كيف تنجح الثورة ..(6) أدوات تحليل الصراع اللاعنفي

مصطفى عمر
كتب سون تزو، الاستراتيجي الصيني العظيم في القرن السادس قبل الميلاد، في فن الحرب: ” .. إذا كنت تعرف أعداءك وتعرف نفسك، يمكنك الفوز في مائة معركة دون خسارة واحدة. إذا كنت تعرف نفسك فقط، ولكن ليس خصمك، يمكنك الفوز أو قد تخسر، لكن … إذا كنت لا تعرف نفسك ولا عدوك سوف تخسر و تعرض نفسك للخطر دائما. ”
يمكن للحملات اللاعنفية أن تفشل و هذا يعتبر بمثابة خسارة المعركة، كما يمكن لحركات المقاومة أن تفشل و هذا بمثابة خسارة الحرب..، الحملات والحركات اللاعنفية في كثير من الأحيان تفشل إذا لم تأخذ الوقت الكافي للإعداد و رسم الاستراتيجيات و تقييم الأداء بانتظام ، جنبا إلى جنب مع دراسة الخصوم و تقييمهم للتعرف على أربعة أشياء: نقاط القوًة، الفرص، نقاط الضعف ، و التهديدات…
لغرض طرح الأسئلة و الإجابات المتعلقة بالجوانب الأربعة أعلاه يجب أن تنتهج حركات المقاومة طريقة فعًالة لتحليل الصراع، الطريقة الأكثر فعاليًة لتحليل الصراع هي تلك التي يتبعها الرؤساء التنفيذيين للشركات منذ ستينات القرن الماضي ، و تعرف بتحليل SWOT ، يمكن استخدام طريقة “سووت” من قبل الشركات والمنظمات غير الربحية، والجيوش، والحركات اللاعنفية لتقييم التقدم المنجز وتحديد كل من الثغرات و النقاط الحرجة بغرض حلها كشرط لتحقيق النجاح…، تحليل SWOT يعتبر تقنية مفيدة لفهم نقاط القوة والضعف في الحركة وتحديد كل الفرص المتاحة أمامها و والتهديدات التي تواجهها…
أسلوب سووت يستخدم في التحليل الاستراتيجي من خلال تقييم وتحليل النقاط الأربع التي ذكرناها..، الاسم اختصار للكلمات الانجليزية: : Strengths, Weaknesses, Opportunities, and Threats والتي تعني بحسب التسلسل القوة، الضعف، الفرص والمخاطر… ، وغالبا ماتستخدمه الشركات لتحليل وضعها الحالي أو منتجاتها أو لمشاريع جديدة،و موقعها في سوق المنافسة… وقد تطور وظهر بعده عدد من الأساليب التي تخدم نفس الفكرة في التحليل والتقييم
مخطط توضيحي لتحليل الصراع باستخدام طريقة SWOT:
من المشكلات الشائعة لدى حركة المقاومة مرور الزمن دون تطورات ملموسة..، تجد الحركة في موقف لا يسر و هي راغبة إضافة تغييرات جديدة لطريقة عملها لتتمكن من تحقيق تطورات نوعيًة تزيد من فعاليتها،و أخرى تعمل بجد وفعاليًة عالية لكنًها في نهاية اليوم أو الشهر أو الربع..تتفاجأ بأنً النتائج لم تكن بمستوى الجهد المبذول، يجب على حركات المقاومة أن تكون قادرة على تحديد مساراتها و لا تعتمد على الظروف كي تفرض عليها أموراً لم تضعها في حساباتها فتكون بذلك ذاهبة نحو المجهول…حركات المقاومة بحاجة لمعرفة الآتي:
? التعرف على مفهوم S.W.O.T وأن القوة والضعف نقاط داخلية في الحركة ذاتها، والفرص والمخاطر في البيئة من حولها.
? التعرف على كيفية البحث و الإجابة على عدد من الأسئلة لتحديد نقاط القوة والضعف والفرص والمخاطر الخاصة بالحركة.
? اكتشاف أهمية هذا التحليل وأين تكمن الفائدة منه في مسار الحركة، و تطبيقه على مجالات عملها.
