقي الواقع السوداني راكدا ومقاوما للتغيير السريع والجذري. ورغم موقع السودان الاستراتيجي في القارة الافريقية وعلي شواطئ البحر الأحمر، إلا انه لم يتمتع بميزة الاحتكاك والإطلال علي حضارات أكثر تطورا، كان يمكن أن تساعده في التقدم والتغيير. بل كانت صلته بالحضارات العالمية تأتي بالوكالة وغير مباشرة ومن خلال دول مثل مصر؛ أو من خلال عابرين من السودان إلي داخل القارة الافريقية. وهكذا افتقد العقل السوداني فرصة التطور والنمو، واستكان لخمود ونوم طويلين. وهذا ما نسميه الاستراحة الاجبارية للعقل السودان.
ونبدأ بالتساؤلات المتداولة بين الباحثين:ماهي الأفكار التي أنتجها العقل السوداني وكيف أنتجها؟ وهل الوعي منخرط في سياق فلسفي؟ وهل لديه القدرة علي النقد والنقد الذاتي، والحوار وقبول الآخر المختلف للمطارحة؟ وهل هو عقل موضوعي أو ارادوي رغائبي؟ فالمثقف ? حسب موريس بار ? هو ذلك الفرد الذي يقنع نفسه بأن المجتمع يجب أن يقوم وفقا لمنطقه وارادته هو، والذي يجهل أن المجتمع هو قائم فعلا وواقعا علي ضرورات داخلية قد تكون لا علاقة لها مطلقا بارادة العقل الفردي. فالمثقف بهذا المعني هو ضحية وهم منطقه ?يوتوبيا/طوبائي. وهذا يعني وجوب تفسير الظاهرة الاجتماعية بظاهرة او ظواهر من المجتمع نفسه. التفكير الغيبي يبحث عن المسببات من خارج الواقع والمجتمع والحياة الانسانية.
ويقود ما تقدم الي التساؤل المحوري، وهو: مدى انتشار وعمق العقلانية في الفكر السوداني. وتعريف العقلانية ببساطة في السياق الحالي هي عدم تناقض الغايات والوسائل. ولكن العقل المختون يفصل باستمرار بينهما، مما يعكس النقص القاتل في ذلك العقل أي نواقص التفكير والتحليل السليمين . وهذا ما يوقعه ايضا في ممارسات يصعب ادراكها منطقيا، في كل مجالات الحياة، وبالذات السياسة. ويرجع ذلك الي عدم طرح الاسئلة الصحيحة، وبالتالي الوصول الي نتائج مختلفة تماما من المقدمات. والنقص الثاني هو القدرة علي ترتيب الاولويات، وهذا أمر يحتاج مع العقلانية الي ملكة خاصة هي حسن تقدير الاشياء بلا مبالغة.
يخلط عقل المثقف السوداني المختون بين الكلام والأفكار أو اللغة والفكر. فقد نسمع لحديث فصيح ومنمق وطويل ولكنه لا يقدم أي فكرة جديدة واحدة. وهذه مصدره غلبة العقلية التراثيةوالسلفية التي تعمل علي تأصيل القديم، وبالتالي تحصينه بكلام كثير دون أفكار جديدة تهز الثوابت والوثوقيات. وتحول الفكر السوداني أو الإسلامي عموما الي الشعائرية، والشعاراتية، واللفظيات. ولم استعجب حين قرأت لشخص يقدم “كمفكر إسلامي كبير” يقول عن موقفه من الفلسفة:-” دراسة الفلسفة لا تجلب فائدة ولا تصرف شرا، وأن قضاياها تعطل الفكر والنظر. وصدق الغزالي الكبير حينما وصفهم بأنهم: (طائفة من ذوي الآراء المنكوسة والافكار المعكوسة) . ” (عن سيرة ذاتية لحسن مكي، ص22) . ومع استبعاد الفلسفة تفتقد عملية الفكر ? حسب الفلاسفة- صفة مجموع العمليات الذهنية التي تمكّن الانسان من نمذجة العالم الذي يعيش فيه وبالتالي يمكنه من التعامل معه بفعالية لتحقيق اهدافه وخططه ورغباته. وبالتالي يكتسب العقل المختون أكبر نواقص الفكر وهي التجزئية علي حساب الشمول والنظرة الكاملة.
العقل المختون والشخصية
انطلقت منذ اربعينيات القرن الماضي حملات ضد ممارسة الخفاض الفرعوني علي الإناث. وللمفارقة، تزايد النشاط ضدها في السنوات الاخيرة، وصرفت علي الحملات الاموال الطائلة، وجعل منها المانحون الأجانب قضية استراتيجية في السودان. وبالتأكيد، سوف يحتار الكثيرون في أسباب استمرار الظاهرة رغم الجهود والاموال والوقت. ولكنهم نسوا أنه يستحيل علي عقل هو ذاته مختون، يمكن أن يقضي علي مثل هذه الظاهرة في مجتمعه. فالإنسان السوداني المسكين، الذي فقد بختان عقل مثقفه، لذتيّ الجنس والفكر، بات مكشوفا وتمكنت منه الأزمات حتي وصل الي حالته الراهنة. وقطعت أهم أجزاء وأعضاء واطراف العقل، لذلك فقد المثقف العقلانية، والمنطق، والقدرة علي التنبؤ واستشراف المستقبل.
تضافرت وتآمرت جهود عدد من المؤسسات للقيام بعملية الخفاض أو الختان بطريقة بارعة بحيث يؤدي الخفاض وظيفته في الحرمان والكبت والتدجين. وهي تتمثل في خمسة فاعلين يتقسمون علي عدد من المؤسسات.
أولا:المؤسسة الدينية المحافظة التي بدأت بهيئة علماء السودان التي رعاها الاستعمار البريطاني. ويظهر موقفهم في رد علي نقد وجه للإدارة البريطانية:-“. . . فان جميع الامة السودانية قد ارتبطت بالحكومة الحاضرة (الانجليزية) الرشيدة ارتباطا حقيقيا بالقلب والقالب، بصداقة واخلاص، ونقدرها قدرها بحيث لا نبغي بها بدلا، لما هو شاهد بعين اليقين، من جلب المنافع ودفع المضار، وتعمير البلاد، وتامين الطرق وعمارة المساجد، وبث العلوم الدينية، ونشر المعارف بترتيب العلماء ومساعدتهم بالمرتبات التي اراحتهم، وتشييد الجوامع والمدارس في عموم البلاد حتي أن ابناء الوطن صاروا في تقدم باهر، ونجاح ظاهر، مع اعطاء الحرية التامة لرجال المحاكم الشرعية في المحاكم والاحكام بالشرع المحمدي. وبالجملة فانها حكومة رشيدة ساهرة بالسعي في كل ما يفيد الوطن وابناءه. فبلسان العموم نقدم الشكر الجزيل لحكومتنا، ونكذب هذه المقالة بجميع اجزائها تكذيبا تاما وفي الختام نرفع لسعادتكم لائق التحية والاحترام.
