
مرت علينا خلال شهر ابريل الذكري الأولي لاِنتصار ثورة الأجيال التي فعل فيها الشباب أشياءً شبهة مستحيلة ؛ من أجل هزيمة نظام باطش؛ اِرتكب أسوا أزمة اِنسانية في القرن الحادي والعشرين ؛ والتي كان مسرحها اِقليم دارفوركما أكدتها تقارير الأمم المتحدة. جاءت الذكرى الأولي للثورة التي اِستخدم فيها شباب السودان نهج اللاعنف كوسيلة للتغييرالسياسي والاِجتماعي ؛ وهي الوسيلة التي هزمت العنف الموجه ضد المواطنيين ؛ والصراع الدموي الذي اِستمر لأكثر من نصف قرن حصد خلالها الملايين من أبناء وبنات الشعوب السودانية في مختلف الأقاليم والمدن ؛ خاصة الذين كانوا يحاولون في سعيهم هدم دولة الاستعمار الداخلي واِعادة هيكلتها وتوزيع الموارد وفقا لأسس جديدة تساعد علي اِستدامة السلام والعدالة الاِجتماعة واِرساء القيم الديمقراطية . ولكنهم كانوا دائما يصطدمون في سعيهم بسلطات باطشة وأحزاب متاَمرة علي قضاياهم.
في شهر أبريل من العام 2019 اِنتصر ثورة الأجيال السودانية بعد أن تخلت عن الخوف من تكاليف التغيير وعن أدوات الماضي التي ظلت تستخدما لأكثر من ربع قرن من الزمان في مواجهة نظام الانقاذ الذي كان لا يبالي في اِستخدام كل الوسائل التي تساعده علي اِذلال الشعب ؛ والتحكم بقدراته ونهب ثرواته وقتل أفراده بواسطة حروب عبثية من اجل الاِستئثار بالسلطة وممارسة الاِستبعاد السياسي والاقتصادي والثقافي والاجتماعي للاقاليم المختلفة.
تسعي هذه الورقة الي فهم وتحليل ما جري خلال عام من سقوط نظام الاِنقاذ و صعود الحكومة العسكو-قحتاويٍه ذات الراسين الي دفة القيادة ؛ فضلا الي تقديم قراءة نقدية للتجربة المزدوجة وذلك من خلال التركيز علي قضايا القيادة ؛ والتحول الديمقراطي و السلام الشامل ؛ بالاِضافة الي اِستكشاب البدائل والخيارات المتاحة التي يمكن أن تقود المجتمع السوداني الي بناء دولة المواطنة والحريات العامة.
اولا: في محور القيادة لا يختلف أثنان بأن ثورة الأجيال التي أسقطت أعتي نظام حكم ديكتاتوري في المنطقة ؛ تمت باِراده صادقة ؛ وشعارات قوية وواقعية (تسقط ..بس ) لامست نبط الشارع وأهدافه ؛ عكس الشعارات التي رفعتها الأحزاب السياسية من قبل (سلم ..تسلم ) وهي كانت شعارات غير واقعية وغير دقيقة ولا تسندها اِستراتيجيات وأهداف يمكن مراقبتها و تقيمها في كل مرحلة من مراحل النضال.
لذلك لا يستطيع أي محلل سياسي أن يجادل أو ينكر بأن أحد أسباب نجاح ثورة الأجيال هو الاِنسحاب الواضح لقيادات الأحزاب السياسية من المشهد خلال مراحل التحرك الجماعي للمواطنيين وتصديهم بشجاعة منقطعة النظير لكل محاولات القمع والعنف التي كان يستخدمها نظام الانقاذ البائد ؛ بل اِكتفت هذه القيادات المنسحبة أثناء المواجهة بالظهور خلف الميكرفونات وأمام عدسات المصوريين وفي داخل الصواليين المغلقة دون أن يأخذوا زمام المبادرة في تلك اللحظات الحرجة من تاريخ البلاد بل هناك من شكك في قدرات الشباب واصفا تحركهم الثوري ببوخة المرقة ؛ ولكن هذا الغياب اِنعكس بشكل كبيرعلي سلوكيات قيادة المرحلة الاِنتقالية ؛ التي ينظر اليها الناس بأنها جاءت أقل من الفعل الثوري وطموح الجماهير التي تصدت للاِنقاذ بصدورٍ عاريه.
بالرغم من وجود اَراء ومدارس تقول بأنه من المبكر الحُكم علي تجربة الحكومة العسكو-قحتاويه من حيث الفشل أو النجاح خلال عام واحد فقط في السلطة ؛ لأن نتائج الثورات لا تتضح بين ليلة وضحها ؛ خاصة وأن الفعل الثوري عباره عن عملية مستمره ومتغيره وبحاجة الي فترة زمنية طويلة حتي تستقر ماَلاتها ؛ ولكن هذا الراي غير منسجم مع اَراء ومدراس أخري تعتمد علي عملية المراقبة والتقييم المستمر خلال كل مرحلة من مراحل الثورة كي تتحقق من صحة الأهداف والاِستراتيجيات التي تم اِتخاذها ؛ فمن هذا المنطلق جاءت فكرة تحليل الفترة الأولي لحكومة ( ق ح ت) من حيث الاِنجاز والفشل.
منذ أن تولي الدكتورعبدالله حمدوك رئاسة مجلس الوزراء بأمر قوي الحرية والتغيير (ق ح ت) ظل يشعر بضغط من الجماهير التي كانت تأمل أن يتمكن هو ووزرائه من قيادة السودان نحو مستقبل أفضل بعد أن تخلفت البلاد عن ركب التقدم والازدهار لمدة ثلاثة عقود ماضيه ساد فيها الركود الاِقتصادي والقمع السياسي والفساد الهيكلي والاِنتهاكات الجسيمة لحقوق الاِنسان . ولكن هذا الأمل والطموح بدأ يتسرب من بين يدي قطاعات كبيرة من المواطنين الذين أحدثوا الثورة ؛ نتيجة لعجز الحكومة العسكو-قحتاويه في اِتخاذ قرارات شجاعة واِتباع سياسات اِقتصادية سليمة تحقق الاستقرار في الأوضاع المعيشية للناس .العجز الحكومي لم يكن بسبب التردد الحذر للقيادة المدنية فقط ؛ بل هناك عوامل أخري ساهمت في ذلك ؛ أبرزها وجود اللجنة الأمنية للنظام السابق بقيادة الجنرال البرهان علي دفة القيادة ؛ وهي اللجنة التي رفضت التوقيع علي الوثيقة الدستورية الا بعد ضغوطات خارجية كادت أن تعصف بالعملية السياسية بأكلها.
الوجود المركب للحكومة العسكو- قحتاويه لم يصنعه الثوار أو لجان المقاومة أو المزارعين والرعاه أو اللاجئين والنازحين في معسكراتهم ؛ بل صنعته النخب والاحزاب السياسية المتصارعة حول الكرسي ؛ والتي اِعتمدت بشكل أساسي علي شعارات الثورة دون الاِهتمام بتحقيق تلك الشعارات في أرض الواقع ؛ لذلك فشلت هذه الاحزاب بشقيها النخبوي والطائفي الأسري في الاِتفاق حول مشروع وطني جاد يستطيع أن يخرج البلاد من أزماتها التاريحية.