? تطبيق هذا التحليل على حملات تجريبيًة حتى يكون التحليل أكثر دقة و اتزاناً.
? التعرف على الخطوات الإجرائية للتعامل مع كل نقطة نحددها (قوة أو ضعف أو فرصة أو مخاطر)، وتطبيق ذلك عمليًاً.
ما يجعل طريقة SWOT قوية للغاية ومفيدة هو أنه مع بعض الجهد، يمكن أن تساعد على استكشاف الفرص أمام الحركة و وضعها بشكل جيد لاستغلالها. و، من خلال فهم نقاط الضعف في الحملة أو الحركة، يمكن إدارة المخاطر والقضاء على التهديدات التي من شأنها أن تقعد المقاومة، و كذلك التحسب دوماً و الاستعداد لما هو سيئ…، أكثر من هذا، من خلال النظر في حركتنا و منافسيها (إما أن يكون المنافسون النظام أو أي جهة تابعة له أو حتى فصيل راديكالي) باستخدام إطار SWOT، يمكن البدء في العمل الاحترافي و الإستراتيجية التي تساعد على تمييزنا من المنافسين ، بحيث يمكن جذب مشاركة أكبر وأكثر تنوعا في الحملة أو الحركة ككل … ومن المهم أن نلاحظ أن نقاط القوة والضعف في كثير من الأحيان تنبع من داخل الحركة أو أي من حملاتها..، في حين أن الفرص والتهديدات ترتبط عموما بعوامل خارجية.
تحدثنا سابقاً عن الأسئلة الخمسة 5ws لذلك دعونا نتحدث عن القوة…:ما هي المزايا التي نمتلكها ؟ ماذا نفعل أفضل من أي شخص آخر في مجتمعنا؟ ماذا يفعل الناس في مجتمعنا و كيف ينظرون إلى نقاط قوتنا ؟ ما الذي ينقص الجميع و يمكن أن نتميز به؟ حصر جميع الميزات بما في ذلك المتعلقة بالأساليب المختلفة، والتنظيم، واستراتيجيات الاتصال و كل ما يساعد على توسيع حجم ونطاق المشاركة..، ما هو نوع الحملات و طرق التعبئة و مقترحات الحركة إلى المجتمع و رؤيتها و كل ما من شأنه أن يجعل الناس يرغبون في الانضمام إليها؟
الآن لنتحدث عن نقاط الضعف. ماذا يمكن أن يحسن و يطور أداءنا ؟ ما الذي يجب تجنبه؟ ما هي الأشياء التي ينظر إليها الناس في مجتمعنا و في معسكر الخصم على أنًها ضعف ؟ ما هي العوامل التي بسببها يمكن خسارة المشاركة النشطة من جانب الناس العاديين؟ مرة أخرى..، من المهم جدا النظر في نقاط الضعف من الداخل و الخارج… هل يرى أشخاص آخرين أو يكونوا أكثر إدراكاً لنقاط الضعف التي لا نراها ؟ ..(.نعني بالخارج المنافسين ، سواء كانوا النظام أو الجهات الفاعلة غير الحكومية أو العنف الراديكالي…. من المهم أن نكون واقعيين و نمتلك المقدرة على مواجهة أي حقائق غير سارة في وقت مبكر وذلك للتعامل معها في أقرب وقت ممكن.