الطيب هاشم – مفتي السودان
اسماعيل الازهري – مفتش المحاكم
ابوالقاسم احمد هاشم – شيخ علماء السودان
(صحيفة حضارة السودان26/10/1921)
أطلقت المؤسسة الدينية المحافظة حملتها ضد الفكر الحر والعقل مبكرا، واستلت سيف التكفير منذ عهد الشاعر العظيم التيجاني يوسف بشير :
قالوا وأرجفت النفوس وأوجفت هلعا وهاج وماج قسور غابه
كفر ابن يوسف من شقيّ واعتدي وبغي ولست بعابئ أو آبه
قالوا احرقوه بل اصلبوا بل انسفوا للريح ناجس عطمه وإهابه
ولو أن خوف الموت من متلمس للمرء مد اليّ من أسبابه
ولاحقت المؤسسة الدينية ?كدأبها في قنص المبدعين-شاعرا آخر هو محمد عبد الوهاب القاضي، والذي يقول عبدالله الشيخ البشير في مقدمة ديوانه:-“خرج من السودان علي أثر مشادة بينه وبين شيخ المعهد العلمي عام1935 لتصديه لقضايا المعهد فحرم من اعطائه الاولية التي كان يستحقها في امتحان الشهادة التي يستحقها في امتحان الاهلية، بطريقة تكاد تشبه الطريقة التي أبعدت التيجاني عن المعهد مع اختلاف في التفاصيل”. (ص3) وقال فيهم:
لقيت من الدنيا ومن ظلم أهله نضيض الافاعي في سموم العقارب
********
ساعمل حد السيف في أم ارؤس خرائب ياويح الرؤوس الخرائب
لهم من يراعي كل سيف مجرب يريهم سريعا كيف فعل القواضب
واستمر الارهاب الفكري السري للمؤسسة الدينية طوال الفترة الممتدة من الثلاثينيات حتي بعد الاستقلال، حين ظهر الامين داؤود وحسين محمد زكي وكتائب القضاة الشرعيين وفقهاء الكلية الإسلامية الذين صاروا يحملون القاب علمية حديثة، ليرفدوا نخبة دينية لقحت في الانابيب. ودشنت المؤسسة الدينية أول فعل رسمي معلن لخفاض العقل السوداني، ويقول عنه الاستاذ محمود محمد طه بذكائه المعهود:-” يوم الاثنين27 شعبان عام1388، الموافق18نوفمبر1968 قد دخل التاريخ. . انه يؤرخ بداية تحول حاسم، وجذري، في مجري الفكر والسياسة والاجتماع ? في مجري الدين- في هذه البلاد، ان شاء الله. . . في هذا اليوم انعقدت ما سميت بالمحكمة الشرعية العليا لتنظر في دعوى الردّة المرفوعة ضد محمود محمد طه رئيس الحزب الجمهوري. . . ”
طلب المدعيان-قبل سنوات من حسبة نصر حامد ابوزيد-تطليق زوجته، ومصادرة كتبه، وحل حزبه، ولا يسمح له ولا لاتباعه التحدث باسم الدين أو تفسير آيات القرآن، ومؤاخذة من يعتنق مذهبه بعد هذا الاعلان، وفصله ان كان موظفا، ومحاربته ان كان غير موظف وتطليق زوجته المسلمة منه.
شجع المؤسسة الدينية الذهاب في اتجاه الارهاب الفكري، وجود حكومة طائفية علي سدة الحكم. اذ قبل سنوات قليلة أعلن مصطفي حامد الامين خروجه من الاسلام واعتناقه البوذية. ولم يحاكمه ليس لغياب الحمية الدينية ولكن الاجواء كانت متسامحة.
اما الفاعل الثاني في عملية الخفاض فهي الطائفية التي لم تقف عند تقطيع اهم ادوات العقل النشطة، بل قامت بتدجين النخبة المثقفة خلال فترة حاسمة في تكوين عقل كفء ومجدد. وهي فترة تكون ونشأة الحركة الوطنية من ثلاثينيات القرن الماضي أو عقب فشل حركة1924 وحتي اليوم. ويلاحظ تراجع دور المعهد العلمي والمؤسسة الدينية المحافظة، لأن الطائفية بدأت قادرة علي القيام بدور الخفاض والتدجين علي أكمل وجه. فقد برزت في طرف تاريخي هام، كما امتلكت وسائل فعّالة وجديدة نسبية مثل المال السياسي ، اضافة للوسائل التقليدية أي النفوذ الروحي. وكان من الطبيعي أن يكون توق النخبة الجديدة القضاء علي القديم بما فيه الطائفية، ولكن سدنة الخفاض كسبوا المعركة.
افتتح احمد خير كتابه:”كفاح جيل” بعنوان:قيادتان وجيلان، بقوله:-“لقد ظل زمام المقاومة الشعبية، منذ قيام الحكم الثنائي في السودان الي ما قبل الحرب العالمية الأولي منحصرا في ايدي الزعامات الروحية وكان (الجهاد الديني) ضد الكفار لا ضد المحتل الاجنبي أو المستعمر هو الشعار الوحيد الذي تهتز له القلوب وتتحرك له المشاعر (. . . . ) وكان زعماء تلك الحركات يرتدون دائما مسوح الكهان والصالحين ويستندون في كسب الجماهير علي نزول الوحي، أو الهاتف السماوي يكلفهم بهداية العباد الي طريق الرشاد، وتجديد الدين ومحو الفساد وطرد أعداء الله المشركين من البلاد”.