سعت كل الأحزاب ونخبها الحديثة من قيادات (ق ح ت) الي التشبث بالقوة العسكرية والمليشيات بدلا عن الجماهير من أجل ضمان وجودها في مركز صناعة القرار. هذا الهروب المخزي للنخب السياسية واِستقوائها بالمكون العسكري يؤكد ضعفها وعدم قدرتها علي أحداث التنمية السياسية ؛ وعجزها التام عن ممارسة الديمقراطية حتي في داخلها ؛ بل ظلت تعتمد علي نموذج المحاصصة كاِستراتيجية للوصول الي السلطة.
هذا المشهد المرتبك والمتناقض الذي أوجدته قوي الحرية والتغيير مَكًنَ اللجنة الأمنية لنظام البشير من صناعة المناطق المخيفة لحمدوك وحكومته ؛ وهي مناطق ممنوعة من النقد أو اللمس ؛ مثل محاكمة رموز النظام السابق واِسترداد اموال الشعوب السودانية التي تم نهبها خلال 30 عاما ؛ فضلا الي قضيايا العدالة الاِنتقالية وتحرير الشركات التي تخضع اِدارتها للمؤسسة العسكرية بدلا عن وزارة المالية والتخطيط الاِقتصادي بالاضافة الي قضايا السلام الشامل والتحول الديمقراطي. شكلت هذه المناطق حاجزاً مخيفا أمام حكومة حمدوك التي يفتقر معظم وزرائها الي الحنكة السياسية والقدرة علي اِتخاذ القرارات الاستراتيجية القادرة علي اِحداث تحولات كبري في تاريخ البلاد ؛ ولكن فقط اِكتفت الحكومة المغلوب علي اِمرها بالظهور بشكل متقطع عبر لجنة اِزالة التميكين كي تزيع علي المواطنين قوائم لأراضي سكنية تم الاِستيلاء عليها بواسطة فاسدي النظام البائد ولكن هذه القوائم لا تعادل سواء نسبة ضئيلة جداً من مطالب الثورة العظيمة.
بالاِضافة الي ذلك يعتبر ضعف الأداء الحكومي هو أحد العوامل الرئيسية التي أدت الي فشل الحكومة الاِنتقالية من تحقيق ولو جزء مقدر من اِستحقاقات الثورة في عامها الأول ؛ حيث كان أداء معظم وزراء قوي الحرية والتغيير دون الطموح والعشم الثوري ؛ خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها بلادنا الاَن ؛ فاِذا أجرينا تحليلاً لأداء وزراء حمدوك سوف تكون المحصلة النهائية لم ينج أحد باِستثناء وزراء الصحة والعدل واَخيراً المالية والاِقتصاد ؛ لأن معظمهم وصولوا الي كرسي السلطة من خارج رحم الثورة عن طريق المحاصصة ؛ لذلك لم تكن لديهم رؤي وأفكار سياسية قادرة علي اِخراج البلاد من مستنقع الفقر- المرض والحروب الطاحنة ؛ بل ظلوا حبيسين لاشواقهم النخبوية وتياراتهم السياسية المتصارعة حول السلطة المركزية.
مرض اِفتقاد الكفاءة السياسية لم يصب بعض وزراء الحكومة العسكو- قحتاويه فقط بل اِمتد الي النخب السياسية وأحزابها وتياراتها من قيادات النادي السياسي القديم ؛ والتي باتت عاجزة عن تقديم مشروع وطني خالص تتجاوز به محطات المحاصصة والقيود الخارجية ؛ وتقود البلاد نحو دولة المؤسسات والعدالة الاِجتماعية والحريات العامة ؛ ولكن عجز الأحزاب جعلها تتصارع حول السلطة وتترك قضايا التنمية السياسية والاِجتماعية والسلام الشامل في طي النسيان.
ذلك لم يكن أكثر الناس تشاؤماً من عبثية المشهد السياسي السوداني أن يتوقع وصول الأوضاع الي هذا الحد من التدهور والاِنهيار في قطاع الخدمات الأساسية الي هذا الحد الذي وصلنا اليه اليوم ؛ ولكن هذه الصورة القاتمة التي خطط لها النظام البائد من أجل اِفشال المرحلة الاِنتقالية اِلتقطتها أحزاب سياسية مهزومة جماهيريا ؛ وقيادات حكومية ترتجف من اِتخاز القرارات التاريخية التي تعيد الوطن الي دائرة النمو والتقدم ؛ لذلك يمكن للمشاهد أو القارئي الحصيف أن يقول فشلت حكومة ق ح ت في وضع الدولة السودانية في مسار التحول الديمقراطي الصحيح وتحقيق الحد الأدني للحرية والعدالة الاِنتقالية التي تشجع ضحايا النظام البائد من الاِنخراط في الحياة السياسية والاِجتماعية دون مخاوف من تكرار التجارب السابقة.
صحيح بأن هناك اَراء تقول بعض التيارات والقيادات السياسية داخل الحكومة أو خارجها من قوي الحرية والتغيير تعمل علي تعطيل مكافحة فساد النظام السابق ؛ وتحرص علي تحصينه من الملاحقات القانونية ولا تسمح الا بفتح ملفات محدودة لا تتجاوز مصلحة الأراضي ؛ ولكن هذا لم يكن مبرراً كافياً لحكومة الدكتورعبدالله حمدوك بأن تكون عاجزة عن تحقيق العدالة الاِنتقالية وتقدم الفاسدين من رموز النظام البائد الي المحاكمة مع اِتخاذ قرارات جادة في اِرجاع أموال الدولة التي تم نهبها خلال الثلاثين عام الفارطة. هذا الفشل الحكومي يقابلة أنين لمجتمع بات مشغول بالتشاكي من الظروف المعيشية القاهرة التي وضعته أمام المعادلة المسمومة اِمام القبول بصفوف الخبز والبانزين أو العودة الي حضن الفساد والظلم واِفتقاد العدالة ؛ ولكن هذه الشعوب الخلاقة سوف لن تجعل المعادلة صفرية هذه المره ؛ خاصة وأنها تعلمت من تجربتي اِكتوبر وأبريل .
ثانياَ : تعتبراِعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفقاً لأسس جديدة هي واحدة من مطالب الثورة الرئيسية ؛ بل هو المطلب الذي مات دونه الكثير من الناس ؛ خاصة وأن نظام الاِنقاذ منذ أن وصل الي السلطة عمل علي تفكيك مؤسسات الدولة لصالح حزب واحد (الجبهة الاِسلامية) ؛ ودمر جهاز الخدمة المدنية بتشريد الألوف من المهنيين ؛ واِستبدلهم بأخرين من أتباع التنظيم الاِسلامي ؛ وحوٌل المؤسسة العسكرية الي قطاع من المليشيات ذات العقيدة الاِثنوأيدولوجية ؛ لذلك كان توقع اي مواطن\ة سوداني\ة بأن تكون أولي خطوات الحكومة الاِنتقالية هي اِعادة النظر بصورة جذرية في الشكل الكلي لمؤسسات الدولة وتطبيق اِستراتيجيات متكاملة تساعدة علي اِعادة هيكلة وتطوير المؤسسات التي أًحتلت بواسطة النظام البائد.
