هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟!ا

هل يصلح العطار ما أفسده الدهر؟!!

تاج السر عثمان بابو
[email protected]

مع اشراقة كل صباح جديد تزداد معاناة المواطنين تفاقما جراء الارتفاع الجنوني في الاسعار، وازدياد التضخم الذي بلغ 21 % ، فنلاحظ الزيادات المتوالية واليومية في السلع الاستهلاكية الأساسية ، علي سبيل المثال لا الحصر: ارتفع سعر جوال الأرز عبوة 25 كيلو من 124 جنية الي 134 جنية، وجوال العدس عبوة 20 كيلو من 125 جنية الي 135 جنية، وارتفع سعر كرتونة صابون الغسيل زنة 200 جرام من 22 جنية الي 28 جنية، وارتفع رطل الشاي من 8 جنية الي 12 جنية..الخ، وقس علي ذلك بقية الأسعار التي توالي ارتفاعها الجنوني يوميا. يحدث هذا بينما الأجور ثابتة في مكانها، فالحد الأدني للأجور البالغ 165جنيها حسب ما أعلنه المجلس الأعلي للأجور يغطي 12% من تكاليف المعيشة في حين أن الحد الأدني في ظل الاوضاع الحالية لعامل وزوجته وثلاثة اطفال لايقل عن 1500 جنية!!!. وبالتالي كان طبيعيا أن تنفجر مظاهرات المواطنين ضد الغلاء كما حدث في بري والثورة والعيلفون ….الخ، وسوف تزداد موجة الغضب والمظاهرات مع استمرار تفاقم الأزمة.
أما حديث وزير المالية: “بأنه يمكن تجاوز لأزمة خلال 3 سنوات( الصحافة: 13/10/ 2011م) ، نتيجة لتقليص الملحقيات الاعلامية وضوابط للعلاج بالخارج لتقليل الطلب علي علي الدولار، وتوفير السلع الأساسية لأكثر من 6 شهور، وتوقع انخفاض أسعار المواشي خلال الفترة القبلة مشيرا الي استيراد أعداد كبيرة من المواشي الأثيوبية مع رفع أعباء الجمارك والضرائب عنها”، فهو حديث للاستهلاك ويعبر عن الأزمة العميقة التي يعيشها النظام الذي افلس تماما ، وليس هناك بديل غير اسقاطه لفتح الطريق لحل الأزمة.
فالازمة الاقتصادية في ظل الاوضاع الراهنة سوف تزداد تفاقما جراء الصرف الباهظ علي الحرب التي باتت تشمل ثلاث مناطق ( دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان)، وجراء الصرف البذخي علي جهاز الدولة المتضخم ، والصرف المتنامي علي أجهزة الأمن والقمع التي تمتص اكثر من 60% من الميزانية، وكان من المفترض الحديث عن وقف الحرب في تلك المناطق وتحويل نفقاتها التي تقدر بمليارات الجنيهات السودانية الي توفير احتياجات المواطنين الأساسية ودعم السلع الأساسية وتخفيف اعباء الضرائب والجبايات عنها، وتوفير خدمات التعليم والصحة والمياه والكهرباء، ودعم القطاع الزراعي لضمان توفير القوت الضروري للناس. فالحرب التي اندلعت أخيرا في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق كان لها الأثر السالب علي القطاع الزراعي والموسم الزراعي هناك جراء فرار المزارعين وشح الأيدي العاملة، ولاسيما أن الحرب تزامنت مع بدء المزارعين في عمليات التحضير للزراعة التي وصلت لمرحلة” الكديب”، وبالتالي لانتوقع موسما زراعيا ناجحا هناك مما سيؤدي الي المزيد من معاناة المواطنين جراء شبح المجاعة الذي يخيم علي البلاد. ولأكثر من 20 عاما ظل شعب السودان يسمع مثل تلك الوعود منذ الشعار الذي الذي اطلقه النظام في بداية انقلابه” نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع”، وحدث العكس حيث دمر النظام المشاريع الزراعية التي كانت تساهم في دعم الاقتصاد الوطني وتوفير قوت المواطنين الضروري مثل مشروع الجزيرة ومشاريع النيل الأبيض والأزرق ومشروع حلفا الجديدة.
كما تم تدمير صناعة النسيج وغيرها من الصناعات، وتبخر هذا الشعار “فلا اكلنا مما نزرع ولا لبسنا مما نصنع”، وذهب الشعار مع الريح.