خلال هذه الفترة تكونت وتكاثرت الفئة الحديثة من الجيل الذي نال قسطا من التعليم العصري، والتدريب والصقل في مكاتب الحكومة. وبدأ ينظر الي الحياة والمجتمع برؤية عصرية هي خليط من الثقافة الدينية السليمة، ومن الثقافة الاوربية الجارفة. وبدأوا، وهم إذذاك قلة محدودة، يحسون احساسا غريبا علي البيئة. ولكن توصلوا الي مؤسسة جامعة ، فكانت فكرة تأسيس نادي الخريجين في عام1918بام درمان. ومع هذا الشعور بالاستقلالية بدأت حربهم مع طائفية كاسحة، وأعلن شعارهم:-
وما ضرت العلياء الا عمائم تساوم فينا وهي فينا سوائم وشعرت الطائفية بخطر داهم، فكان لابد أن تجهز أمواسها لخفاض ناجع يستأصل جذور الافكار من هذه العقول المتمردة. ورغم أنه وضع فيها الآمال العريضة في أن تكون طليعة تحقق النهضة والاصلاح الديني كما في اوربا. ولكن خابت تلك الآمال حين انسحب الكثيرون من المعركة”. . . وتنكروا علي مبادئهم وزملائهم عندما مدت لهم الصوفية أيديها وارتبطت مصالح زعمائهم معها، شأنهم في ذلك شأن الانتهازيين في كل زمان ومكان. ” (ص21) . وظهر تيار يدعو لتأسيس حركة تقوم علي التعاون بين شباب فتي فاهم ونفوذ ديني لا حدود له. ووقف الكثيرون ضد فكرة التعاون مع الزعماء الدينيين، لدرجة أن طالب فريق بعدم قبول الدار التي وهبها احد الزعماء لتكون مقرا للنادي، وكاد ان يفوز.
كان البعض-ومنهم احمد خير- يعملون من اجل قطيعة تامة مع القيادات الدينية باعتبار ان البون شاسع بين عقليتها ونظرتها للحياة، وبين عقلية الجيل الجديد. لذلك، فان الالتجاء اليها” سلاح ذو حدين ووصولية لا تليق برجال المبادئ واصحاب الرسالات. ” (كفاح جيل، ص106) . ولم يدم أمل أن يكون مؤتمر الخريجين هو أداة القطيعة، طويلا. إذ سرعان ما تهافت الخريجون-عدا قلة ضئيلة-واستسلموا لهزيمتهم امام الطائفية، والتي قامت بعملية الخفاض الاكبر والاخطر لانها تزامنت مع النضال الوطني والاستقلال. ولذلك، استطالت آثارها حتي اليوم. فقد رأي الخريجون استحالة تكوين احزابهم المستقلة بدون غطاء طائفي، فتراجعوا صاغرين عن مشروعهم المستنير المصادم للطائفية. واندرجوا في مشروع التواطؤ والتحالف مع الطائفية راضين بخفاض العقل.
الفاعل الثالث هو النظام التعليمي بشقيه الديني والمدني:المعهد العلمي وكلية غردون. فقد ختن هذا النوع من التعليم العقيم مبكرا من خلال الحفظ، والتلقين، والطاعة. ويكفي قول (التيجاني يوسف بشير) في تعليم المعهد العلمي:
ولقيت من عنت (الزيود) مشاكلا وبكيت من (عمرو) ومن اعرابه
وصيحة الشاعر القلق (محمد محمد علي):هذا النحو لا حاجة لنا به (صوت السودان 15/8/1954) وهذه البلاغة لا حاجة لنا بها (22/8/1954) . وكان التعليم الديني قائم في التأديب والتهذيب علي “الفلقة” وعهد:ليك اللحم ولينا العضم!لذلك، برع في تخريج شخصيات خانعة وخاضعة ومستكينة وحاقدة بسبب الحرمان والخوف.
أمّا التعليم المدني، فيلخص (المحجوب) التجربة في قوله:-” 48 لقد دخلنا طور التعليم الثاني وكانت البلاد في مرحلة انتقال، وكان ما جد فيها من احداث لا يبعث علي الاطمئنان الي مصيرها ? الم يحرم علينا أن نقرأ الصحف والمجلات الادبية، وكم عنت لقينا وكم اصابنا من لغوب ونحن نحاول ان ندس السياسة الاسبوعية والبلاغ الاسبوعي والهلال ووبعض الكتب الادبية. لا لسبب غير أن كلمة سياسة كان معناها في ذلك العهد قراءة الكتب والصحف، لقد كنا نضحك في الم لان لرئيس الطلبة في الكلية مطلق التصرف وان مفتش الداخلية لا يستمع لشكاة احد ما دام قدمه الرئيس وكانت سنته الجلد اولا ثم النظر في القضية”. (الحركة الفكرية. . . . . ، ص48) . ويضيف:-” لم يكن التعلم، علي حد تعبير المسئولين يومذاك، سوي اداة لاعداد المادة البشرية الكافية لتدير دولاب العمل في مصالح الحكومة، لقد اهتم بالكم ولم يدخل الكيف في حسابه ودائرة المحرمات اتسعت حتي شملت كل شئ، فقراءة الكتب لا ينظر اليها بالرضا، وقراءة الصحف محرمة ولا يكاد الطالب يطيل النظر اليها الا في غفلة من اعين الرقباء”.
رغم حملات الخفاض الفرعوني العقلي الشرسة، تظهر شخصيات مثل (عرفات محمد عبدالله) ومجلة (الفجر) ويرفع صوته عاليا ومع ذلك هزم في النهاية لأن المثقفين المختونين خذلوه ولم يقفوا الي جانبه. فتوقفت المجلة ومات هو كمدا، وقد كانت تلك فترة الموت المبكر للمبدعين المتمردين وهو معروفون باسمائهم وادوائهم. يعلن عرفات و”الفجر” بوضوح وحسم ان المعركة مع الرجعية والتخلف لا تعرف التوسط، لأن اصحاب المثل العليا لابد لهم من الكمال في سعيهم لغايتهم وحين يظهرون المهادنة والدفاع فهم يتنازلون. والمجتمع السوداني ? حسب رؤية المجددين ? ينقسم الى فئة تضم (الشيوخ والكهول وشباباً اليهم في الروح أقرب) وفئة أخرى فيها: (الشباب المتوثب، الظامئة روحه الى المخاطرة، المحل للعمل، والجانح الى الخلق والابتكار ويحدد مهمتها في (هدم ما أصبح لا يتناسب مع الزمن وماهو اكثر صلاحية للبقاء) . ومن الجانب الآخر تخندقت (الرجعية) داخل التقاليد والتاريخ والاخلاق لترد هجوم المجددين مبكراً، لكي تجبرهم على الدفاع وهذا اسلوب متبع حتى الآن، نجح في الحصول على تنازلات من المثقفين المجددين. ويكتب احدهم تحت توقيع رجعي: (كلمات محفوظات من بعض ملحدي الأمم الخارجة على الاديان المتمردة على الاخلاق. والا فأين هي الرجعية التي ضايقتكم الى هذا الحد وماهو الاصلاح الذي شرعتم فيه موقفنا حجرة عثرة في سبيله) ورغم ان ما تقدم كتب بداية الثلاثينيات الا انه من الممكن ان تجد نفس الفكر اليوم في صحيفة سودانية. ويجد عرفات التشجيع من مستنيرين آخرين، اذ يحيى الاستاذ احمد محمد صالح، المجلة، متسائلاً: أم تلك عصا من النور تضئ بها السبيل لقوم طال ليلهم وأحاط بهم الظلام من كل جانب فضلوا الطريق وسار الركب شوطاً بعيداً، وتخلفوا هم عن القافلة وتلفتوا الى الدليل فاعوزهم الدليل؟ ) ويستخدم عرفات في ذلك الوقت نفس المصطلح المعاصر: التنوير الذهني او الرياضة العقلية (عدد 24 أول اغسطس 1935) .
