امدرمان زهرة المدائن

( غيض من فيض)
د.نبيل يوسف
بعد ما يربو على الخمس سنوات ألتقيت بصديقي وأخي الأستاذ الطاش بمكتبه بأ مدرمان، وهو بالطبع أحد كبار المحامين والقانونيين في مدينة امدرمان أو زهرة المدائن كما يحلو للبعض – ولي خاصة – أن يسميها.
لا أود الحديث عن حرارة اللقاء وروعته، لكن صديقي الأستاذ الطاش عاشق لأمدرمان محب لأهلها أو فلنقل قد شغفته امدرمان حبا، كيف لا وهو من أبناء حي البوستة العريق. أخبرته أني طوال الطريق إليه لم ألق من أعرفه أو يعرفني، فقال لي بصوت لايخلو من تحسر وغضب معا:(أمدرمان اتريفت ياود نص امدرمان) – ونص أمدرمان هذا اسم عرف به جدي لأبي عباس رحمه الله- ثم طفق ينشد أبياتا قال إنها للعبادي:
( أمدرمان ياالكبرتي بجهلك
تعزي في الغربا وتذلي في أهلك).
وجدتني وأنا في طريقي للعودة أردد هذه الأبيات واستعرض ما أعرفه وما سمعته عن أمدرمات في الخمسينات والستينات بل حتى أوائل الثمانينات وماتمتعت به من مجتمع راق مثقف يطربه الوتر ويستهويه الكفر وتقر عينه في الكتاب، فهي محط الإبداع ومهبطه، في جوانحها الهلال والمريخ والموردة والإذاعة والتلفزيون والمسرح، وسينما برمبل (قديس) وسينما امدرمان والوطنية والعرضة وبانت وسينما الثورة ، وفي ربوعها نهضت العديد من الصالونات الأديية والمنتديات الشعرية التي ساهمت بصورة فاعلة في الحركة الأدبية والثقافية والسياسية أيضا .
وان كانت مجموعة مقاهي ستار بكس (Starbucks) التي انشئت في سبعينيات القرن الماضي تفخر بروادها من الأدباء والفنانين وبجوها المشبع بالقراءة والثقافة، فان لمقهى جورج مشرقي الذي بدأ في الخمسينات اليد الطولى وقصب السبق في هذا المجال. وليس الأمر قصرا على هذا المقهى وحده فمعظم مقاهي امدرمان كانت تعد وسيلة من وسائل التواصل الإجتماعي الثقافي الأدبي، فهي عبارة عن منتديات أدبية ثقافية يؤمها الأدباء والفنانون ومحبو الفن، تصدح فيها من خلال الفونوغراف اسطوانات سرور وكرومة والأمين برهان وغيره، وكذلك اساطين الغناء العربي مثل أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وفريد الأطرش. ومن أشهر هذه المقاهي قهوة ود الأغا وقهوة أولاد الفكي وقهوة شديد.
ولا يخلو مجتمع المقاهي من ملح وطرائف، فيروى عن صاحب القهوة الاخيرة (عم شديد) وقد كان رجلا ساخرا ذا دعابة، أنه طلب من (أبو الدبل) وهو أحد العمال المشهورين بالقوة والفتوة أن يسحن له البن، والبن عادة يسحن ويدق في أناء خشبي واسع كبير يسمى (الفندك) يزيد ارتفاعه عن المتر مصنوع من جذع شجرة ضخمة ذو يد خشبية أشبه بمرق العنقريب، فما كان من (أبي الدبل) إلا أن أخذ هذا المرق وضرب به الفندك فانفلق فلقتين عظيمتين. فجاءه عم شديد وسأله بكل هدوء: ( فطرت يا أبو الدبل؟) فأجابه بالنفي، فقذف له فريني (عملة من قرشين) وقال له:(طيب هاك أفطر وتعال هد فينا القهوة دي).
ولا زلت أذكر يوم الخميس يوم النزهة والترويح، حيث نحظى بأطايب الفواكه وأشهى الحلويات. وقتها لم يكن هناك فرق يذكر بين مأكل الغني والفقير وملبسها فكلاهما يتساويان في ذلك. وكم كنا نهيص وننط غبطة وسعادة عندما نعلم أن برنامج الخميس قد خصص للسينما، فالفرحة ساعتها لاتضاهيها سوى فرحة العيد. و نظل نرقب الوالد – رحمه الله – وهو يتصل بصاحب التاكسي الذي يحضر قبيل المغرب بقليل فلا يطرق الباب بل يتسلى بمسح زجاج عربته إلى أن نخرج في كامل زينتنا مرتدين أجمل الشورتات الصغيرة والأحذية (البوز). ونذهب السينما فيتلقانا عامل السينما بكل أدب ليرينا المكان المخصص لنا والذي يسمى (لوج) ولعل هذا الاسم مشتق من الكلمة الانجليزية (lounge) بمعنى صالون أو استراحة.