الفرص: ما الفرص الجيدة التي يمكننا تحديدها لحملاتنا ؟ ما هي الاتجاهات المثيرة للاهتمام و تبدو في الأفق هل نحن على علم بها؟ هنالك مثلاً فرص مفيدة تأتي من أشياء مثل التغيرات في التكنولوجيا و / أو الحصول على فرص بناء القدرات، والتغيرات في سياسات الخصم و والمواقف والسلوكيات، بما في ذلك الأدلة على الانشقاقات أو تحولات الولاء في الركائز الأساسية للدعم، والتغيرات في الأنماط الاجتماعية، أدلة القبول المتزايد للنشاط اللاعنفي، ..الخ، أو يمكن أن تكون فرصاً تخلقها الضغوطات والمتغيرات المحلية والعالمية، مثل التغيرات السياسيًة الديمقراطية في البلدان الإقليمية أو الدولية المؤثرة..اعتقال أو وفاة أو إصابة الأعضاء المؤثرين في النظام، و / أو تسرب أنباء عن أنشطة النظام الفاسد….، من المفيد عند النظر في الفرص أن ننظر إلى حملاتنا أو قوة الحركة ونسأل ما إذا كانت هذه تفتح أي فرص جديدة..أو النظر في نقاط ضعفنا و سؤال أنفسنا ما إذا كانت حملات محددة يمكن أن تفتح فرصا من خلالها يمكننا القضاء عليها…
وأخيرا، التهديدات. ما هي العقبات التي تعترض حملاتنا أو حركتنا بصفة عامة ؟ ما التغيرات التي يمكن أن تستجد و يستفيد منها منافسينا (النظام و الدول المؤيدة له و الحركات الراديكاليًة) ، ما هو مدى تأثيرها علينا و مدى تهديد موقفنا ؟ ماذا عن أشكال القمع ، ماذا نحن فاعلون بشأنها ؟ العوامل المتعلقة باستهداف القادة الرئيسيين للحركة و إخراجهم من أرض المعركة عندما تكون حياتهم في خطر كيف سيكون ؟ ما هي نقاط الضعف الحرجة و تشكل تهديدا خطيرا على استمرارها؟
من خلال تحليل نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات، سواء في بداية حملة أو بداية بناء الحركة نفسها، ثم بعد ذلك مرارا وتكرارا و بصفة مستمرة… تكتشف حركة المقاومة و تتاح لها فرصة دراسة العديد من المعلومات والأفكار التي يمكن أن تحسن الأداء الاستراتيجي و تساعد على مواجهة التحديات التي لا مفر منها و إيجاد آلية للتعامل مع القمع.
دراسة حالة (1):
تروى المخطوطات الصينية أن سون تزو ووه كان مواطناً وجندياً في مملكة تشي؛ وبسبب ذيوع خبرته في فنون الحروب والقتال طلب منه الملك هوو لوو أن يضع خلاصة خبرته وتجاربه في كتاب، فكان الكتاب “فن الحرب” من 13 فصلاً، سأله الملك قائلاً: “لقد قرأت كتابك ، فهل يمكنني وضع نظرياتك عن إدارة الجنود تحت اختبار بسيط؟” أجاب بنعم، .. فسأله الملك مرة أخرى: “وهل يمكننا إجراء الاختبار على النساء ؟” لم تتغير إجابة سون تزو..
على الفور، تم تجهيز 180 امرأة من جواري قصر الملك؛ قسّمهن سون تزو إلى مجموعتين، وعيّن على رأس كلتا المجموعتين أكثر الجواري حظوة عند الملك.. ، ثم أمرهن بأن يتسلحن بالحراب في أيديهن، ثم خاطبهن قائلاً: “أعتقد أنكن تعلمن الفرق بين المقدمة والمؤخرة، اليد اليمنى واليد اليسرى ؟” أجبنه بنعم..فمضى قائلاً: “عندما أقول: انظرن أمامكن، فيجب عليكن النظر للأمام؛ وعندما أقول “دُرّن لليسار” فيجب عليكن الدوران باتجاه أيديكن اليسرى، وعندما أقول “دُرّن لليمين” فيجب عليكن الدوران باتجاه أيديكن اليمنى، وعندما أقول “درّن للخلف” فيجب عليكن الدوران باتجاه أيديكن اليمنى إلى ورائكن”. فأجبنه بأنهن قد فهمن كلمات الأوامر التي قد شرحها لهن.
قام سون تزو بإعداد الترتيبات من أجل بدء التدريب العسكري؛ وعلى ايقاع دقات الطبول أعطى أوامره “درّن لليمين” لكن النساء انفجرن في الضحك ولم ينفذن الأمر، فخاطبهنً قائلاً: “إذا كانت الكلمات المستخدمة في إصدار الأوامر غير واضحة ومميزة، وإذا كانت الأوامر غير مفهومة فهماً شاملاً، فيقع اللوم وقتها على القائد”.