ولكن للاِسف لم تستطيع الحكومة العسكو-قحتاويه من اِختراق جدار التمكين الذي بناه نظام الاِنقاذ حول هذه المؤسسات اِلا بخدوش طفيفه ؛ لأن مسألة اِعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفقاً لأسس جديدة كانت محل اِستقطاب لثلاث تيارات متصارعة وهي اللجنة الأمنية لنظام البشير برئاسة الجنرال برهان رئيس المجلس السيادي من جهة وأحزاب النادي السياسي القديم الحاضنة السياسية لقوي الحرية والتغيير والقوي الثورية ولجان المقاومة من جهة اخري ؛ فقد كان موقف اللجنة الأمنية لنظام البشير منذ البداية بأنها لن تسمح بتغير جذري في مؤسسات الدولة التي ورثتها من النظام العنصري البائد ؛ حيث تمسكت اللجنة بالمؤسسة العسكرية والأجهزة الأمنية وحامي الفساد المراجع العام لجمهورية السودان ؛ بالاِضافة الي الشركات الاِقتصادية التي تمتلكها هذه المؤسسات بما فيها شركات الذهب. هذا التمسك وجد قبول مبدئ من قوي الحرية والتغيير وأحزاب النادي السياسي القديم ؛ خاصة عندما وافقوا علي شروط اللجنة الأمنية عشية التوقيع علي الوثيقة الدستورية ؛ هذه الموافقة أدت الي الحضور الطاغي للمؤسسة العسكرية خلال المرحلة الاِنتقالية خاصة التدخلاتها المباشرة في ملف العلاقات الخارجية وبعض القضايا الاستراتيجية الأخري كالسلام الشامل.
مسألة اِعادة هيكلة المؤسسات أبرزت اِنقساماً واِستقطابات عميقة داخل أحزاب النادي السياسي القديم ولجان المقاومة والقوي الثورية ؛ حيث بلغت ذروتها عندما تم تسريت قوائم المرشحين لتولي مناصب حكام الأقاليم ؛ والتي كانت تسعي عبرها الأحزاب السياسية الي تمكين نفسها من خلال عملية الاِحلال والاِبدال ساعدها علي ذلك موقفها الداعم للجنة الأمنية لنظام البشير بقيادة الجنرال برهان رئيس المجلس السيادي ؛ بينما جاء موقف التيارات الشبابية ولجان المقاومة الساعين الي الحرية والكرامة والديمقراطية موقفا مبدئيا ؛ بل اِعتبروا اِعادة هيكلة مؤسسات الدولة وفقاً لأسس جديدة مطلباً ثورياً لا تنازل أو تراجع عنه ؛ وطالبوا السيد رئيس مجلس الوزراء بأن يتخذ موقفاً شجاعاً في هذا الشأن . ولكن كعادة أحزاب النادي السياسي القديم التي تقوم أحياناً بأدوار أبويه من أجل تدعيم السلطة المركزية أجهضت كل المساعي الرامية الي اِعادة الهيكلة ؛ بل هددوا بالذهاب الي اِنتخابات مبكرة اِذا حدث (الكاجي- ماجي) ؛ رغم هشاشة الأرضية السياسية التي تقف عليها الدولة ؛ قاطعين بذلك اَمال الملايين من الشعوب السودانية الذين مازلوا يقفون علي المحطات منتظرين قطار السلام والعدالة الانتقالية ينقلهم الي فضاءات الاِنسانية والحرية والكرامة . ولذلك فشلت الحكومة العسكو-قحتاويه في اِختبار الهيكلة لأنها سارت في ذات الاِنحياز الي التنظيم السياسي والشلة الموثوقة ؛ ولجأوا الي السيطرة الفجة في مؤسسات الدولة ممتطين جواد المحاصصة المركزي؛ والذي أدي الي غياب الكفاءات أو تغيبها في العام الأول بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة.
أمٌا في المؤسسة العسكرية لايبدو المشهد باعثاً علي التفاؤل ؛ فقد كانت مطالب الجماهير بعد سقوط البشيرهي إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية، وإزالة عناصر النظام السابق من صفوفها، وتفكيك المليشيات، وبناء جيش وطني يعبر عن الهوية السودانية ولديه عقيدة قتالية مرتبطة بالوطن وليست بالقبيلة او التنظيم السياسي ؛ ولكن النادي السياسي القديم الحاضنة الاِجتماعية لقوي الحرية والتغيير أوقع البلاد في شكل القيادة المركبة ( العسكو-مدنية ) وهو شكل يعبر عن الواقع المزري الذي نعيشة اليوم ؛ ففي عشية سقوط ابن عوف سعي الثوار الي محاصرة بقية أعضاء اللجنة الأمنية لنظام البشير لاِسقاطهم جميعاً ؛ ولكن كعادة الاحزاب والنُخب المتاَمرة علي شعوبها تصدرت المشهد ودخلت في تفاوض كان من المفترض أن يكون تفاوضاً مع العسكر حول شروط خروجهم من السلطة ؛ ولكن من المؤسف أن احزاب النادي السياسي القديم ونخبها الجديدة هي من أعادت اللجنة الامنية لنظام البشير الي السلطة بعد أن كانت في طريقها الي الزوال.
اِعادة اللجنة الأمنية الي السلطة هو السبب الرئيسي في الحضور الطاغي لدور المؤسسة العسكرية في الحياة السياسية والاِجتماعية خلال المرحلة الاِنتقالية ؛ وتسبب في تعطيل الكثير من المشاريع الاِستراتيجة و عدم اِكتمال أهداف الثورة ؛ فاذا نظرنا الي تاريخ ثورات الشعوب الناجحه لم نجد نموذجا واحدا يشابه الحالة القحتاويه ؛ لا جيوش أوربا الشرقية لا امريكا اللاتينة لم يكن لها أي دور سياسي في المراحل الاِنتقالية كما هو الحال بالنسبة للجنة الأمنية لنظام البشير.
اِذن الحالة الشاذة لنظام الحكم التي أوجدتها قوي الحرية والتغيير تدفع المراقب للاحداث السياسية الجارية في السودان الي التأمل في طبعية ومهام الجيوش المحترفة حتي يدرك ماهي نوعية المؤسسة العسكرية التي ينبغي علي الحكومة المدنية أنجازها خلال المرحلة الاِنتقالية . فبالنظر الي مستوي اِحترافية الجيوش يشيرهنتنجتون بأن وظيفتها محدودة ودقيقة تتمثل في اِدارة العنف في المجتمع ؛ وذلك لما تمتلكة هذه المؤسسة من مهارات ؛ تمكنها من القيام بهذه الوظيفة ؛ وهي مهارات ذات ميادين محددة ليس لديها أي اِرتباطات بالسياسة أو اِدارة شئون المجتمع ؛ لأن السياسة خارج نطاق تخصصها ؛ ولكن التحالف الثاني للنادي السياسي القديم ونخبه الحديثة من قوي الحرية والتغيير هم من سعي الي تسويق رموز اللجنة الأمنية لنظام البشير في ميدان الاِعتصام ؛ ودفعوا باِتجاه أن تكون للمؤسسة العسكرية وظائف اِضافية تتمثل في اِدارة الحياة السياسية والاقتصادية والاِجتماعية للبلاد. ولكن رغم دعم الأحزاب اليسارية منها واليمينة لدور الجيش في السياسية ؛ نجد كبار القادة العسكرين بقيادة الجنرال برهان مازال ولائهم الي النظام البائد أكبر من ولائهم لهذه الأحزاب وللثورة العظيمة وللحكومة الانتقالية ؛ وهذا يفسر السبب الرئيسي الذي أدي الي فشل المؤسسة العسكرية خلال 30 عاما أن تبني هوية مستقلة للجيش السوداني بعيداً عن نظام المؤتمر الوطني ؛ لذلك الاِتكاء علي المؤسسة العسكرية يفسر مسار التفاعلات السياسية والعلاقات الاِجتماعية بين قوي الحرية التغيير وأعضاء اللجنة الأمنية لنظام البشير.