عندما ينتهي العرض نجد صاحب التاكسي في انتظارنا يمسح في زجاج عربته أيضا ..
عفوا لقد فاتني أن اذكر أنا حيث كنا نسكن في حي (ابوروف)كنا نستيقظ صباحا فنجد زجاجة لبن كبيرة معلقة أعلى الباب في مكانها المخصص كما نجد موزع الجرائد قد قذف بأكثر من جريدة تحت الباب وبعدها بقليل يحضر بائع الرغيف بعجلته ذات القفص المربع فوقها طاولة العيش. كذلك اعتدنا على مشاهدة بائع الجاز الابيض كل اسبوع بعربته التي يجرها الحصان، وبائع الغاز كل أسبوعين بعربته التي تشبه إلى حد كبير الركشه الحالية وإن كانت تكبرها قليلا.. وأمام المنزل مباشرة صندوق بريد يملؤه ساعي البريد يوميا بالخطايات والبرقيات، وفي المحطة التي تقع قرب مركز صحي الهجرة تلفون كبير أسود يدار باليد ..
عودا على بدء ونحن في طريقنا للمنزل خارجين لا بد للتاكسي من أن يمر على محمد برعي المصري أشهر صاحب حلويات ومرطبات وآيس كريم مثله مثل جورج مشرقي والطيب سيد مكي، فنشتري ماشاء الله لنا من آيس كريم وحلويات. وفي هذا المقام لا يفوتني أن أذكر (عم بين) بائع الباسطة الشهير بقفشاته وظرفه الذي يعرض الباسطة على عربته الخشبية ذات العجلات التي يجرها بنفسه. فقد كان مألوفا جدا مشاهدة عربات الباسطة التي يجرها أصحابها أمامهم في الطريق العمومي شأنها شأن المرسيدس والبيجو والهيلمان . وتحضرني طرفة حكاها لي صديقي وأخي الاستاذ يوسف حامد المحامي فقد كان أبوه (عم حامد ) – أطال الله في عمره- يقتني عربة بيجو قديمة يقودها ببطء شديد، وعلى سبيل التهكم من عربة عم حامد التي كان يسميها (عزيزة) قال لي:( كل ما أركب مع عمك حامد عربات الباسطة يجوا ماشين فينا فو .. فو .. فو).
الحديث امدرمان (زهرة المدائن ) ذو شجون يأخذ بعضه بعضا شجنة شجنة، ولعل أهم شجنة في هذه الشحرة ظرفاء امدرمان.. بلبل ملك المنلوج والفاضل سعيد زعيم المسرح السوداني وموسى ودنفاش الذي كان رمزا للظرف وخفة الروح – ظنه البعض شخصية أسطورية – ومواقفه الطريفة مع السيد عبد الرحمن المهدي، منها ماقيل إنه وشريك له قاما بتأجير عربة (كومر) خاصتهما لدائرة المهدي بأجر شهري مجز فقام السيد الصديق بإلغاء الإجارة، فقابل ود نفاش وصديقه السيد عبدالرحمن والذي كان سعيدا وقتها بإسلام خواجة ألماني على يده فقال له: ( مافي فايده يا سيدي، انت الليله دخلت واحد الإسلام والسيد الصديق مرق اتنين ).
وعم شاخور ذلك المريخابي الغيور وطرفه الرياضية الشهيرة والتي منها عندما صدرت قوانين الشريعة أيام نميري وصادف أن طرحت مايو مجموعة من الكؤؤس (كاسات الدهب والثورة الصحية والتعليمية وكأس العودة) وكلها كانت من نصيب الهلال فقال شاخور للنميري:( تعرف ياريس نحن أكتر ناس طبقنا الشريعة في عهدك).
فسأله النميري (كيف يعني؟)
رد شاخور بطريقته الساخرة :(ما حصل رفعنا لينا كاس).
ومن ظرفائها خفيف الظل كمال سينا الذي كانت تربطه صداقة وطيدة مع رجل الأعمال أنيس حجار صاحب مصانع حجار للسجاير، فقال له يوما:( تعرف يا أنيس أنا عكسك في ثلاثة حاجات، انت مقرش وانا مفلس، انت بتلف السجاير وأنا بفرتقها، انت اسمك أنيس وانا واسمي انيس لكن بالقلبة).
ولا ننسى طيب الذكر أحمد داؤود الذي ما كانت يفوته تشييع في أمدرمان أو الخرطوم أو بحري.
