الصحافة في شراك الأمن

علي ذكر إعفاء الاستاذ النور احمد النور رئيس تحرير الصحافة من منصبه بقرار من جهاز الامن وما يدور من جدلفي ساحة الصحافة , تذكرت واقعة حدثت لي وهي تؤشر لمدي الهوان الذي وصلت إليه الصحافة السودانية في ظل هذا النظام المتسلط .
في احد مباني شارع الجامعة علقت لافتة كتب عليها : ( مركز المعلومات ) وقلت في نفسي رائع ان يكون لنا مركزا للملومات مثل بقية شعوب العالم التي تهتم بالتوثيق وقواعد البيانات و المعلومات , فلا تنمية ولا استثمار ولا تقدم في عصر المعلوماتية بدون مثل هذا المركز .
ولما كنت محتاجا لمعلومات استكمل بها احدالكتب التي انتوي اصدارها , ذهبت اليه خصيصا , وفي الاستقبال قدمت بطاقتي الصحفية لرجال الامن , وأعطوني بطاقة علقتها علي صدري ودخلت .. , ومن مكتب لمكتب .. , كل موظف يشير إلي بأصبعه للطريق الذي اسلكه .., فتعجبت من أناس لا يتفاعلون معك ولا يرشدونك بالطريقة الصحيحة الطبيعية ..
وحينما وصلت الي المكتب الذي ارسلوني اليه .. وجدته خاويا من البشر.., قلت لربما في المكاتب الداخلية .. تقدمت قليلا وانا أنادي : السلام عليكم ..!! وفجأة وجدت في المكتب فتاة ممدده علي سجادة .. , فتراجعت .. , وجاءتني منزعجه : ” عاوز شنو ” ؟ … قلت لها : انا صحفي ..وجئت ابحث عن معلومات استكمل بها دراسة …!!! انسحبت ولم تتركني اكمل حديثي ..وخرجت من المكتب ..!! فقلت في نفسي ربما ذهبت لتكرم وفادتي بكوب ماء بارد في هذا الحر القائظ ..وأنا اتصبب عرقا .. , ولكنها غابت ربما لربع ساعة أو عشر دقائق .. عادت بعدها وتقول للشرطي الذي معها : ” ياهو ده ” !!! فتعجبت ..!! قال لي الشرطي بكل وقاحة وصوت مرتفع : ” يازول انت دخلت هنا كيف ؟ ..” !!قلت له عبر الاستقبال .. وبطاقتي الصحفية موجودة لديهم .. !! فقال لي :من الباب الشرقي ولا الغربي .. قلت له هو باب وحيدمن شارع الجامعة ..قال بحده : ” أمرق أمرق .. ” !!قلت لهما : الحاصل شنو.. ؟ في حاجه حصلت ؟ انا ارتكبت جريمة .. ؟ كيف تعاملوني بالطريقة دي , رد الشرطي : ” يازول ما تكتر كلامك قلنا .. امرق امرق .. التفت اقول لها : هل هكذا تتعاملون مع الصحفين ؟ .. بظرت إلي ببله .. وطأطأت رأسها بوجهها الدميم المشحون بالغضب.. واوصلني الشرطي للإستقبال وهو يقول لهم : ” ده دخلتو كيف ؟ .. لم يجب احد ..!! التفت للأمن في الاستقبال أسألهم : كيف تعاملون ضيوفكم هكذا ؟ .. لم يجب أحد .. , قلت ليهم : من أنتم : لم يجب أحد.. , وأخذت افكر .. ” الحاصل شنو ” ؟ هل هؤلاء القوم سودانيون .. هل هم بشر .. ؟ أم انهم من كوكب آخر ؟
وخبطت الفكرة في رأسي كالصاعقة فجأة !!وقلت لنفسي : هل نسيت ياولد انك تعيش في دولة دكتاتورية تسلطية .. حقوق الانسان فيها مهدورة ..وكرامته لاتساوي شيئا ؟
إنه احد مكاتب جهاز الامن !!
ألم بي يومها حزن عاصف .. فشل كل من حولي في إخراجي منه .. وقالوا لي هذا هو حال البلد هون عليك ..فقلت لهم أنا بشر من لحم ودم .. لم أحزن علي الاهانة التي تعرضت لها .. لسبب بسيط وهو ان هؤلاء لايستطيعون .. مس شعره من كرامتي ..وهم مساكين يسترزفون من هذه المهنة .. في زمن الجوع والبطالةوالتسلط والدكتاتورية .. لكنها في الحقيقة مهنة شريفة في ظل الحريات والديمقراطية .. , ولكن حزني علي وطن تضيع منه أجزاء ويتمزق في كل صباح في ظل هذا النظام الفاسد .. , حزني علي بلد .. أسير عصابات مجرمة .. لاتعرف قيمة الوطنية .. وإلا كيف يهينون الناس في بلادهم ؟.. وكيف يدافعون عن نظام فاسد .. تسبب في موت الملايين ..وأفقر الناس وجوعهم .. علي حساب مجموعة ممن يدعون انهم حماة الاسلام وبعض الارزقية الذين شلكوا طبقة من الاثرياء …

