رأيت قمة التضحية فى الجرادة بينها تنازلات البشر فرق شاسع

البون شاسع بفارق سنوات ضوئية..التضحية هى التجرد والكفر بالانانية وذبح الغرائز وحب الذات فى محراب المبادىء السامية من اجل الآخر وترسيخ كرامة المستضعفيين وتهذيب شوائب الطغاة وهذه ما جاءت بها كل الرسالات السماوية لتطبيق العدالة والمساواة فى الارض من لدن حكيم عليم..
أما التنازلات فهى نقيضها هى بيع المبادىء والكرامة من أجل شهوة أو متعة زائلة او بريق جاه زائل واشباع لطيش وسفه والتنازلات لها سقوفات وبورصة تباع فيها وتشترى بائع اليوم قد يكون مشترى غدا…اما التضحيات ليس لها سقف ولا ثمن يرتجى ولاهوى نفس يدندن به ولا شعارات فى اول مأزق تصبح هباءا منثورا..فالتضحية تصل حد الفناء والموت وترك مغريات ومباهج الدنيا. .
هذا ما رأيته فى حشرة رمزا عمليا للفداء والتضحية..التى كثيرا يستخدم كلمة حشرية للاساءة للاخريين بأنهم ادنى منزلة كأنهم هم من خلقوا او تشابهه الخلق عليهم وهم لا يخلقون ذبابة بل جنيين فطر لا يرى بالعين فتجد الانسان ظلوما جهولا يسىء لنفسة وللحشرة وللاخر.. إن اراد السخرية بخصمه ((يقول له يا حشرة))ولله المثل الاعلى ((يضرب مثلا ما بعوضة وما فوقها)). وايضا((ويقول الكافر ياليتنى كنت ترابا))..لأن الشاة تأخذ ثأرها من الاخرى فتتحولا بعدها ترابا ..يومها يدرك الانسان قيمة من خلق وما خلق كنا يفاع نجوب وديان بيادر جنوب كردفان الممطرا فى الخريف وما جاورها فى نفس الحزام فى خط عرض الكورة الارضية من مناخ…وكانت عطلة المدارس فى نهاية الصيف وحتى الشهور الاولى من الخريف فنعيش احوال واهوال فصليين من السنة فى فترة الاجازة..فنرى الزنابق الملونة تنتشرفى الخريف ونعيش حرارة الصيف وعسره لميلاد الخريف جديد..ونرى العصافير تعزف الحان شجية ونسمى كل طائر باسم من لدن عالمنا الزاهى واشجار خلوية تنحنى بثمارها فى سخاء اشجار برية مثمرة ((كالحميض والجوقان والمهاجر ام تكوكول )) غير الهليج والنبق والدليب والخروب خارج القوس قاب قوسيين او ادنى تنقرض للاسف قد انقرض اكثرها لم يبقى إلا اسمها فى ذاكرتنا العجوزه..وحشرات جميلة ملونة ..ومن بين تلك الحشرات اوقفتنى كثيرا بل ذكراها محفورة هى الجرادة التى سميت بها قرية كبيرة مجاورة لقدير المنطقة التى شهدت معارك بين المهدى الذى تخندق فى جبال قدير وحملة هكس باشا وقصة حبوبتنا رابحة الكنانية التى ابلغت المهدى بتعسكر جيش هكس بالجرادة..
ولست بصدد الخوض فى تضحيات الانصار الذى اختزلهم التاريخ وتحدث عن حرق اسماعيل باشا تغيير الموقف بتضحية من المك لحقن دماء اهلنا فى الشمال من حملة الدفتردار الإنتقامية..ولكن حديثى ليس عن التاريخ بل عن حشرة الجرادة …التى تبدأ حياتها عتاب وتسمى ((ام جوركوم))التى صارت مثلا يضرب لتختزل كل دورة الحياة فى هذا المثل أم جوركم ما بتاكل خريفيين..انها لا تعيش خريفيين دورة حياتها تبدأ مع الخريف او ((صبة)) وبعدها ((صبنة)) فتخرج العتاب مع الارض عندما تهتز وتربت((كما وصف الله فى القرآن))وتنتهى فى نهايته ولكن نهاية مشرفة بل نهاية يعلمها الكثير الذين درسوا دورة الحياة الجرادة فى مادة الاحياء ..وكثيرا ايضا شاهدها فى نهاية حياتها ولكن لم يتأمل فيها إلا القليل..
