مع الذكري الـ 32 للحركة الشعبية لتحرير السودان

ثـوريــة قــرنق
ماهية الوحدة وسيناريو الإنفصال ? نظرة تحليلية

عندما أطلق الراحل الدكتور جون قرنق شعاره “السودان الجديد”، عضد ذلك بمقولاته الشهيرة التي ظل يرددها في كثير من مناسبات الحركة الشعبية؛ بأنه وحدوي، ليس إنفصالي، وأنه يؤمن بوحدة السودان؛ وحدث ما لم يكن محسوبا في البال، وما لم يحمد عقباه، وهو إنفصال جنوب السودان!. عندئذ، تدافعت مشاعر الدهشة والحسرة والأسي عند كل سوداني غيور أولا ومسلم ثانية أن يري عزته وكيانه ?السودان مجتزءا إلي إثنين. قد حز الحزن في النفس طويلا بعد ما صوت الأشقاء الجنوبيين للإنفصال في سابقة هي الأولي في السودان، قضت بمنحهم حق تقرير المصير في دولة لم تكن يوما من الأيام إلا بلدا واحدا. وفي تلك اللحظة من ذلك اليوم، الجمعة 9 يوليو 2010م، كان هناك من يغالبون النفس من هول الصدمة بين التصديق والتكذيب وتصفيق المحتفلين بشطر البلد الحبيب ? علهم أن يجدوا ما يعزوا به النفس في مقبل الأيام والسنوات!.

وطرأ تساؤول حينها، إستبعادا للمصادفة ? أنه، أن لا بد من تنسيق وتوفيق ما بين دواعي شعار السودان الجديد ومقولات قرنق الوحدوية وسابقة “حق تقرير المصير!”، يناغم أو يسيغ حالة “التناقض والإنسجام!” ?المناورة التي يمكن تشخيصها بـ “متلازمة غرنق!” التي رافقته بإتزان في الشخصية وهو محارب ومفاوض وسياسي متميز في كل ذلك. وهذا ما يدعو للقول بين شعار الحركة ومناصرة قائدها لخيار الوحدة وما حدث من إنفصال بسبب تلك السابقة، بأن ما جاءنا به الدكتور جون غرنق دي-موبيور، من تمرد بإسم الحركة الشعبية لتحرير السودان في يوم الإثنين 16 مايو 1983م وتحت شعار السودان الجديد، وما ترتب علي ذلك من تداعيات وتطورات علي المستوي السياسي، الإجتماعي والإقتصادي قد وضعت الحركة الشعبية في مأزق الماهية والكنه!، ووضعت فكر الرجل ذاته في مخاطر كلفت الحركة الشعبية منذ أشهرها الأولي إلي زمن الإنفصال وبعده، أن تواجه بما يمكن تسميته بتحديات المواءمة بين سمة ذلك التناقض والإنسجام المتمثل في تلك المتلازمة، والتي إتصفت بها الحركة في تركيبتها ومحتواها ومظهرها وطرحها في مقابل كسرها لهاجس وحاجز الواقع السوداني المألوف()!.

ففي أشهرها الأولي، أي بعيد إعلانها، خاضت الحركة الشعبية قتالا ضد بعض المنادين بالإنفصال من أعضائها، إنتهي بإسكات ذلكم النداء الذي ظل أحد الكوامن المستترة، حتي تبين أمره لاحقا كأحد أهم بنود إتفاقية السلام الشامل، الموقعة ما بين الحركة الشعبية وحزب المؤتمر الوطني الحاكم بالسودان في يناير 2005م. وبتوقيع تلك الإتفاقية وما نتج عنها، يبرز سؤال؛ هل إنتفي غرض الحركة الشعبية بتحقيق إتفاقية السلام الشامل، وبلوغ مرادها بفصل الجنوب؛ أم أنها فعلا نكصت بذلك عن مبادئ مؤسسها الراحل الدكتور قرنق مكتفية بتأسيس دولة جنوب السودان – وحسب!. ولكن الوقائع ما بعد إتفاقية السلام، ووفاة الدكتور قرنق وحتي تحقيق الإنفصال وبعده، كلها تشير إلي غير ذلك. فلم ينتفي غرض الحركة الشعبية مع فصل الجنوب()، ولم تحد هي قيد أنملة عن مبادئ مؤسسها تلك ?المشار إليها لاحقا. وعليه فإن الراحل قرنق كقائد حربي كانت مصداقيته كغيره من الثوريين محكومة بالخدعة في الميدان والمناورة السياسية في النضال()، ولا نقول بأنه قد كان مخادعا متعمدا المراوغة وأنه كان يفعل ما لم يقصد، بل إنه وبشكل جاد كان يعي ويعني ما يقول بوحدة تراب السودان ? بالنظر إليه ككيان واحد والتعامل بشأنه كدولة متحدة وبرؤية وحدوية!.