ثم أكمل تدريبهن فأعطى أوامره “درن لليسار” لكن النساء انفجرن في موجات من الضحك ولم ينفذن الأمر، فعقّب سون تزو قائلاً: “إذا كانت الأوامر واضحة ومميزة، وإذا كانت الأوامر مفهومة فهماً شاملاً ولم ينفذ الجنود الأوامر، فيقع اللوم وقتها على الجنود”….هنا أصدر سون تزو الأوامر بقطع رأس قائدتي كلتا المجموعتين أمام البقيًة…،كان الملك يراقب التدريبات من مكان قريب، فلم يسرّه قطع رؤوس جاريتيه المحببتين عنده، فأرسل إلى سون تزو قائلاً: “لقد أصبحت واثقاً من قدرتك على التعامل مع الجنود، ولن يلذ لي طعام أو شراب بدون هاتين الجاريتين، لذا فإني أرغب في توفير حياتهنً..، أرسل إليه سون تزو مجيباً: “بتكليفكم لي قيادة قواتكم العسكرية، فإن هناك بعض أوامركم التي لا يمكنني قبولها وأنا تحت هذا التكليف”…و عليه إمًا قبول استقالتي أو تنفيذ الأمر، وافقه الملك وتم تنفيذ إعدام القائدتين أمام النسوة…وعلى الفور تم تعيين من تليهن في الحظوة لدى الملك كقائدتين للمجموعتين، وتم استئناف التدريب على صوت الطبول فلم يضحك أحد، وتقدمت النسوة في التدريبات العسكرية بكل دقة وانضباط دون أن يخاطرن بإصدار أي صوت….بعدها أرسل رسالة إلى الملك قائلاً: “لقد تم التدريب والتنظيم .. وهن الآن على أتم الاستعداد لكي تستعرضهن، يمكنكم الآن استخدامهن في أي رغبة يشاؤها مليكهن، اصدر لهنً الأمر فيخضن الماء والنار”…. رد عليه: ” فليعُد قائد الجيوش وليُنهى التدريب، فلا رغبة عندي في استعراض الجنود”.
عندئذ قال سون تزو: “إن الملك مُغرم فقط بالكلمات، لا يستطيع ترجمتها إلى أفعال”.
استقر في ذهن الملك هوو لوو تمكن سون تزو من إدارة الجنود، فعينه القائد العام للجيوش، وأرسله ليحارب مملكة تشوو المجاورة فهزمها وشق طريقه إلى عاصمتها ينج، ثم إلى الشمال حيث زرع الخوف في مملكتي تشي وتشن؛ ومن نصر إلى آخر فذاع صيت سون تزو وتوسعت مملكة هوو لوو… تروى المخطوطات الصينية كيف انتصر سون تزو بجيش قوامه 30 ألف جندي على جيش مكون من 200 ألف جندي، بسبب افتقار عدوه إلى عنصري التنظيم والإدارة…
دراسة حالة(2): نهاية الشاه
تعتبر الثورة الايرانيًة – بغض النظر عمًا آلت إليه – ثورة مكتملة الأركان، دراسة حالتها ،بداياتها، التخطيط لها، تعاملها مع العنف و دمويًة الجيش و الشرطة و جهاز السافاك أمر ضروري لاستخلاص العبر منها لأنً نظام الشًاه شبيه لدرجة كبيرة بنظامنا الحالي من حيث التعطش للدماء و العمالة للخارج و الانبطاح إلى حد ما….الفيديو أدناه يوضح ذلك.
تطبيق عملي:
في ظل اللامبالاة و التبلد الذي أصابنا نتيجةً لسياسات النظام، قادة و ناشطي المقاومة يجب أن لا ننظر إليهم بالعدديًة إنًما النًوعيًة، الانضباط الثوري لدى القادة و الناشطين أهمً متطلبات نجاح المقاومة اللاعنفية في السودان ما هي الجوانب المفيدة لنا في تحقيق الانضباط و المسؤوليًة بالدرجة المطلوبة لدى قادة و ناشطي المقاومة و يمكن استخلاصها من قصة سون تزو ؟
تعظيم سلام ليك يااستاذ والله انت تفهم وضعنا جيد جدا وتفهم ماذا علينا فعله