حنتوب التى كانت .. جميلة

مدرسة حنتوب الثانوية ، التى كانت جميلة مثلها مثل كثير من أشياء ذلك الزمان الماضى . لن تصدق انها كانت مثلما ساصفها لك ، بعد الاستعمار مباشرة وقبله لسنوات طوال وبعده بسنوات قلائل .
كانت ، مثل وادى سيدنا وخورطقت ، على بعد قليل من مدينة كبيرة . حنتوب كانت فى الضفة الشرقية للنيل الازرق فى مواجهة مدينة ودمدنى ، عاصمة الجزيرة التى كانت هى الاخرى ! يربط بينهما “بنطون ” تابع للمدرسة ياخذ الطلاب الراغبين فى عطلة نهاية الاسبوع الى اهلهم بمدنى ، وهذا أول الغيث ! وأنت تنزل على الشاطئ الحنتوبى ثم تمشى على الشارع المؤدى الى المدرسة ، تمر بين بعض منازل الاساتذة من السودانيين والبريطانيين والمصريين والهنود . ثم تصل الى مبنى واسع ، هو مبنى “الصفرة “، الذى يجلس فيه يوميا اكثر من خمسمائة طالب على طاولات تسع كل منها اربع طلاب اضافة الى الطاولة العليا”High Table التى يجلس عليها الناظر والمسئولين عن الداخليات من المدرسين الى جانب رؤساء الداخليات . وبالمناسبة فان الجالسين على العليا يأكلون نفس أكل الطلاب ! تمر بعد ذلك على الداخليات الشرقية ، ثم مبنى المدرسة الرئيس ، ثم الداخليات الغربية . هذه المبانى جميعها محصورة بين اربع ميادين لكرة القدم على الشاطئ ببساط نجيلة خضراء واربعة ميادين أخرى ترابية على الطرف الآخر من المبانى !
هذا وصف عام ولكن المدهش ، وليس الشيطان ، فى التفاصيل .
مبنى الصفرة : لكل داخلية مكان مخصص لطاولاتها ، طاولة لكل اربعة افراد . امام كل كرسى ملعقة للاكل ، لكنها تستخدم ايضا للاحتجاج من وقت لآخر على نوعية الاكل المقدم ، أو أى احتجاجات يتفق عليها . تصور صوت أكثر من خمسمائة ملعقة وهى تخبط فى توقيت واحد .. .. … ديموقراطية الملاعق !
الداخليات : قلاع بيضاء فى شكل حرف U ، جنباته تشكل اربعة عنابر يربط بينهما قاعة كبيرة للاجتماعات والالعاب الداخلية وغرفة الاستاذ المشرف وغرفة الرؤساء .ثم فرندات امام المبانى مغلقة بسلك يحمى من الحشرات . ميدان نجيلة فى فراغ الحرف . كل عنبر به حوالى عشرين طالب على اسرة مصنوعة على شكل ” العنقريب ، السودانى المطور وبجانبه دولاب قصير لوضع المتعلقات . فى تمام وقت النوم يأتى رئيس الوردية ليعلن مايريد اعلانه ثم يطفأ النور . هناك عدد من الحمامات خارج كل داخلية .
من الاشياء التى يصعب تصديقها ان الداخليات ،فى زمن الاستعمار ، كانت تحمل اسماء من وقفوا امام الجيوش الاستعمارية لمنعها من دخول السودان ، على سبيل المثال : ابوعنجة ، ابولكيلك ، على دينار ..الخ !
مبنى المدرسة :تتكون المدرسة من اربعة أنهر ، يعنى ست عشرة فصل ، كل فصل حوالى اربعين طالبا . اسماء الفصول هى ايضا من العجائب : مشاهير العالم فى كل مجالات الحياة : ابتداء من دافنشى وبيتهوفن ، مرورا بمدام كورى وانتهاء بغاندى. من المبانى ايضا معامل العلوم والفنون والمكتبة وقاعة كبيرة للاجتماعات تتوسط المبانى على مسطبة عالية يستخدم جزء منها للاجتماع اليومى بعد الحصتين الاولتين وقبل الفطور ، حيث يجلس الناظر ورؤساء الجمعيات من الاساتذة على المسطبة العالية بينما يجلس الطلبة جميعا على ميدان النجيلة امام مكتب الناظر ويجلس بقية الاساتذة على كنب خلف الطلبة . يتحدث الناظر بما يريد فى ذلك اليوم ثم يتبعه رؤساء اللجان لاعلان مختلف الانشطة الثقافية والرياضية وغيرها . فى نهاية المبانى هناك قاعة مفتوححة بها جهاز راديو ضخم يستمع فيه الى الاخبار والاغانى قبل بداية الدراسة واثناء الفسح .
بالاضافة الى ميادين كرة القدم ، هناك ميادين لكرة السلة والتنس والكرة الطائرة وترابيز تنس الطاولة بالقاعات العامة فى كل الداخليات .وبعد قد يكون فى هذا الوصف المختصر مايدهش من يعيش ظروف التعليم فى سودان اليوم ، مقارنا بهذ المدرسة التى انشأت فى اربعينيات القرن الماضى وتحت الاستعمار ، غير ان ماسيدهشك كثيرا جدا هو نوعية التعليم والانشطة التى كانت تدور بين جدران هذه المؤسسة ، والتى كانت نتيجتها تخريج ذلك الكم الهائل من العباقرة فى كل مجالات الحياة السودانية . للذكرى التى علها تنفع المؤمنين وغيرهم ! فالى مقالنا القادم

[email][email protected][/email]