يقول (ادوارد عطية) عن حق:” لقد كان السودانيون المتعلمون-بحسبانهم طبقة-غير سعيدين فقد ضلت عقولهم وافسدت ارواحهم”. (عربي يحكي. . . . . ، ص276) ويلاحظ
(عبدالله الطيب) ضمنيا هذا الخفاض بسبب الاغتراب عن هموم الوطن وقضاياه الحقيقية:”نسبة كبيرة من هذا المجلس يمثلون صنفا يقال له الخريجون وهم أقل أهل القطر انتاجا من حيث هم خريجون واضعفهم انتماء الي جذوره وعرفه، لانهم يمثلون نوعا من برجوازية والقطر اكثره قروى رعوى قبلي مسكين”. (الايام13 مايو1989
وهذا يذكرني ببيت (احمد شوقي) في قصيدة كتابي:
وكم منجب في تلقي الدروس تلقي الحياة فلم ينجب
أو بالحكمة الشعبية: القلم ما بزيل بلم.
تخوف السودانيون من التعليم المدني الحديث بدوافع متعددة، من بينها خشية التنصير والدخول في حياة المدينة. ويكتب (محمد عمر بشير):-“وكانت المدنية ترتبط بأذهان سكان القرى بالفساد والعبث”. (تطور التعليم في السودان، 1970:82) . ويذكر في نفس الموقع:-“وأطلق أهالي مقرات علي المدرسة الجديدة التي شيدت بالقرب منها في سنقراب:كنيسة سنقراب. ” (ص83) . وكان للسودانيين المسلمين موقفا أخلاقيا من التغيير الاجتماعي الذي قد يحدثه التعليم الحديث. وقد عبروا عن هذا الموقف بلغتهم البسيطة، بقولهم:” التعليم بيبوظ الاولاد”. وهذا تخوف لم يكن غير مبرر، لأن ظاهرة الشذوذ الجنسي لم تكن غائبة في المجتمع السوداني، طالما عزل المرأة ومنع الاختلاط بين الجنسين. ولكنه من الموضوعات المسكوت عنها. وترد اشارات عن انتشار الظاهرة، بل يروي البعض أن الانحلال الخلقي قبل المهدية بلغ درجة أن رجلا تزوج آخر في احدي المدن. ويحكي عن جمع الخليفة عبدالله اعدادا كبيرة من الشاذين، واودعهم السجن. وتروي الطرف قصة ذلك الشخص منهم الذي سأله الخليفة عن أسمه وكان مطابقا مع أسم الخليفة. فرد سريعا:الأسم سالم!وارتاح الخليفة للرد الذكي، فقال:كلامكم حلو وأفعالكم بطّالة! كما انتشرت الظاهرة بعد الغاء الرق في مطلع القرن الماضي.
ساعد وجود هذه الظاهرة ?ولو بصورة محدودة- في اوساط التعليم الحديث، في عملية الخفاض العقلي بطريقة غير مباشرة. لأن الممارس أو المتهم بهذه الممارسة، يحرم من القدرة والجرأة في ابداء الرأي أو النقد أو المواجهة والصدام. فهو يكون شخصية مترددة وخائفة وغير واثقة. فقد كان نظام الداخليات أقرب الي معسكرات الجيش البريطاني سيئة السمعة. وقد اشتهر الكثيرون من الاساتذة البريطانيين ولاحقا السودانيين المتورطين في علاقات شاذة. ويعرف جيلنا والجيل السابق له، شخصيات اسطورية مثل (مستر يودال) التي جابت شهرة افعاله الآفاق. ورغم هذه السمعة فقد لعب دورا أخر بين الخريجين. وىقول كشة وبخيت:-” تشير بعض الروايات الي ان مستر يودال دعا بعض كبار الخريجين من شباب تلك الفترة الي اجتماع في منزله في مطلع عام1921. وقد فوجئوا بيودال يتحدث لهم لاول مرة حديثا سافرا في السياسة وامام مجموعة كبيرة أي ليس فرديا. وكان الحديث حول مقال في جريدة (التايمز) عن السياسة الانجليزية في السودان وما يجب أن تتجه اليه؟ وكان يركز علي ان يكون السودان للسودانيين وأن السياسة الانجليزية في السودان يجب أن تهدف لاحداث هذا الغرض. ”
لم تتوقف الظاهرة بعد خروج الاستعمار، لأن النظام التعليمي لم يحدث فيه تغيير واستمر بنظمه وداخلياته مع انضمام مجموعات من اساتذة مغرمين بتدريس الأدب الخليع من غزليات ونواسيات. وكان هناك من يجهر باتجاهاته المنحرفة. نقرأ في قصيدة ل (ابراهيم محمد عبدالعاطي) ما يلي:
فلست بتارك غزلي وغيي ولست بعاشق دار القيامة
احب اليّ في الدنيا غلام رشيق في ملامحه وسامة
لم تكن المناهج التعليمية قادرة علي تكوين عقول نقدية ومشاريع مثقفين وعبثت ايدي الاخوان المسلمين القادمين من مصر بمخطط السيطرة علي التعليم. فقد كنا ندرس-اجباريا-كتاب:”شبهات حول الإسلام”، لمحمد قطب وفي الأدب الإنجليزي :كتاب (Animal Farm) .