بالاِضافة الي ذلك أن عملية الاِستمرار في اِنشاء قوات عسكرية موالية للجيش ومليشيات ذات عقيدة اِثنو-أيدلوجية أمر مهدد لمستقبل بناء الكيان الوطني وللمؤسسة العسكرية ذاتها ؛ لذا فصل الجيش والمليشيات عن الحياة السياسية أمر مهم وهنا نعني الفصل المادي والأيدولجي ؛ لأن أي دور للجيش في صنع السياسات العامة التي تقع ضمن مهام الحكومة المدنية يعتبر تدخل سافر في شئون الحياة السياسية للبلاد ويضع المؤسسة العسكرية في طائلة عدم الحياد . علماً بأن اِجراءات الفصل عن السياسة لا تقلل من دور المؤسسة العسكرية بل تعزز اِرساء القواعد الديمقراطية وبناء مؤسسات قوية للدولة بما فيها المؤسسة العسكرية المحترفة. حيث تشير كل التجارب التاريخية من حولنا الي أن كل مشاريع التحول الديمقراطي لم تنجح الا بعد فصل المؤسسة العسكرية عن المعادلة السياسية عبر القواعد الدستورية والمؤسسات البرلمانية التي تستطيع أن تضع الرقابة علي المؤسسة العسكرية عبر لجان متخصصة (لجنة الدفاع) تقوم بعمليات الاصلاح داخل الجيش الوطني ؛ فضلا الي التعامل مع المؤسسة العسكرية بأنها واحدة من مؤسسات الدولة التي تتبع ملكيتها الي الشعب وليس الي النخب الحاكمة ؛ شأنها في ذلك شأن جميع المؤسسات الأخري كمؤسسة القضاء والداخلية والتربية والتعليم.
ولكن يمكننا أن نعزي أسباب هيمنة المؤسسة العسكرية علي المرحلة الاِنتقالية الي ثلاثة فرضيات:
أ – غياب المشروع الوطني : هناك فرضية تقول بعد نجاح ثورة الأجيال ؛ ثورة ديسمبر المجيدة اِعتلت قوي الحرية والتغيير صهوة العمل السياسي وأمسكت بلجام القيادة ؛ ولكنها كانت قيادة من دون مشروع وطني واضح المعالم ؛ كالمشروع الذي كان يحمله جيل التغيير؛ وهو السعي الجاد الي بناء دولة العدالة الاجتماعية والحرية والكرامة والتعددية وسيادة القانون ؛ فغياب المشروع كان العامل الرئيسي الذي مكن اللجنة الأمنية لنظام البشير برئاسة الجنرال برهان بأن تأتي في قبينة القيادة وتعمل علي تعطيل مشاريع البناء والتكامل الوطني من أجل حماية مصالح النظام السابق وبعض حلفائهم الاِقليمين. فاِذا نظرنا الي المؤسسة العسكرية خلال فترة البشير ( فترة مشروعهم الحضاري) وفقاً لهذه الفرضية كانت المؤسسة العسكرية أو الجيش كان جيشاً للسلطة لا جيشاً للدولة ؛ لأن المؤسسة العسكرية كانت أداة في يد السلطة الحاكمة يتم اِستخدامها في قمع المجتمع (دارفور+ ج كردفان + النيل الأزرق…الخ ) والقوي المعارضة عند الاِقتضاء ؛ وهنا تبدو صورة الجيش بأنه مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص المملوكة للفريق السياسي الحاكم وليس ملكية عامة للدولة. ولكن بعد نجاح ثورة الأجيال يفترض تغيير صورة المعادلة كي تصبح المؤسسة العسكرية واحدة من مؤسسات الدولة التي تدار بواسطة الحكومة الاِنتقالية دون المساس بالوظيفة الاِحترافية للجيش وهي الدفاع عن الدولة وليس محاربة المواطنين في مناطق الهامش السوداني.
ب – الفرضية الثانية ؛ يركز أصحابها علي ظاهرة اِحتماء أحزاب النادي السياسي القديم ( الحاضنة الاِجتماعية لقحت) بمراكز القوة العسكرية سواء كانت القوات المسلحة أو المليشيات التي أنتجها المؤتمر الوطني ؛ مع اِتساع الهوة بين هذه الأحزاب و القوي الثورية الاخري سواء كانت التيارات الشبابية أو لجان المقاومة أو الحركات الثورية بما فيها نداء السودان ؛ هذا التقارب والتباعد يؤكد أمرين : الأول هذه الأحزاب ونخبها الحديثة لم تكن مستعدة لعملية التغيير الحقيقي الذي يشمل كل هياكل الدولة التي ورثتها الشعوب السودانية من المستعمر؛ والتي قادة الي الاِختلال في ميزان العدالة في عملية توزيع الموارد والسلطة بين أقاليم السودان المختلفة. الأمر الثاني : أن الاِنتقال من الحكم الاِستبدادي (نظام الانقاذ) الي الحكم الديمقراطي يتطلب تحولات كبيرة تشمل سقوط النظام المستبد ؛ ورموز سياسية معارضة أفسدها النظام نفسه ؛ وتحولات للجيش من أدواره القديمة في دعم النظام الي دوره الجديد كخادم للسلطة المدنية وفقاً لوظيفته الاِحترافية ؛ بالاِضافة الي بروز قادة التغيير الذي يحملون مشروع بناء وطن معافي من أمراض الماضي ؛ ولكن للأسف قحت وأحزابها سعت عبر تحالفتها مع المكون العسكري الي اِيقاف عملية التغيير الحقيقي في هياكل الدولة ؛ وهذا يفسر وجود صراع بين تيارين أحدهما يسعي الي التغيير (لجان المقاومة والتيارات الشبابية) والاَخر يقاوم التغيير( أحزاب النادي السياسي القديم – اليساري منها والتقليدي) ؛ وهو أحد الأسباب التي أقعدت الحكومة الاِنتقالية من اِنجاز ولو قدر بسيط من متطلبات التغيير في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في عامها الأول.