وحتي عندما توفر عائد من البترول يقدر ب 52 مليار دولار في الفترة (1999 ? 2010م )، لم يتم تخصيص جزء منه لدعم القطاعين الزراعي والصناعي. وتم تحويل جزء كبير منه لجيوب الرأسماليين الطفيليين الاسلامويين وللصرف البذخي ومنصرفات الأمن والدفاع، حتي تم تقليص هذا المورد الي 75% بعد انفصال الجنوب، ووجد النظام نفسه في دوامة هذه الأزمة العميقة التي ستؤدي الي هلاكه كما اهلكت الذين كانوا قبله من الجشعين والفاسدين والظالمين.
اضافة للأزمة الاقتصادية والمعيشية الطاحنة تعاني السلطة ومكوناتها من صراعات داخلية مثل ماحدث في مؤتمر المرأة وما حدث في ولاية نهر النيل من تشابك بالايدي بين أعضاء المؤتمر الوطني، وكذلك حديث البشير الذي يعبر عن الأزمة لطلاب المؤتمر الوطني مثل: تكوين لجنة لمكافحة الفساد، وهيئة لمساعدة الخريجين الجدد في العثور علي وظائف. فهو حديث للاستهلاك المحلي، وقيل علي شاكلته الكثير الذي لم يجد طريقه الي الواقع.
أما حديث البروفسير ابراهيم أحمد عمر مستشار رئيس الجمهورية الذي وجهه لمؤتمر القطاع السياسي للحزب الحاكم لتصحيح المسار وتقييم الحوار مع المعارضة، وأشار فيه الي ضرورة المراجعة والاصلاح..الخ، فهو ايضا يعبر عن الأزمة العميقة التي تحكم الخناق علي النظام. فطبيعة هذا النظام وعقليته الشمولية والاقصائية كما اكدت التجربة تتناقض مع تصحيح المسار. لقد اهدر النظام فرصا كثيرة كانت يمكن أن تخرج البلاد الي بر الأمان وتحافظ علي وحدة البلاد. ولكنه نقض العهود والمواثيق في اتفاقيات ( نيفاشا والقاهرة وابوجا والشرق..الخ)، وكانت ممارساته خلال الست سنوات الماضية من عمر اتفاقية نيفاشا سالبة وطاردة ادت الي انفصال الجنوب، اضافة الي تزوير الانتخابات العامة التي رفضت نتائجها كل القوي السياسية حتي التي لم تقاطعها، وكذلك اختياره للحل العسكري الذي زاد أزمة دارفور عمقا وكانت المأساة الانسانية هناك. كما نقض النظام العهود والمواثيق ، وكانت النتيجة اندلاع الحرب في جنوب كردفان والنيل الأزرق، ومتوقع اندلاعها في الشرق وبين الشمال والجنوب بعد قرار النظام بعدم الانسحاب من ابيي بعد اكتمال القوات الاثيوبية. وكذلك فشل النظام في تكوين مهزلة الحكومة العريضة ورفض الحزبين( الأمة والاتحادي) حتي الآن في المشاركة الصورية.
وخلاصة الأمر لن يصلح العطار ما أفسده الدهر، فأزمة النظام اصبحت عميقة وتتفاقم يوميا، واصبحت الحياة لاتطاق تحت ظله، ولابديل غير اسقاطه وقيام حكومة انتقالية تنجز التحول الديمقراطي والغاء كل القوانين المقيدة للحريات، والمؤتمر الدستوري الذي يقرر شكل الحكم في البلاد، ورد المظالم باصدار قرار بارجاع المفصولين، وحل الضائقة المعيشية ودعم السلع الأساسية وقيام المؤتمر الاقتصادي الذي يضع الحلول لوقف الانهيار الاقتصادي. وانجازالحل الشامل والعادل لقضية دارفور، ووقف الحرب في جنوب كردفان وولاية النيل الأزرق وانجاز المشورة الشعبية فيهما، والحل العادل والشامل لمشكلة ابيي استنادا لتراضي قبائل المنطقة، وحل قضايا ما بعد الانفصال مع دولة جنوب السودان وقيام شراكة استراتيجية تفتح الطريق لتوحيد الوطن علي أساس دولة المواطنة: الدولة المدنية الديمقراطية التي تسع الجميع غض النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو اللغة أو الثقافة..الخ، وقيام انتخابات حرة نزيهة في نهاية الفترة الانتقالية.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..