احتج البعض علي هذا النوع من التعليم الذي لا ينتج غير عقل مختون. ولكن الاستعمار لم يكن يريد غير هذا العقل، لذلك تمسك بتسمية الافندية ولم يتسخدموا قط كلمة مثقفين. ويقول عنهم ( ترمنقهام):-” الافندية ليسوا طبقة بل اتجاهميول لانه ليس لهم موقع في المشروع الاجتماعي التقليدي (. . . . ) لم يمثل الافندي قطيعة وابتعادا من النظام القائم ولكن الميل أو الاتجاه الثقافي والاقتصادي للحياة قد يقود الي التغيير الاجتماعي. الافندية هم الذين حصلوا علي تعليم حديث وطريقة ملبس غربي وقطعوا مع الحياة الثقافية والاجتماعية. “ولكن يستدرك بأن القطيعة لا تذهب بعيدا لأسباب تتعلق بقدرات العقل. ويواصل:-” تعليمهم تناقضي وليس تكاملي، لقد عرض عقولهم لارتباك سريع الزوال ولكن ترك ارواحهم جوعي. لقد تعلموا كيف يؤدون عملا كتابيا ولكن لم يعلموا كيف يعيشون. ” (ص258)
ويقدم هذا التصنيف للافندية أو خريجو الكلية:
1. الرافضون يتحولون الي مسلمين متعصبون.
2. غير مؤمنين سرا متمسكين بالنظام الاجتماعي ولكن لا يلعب الدين دورا كبيرا في حياتهم.
3. الاغلبية هي التي تفصلوتحتفظ بالاثنين. شخصية منفصمة.
ويختتم:” لا تذهب علمانية المتعلم بعيدا عند الازمات يظهر تأثير الحوش وسنوات التكوين الاولي الملئية بالغيبيات. مثقف جبان ينقد الماضي في دائرته فقط. (ص259-260) كتاب:الاسلام في السودان- الطبعة الانجليزية.
لم يحاول الافندية القيام بواجب المثقف والمفكر في مجتمع نام ، وذلك بسبب العقل المختون القاصر. ولكن وجد الافندية في الخمر”والقعدات”بسبب ضيق مجالات الترفيه والتجديد خاصة مع انعدام أو قلة المسارح والسينما والاوبرا وصالات العرض والمتاحف، وضآلة اشكال الفنون الابداعية. والاهم من ذلك المجتمع غير مختلط والمرأة توجد في الخيال والاوهام. سادت عزلة الصفوة الا مع تفسها وشللها المغلقة. تحولت اندية الخريجين لاندية الموظفين للعب الورق والتخطيط للقعدات لاحقا، خاصة في الاقاليم. يوم رتيب للعمل خال من الابتكار وملئ بالخبث والتآمر ثم امسيات وليالي اكثر ضجرا لايكسره فرح الانتصار في لعبة كونكان اربعة عشر مثلا. ولنقرأ معا وصف واحد منهم لليل في حياة المثقفين او الافندية، يقول (ابو القاسم عثمان):
بعد عشرين تقضت هاهمو رفقة العمر يغذون المسير
في دروب عبث الصمت به وطواها بالاسى ليل طويل
وهمو في الليل وهم لا يفيق
العظيم الشهم منهم والحقير والغني الجيب والشيخ الفقير
فكرة تسمو بنا حتي نري صفحة البدر واشراق العبير
ثم ننحط خوارا أو نهيق
ايها السكران من خمر الهموم غننا بالليل فالليل نجوم
غننا بالدن أو بنت الكروم قبل ان تزحف هاتيك الغيوم
قبل ان تنبت ازهار الجفاف
انما الخير حظوظ ونصيب وكذاك الشر فالامر عجيب
هكذا نغرق في البحر الرهيب ثم نطفو مثلما يطفو المشيب
نعشق الفجر كما نهوى المغيب
قد شربناها كويسات زكت ورقت بالعقل شوطا وسمت
ثم نحصد العمر ندى سائلا كالدمع من عين بكت
وثوت خلف تخوم العالمين
هكذا ايامنا تأكلنا هكذا ساعاتنا تشربنا
ثم نشدو انما الدنيا انا بيد انا ما عرفنا مالنا
لا وما زلنا كبارا عابثين
واخيرا، لم ينقذ التعليم الحديث، بعواره، الافندية من حيرتهم وعبثهم، لتكتمل عملية الخفاض العقلي رغم هذا الكم من الشهادات والملايين التي صرفت عليهم. ولوصرفت علي التركتورات والحاصدات لحققت البلاد نهضة تنموية.
اشتغلت هذه العوامل ضمن بيئة اجتماعية مواتية، تتمثل في مجتمع احتفظ بعلاقات البداوة ولم تستوعبه العلاقات الحضرية رغم الهجرة من الريف الي المدينة. وتميزت العملية الاجتماعية بترييف المدينة والحواضر. وانتشرت في العاصمة ظاهرة نادي ابناء الزومة أو ابناء سكوت المحس. ومن ناحية اخري، طوّر الافندية الاسرة الاستهلاكية بقطبيها: الحبوبة التي تفرض كل الطقوس والتقاليد البالية في التربية، مع زرجة “متعلمة” ولكنها استهلاكية-تفاخرية تشارك بفعالية في خفاض جديد يطال عقل الزوج الافندي.
*****
يبقي سؤال هذا المقال المحوري:
كيف اوصلنا الخفاض الفرعوني لعقل الممثقف السوداني الي حكم الجبهة الاسلامية وقيام الدولة الدينية في القرن الحادي والعشرين؟ وهذا هم الحلقة القادمة.
لك التحيى والتجلى دكتور حيدر
قطرة ماء………. في صحراء الخواء السودانية
كل الشكر علي هذا المقال و الجهد في زمن الكسل الفكري
مقال فكري حصيف. شكراً د. حيدر. ولكن …
من تخاطب بهذا المقال وهذا الفكر ؟
إنه نفس العقل المختون الذي تحدثت عنه.بل والذي تم ختانه من الجذور (مع نظم التعليم الجديدة)
إنه نفس العقل المختون الذي جل همه “دعوني أعيش”.
إنه الخواء الفكري الذي نصب نفسه حاكماً وقاضياً ولايدري إنه خواء.
ليتك تبدأ وتقود من جديد عملية البناء الصحيح للعقل السليم. لايهم متى يكتمل البناء بل المهم أن نبدأ وهذا أقل حق علينا تجاه الإنسانية.