ج – الشراكة في الفساد : تنطلق فرضية الشراكة في الفساد من مبدأ أن ثورة ديسمبر المجيدة جاءت بعد أن اِستطاع الحراك الجماهيري اِسقاط أعتي نظام حكم اِستبدادي في القارة الأفريقية ؛ وعمل هذا النظام علي توطين الفساد في هياكل الدولة لمدة ثلاثة عقود من الزمان ؛ حتي بات جزءا من تفاعلات الحياة العامة والخاصة ؛ لا سيٌما في المجالات الاِقتصادية والسياسية والاِجتماعية ؛ لذلك يري أصحاب هذه الفرضية بأن هناك اِرتباط غير واضح المعالم بين النظام البائد وأحزاب النادي السياسي القديم ونخبه الحديثة في مسألة الفساد. لأن الطرفين ساهما بقدر كبير في اِفساد الحياة السياسية في البلاد ؛ فاِذا كانت الاِنقاذ اِنقلبت علي النظام الديمقراطي ؛ وأساءة اِستخدام السلطة ؛ ومارست الاِستبعاد السياسي والاِقتصادي علي الناس ؛ فمعظم أحزاب النادي السياسي القديم وأدوا الديمقراطية في مؤسساتهم الحزبية ؛ وهمشوا دور الشباب و المرأة ولجان المقاومة في اِختياراتهم للوظيفة ؛ واِعتمدوا علي المحاصصة الحزبية والاسرية في العمل العام ؛ بل تواطؤوا مع نظام الاِنقاذ في مواقع عديدة ضد الشعوب السودانية ؛ وأبرموا اِتفاقيات كانت غير معلومة للجماهير بدءاً من جبوتي ؛ القاهرة ؛ ثم الحوار الوطني الذي قام من أجل اِخفاء جرائم القتل التي اِرتكبها النظام ضد المتظاهريين السلميين في العام 2013م ؛ بالاِضافة الي اِصطفافهم جميعاً خلف الرئيس المخلوع اِبان عمليتي الزراع الطويل 2008م وصدور قرار المدعي العام للمحكمة الجانئية الدولية في 2009م.
كل هذه المواقف المربكة والمشبعة بالفساد جعلت أصحاب هذه الفرضية أن يضعوا أحزاب النادي السياسي القديم ونظام الانقاذ ونخبهم الحديثة في خندق الفساد ؛ لأن هذه الممارسات السياسية غير الرشيدة جعلت الناس تشعر بعدم الثقة ؛ وتشكك في قدرة هذه الاحزاب علي أن توافق باِعادة هيكلة مؤسسات الدولة بشكل صحيح ؛ لأن اِعادة الهيكلة سوف يفتح كنز اَخر لفساد سياسي صمتت عنه هذه الأحزاب نظير مصلحةٍ ما مع النظام البائد. لذلك كان من المتوقع أن تحتمي هذه الأحزاب الضعيفة بالمؤسسة العسكرية أو اللجنة الأمنية لنظام البشير من أجل وأد عملية الاِصلاح المؤسسي في الدولة ؛ وهي الان تسعي الي قفذة فوق كل هذه الجرائم نحو اِنتخابات مبكرة من أجل قطع الطريق الي أي اصلاحات هيكلية واِدارية في مؤسسات الدولة وأن لا تكتمل عملية السلام الدائم في البلاد.
ثالثاً : علي صعيد التنمية الاِجتماعية والسياسية الكل يعلم بأن السودان الاَن يمر بمرحلة تحولات دقيقة لم يسبق أن مر بها خلال الثلاثة عقود الماضية ؛ وأن شعوبه تقف علي مفترق طرق شتي ؛ اِمٌا أن تتمكن من الخروج من هذه الوضعية المأزومة الي مرحلة بناء المجتمع الديمقراطي الذي يؤمن بمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات أو يواصل الاِنحدار الي مزيد من التفكك والتدهور السياسي والاِقتصادي والصراعات العنيفة في أقاليمه المختلفة. لذلك كان التغيير الاِجتماعي بعد نجاح ثورة ديسمبر المجيدة ضرورة حتمية ؛ خاصة و أن الثورة قد حققت الوجدان الوطني عبر المواكب الرمزية ( كل البلد دارفور ؛ مواكب جبال النوبة ؛ مواكب المرأة والطفل …الخ ) التي ضمدت الجراحات التاريخية ؛ ودفعت الجماهير الي التحرك الجماعي في اِنسجام كامل من أجل تحرير الشعوب السودانية من نظام البشير الفاسد المستبد ؛ الفاقد الي السند الشعبي ؛ ولكن للأسف توقفت عملية التغيير الاِجتماعي بعد سقوط البشير مباشرة ؛ وتفرق الوجدان الجمعي الي اِتجاهاته الاقليمية والاِثنية ؛ لأن الذين تصدروا المشهد من أحزاب النادي السياسي القديم الحاضنة الاِجتماعية لقوي الحرية والتغيير عجزوا عن تقديم مشروع وطني قادر علي ردم الهوة بينهم وبين قطاعات الشعب المستبعدة من المشهد السياسي والاِقتصادي ما يقارب لنصف قرن من الزمان ؛ مشروع يكون قادر علي بناء نظام اِجتماعي عادل يزيد من قدرات الناس في المشاركة السياسية والعمليات التنموية ؛ ولكن هذا العجز القحتاوي أدي الي حجب مؤشرات التنمية الاِجتماعية خلال العشرة سنين القادمة ؛ فبلاشك سوف ينعكس هذا الفشل النخبوي علي عدم تحقيق الأمن الاِجتماعي وبناء مؤسسات الدولة وفقاً لؤسسة ديمقراطية.
لم يكن فشل النخب القحتاويه وأحزاب النادي السياسي القديم في ردم الهوه بينهم وبين قطاعات الشعب المحرومة فقط ؛ بل عجزوا في اِنشاء مؤسسات مجتمع مدني تكون قادرة علي القيام بوظيفتها تجاه المجتمع عندما تتخلي عنه النخب الحاكمة ؛ هذا الفشل اِنعكس بشكل مباشرة علي أداء الحكومة الاِنتقالية التي باتت عاجزة عن تقديم أي مشروع خاص بالعدالة الاجتماعية يساهم في اِنهاء حالة الظلم والحرمان من الثروة والسلطة والاِقصاء الاِجتماعي وينهي حالة الفوارق غير المقبولة اِجتماعياً بين الأفراد والجماعات والأقاليم المختلفة داخل الدولة السودانية . ففي ظل حكومة الثورة التي يقودها الدكتور عبدالله حمدوك لم يستطيع مثلث حمدي أن يتمدد ليضم مناطق وأقاليم أخري بفاعلين جدد تكون لديهم القدرة علي توظيف التحولات الاِجتماعية العظيمة التي حدث ابان ثورة ديسمبر المجيدة لصالح البناء والتعمير ؛ خاصة صعود الشباب كقوة اِجتماعية وسياسية مؤثرة علي الواقع ولديها طموح في التغيير ؛ ولكن كما ذكرنا في السابق بأن أحزاب النادي السياسي القديم- الحاضة الاجتماعية لقوي الحرية والتغيير غير راغبين أو مستعدين لضم أو اِفساح المجال لأي طاقة شبابية أو أفراد قاديمين من خارج مثلث حمدي ليشاركوهم في قيادة الدولة ؛ وهذا يؤكد طبيعة المشروع السياسي التي تحمله هذه الأحزاب والنظام البائد ؛ وكذلك يؤكد حالة الشراكة في الفساد بين المؤتمر الوطني وأحزاب النادي السياسي القديم ؛ ويشرح عجز حكومة حمدوك في كسرالحلقة الشريرة التي ظلت تمارس عمليات الفرز الاِجتماعي الماكر ضد المواطنين السودانين الي أن أدت الي اِنفصال الدولة السودانية الي شمال وجنوب.