طيلة عملي في الصحافة السودانية لم يواجهني موقف كهذا .., حتي القصر الجمهوري كنا أحيانا – إذا نسينا البطاقة – ندخله .. بكل ترحاب وتقدير لمعرفتهم لنا .. وحتي مجلس الوزراء والخارجية …, وكان المسئولون والوزراء يعملون لنا الف حساب ..
والصحافة اليوم لا قيمة لها , إذا كان رئيس تحرير جريدة مستقلة يمنعه جهاز الامنمن ممارسة عمله .. فماقيمة الصحافة ؟ ومن من المسئولين يقرأها ..ويحترم كتابها ويتفاعل مع ما يكتب ..ويهاب الاقلام النظيفة ؟ كنت أجلس مع أحد رؤساء التحرير فدخل علينا أحدالملتحين .. , فسأله رئيس التحرير :كيف تسافر مع الوزير دون أن تستأذن مني ؟ رد عليه .. ( وأنت تدي الحوافز لي ناسك يوم ما فكرت فيني ليه “!! طلب مني رئيس الحرير المشاركه في السجال الدائر بينهما .. , فقلت لهما : الصحافة السوانية عندها تقاليد وتسلسل ادراي لابد من أحترامه .. لقد كنت انتوي الذهاب لمناطق العمليات في كاس وزالنجي .. حيث كان الصراع علي اشده بين القبائل في العام 1986 م , وطلبت الاذن من رئيس التحرير الاستاذ فضل الله محمد .. فرفض ذلك بسبب حاجته لي .. , وظللت ارجوه لعدةايام ولم اتحرك ومعي مصور .. حتي أذن لي .. رغم ان الرحلة مواجهة بمخاطر حينها ..
وبعد ان خرج هذا ( المتحي .. المنحل للمهنة ) .. قال لي رئيس التحرير كل وزير عامل ليهو عصابة .. بقوا ما يسمعوا كلامنا …!!
وتحسرت علي ايام يحترم الصغير الكبير ..وكان المجتمع يحترم الصحافة والصحفيين ..وكانت الحكومة تهاب الصحافة , واذكر ان افضل عمل اقوم به في حياتي العملية حينما كتبت عدة تقارير عن مشروع الجزيرة في صحيفة السياسة العام 1986م ,تحرك جانبا من مجلس الوزراء برئاسة الدكتور الراحل عمر نورالدائم نائب رئيس الوزراء ووزير الزراعة وخمس وزراء , وظلوا في رئاسة المشروع ببركات لمدة اسبوع حتي انهواالعديد من مشاكلة سواء في عمل الري والتمويل وتوفير الاسمدة والمعدات وغيرها …حتي ان محافظ المشروع ووزير المالية طلبا مني الكف عن الكتابة . فقلت لكل منهما : سأتوقف لكنني سأراقب واتابع …
تحية لكل الزميلات والزملاء القابضين علي الجمر في وقفاتهم البطولية ..
حمي الله البلاد ولابديل سوي الخلاص من هذا النظام الفاسد .

ابراهيم علي ابراهيم
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. تستاهلوا يا صحفيين . ولي الامر المنتخب وصفتوه بأبو كلام وصغرتوه في أعين الناس حتى جاءكم من يؤدبكم ويمشيكم على العجين.

  2. سلام أستاذ إبراهيم علي إبراهيم
    الصحافة هي السلطة الرابعة وهي عين ساهرة تحمي مقدسات الشعب ولا تتهاون فيها وهي مع الحق والحقيقة مهما كان مؤلما،
    هل تذكر ووتر جيت ، إيران كونترا، هل تذكر مكا حدث لمعظم الروءساء الإسرائليين من الصحافة وإسرائيل التي نصفها بأبشع الألفاظ، الصحافة في العالم الأول حيث العدل هو القانون وهو الحاكم، ولكن هنا هل توجد صحافة بحق وحقيقة؟؟ ماذا عملتم أنتم قبيلة الصحفيين وكل يوم تصادر صحيفة؟؟ صحيفة الأيام أيام أوج دارفور أغلقت لمكا يقارب العام،، أين الآن صحيفة رأي الشعب ؟؟ أين صحيفة التيار ؟ أين جريدة الحرية ؟وأين جريدة الرأي الآخر ؟؟ أين جريدة وأين جريدة ؟؟؟ وأين ذلك الكاتب وتلك الكاتبه؟؟؟ أين حيدر المكاشفي؟ أين كتاب تلك الجريدة؟ أين منبر الخاتم عدلان وأين تلك المنابر الإعلامية؟؟؟؟ ألم يمنع إسحق فضل الله من الكتابة لمدة حوالي 3 شهور؟ ألم يمنع عووضة من رئاسة تحرير الجريدة؟ ألم يسجن أبوذر الأمين لمجرد مقال؟ الآن أين الأستاذ النور أحمد النور؟؟ ماهو دور الصحفيين فيما يحدث للصحافة والصحف والصحفيين؟؟؟ كيف يتم تقسيم الإعلانات؟؟؟ ألم تقرأ للأستاذ حيدر أحمد خير الله والظرف الأمانة؟؟ هل تابع الصحفيون أي موضوع نشروه حتي النهاية والحلول؟؟؟ الصحافة أمانة الكلمة والرأي فهل نملكها وهل ندافع عنها حتي بأرواحنا طالما إرتضيناها منهاجا وسيرة؟؟؟
    يديكم دوام الصحة وتمام العافية والشكر علي العافية

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..