يا سلام يا استاذ حيدر على الحوار الفكرى الجميل..
أرني وضعا أكثر بذأة مما نحن فيه؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لقد لخصت الحاله السودانيه الفكريه فى هذه الجمله
الاصيل د حيدر لقد وضعت يدك علي الجرح تماما وفي انتظار رش الكثير من الملح علي هذا الجرح المتقيح لازالة وتنظيف هذا الصديد الذي ابتلينا به طويلا وصراحة اعجبتني والله عندما تحدثت عن المسكوت عنه في تاريخنا الملئ بالاكاذيب وهذا الجانب المخفي من التاريخ والثقافة السودانية واعجبتني اكثر فكرة ختان عقل المثقف السوداني وعدم قدرته علي التغيير ولكنه يمتلك قدرات هائلة في النقد والنقد الهدام دون تقديم مشروع واحد لحل ازماتانا الحقيقية وبكل اسف معظمهم يغردون خارج السرب لك ودي
مقال رصين وشجاع ولكن أظن فات أوان اصلاح المثقف السوداني ذلك أن الثقافة الموسوعية نفسها انتهى زمنها في كل العالم وأصبحت العولمة القاهرة تنمط كل الثقافات بحيث تعيش على قشور ثقافة الاستهلاك الأمريكي
من بقى من المثقفين السودانيين عليه أن يركز على أكله وشربه حتى يأخذ صاحب الوديعة أمانته أو يهاجر الى بلدان العالم المتقدم ويذوب هناك في الجموع الباحثة عن حياة متمدنة.
فقط لو استطاع المثقف السوداني أن يصل الى مرحلة تأمين الأكل واللبس ليقضي بقية عمره سعيداً تحت شعار:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها *** واقعد فانك أنت الطاعم الكاسي
الخروج من المأزق
1- اعلاء أهمية وضرورة الحوار وتعلم آدابه
2- التمسك بالحرية كقيمة انسانية وشرعية
3- الاصلاح يتم بصلاح العلماء والامراء وعليه تشجيع النابغين لدخول الكلية الحربية والعلوم الشرعية والانسانية.. علما بان كليات الطب لا تحتاج للأذكياء Any donkey can be Doctor
4- الامه لن تستيقظ الا بالاسلام والبحث عن افكار أخرى مضيعة للوقت .. وحتى لا تصطدم الامة بالتطبيق المشوه كالمهدية والختمية والانقاذ فعلى المصلحين وضع الضواط والثوابت لمنع الانحراف
5- الاهتمام بالتعليم لا التلقين
6- من عمل بما علم اورثه الله علم ما لم يعلم
0912923816
0123652351
كفيت ووفيت..
اليس من خطل القول وختن العقل ان العصبة المنقذة قد جمعت حولها البروفات والدكاترة وهذا هو الحال؟؟
وكذلك في الشارع تسمع (الرد بالسد – البشير رمز السيادة الوطنية – وكثير من فارغ القول ونتن الحديث)
لولا ختن العقل كيف يستمر نظاما 23 عاما وقد اغتصب الرجال ناهيك عن النساء وسقى الناس ماء مخلوط بالغائط او سقاهم الوهم
وبنى مشاريع القروض الربوية والبلد ملئى بالخيرات
وعذب وقتل وشرد والجا الملايين
good thing
شكرا د/ حيدر،
أشكرك وأشتكي ليك:
لقد ختنوني ههنا.. فمنذ يومين أرسلت مقالا لم ير النور/
فلقد تجرّأت على الطائفيّة..، وفكرها الخائب!
من زرايب القيم الجديدة
عوج شفناهو ماسمعناهو في قول زول ..
قال بنات دقوها دق العيش ..
ولاد ما أندقوا في شبال ..
بقت في غصة الأيام ..
قيم غنيتا يا قدال ..
قيم شلناها عمة وتاج ..
أزهري محمد علي
العور والعهر الفكري البتمثل في العنصرية بشقيها الديني والعرقي يخلي ( النبيحة ) بهتاف الله أكبر شايلين سواطير وسيوف وسيخ يجاهدون وسط الخرطوم
ليس طلباً لغردون بل طلباً للطلاب …….!!!!
دكتور حيدر ماذا تقصد بكلمة عقل المثقف السوداني بدءا وكيف يتم خفاض لشيء غايب أصلاً ما لم تكن تتحدث عن المورفولوجي أحيلك لتاريخ السودان مقارنة بتاريخ أي بقعة أخرى في العالم وقارن موقع المثقفاتي السوداني بالمثقفين في باقي العالم.
ثانيا لا أظن أن بذاءة الشاعر الجميل الرائع مظفر تستطيع التعبير عن بذاءة الواقع السوداني فهو لا مثيل له و النخبة السودانية,هذا إن وجدت أصلاً,هي نخبة في ملابسها و سيارتها ومنازلهم الأفرنجية
Well Done
الشباب يواجهون اسئله صعبه ووجود الميديا ووسائل الاتصالات =جنبهم الختان الفرعوني = الا ان المخفوضين يلاحقونهم واوضح مثال هو الصادق المهدي الذي يتباكي ويدين طرائق الشباب
اعتقد ان الختان الفعلى والحقيقى للعقل السودانى بدا يوم 30/6/1989 ..هذا التاريخ المشؤوم هو بداية الانحسار والانكسار الحقيقى للعقل السودانى ..والا فقل لى كيف لشعب قهر الظلم مرتين فى اقل من ربع قرن ان يصبر ثلاثة وعشرون عاما على ذل هو الاخطر والاكبر فى تاريخه؟؟؟!!!نتمنى زوال هذه الضبابية من العقل السودانى ليفيق ويحطم هذه الاغلال النجسة التى كبدته طوال هذه السنون….