بهذا تكون الحكومة القحتاويه قد حققت فشل اَخر في الميدان الاِجتماعي ؛ لأنها باتت عاجزة عن اِعادة دمج الفقراء والمستبعدين في مشاريع البناء والتنمية ؛ والاِستماع الي اِحتياجاتهم الأساسية والتأكيد علي حقوقهم كمواطنين في الدولة السودانية ؛ وذلك عن طريق ممثلين حقيقين لهم في السلطة ؛ولكن كعادة أحزاب النادي السياسي القديم ونخبهم الحديثة يعيشون في حالة أشبه بال . في اِختياراتهم لمن يشاركهم في السلطة. Xenophobia
فبالرغم من تحقيق الوحدة الوجدانية وسط القطاعات المختلفة داخل المجتمع اِبان المواكب الثورية ؛ نجد أحزاب النادي السياسي القديم الحاضنة الاِجتماعية لقوي الحريقة والتغيير قد رسبت في أول اِختبار لها في هذه المجال ؛ وفشلت في اِعادة توزيع السلطة والنفوذ داخل الدولة ؛ خاصة عندما قدمت مرشحيها للثمثيل في الخدمة العامة ؛ حيث تلونة الكشوفات بالترميز التضليلي لأن قيادات هذه الاحزاب لا يثقون في اِختيارات الجماهير بل يعتمدون علي الأفراد المأدلجين مركزيا ؛ ومعزولين عن قضايا مجتمعاتهم ؛ وهي اِستراتيجية ظلت تتبعها الأحزاب السياسية منذ ستينيات القرن الماضي ؛ وهي ساهمت في تشويه الحياه السياسية بشكل كبير.
أخطأت حكومة الثورة حين اِعتمد التغيير علي مستوي ولاية الخرطوم فقط وترك الولايات والأقاليم الأخري في قبضة الحكام العسكرين الذين تربوا في كنف الاِنقاذ ونهِلوا من موائدها السياسية و اِستراتيجيات التفيكك الاِجتماعي؛ بل تركوا معهم الكادر الحزبي للمؤتمر الوطني بكل أدوات الدولة التي تم تسخيرها لاِفشال المرحلة الاِنتقالية ؛ دون أي وجود لأجهزة تشريعية أو تنفيذية كي تسائلهم ؛ فكان من الطبعي أن تكون هناك أحداث في تلس بين الفلاتة والرزيقات ؛ وفي غرب كردفان بين المسيرة والدينكا ؛ وفي كادقلي وكسلا والبحر الأحمر؛ ولكن هذا العجز لم تتحمله حكومة حمدوك وحدها بل تتحمله أحزاب النادي السياسي القديم الحاضنة الاجتماعية لقوي الحرية والتغيير؛ لأن هذه الاحزاب فشل خلال عام كامل بعد سوقط المؤتمر الوطني أن تقدم مشروع جاد في هذه المناطق يعمل علي تفكيك واِزالة الأفكار التي تغذي النعرات القبلية والجهوية ؛ ويعد قيادات جديدة تكون قادرة علي خوض غمار التغيير الثوري في الريف والمدن ؛ قيادات قادرة علي نشر الوعي الحقيقي بين فئات المجتمع المختلفة ؛ وتحمل أفكار لبناء الدولة السودانية الحديثة من مراحل العدل والمساواة والحريات والتنمية الشاملة ؛ فضلا الي قدرتها علي بناء كيانات متماسكة وجبهات ثورية ليست فقط لحماية المرحلة الاِنتقالية ولكن لتحقيق وترسيخ عمليات التغيير الجذري علي كل المستويات من الريف والأقاليم الي المدن الرئيسية.
أمٌا في اِطار التنمية السياسية والاِقتصادية لم ينجح أحد لا حكومة حمدوك ولا أحزاب النادي السياسي القديم الحاضنة الاجتماعية لقحت ؛ لقد فشلت الثنائية (العسكو-مدنية ) والثنائية (القحتو- حزبية ) في اِيجاد حل جذري للمشكلة الاِقتصادية المتردية ؛ خاصة وأن حكومة حمدوك لم تستطيع اِتخاذ اِجراءات أو سياسات اِقتصادية واضحة بخصوص الأموال المنهوبة بواسطة النظام السابق والتي تم ويتم توظيفها الاَن في تخريب الاِقتصاد السوداني من أجل اِفشال المرحلة الاِنتقالية. من المعروف بأن الوضع الاِقتصادي الهش للدولة السودانية هو أحد الأسباب الرئيسية التي أدت الي اِنفجار ثورة ديسمبر المجيدة ؛ في ظل هيمنة منظومة الفساد الحزبية علي الأوضاع الاِقتصادية ؛ وتدهور معدلات التنمية ؛ واِرتفاع معدل مؤشرات التضخم (64%) والفقر في كل أرجاء البلاد ؛ فكان من المتوقع أن تكون حكومة الثورة قادرة علي تحقيق التطلعات وذلك من أخلال اِتخاز سياسات تقود الي أحداث النهضة الاِقتصادية في البلاد ؛ ولكن للأسف لاتزال الحكومة مترددة في ذلك ؛ وكأنها تريد أن تقول للمؤتمر الوطني والمفسدين من القادة السياسين خذوا وقتكم وأخفوا كل ما اِمتلكتموه من ثروات فلن نسائلكم في القريب العاجل ؛ وهذا ما يؤكد الفرضية ج بأن الجميع شركاء في عمليات الفساد.
رابعاً السلام الشامل: تٌكمن أهمية السلام الشامل في السودان باِعتباره أحد القضايا المحورية التي لا يمكن للتحول الديمقراطي أن يتحقق من دونها ؛ بل يعتبر السلام حجر الأساس لاِستدامة الديمقراطية والاِستقرار السياسي ؛ فضلا علي أنه يمثل أحد القضايا الاستراتيجية التي كانت جزءا من المطالب الرئيسية لثورة ديسمبر المجيدة. لذلك كان من المأمول والمتوقع أن يتحقق السلام خلال الستة شهور الأولي من تكوين الحكومة الاِنتقالية.
