من حكايا التاريخ

*( ما يكون بدعة في عصر ما…. يصبح
مألوفاً في العصر الذي يليه..).
– هيلين كيلر-
*حال الشاعر:
.. كان النضر بن شميل التميمي (توفى 204هجريه) أوحد أهل زمانه في الفضل والأدب والفصاحة فضاق به العيش في مدينة البصرة وأضناه الفقر والعوز، وهو على ماهو عليه من سعة العلم وقوة الفكر وفصاحة اللسان، فعزم على الخروج من مدينته، والسفر إلي خراسان، فخرج لتشييعه وتوديعه نحو ثلاثة ألاف من المحدَثين والفقهاء واللغويين والنحاة والأدباء، وجلسوا لوداعه على قارعة الطريق وهم يبكون لفراقه، ويولولون ويندبون أنفسهم لخسارتهم إياه ، فقام بينهم، وقال: يا أهل البصرة، يعزَ علىَ والله فراقكم، ولو وجدت عندكم كل يوم كيله من الباقلاء، ما فارقتكم.
فلم يكن فيهم واحد يتكفل له ذلك ، فسار إلى خراسان وأقام فيها، وأفاد مالاً كثيراً، وكان يتمثل بقول العربي المشهور:
أضاعوني وأي فتى أضاعوا
ليوم كريهة وسداد ثغر
.. إلي آخر الرواية… وإلي آخر الروايات بعدها، على امتداد عصر الفكر الذي لم يشبع مفكراً جائعاً، ولم يكس أديبا معوزاً، هذا في الوقت الذي كان لزيد بن ثابت من الذهب والفضة ما كانت الفؤوس – وحدها – أداة تكسيره، لكبر الحجوم وكثرة الكنوز، وفي الوقت الذي كان فيه الخليفة العربي ينهض من عرشه مترنحاً ليستقبل المغنية حبابة، ويقسم إن يملأ أحضانها ذهباً، بعد إن ملأت أحضانه طرباً.. بينما يقف عشرات المداحين، على بابه ينتظرون الإذن لمثول قصائدهم بين يديه:
لو استطعُت ركبتُ الناس كلهمو
إلي سعيد بن عبدالله بعرنا
إلي آخره.. وإلي آخر الروايات بعدها، على امتداد عصر المقاولين, الذي لم يحترم فكراً نيراً، ولم يكس مثقفاً طليعيا…
وإلاَ ما الذي أفادت دموع الوجهاء المشيعين للنضر بن شميل في ملا معدته الغرثى، وهو الذي ملأ دنياهم فكراً وتأليفاً وفصاحة، وهم بهذه الدموع يذكروننا بالخليفة الآخر، الذي كان كلما سمع بيتاً جميلاً صرخ من بين خلاخيل جواريه المزينات بالذهب والفضة: أحسنت، دون إن يلتفت إلي حال الشاعر المدقع، إلي إن انتهت القصيدة دون إن يحصل على شيء.. فما كان من الشاعر إلاَ إن هتف بأعلى صوته :
كلما قلت بيتاً، قال زدني
وباحسنت لا يباع الدقيق.
* مصادفة:‏
صادف المنصور مرة أحد الأشخاص وسأله عن وجهته، فقال إنه متجه إلى مروان بن محمد لمدحه، وعندما صار المنصور خليفة، وجد ذلك الرجل فسأله: كم أعطاك مروان؟ فقال: أغناني أن أسأل أحداً بعده.‏
* عن الصوم والإفطار:‏
جاء رجل إلى فقيه فقال: أفطرت يوماً في رمضان، فقال له الفقيه: اقضِ يوماً مكانه، فقال: قضيت وأتيت أهلي وقد عملوا مأمونية، فسبقتني يدي إليها فأكلتُ منها.‏
فقال: اقضِ يوماً آخر مكانه. قال: قضيت وأتيت أهلي وقد عملوا هريسة، فسبقتني يدي إليها.‏
فقال الفقيه: أرى ألا تصوم إلا ويدك مغلولة إلى عنقك.‏
* بيعة عمر بن الخطاب:‏
قال أبو بكر الصديق عندما عقد لعمر بن الخطاب البيعة وخلافة المسلمين، يا قوم إني استعملت عليكم ابن الخطاب، فإن برّ وعدل فذاك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل وظلم فلا أعلم بالغيب، وإنما الخير أردت، ولكل امرئ ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون والعاقبة للمتقين.‏
* ارجعْ إلى قومك:‏
كان الأحنف بن قيس مشهوراً بالحلم وعدم الغضب، فأجمع بعض أصحابه على أن يغضبوه، فجاءه واحد منهم يخطب إليه أمّه، فقال له الأحنف: لسنا نردك انتقاصاً بحسبك، ولا قلة رغبة في مصاهرتك، ولكن والدتي امرأة قد علا سنها وأشرفت على السبعين، وأنت شاب، وفي ريعان الصبا، تحتاج إلى امرأة ودود ولود، تأخذ من خلقك وتستمد من أدبك، ثم قال للشاب: ارجعْ إلى قومك واخبرهم أنك لم تغضبني.‏
* معاتبة مصعب للأحنف:‏
عاتب مصعب بن الزبير الأحنف بن قيس على شيء بلغه عنه، فاعتذر إليه الأحنف من ذلك ونفاه، فقال مصعب: أخبرني بذلك الثقة.‏
فقال الأحنف: كلا أيها الأمير، إن الثقة لا يبلغ!‏
* على أن لا تعود:
قيل أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كان يعسّس ليلة، فسمع غناء رجل من بيت، فتسور عليه فرآه مع جماعة يشربون الخمر فقال: يا عدو الله أرأيت يسترك الله وأنت على معصية؟‏
فقال: لا تعجل يا أمير المؤمنين! إن كنتُ عصيتُ الله في واحدة فقد عصيت أنت في ثلاث:‏
قال تعالى: ولا تجسسوا? وقد تجسست، وقال:؟ وأتوا البيوت من أبوابها? وقد تسورت عليّ، وقال: ?ولا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلّموا على أهلها? وقد دخلت بغير سلام!‏
فقال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: أسأت، فهل تعفو؟!‏
فقال: نعم، وعلى أن لا تعود.‏
* المرء بأصغريه:‏
لما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة، قدمت عليه وفود أهل كل بلد، فتقدّم إليه وفد أهل الحجاز، فاشرأب منهم غلام للكلام، فقال عمر: يا غلام، ليتكلّم من هو أحسن منك، فقال الغلام: يا أمير المؤمنين إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، فإذا منح الله العبد لساناً لافظاً، وقلباً حافظاً فقد استحق الكلام، ولو أن الأمور بالسن لكان ها هنا من هو أحق منك بمجلسك. فقال عمر: صدقت. تكلم، فهذا السحر الحلال.‏
فقال الغلام: يا أمير المؤمنين، نحن وفد التهنئة، لا وفد المرزئة، ولم يقدم أحد منّا إليك رغبة ولا رهبة، لأننا قد أمنّا في أيامك، ما خفنا وأدركنا ما طلبنا.‏
فأُعجِب عمر بكلامه، وسأل عن عمره، فقيل له عشر سنين.‏
* طلب العلم والأدب:‏
قال المنصور بن المهدي للمأمون: أيحسن بنا طلب العلم والأدب؟‏
قال: لأن أموت طالباً للأدب خير لي من أن أعيش قانعاً بالجهل.‏
قال المنصور: فإلى متى يحسن بي ذلك؟‏
قال: ما حسنت الحياة بك.‏
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..