الأستاذ المفكر المحترم حيدر ابراهيم علي تحياتي
انك قمت بتشريح دقيق للعقلية السودانية التي لم تستطع ان تقدم للسودان الي الآن اي تقدم يذكر بعد 56 سنة من الأستقلال ؟؟؟ ورؤسائنا الكرام الميتين والأحياء لم يقدموا للسودان شيء يذكر ؟؟؟ حتي في مكافحة جريمة الختان التي تذكرها لم يتجرأ احدهم بمكافحتها ؟؟؟ وأكاد أن أجزم انهم طبقوها علي بناتهم ؟؟؟ والصادق المهدي خريج اكسفورد العريقة بدأ التحدث عنها وهو خارج السلطة ؟؟؟ وكان يتوقع منه ان يصدر قرار بتجريمها وهو في أعلي السلطة عندها كان سيكون له الفضل في انقاذ الكثيرات من هذه الجريمة النكراء والتي لا يرضاها دين ولا عقل ؟؟ والمرء يتعجب في حكام الخليج الذين يومياً يصدرون قرارات في صالح شعوبهم حتي اصبحت دولهم منارة لكل منحي من مناحي الحياة تعليم علاج تجارة فنون الخ ويصفهم بعض سذجنا من حكامنا بالعرب المغفلين !!! وفي نفس الوقت يأتونهم منكسرين للمعونات والأستدانة وكذلك للتعليم لأبنائم والعلاج والتسوق لأسرهم ؟؟؟ وينطبق عليهم القول ( لا يدري ولا يدري انه لا يدري ) المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان علمته الصحراء وشظف العيش الأهتمام والأخلاص لرعيته فكون دولة عصرية قوية اصبحت وجهة لشعوب العالم في زمن قياسي ؟؟؟ والشهادة التي يحملها هي شهادة الأنتماء لشعبه وحبه لهم من جامعة الصحراء القاحلة التي حولها الي واحات ومزارع وزرع كميات لا تحصي من النخيل والآن سنوياً يهدي جميع الدول العربية مائات الأطنان من التمور الفاخرة ؟؟؟ قد يعزوا البعض هذه النهضة السريعة الي الإمكانات المادية وأقول لهم ان هنالك دول تملك اضعاف ما تملكه الأمارات ولا يعيش شعبها كشعب الأمارات الكريم والفضل في ذلك يرجع للفكر والعقلية الجبارة لحكامها الذين كان بأمكانهم ان يبددوا هذه الثروة بسهولة ويحرموا شعوبهم ؟؟؟ علي سبيل المثال لماذا لم تخطر علي بال اسماعيل الأزهري فكرة التنقيب عن الذهب وكنا ندرس ان محمد علي باشا فتح السودان لأخذ الجنود والذهب وهو كان مدرس ويعرف ان أرض السودان مخزون بها الذهب؟؟؟ لماذ لم تأخذه الغيرة من جمال عبد الناصر ويخطر علي باله عمل خزان كالسد العالي للحصول علي الطاقة الكهربائة الرخيصة وإستقلالها في الصناعة ؟؟؟ انه رفع العلم ونام ؟؟؟ لأنه كما تقول هو ومن معه من وزراء عبارة عن أفندية مختوني العقول ؟؟؟
اننا نتفاخر ونحب التفاخر بكل ما هو سوداني حتي الجلابية والتوب والسروال والمركوب ونتغني بها والآن تبوأنا بجدارة زيل قائمة جميع الدول في كل شيء الا في الفساد فأننا في رأس القائمة بجدارة وخلي المركوب والبشير ينفعونا ؟؟؟
المكرم حيدر ابراهيم السلام عليكم ..
برغم أنها مقاله(صادمة)للمثقف لكنها(قويه).. ففى زماننا هذا تبين لنا بوضوح حقيقة تلاشى دور النُخب المثقفة لصالح شريحة واسعة من (المُتعلمين)تتسلح بحساسية عالية تجاه الحُرية الشخصية وبقدرة تقنية على توظيف وسائل الاتصال لخلق عالم يتحرك بأكمله داخل فضاء وسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعى كما نفعل بالراكوبا.. فهذا النمط لا يُنتج (نخباً) مهمتها إنتاج معرفة وتطوير فِكر بل هى حالة جماعية يُساهم فيها الكل بخلق (وعى عام) تجاه مختلف قضايا الحياةوالوطن..
* فالمثقف التقليدى اكتشف أنه عاجز عن التواصل الفِكري والمعرفى مع أجيال(الفيسبوك)واكتشف أنه إزاء لغة جديدة ومفاهيم جديدة تتعلق بالحرية الشخصية لها مفرداتها وبنيتها الفِكرية فالحرية التى كان يُنادي بها المثقفون هى حرية سياسية تُعنى بحرية الوطن والمجتمع .. وما أثار دهشة واستغراب المثقف هو استعداد الشباب ليُقاتل دفاعاً عن افكاره ومفاهيمه بجرأة عالية وبثقة المؤمن بحقه..
* فلنعترف أخ (حيدر)للساده ألمثقفين بأن كل شىء قد(تغير)فالتغير الذى طرأ (أعمق)وأكبر مما نعتقد.. فمهما تغيرت الموازين واختلفت المواقع فإن صيرورة التاريخ لا تتوقف ..فالأوضاع الراهنة أضحت تقتضى أكثر من أىّ وقت مضى التساؤل عن الأدوار المنوطة بالنُخب السودانية بالبحث عن السُبل الكفيلة بتحسين أدائها..لتراجع دورها التنويرى المؤثر بالمجتمع..
* فموضوع انحسار دور النُخب لهو موضوع مُتعدد الأبعاد وفيه إشكالات متعددة.. لاننا نعيش فى زمن أصبح التردى الشامل يُهيمن على رقعة الوطن ..وعلى جميع المستويات.. صار دوره(منمط) مهمش يعيش فى الظِل.. يجب أن يكف لنكون مجرد مستهلكين لخطابات فجة مسمومة ومغرضة لا معنى لها..
* على كل مثقف سودانى (مخفوض)الفِكر ان يُعيد الثقة بنفسه وبقدراته وأن يعى بأن المستقبل هو لإرادة الشباب وأن معانقة القضايا الانسانية فى شموليتها لا يُمكن أن تنجح إلا بإبداعات تمثل نضالات الشباب بأخطبوط العولمة الذى يزحف نحوالجميع حارقاً بطريقه الاخضر واليابس هذه هي المواجهة الحقيقية التى اصبحت تفرضها مرحلتنا الحاليه لمواجهة كل أشكال الهيمنة والتنميط وكل أشكال التقوقع والتعصب والتطرف ..
* فى الختام أخ (حيدر) لابد أن نتحاور معكم ك(نُخب) تنويريه ولن يكون ناجحاً ومثمراً ان لم يكن حِوارا شفافاً حُراً صريحاً مع محيطنا فى خطوة أولى نحو (خلخلة) مفاهيم(قديمه)ونعترف كشباب أن الكثير منا
تحكمهم الصراعات والحروب الكلامية والمسلحة.. ليُصبح أىّ حديث عن توحيد المواقف والجهود لمثقفى السودان للخروج بموقف موحد للشباب أمر صعب إن لم تقل مستحيل بسبب (الخِفاض) الفكرى والعقلى..