قيل جاءته مجموعة من أصدقائه فعاب عليه الأول عدم حضوره في مقابر أحمد شرفي في جنازة فلان، وعابه الثاني لعدم حضوره جنازة في مقابر البكري، وعابه الثالث لتغيبه عن جنازة في مقابر حلة حمد، وسأله الرابع لماذا لم يحضر جنازة فلان في مقابر فاروق؟ فقال لهم: ( انتوا قايلين بموتوا المسلمين براهم؟ كنت بحرق لي في واحد هندي).
وفاكهة الظرفاء الظريف الطريف الرجل الصالح الهادي نصر الدين الذي لا تخطؤه العين في أي مأتم لأبناء أمدرمان، يعرف الجميع والجميع يعرفه،حتى قيل أن لصا تسلق سور منزله ذات مرة وعندما نزل من على الحائط ابتدره شيخ الهادي قائلا:( كوكو !! الجابك من القماير في الوقت ده شنو ؟ ) . فهو رجل نسابة يعرف جميع أهالي امدرمان الأصليين ويعرفونه.
واذكر أن أحد موظفي الجامعة عرفني بنفسه أنه من أبناء أمدرمان وكنت أظنه كذلك إلى أن حكيت يوما إحدي قفشات الهادي نصر الدين فسألني من هو الهادي نصر الدين؟ فقلت له من لا يعرف الهادي نصر الدين ومن لا يعرفه الهادي نصر الدين قطعا ليس من أبناء امدرمان .
وقد صدق ظني فيه فعلاقته بأمدرمان لم تبدأ إلا منذ عقدين أو ثلاثة ، شأنه في ذلك شأن ذلك الإعلامي القادم من الجزيرة والذي مافتأ يذكر مرارا وتكراراً أنه من أبناء ( أمدرمان الأصليين) والجميع يعلم ب (جزيريته) التي تنكر لها..
وتراني أجد له العذر فالكل يمني نفسه بأن يكون أحد أبناء امدرمان زهرة المدائن.
ختاما . . يا أمدرمان يا زهرة المدائن . . هل صدق العبادي فيك قوله ؟؟؟
[email][email protected][/email]
اسسها المهدي والخليفه عبدالله ( اول امس)
تكونت من الجيوش والناس الجات مع الجيوش من انحاء السودان
منهم من رجع الى اهله وبلده- والماعندو شئ يرجع ليهو استقر مكانو فتكونت امدرمان-فهؤلاء قد يكتسبوا ألقاب علميه -دكتور وبروف وغيرها- ولكنهم يصعب إن لم يكن يستحيل عليهم الرقي والتحضر-
فلم يعيشوا الحياة المدنيه بقوانينها الصارمه وخدماتها المتكامله ومتطلباتها من جد وعمل ومثابره واحترام الاخر ومصلحة المجتمع- ولن يستطيعوا ان يعيشوا الحياة الريفيه ببساطتها وقيمها من تواضع وترابط واحترام للكبير واكرام للضيف ومساعدة المحتاج وغيرها-
ويجي واحد يقول ليك ام درمان الاصاله وهي اخر منطقه تكونت واقربها تاريخا-
وزعلان يقول تريفت وهي لم تكن مدينه -ويا ليتها تريفت حتى تخرج من الوحل—
والغريب يجي واحد يدعي انو امدرماني اصلي وهو ما جموعي–ان كان الاعلامي تنكر لاصله واصله معروف-فغيره تنكر ولم نعرف له اصلا–
لا اعمم ما كتبته على الكل ولكن كثيرا من الناس يكتبون عن امدرمان مدحا او ما يعتقدونه مدحا لا يسنده واقع ولاحقيقه–
….. وبالمناسبة انت تقصد بالشخص (الجزيري) كما وصفته والذي تنكر ل(جزيريته) ويدعي انه(ام درماني اصيل)،والوصف لك ايضا”، الاستاذ الانيق اللبق المحدث المثقف حسين خوجلي وانه لشرف لامدرمان ان تنجب مثله ، ثم كلمة جديدة تدخل القاموس السوداني المثقل اساسا” بأوضار العنصرة:(جزيريته)!!! وكأن البلد (ما فيها لا يكفيها). اما اذا كنت تقصد بما كتبت الاستعلاء (الامدرماني) على الانتماء (الجزيري) فقد فتحت على نفسك نافذة من الجحيم اخشى الا يكون لك قبل بها والا (تسطع عليها صبرا) ،،، ولك مودتي واحترامي سيدي .