بعد ((هبوب الدرت..))تصفر الحشائش وتتساقط اوراق الشجر وتتحول الارض من خضرة يانعة الى قحط وموت نعم التى يحيها الله بعد موتها…وتهاجر الطيور الى بحر ابيض الى جنوب البلاد بل تهرب ..ويقل المرعى ويهاجر الرعاة بالماشية ((الضعينة)) الظعينة ..وهنا تزحف الجرادة مثقلة بحملها((حيث تكتنز بالبيض) )والارض تكشر عن وجهها فتتشقق لذلك كنا نرمز للفئران بحمام الشقوق فتخرج الفئران فى الصيف مستغلة موت الحياة وحصاد المزارع وجفاف الارض فتفتات من البقايا..والجرادة تزحف..لا مرعى لها ولا ماء ولا جناح تطير به كالطيور وتحت اقدام الماشية والظعينة ويحيط بها الاعداء اشرار الصيف الثعابيين .. والجرادة همها تبحث عن شق مناسب يكون محرابها لاداء طقوس التضحية حيث تمطر ذيلها المثقل بالبيض بل هم فلاذ اكبادها..فتدفن ذيلها وتظل حية تنظر الى هذا الكون فى رضاء بل فى اباء حتى تموت بعد عدة ايام ..ليتفس بيض الى عتاب جديد عند هبة خريف موسم جديد وتبدأ دورة جديدة.
لذلك الجرادة ضربت اروع مثال للتضحية قد يقول قائل ما اتفهه هذا المثل ..ولكن يكفى أن الغراب تعلمنا منه كيف نستر موتانا …ونتعلم من الجرادة كيف الصبر على التضحية والبلاء.
اما الانسان رغم هذا المثل الماثل امامه يظل يسفك الدماء ويفسد فى الارض ويدمر شعوب من اجل البقاء حيا وهيهات ويعلم مصيره الى الحفرة ..فيظل يبحث عن اسكير الحياة وما فتىء يبحث حتى ((سلى الغنم))الخلايا الجزعية استخدمها..ويصبغ الشعر ويحاول يشترى ويزرع اعضاء من بنى جنسه ويحتقن بالسلكون ويشد الجلد ولكن((مهما طال ام جركوم ما بتاكل خريفيين))..
ولكن تظل التضحية هى القيمة الباقية للانسان ..لقد ضرب الرسول صلى لله عليه وسلم اروع التضحيات..حينما الاغراء على اشده وبريقه هو محاصر فى شعاب مكة حتى أكل الناس جلود النعم عرض عليه أن يتوج ملكا ويكون غنيهم يكون ويكون ولكن قال لو وضعت الشمس بيمنى والقمر بشمالى لم تركت هذا الأمر بل ضحى عن انتصار الذات وابى ان يطبق الاخشبيين على من عذبوه ورموه بالحجارة والقاذروات واقذع الكلمات فوق كل هذه الترهات ..قال لهم عند فتح مكة اذهبوا انتم الطلقاء ..والخليل ابراهيم عليه السلام عمره اثنى عشرة عاما جهزت له النيران ايام وليالى صارت كالجبال وبركانا بلهيبها ويوثق هو واثق بل مستسلم بل جاهز للتضحية من اجل التوحيد بالله…ثم استسلم هو وابنه للذبح…
نسأل الله أن يمنحنا القدره للتضحية لديننا الحنيف
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. لك التحيه. حكاية الجراد دي ذكرتني بموقف طريف ايام اغترابنا في الامارات . كنا جماعه جايبين سيرة الجراد القادم من السودان كيف عبر البحر الاحمر مسافة ثلاثمائة كيلومتر ليغزو السعوديه .العبور دا بكون مؤكد طيران باجنحه.
    مهندس فلسطيني قال الجراد ما بطير. سألناهو طيب كيف عبر؟.
    كان في بالو قفزات[العتاب] في الارض. قال اول جراده لمن تشوف البحر الاحمر بتقفز وقبل ما تنزل الارض في جراده تانية تنط في ضهرها وهكذا الي ان يتم العبور. المهندس العجيب دا كان مؤمن بمعتقده الباطل …

  2. لك التحيه. حكاية الجراد دي ذكرتني بموقف طريف ايام اغترابنا في الامارات . كنا جماعه جايبين سيرة الجراد القادم من السودان كيف عبر البحر الاحمر مسافة ثلاثمائة كيلومتر ليغزو السعوديه .العبور دا بكون مؤكد طيران باجنحه.
    مهندس فلسطيني قال الجراد ما بطير. سألناهو طيب كيف عبر؟.
    كان في بالو قفزات[العتاب] في الارض. قال اول جراده لمن تشوف البحر الاحمر بتقفز وقبل ما تنزل الارض في جراده تانية تنط في ضهرها وهكذا الي ان يتم العبور. المهندس العجيب دا كان مؤمن بمعتقده الباطل …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..