* الجعلى البعدى يومو خنق .. من ودمدنى السُـنى …
الاستاذ حيدر طرح مؤسس وتشريح عميق لامراضنا النفسيه العضاله التى الت بنا منذ سقفت عقولنا او خفضت كما تفضلت الى براثن المعتوهين فى حالنا الحاضر.
تحية اجلال وتقدير د.حيدر ابراهيم
عدت بي الي زمن كنت اتمني لو حضرته وفارقته منذ زمن بعيد
تجرعنا من مرارة هذا الزمن ومخلفات الماضي .. قد كنت أرسم في مخيلتي
صورة فارغة …. ليت هذا الليل لا يطلع فجرا …
الان نحن في فترة مخاض ميلاد وطن جديد .. نحتاج الي غسله من الاراجيف
ومسحه من الكيزان والاسلامويون وتطهيره من اؤليك المختونين عقليا وفكريا
ولكن نحتاج الي مئات السنين او الي الاف السنين حتي تستقر عقول الذين ولدو
في الفترة 1989 الي الان … والا لم ولن نفلح في شئ ………..
التغيير الان وليس غد ……
مقال في غاية… غاية الأهمية
قيل ..من شاب علي شئ شاب عليه.
في رائي المتواضع ان (الطفولة البائسة) للمثقف السوداني …هي من اهم اسباب (الختان العقلي) للمثقف السوداني.
فالي حين قريب …ولعدم تعلم الام السودانية… والسطة الأبوية المطلقة وما رافقها من (قهر) .. نشاء وترعرع المثقف السوداني في بيئة( لا تحترم الطفولة )
مشكلة المتعلم والمثقف السوداني تربويه وبامتياز …. مهما انكرنا….
القلم ما بزيل بلم …اسر قروية ترسل ابنئهاها الي المدن …فحصلو علي شهادات وألقاب علمية …ومازالو يحتفظون (بعقلية القرية) ….
يعشقون ( المشي جنب الحيط) …والعيش في (عيون القرية) و (الاخرين) ….ولا يشعرون بالأمان النفسي اءلا فيه….ويرفضون ويخافون التفكير خارج الإطار الذي وضعه النظام الديني السلطوي الأبوي القائم علي القمع والإرهاب … وبخاصةارهاب الطفولة..
انهم نتاج (الطفولة البائسة)….وعدم التربية ( بالمفهوم الواسع للتربية) …ففاقدالشئ لا يعطيه! وقليلون هم (ولاسباب مختلفة ) من استطاعوا فك اسر (الطفولة البائسة) …وبالتالي التفكير خارج الصندوق الذي وضعوا فيه … ومنهم انت ىا استاذي الجليل.
الثقة في النفس …واحترام العقل ….وقبول الاخر…..ووضع الخلوة والقهر البدني والنفسي والثقافة القروية الدىنىة في مكانها النفسي المناسب عملية تحتاج لجهد عقلي واستقرار نفسي يصعب علي الغالبية منهم!
نعم المشكلة .. مشكلة تربوية وحضاريه واءلا بماذا نفسر الذي (يحدث).
لابد من تشخيص الداء قبل الدواء ….نعم مشكلتنا (الختان العقلي )الذي ويسيطر علي عقول معظمنا. والإنقاذ تدرك وتفهم وتستخدم هذا بجدارة!! .
في رائ المتواضع لا يوجد الان امامنا سوي طريقين لا ثالث لهما
انتظارابنائناالذين( تربوا يشئ من الاحترام لطفولتهم ) وتحرروا من (القرية ..والختان الفكري) واختبرو وتعايشوا وصادقوا (الاخر) فكرا ومكان … ليصنعوا لنا بلدا …. يواكب الحياة.
او ان تنزع (الأقلية) المدنية الواعية والمدركة لمعني الحياة…. السلطه باي وسيلة… وهذا ما تحاول القوي الثورية المقاتلة وغير المقاتلة فعله.. ….لإعادة السودان لما قبل سبتمبر 83 .. مع مشروع حضاري جديد (تدريجي ) يوازن بين الدنيا والدين … ويحترم الطفل!!
تحرروا ومدوا ايديكم بكل الوسائل والسبل لبعضكم البعض …شرق غرب شمال وجنوب …وحاولوا زراعة( الثقة) في انفسنا …وبيننا.
فومشوار الالف ميل يبداء بخطوه واحده …
ومرة اخري الشكر وكل الشكرالاخ حيدر لطرحكم هذا الموضوع البالغ الأهمية.
الافندي و الخريج هم الاقل عطاء و انتاجاو الاكثر سفها نحن في حاجة لهذه الافكار الجريئة الصادمة حتى نتخلص من العنطزة التي جعلتنا في ذيل الامم
د.حيدر يريد أن يقول أن العقل السوداني الفذ حُرم من الاصطدام المباشر بالحضارات والذي يلقح الفكر ليُخرج لنا ثمار جديدة متغير طعمها وتكسر الملل من طعام
واحد فأتتنا هذه الوجبات عبر ( فيلتر) مصري فكانت غير نقية ومشوبة بالفرعونية فلذلك غلب على فكرنا كله هذا التلوث الفرعوني حتى الإسلامي والعربي منه
جاءنا بالنكهة المصرية ، لذلك لما تغير الواقع والظروف وخرجنا للدنيا التحمنا وانتجنا فكر هجين آخر لكننا برغم ذلك كان يُشار لنا بالبنان على حسن التربية التي
يتهمها البعض هنا بالسوء جزافاً وحتى اليوم نُحترم لا لحضارة او فكر برغم وجوده لكنا احترامنا ينبع من التربية السليمة والمتميزة والشديدة الثبات على القيم
المثبته في جيناتنا ويصعب تفكيكها وماينقصنا برغم أهميته لكنه يمكن تعويضه طالما أن هناك نفوس نقية لان الاصطدام بالحضارات والأفكار ليس بالشئ السهل
وما فكك العرب الا اصطدامهم بالحضارات وهبوط النعم عليهم بغزارة نريد الفكر من أجل تعلية قيمة الانسان لا البنيان والمال والحضارة الحديثة لا تقيم أمة وان
كان يظهر خلاف ذلك القيم هي التي تظل مغروسة حتى في الجينات وهي هوية يمكن التعامل بها في أي مكان في الأرض