د.نبيل يوسف ، ام ردمان بتاعة الساعة كم وسنة كم، بربر هي زهرة المدائن ودرة السودان … بلاش سلبطة معاكم يا ناس ام درمان …
امدرمان لسع ماكسرت سنون اللبن بالنسبة للابيض ومدني ياكاتب المقال فهي صناعة الثورة المهدية .عمرها لايزيد عن 130 سنة ……… وهناك مدن ضاربة فى بطون التاريخ والعراقة والقدم مدينة الابيض بشمال كردفان كانت مدينة كاملة الدسم قبل امدرمان باكثر من 400 سنة ، ومدينة ود مدني فى قلب الجزيرة ( ارض المحنة ) لها نفس التاريخ والعراقة .. وحتى الخرطوم نفسها عمرها لايزيد عن مأتي عام .. وتاريخها كعاصمة الان حوالي 180 سنة . واول من اعتبرها عاصمة ( عثمان باشا التركي) بعد هزيمة السلطنة الزرقاء .. تم ترحيل المصالح الحكومية لمدينة ود مدني لتكون عاصمة السودان .. وعندما تعرف الاتراك على موقع الخرطوم عند التقاء النيلين اعجبوا بالموقع . فنقلوا المصالح الحكومية للخرطوم من مدني اليها وكان عدد سكانها فى ذلك الوقت حوالي 60 الف نسمة اكثرهم من السوريين واللبنانيين والحلب والارمن والاقاريق…( هذا تاريخ موثق) وليس نسج خيال ……. واذا كان لامدرمان بعض الطرافة والفلكلور الشعبي فهي مصب وليست منبع كل مافيها جاء من اقاليم السودان المختلفة ( فهي وعاء ) ولكن ابناءها يعتبرونها متميزة عن باقي المدن .. ( للاسف الميزة الوحيدة هي انها فرضت ثقافتها بواسطة اذاعة امدرمان ، واكثر ثقافتها ( تهريج وغناء ورقص ) ( وعمكم السر قدور مثال !!!! رجل فى التسعين من عمره لايزال يرهق نفسه فى اكتشاف ( الغنايات ) ( الفنانات) وخلال السنوات الاخيرة هذه رفد السودان بعشرات الغنايات والطقاقات فجلبن للسودان من الفضائح مالم يحصل فى تاريخه ………
أم در
الأرض المباركة .. بقعة المهدي
موطن الثوار والأحرار وأفاضل النساء .
ستهم
حوت وجمعت ألأخيار .. تعطي الغريب قبل القريب
الكل يطلب ودها .. وهي تحنو على الجميع
وقدر ما تقول فيها قليل عليها
الاخوةود منوفل، زول النصيحة، المكشكش: د.نبيل يوسف سرد ذكريات جميلة تمر بخاطر كل الذين عاصروا تلك الحقبة في ام درمان (مواطنيها والوافدين اليها)، هل هذا الموضوع يثير أي مشكلة لديكم. يا اخوة فليتحدث كل منكم عن ذكرياته في مدينته ويكثر من مدحها وهذا احسبه جميل جداً حيث انه يعرفنا بمدن السودان المختلفة نشأتها، تاريخها، المعالم البارزة فيها، سكانها. . . . .الخ. تعتبر الجزيرة منطقة تلاقحت فيها الكثير من القبائل والاعراق وهي منطقة خير وبركة، لكن حسين خوجلي هذا فهو نسيج وحده!!! اسواء صحفي مر على تاريخ السودان؛ وناس امدرمان بيعرفوه كويس جداً!!!!
د نبيل
لك الود والتحية
خواطرك جميلة عن أمدر طريت ناسة وكيف أسلاها واتناسا .بس ياخي حديث الارستقراطيين دا لم نألفه من أولاد أمدرمان _ تاكسي طلب خاص لمشوار السينما وحاجزين لوج …الخ.هذه ليست لغة أولاد أم در فهم شعبيين مهما تكن درجة ثرائهم أو ارستقراطيتهم .هم أولاد الحواري والدافوري والبلي وكوشة الجبل وزريبة العيش وحوش المولد ودار الرياضة امدرمان .شوقي بدري كان ود عز كما يقولون ولكنه لم يتبجح يوما ما أو يتجدع كما تجدعت .
أرجو اعادة مقالك الجميل بلغة أولاد أمدرمان ال slang حتى يكون أجمل .
لك الود والتحية.
د نبيل
لك الود والتحية
خواطرك جميلة عن أمدر طريت ناسة وكيف أسلاها واتناسا .بس ياخي حديث الارستقراطيين دا لم نألفه من أولاد أمدرمان _ تاكسي طلب خاص لمشوار السينما وحاجزين لوج …الخ.هذه ليست لغة أولاد أم در فهم شعبيين مهما تكن درجة ثرائهم أو ارستقراطيتهم .هم أولاد الحواري والدافوري والبلي وكوشة الجبل وزريبة العيش وحوش المولد ودار الرياضة امدرمان .شوقي بدري كان ود عز كما يقولون ولكنه لم يتبجح يوما ما أو يتجدع كما تجدعت .
أرجو اعادة مقالك الجميل بلغة أولاد أمدرمان ال slang حتى يكون أجمل .
لك الود والتحية.