ولكن ظلت الشعوب المحرومة من الأمن والاِستقرار تنتظر بشقف البشريات القادمة من دولة الجنوب لتبشرهم بسلام فريد ؛ ليس كسلامٌ المناصب والاِستوزار كما كان يفعل النظام البائد مع خصومه السياسين من الحركات المسلحة ؛ سلاماً دائما يخاطب جذور الأزمة بشكل حقيقي ؛ ويعمل عل اِنهاء العنف الذي اِستوطن في ربوع الوطن ؛ ويحقق العدالة الاِجتماعية من خلال اِعادة توزيع الموارد والسلطة بشكل صحيح ؛ ويؤكد علي أن التنوع الثقافي هو أساس للتعايش السلمي ؛ ويبني أرضية صلبة من العلاقات الاِيجابية بين الأطراف المختلفة ؛ سلامٌ يحقق الاِحتياجات الأساسية للمواطنين ؛ وينهي عهود الحرمان السياسي ؛ والاِقتصادي ؛ والاِجتماعي ؛ ويعيد عجلة الاِنتاج الي الدوران في المناطق التي مزقتها الحروب ؛ ويقضي علي الفقر ويوقف عمليات تجنيد الأطفال عبر وكلاء الحرب المحليين؛ ويعيد دمجهم في العملية التعليمية ؛ ويمكن المرأة حتي تصبح رائد للنهضة في السودان ؛ ويحافظ علي النظام البيئي.
ولكن للاسف كل المؤشرات الواردة من جوبا لم تكن هي ذات المؤشرات الاِيجابية التي اِنتظرتها الشعوب المحرومة من العدالة لسنين طويلة ؛ حيث كان الناس يعتقدون بأن يكون هناك اِتفاق حول وحدة الهدف والمصير المشترك بين قوي الكفاح المسلحة خاصة بعد سقوط العدو المباشر (نظام المؤتمر الوطني) ؛ ولكن للاسف الصراعات الداخلية بين مكونات الجبهة الثورية قد ساهمت في خلق أزمات تكاد تكون شبة مستديمة ؛ باتت عصية علي الحلول ؛ وهي أزمة الثقة بين القيادات المختلفة فيما بينها ؛ فكلما ضُرب موعدا للتفاوض برزت بعض المشاكل الداخلية بين اعضاء الفصيل الواحد ؛ او بين الفصائل المختلفة؛ أو طُرح بعض القضايا التعجيزية التي لم تكن من اِختصاص وفد التفاوض بل يفترض أن تتم مناقشتها في المؤتمر الدستوري الذي يجمع كل أهل السودان ؛ ولكن هذه الخلافات المستمرة تعود الي أسباب عديدة أبرزها اِنعكاس صراع الأحزاب السياسية علي طاولة المفاوضات ؛ بالاِضافة الي الأطماع الذاتية والمنهج التقسيمي الذي تم اِستخدامة في العملية التفاوضية.
فاِذا كانت الأخبار الوارد من جوبا تبشر بالخلاف حول وحدة المصيرالمشترك لعناصر الجبهة الثورية أيضاً الأخبار الواردة من الخرطوم تؤكد بأن العلاقة بين أحزاب النادي السياسي القديم – الحاضنة الاِجتماعية لقوي الحرية والتغيير وحركات الكفاح المسلح لم تتراوح محطات الاِقصاء والتخوين والتشكيك في مواقف بعض ؛ وهذا يؤكد بأن الحاضنة السياسية لقوي الحرية والتغيير لا تزال حبيسة للمنهج الاِقصائي الذي فرضه نظام الاِنقاذ من قبل ؛ وأنها غير راغبة في اِشراك الاَخرين معهم في السلطة ؛ ففي الوقت الذي تتصارع فيه الأسر والبويتات من قوي الحرية والتغيير علي لائحة سفراء السودان حول العالم ومناصب الوزراء الاِتحاديه؛ نجد قادة الكفاح المسلح محرومين حتي من التعبير عن رغباتهم في أي منصب من المناصب العامة ؛ فاِذا طالب أحدهم في المفاوضات بمنصب وزاري ؛ في اليوم التالي تجد صحف الخرطوم قد اِكتست بألوان الحرب تجاه حركات الكفاح المسلح بأنها حركات من أجل المناصب والاِستوزار. لذلك المعادلة المختلة في العلاقة بين أحزاب النادي السياسي القديم ونخبة الحديثة مع حركات الكفاح المسلح هي علاقة هدامة غير مبنية على قيم التسامح والتعايش وقبول الاَخر كشريك في الوطن ؛ وهي علاقة اأيضاً غير مشجعة لبناء الدولة الحديثة ؛ مع العلم بأن ثورة ديسمبر المجيدة قد تجاوزت كل هذه المحطات التي لاتزال أحزاب النادي السياسي القديم حبيسه فيها منذ ستينيات القرن الماضي ؛ فاِذا أرادة الشعوب السودانية أن تبني وطن يسع الجميع عليها اِعادة النظر في ممارسة أحزابها السياسية ونخبها الحديثة تجاه الاَخر.
خامسا- العلاقات الخارجية : يٌمكن تحليل معالم السياسة الخارجية للدولة السودانية بعد عام من سقوط الاِنقاذ و صعود الحكومة العسكو-قحتاوية الي السلطة من خلال جملة من التحديات:
منذ تكوين الحكومة الجديدة برزت العقبات والمتاريس أمامها في اِحدي القلاع التي تحصن فيها أعضاء النظام البائد ؛ مستفيدين من طول فترتهم التي تمكنوا فيها من وزارة الخارجية منذ ثمانيات القرن الماضي الي اليوم . هذه المتاريس اِتخذة أشكالاً وتحديات مختلفة منها ذات اِرتباط داخلي وأخري خارجية.
ففي سياق المتاريس الداخلية التي أقعدت حكومة حمدوك عن اِكمال أهداف الثورة في اِطار العلاقات الخارجية ؛ تبرز أهم التحديات الداخلية المتمثلة في عدم قدرة الحكومة الاِنتقالية من اِعادة هيكلة وزارة الخارجية والتخلص من تركة النظام البائد في السلك الدبلوماسي ؛ بل اِستمرت الحكومة الجديدة بذات الكوادر الحزبية المتكدسة في هذه المؤسسة الحيوية ؛ ساعدهم علي ذلك ضعف القائمين علي أمر الوزارة التي يفترض منها أن تلعب دوراً مهما و حاسماً في عمليات التحول الديمقراطي وبناء علاقات خارجية متوازنة تعبر عن طموح وتطلعات الجماهير التي أنتجت الثورة ؛ بل تعيد الدولة السودانية الي سابق عهدها كفاعل رئيسي في النظام الاِقليمي والدولي.
أيضاً من التحديات الداخلية التي واجهة الحكومة الاِنتقالية في اِطار العلاقات الخارجية هي أزمة النخب السياسية المتصارعة والتي أٌعِيد تدويرها في مؤسسة الخارجية التي كانت في حاجة الي طاقات ودماء متجددة ؛ تكون لديها القدرة في اِنتاج رؤي اِستراتيجية تستطيع أن تحقق بها تطلعات واَمال الجماهير التي باتت تواقه الي اِقامة علاقات خارجية قوامها الاِحترام المتبادل وتنهي سنين العزلة التي أحدثها النظام البائد. ولكن صراع أحزاب النادي السياسي القديم الحاضنة الاِجتماعية لقوي الحرية والتغيير عمل علي اِعادة تدوير الكوادر التي باتت عاجزة تماماً عن اِستلهام رؤي وتطلعات الجماهير؛ بل في أحياناً كثيرة أظهرت ضعفها وعدم قدرتها في التعاطي مع قضايا العلاقات الدولية التي تحتاج للكفاءة في مجالات متعددة. فشل الحكومة الجديدة في ميدان العلاقات الخارجية لم يكن فقط في اِعادة تدوير الكوادر والاِحتفاظ ببقايا النظام السابق ؛ بل تعدي الفشل الي عدم قدرة الحكومة الاِنتقالية في اِحداث التنوع في هذه المؤسسة العريقة ؛ مما أدي الي تحويل الصراع في وزارة الخارجية من صراع المحاصصة الحزبية الي صراع الأسر والبويتات وهو نفس منهج النظام البائد الذي أفسد هذه الوزارة.