فإذا لماذا وقع ذلك الإنفصال!. قبل الإجابة علي هذا التساؤل، فإنه لتلتمع في أذهان الشعب السوداني كل تلك المآسي التي تبادلها الطرفان ?الجنوبيون والشماليون؛ من ذلك الذي حصل لعشرات المدنيين الشماليين في توريت أغسطس 1955م من مزبحة وسلب ونهب، وإلي ذلك الذي حصل بمدينة الضعين مايو 1987م في المحرقة التي راح ضحيتها أكثر من أربعمائة مدني من قبيلة الدينكا. هذه المآسي وغيرها من أحداث وتطورات مصحوبة بنقض للعهود والمواثيق، إلي جانب التلفظ بالوصم بصفة العبودية والدونية و?الحشرية!?، ما هي في مجملها إلا أعراض تعبر بداية عن طبيعة النظرة المتحورة واللاإيجابية المتبادلة ما بين الشعبين، وليس عن معضلة الإنفصال في حد ذاتها، والتي جاءت كعلاج أقوي مائة مرة من شكوي التأزي والمضايقة ذاتها، والتي كان يزداد وقعها دون وازع أو رادع كلما إتجهنا نحو المركز ?ولاية الخرطوم!. فالمطالبة بتقاسم السلطة والثروة، والإيمان بالتنوع الثقافي والإعتقادي والإعتراف بالآخر، وإنتهاج عملية ديمقراطية سليمة للبناء الوطني، هي في الواقع عبارة عن مسكنات سياسية لجملة من الإفرازات أو الأعراض لحالة واحدة، هي الهيمنة التي منشأوها تلك النظرة اللاإيجابية، والتي يجب ضبطها في النفوس ومعاقبة من يقوم بفعلها، للحد منها ومكافحتها، حتي يضمن إجتثاثها كمستبطن كامن مهدد للأمن والسلم الإجتماعي محليا، إقليميا وعالميا!. فالعبرة عندنا، هي هدي الدين وكذا ما قام به الإتحاد الدولي للفيفا وإنشائه إدارة خاصة لمكافحة العنصرية بالاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا أن العنصرية الموجودة في روسيا ستمثل تحديا كبيرا لهذه البلاد قبل استضافتها لنهائيات كأس العالم 2018م. وهنا حينما سئل الدكتور جون قرنق عن معني التحرر الذي يقصد، قال: (ما تسألوني عايز أحرر الناس من منو … إسألوني عايز تحررم من شنو!) ?أي من الذي ما بأنفسهم، وهذا ما يتطابق مع القرآن الكريم في قول الله سبحانه وتعالي:(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)!. ولكن غياب الوعي القانوني بين سائر الأفراد، وعزة النفس المسيطرة في ذات الإنسان السوداني، إلي جانب عدم وجود تشريع قوي لمخاطبة هذا الجرم – المهدد للتماسك الإجتماعي، هي جميعها ما تجعل كثيرا من الناس يلجأون لأخذ الحق باليد خاصة في جانب هذا الإستعلاء ?حمية الجاهلية، وما يؤذي بها من إساءة وإزدراء وإحتقار!.

يتبع —
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..