أمٌا في اِطار التحديات الخارجية لا يخفي علي أحد بأن ثورة ديسمبر المجيدة جاءة في ظل نظام اِقليمي منقسم تتضارب فيه المصالح وتتناقض مع الداخل السوداني وفقاً لأهداف وأطماع تحددها الأطراف المتصارعة حول لمنْ يتبع النظام السياسي الجديد في السودان.
هناك دول تسعي الي الاِستثمار في أزمات السودان الحالية كالأزمة الاِقتصادية ورفع اِسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب من أجل تحقيق بعض الأهداف أبرزها اِضعاف عملية التحول الديمقراطي وتقيد قدرة الحكومة الاِنتقالية علي السيطرة علي الأوضاع السياسية والموارد الطبيعية (الذهب) واِيقاف تجنيد الأطفال عبر الوكلاء المحليين وعدم اِكتمال عملية السلام ؛ فضلاً الي تقديم الدعم للمؤسسة العسكرية من أجل أن تسيطر علي الشعوب السودانية وثرواتهم. وفي ذات السياق أيضاً هناك بعض الدول الأخري ظلت تراهن علي دعمها للنظام المحلول من أجل اِعادته الي المشهد السياسي من جديد. لذا تتوتر علاقة التعاون القائمة بين السودان وبعض الدول الأخرى.
ففي ظل وجود هذين الرغبتين المتصارعتين فوق الأراضي السودانية ؛ برزت أزمة الحكومة العسكو-مدنية من جديد علي صعيد التفاعلات الخاصة بالعلاقات الخارجية ؛ حيث كشف لقاء رئيس اللجنة الأمنية لنظام البشير – رئيس المجلس السيادي الجنرال البرهان مع رئيس الوزراء الاِسرائيلي في مدينة عنتبي بيوغندا كشف ضعف حكومة حمدوك في اِطار العلاقات الخارجية ؛ بالرغم من أن هذا اللقاء أحدث ضجيجاً كبيراً ودفع السيد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بتقديم طلب الحماية الدولية من الأمم المتحدة تحت الفصل السادس من ميثاق المنظمة الدولية وذلك من أجل الاِستفادة من الخبراء الأمميين في مجالات السلام والحماية والتحول الديمقراطي. ولكن هذا لم يكن كافياً لان الجنرال البرهان قد خرق الوثيقة الدستورية التي تحكم الفترة الاِنتقالية في ظل صمت تام من بقية أعضاء المجلس السيادي ؛ وكان اللقاء قد تم بترتيبات اِقليمية وهي خطوة سابقة لسيناريوهات قادمة ؛ خاصة وأن هناك بعض دول الجوار السوداني ليس لديها القدرة في التعامل مع أي نظام سياسي يتعدد فيه الفاعلين كحالة الحكومة العسكو- مدنية ؛ لذلك تسعي هذه الدول الي تعطيل عملية التحول الديمقراطي في السودان باِستخدامها لفاعليين محلليين من أجل جلب نظام مركزي متسلط تكون فيه قضايا العلاقات الخارجية متمحوره في شخص واحد فقط.
لهذه الأسباب تخاذلت معظم دول المنطقة عن تقديم الدعم المباشر لحكومة المرحلة الاِنتقالية بقيادة السيد رئيس الوزراء عبدالله حمدوك بل ظلت تقدم الدعم لشركائها المحللين سواء كان للجنرال البرهان رئيس اللجنة الامنية لنظام البشير- رئيس المجلس السيادي أو عن طريق قائد الدعم السريع أو أحزاب النادي السياسي القديم التي لبت دعوة الخليج اِبان الثورة . وفي المقابل هناك دول أخري ظلت تقدم الدعم اللازم للنظام المحلول من أجل العودة الي المشهد من جديد ؛ هذا التخاذل الاِقليمي اِنعكس بشكل كبير علي أداء الحكومة الاِنتقالية خاصة في المجالات الاِقتصادية والاِحتياجات الأساسية مما أدي الي تعثر عملية التحول الديمقراطي.
وعلي الرغم من وجود بعض المحاولات الخجولة لاِختراقات بسيطة أحرزتها حكومة حمدوك علي الصعيد الاِقليمي والدولي (مؤتمر أصدقاء السودان) ؛ ولكن لاتزال هناك بعض الاِرتدادات التي تتمثل في اِستمرار التردد من جانب بعض الدول في تقديم الدعم المباشر لحكومة حمدوك وذلك نتيجة لعجزها في اِحراز أي تقدم في تفكيك مؤسسات النظام السابق التي كان يتخذها كمنصات لتقديم الدعم للاِرهابيين وغسيل الأموال. عجز حكومة حمدوك عن تفكيك هذه المؤسسات واِرجاع الأموال التي نُهِبت بواسطتها الي خزينة الدولة يعتبرأحد المؤشرات الرئيسية لحالة الفتور التي نعيشها علي صعيد العلاقات الدولة.
سادساً :السيناريوهات والتحالفات المحتملة:
وفقاً لما ذكر من تحليل سابق لمسار التفاعلات بين القوي السياسية الفاعله في النظام السياسي السوداني يمكننا أن نخلص الي حقيقة مفادها أن مستقبل العملية السياسية في السودان غير واضح المعالم بعد عام من سقوط نظام الاِنقاذ الفاسد ؛ ولكن هناك بعض السيناريوهات المحتمل حدوثها في القريب العاجل وفقاً للتفاعلات والاِنقسامات العميقة وسط التيارات السياسية ونخبها المتصارعة ؛ لذلك يمكننا قراءة واقع المستقبل من خلال السيناريوهات الأربعة التالية:
أ – سيطرة التحالف المضٌر (اِنقلاب علي حكومة الثورة)
قد لا يوافق البعص باِلحاق كلمة (مضٌر) بهذا التحالف المحتمل ؛ ولكن من خلال التحليل وجدنا كل مساعي هذا التحالف فيه مضره الي الشعوب السودانية والي العملية السياسية بأكملها ؛ لذلك ألحقت به المضره كدلاله تفسيرية. فمنذ سقوط نظام الاِنقاذ وتشكيل الحكومة الجديدة التي لم تتمكن في عامها الاول من اِستئصال جذور النظام السابق ؛ وتطهير رموز الفساد والتسلط من مؤسسات الدولة ؛ سواء كانت هذه الرموز سياسية أو عسكرية لا تزال تشكل خطر قادم يعطل مسار التحول الديمقراطي في البلاد ؛ وهي التي تغذي وتزرع الأزمات والمتاريس أمام الحكومة الاِنتقالية الي أن جاءت اللحظات التي تمكن هؤلاء الرموز من الظهور في القريب العاجل عبر هذا التحالف المحتمل.
ي