العقوبات هل.. تؤثر أم لا تؤثر

لا تستبعد أن تفاجأ في هذه الأيام بمن يدعونا للاحتفال بدخول العقوبات الأمريكية على السودان عامها العشرين.. ولم لا؟ فالنظام ما يزال صامدا ولم يسقط.. أليس هدف العقوبات إسقاط النظام؟.. البعض يفكر هكذا بالطبع.. نظرتهم تنتهي بذلك السقف المحدود الذي سمته تأمين النظام.. وليس مهما بعد ذلك ما الذي يمكن أن يحدث.. للوطن.. للمواطن..
ها هي الإدارة الأمريكية تعلن تجديد عقوباتها الاقتصادية على السودان.. للمرة العشرين منذ أن أعلنتها. لأول مرة منذ العام 1997 وآخر مرة اعتبارا من الثالث من نوفمبر الحالي.. غير أن ثمة محطة مهمة في تاريخ هذه العقوبات.. وهو نوفمبر من العام 2006.. حين لم تكتف الولايات المتحدة بتجديد العقوبات فحسب.. بل توسيع نطاقها.. وليس هذا هو اللافت في ذلك العام.. بل الواقع أن الحكومة التي فرضت عليها العقوبات قبل نحو عشر سنوات من ذلك التاريخ كانت قد تغيرت بنسبة كبيرة جدا.. قبل نحو عامين من ذلك التاريخ كان وزير الخارجية الأمريكي كولن باول شخصيا يصل نيروبي ليلوح من هناك بقرب رفع العقوبات عن السودان.. شريطة التوقيع على اتفاقية سلام تنهي الحرب في جنوب السودان.. ورغم اندلاع العنف في دارفور قبل نحو عام من زيارة باول الشهيرة لنيروبي إلا أنه لم تكن ثمة إشارة لها في شروط رفع العقوبات.. لا في خطاب باول ولا في تصريحات المبعوث الرئاسي آنذاك جون دانفورث.. بل الأغرب.. أن تجديد وتوسيع العقوبات في عامها العاشر.. كان يعقب تهديدات روبرت زولك المبعوث الأمريكي الآخر وعراب مفاوضات أبوجا.. وكانت الحكومة آخر من يفهم ..!
الآن وعلى شرف.. أو على مشارف العام العشرين.. يحدق الهداف الأمريكي نحو يمين مرمى الحكومة.. ثم يسدد الكرة إلى الزاوية اليسرى البعيدة.. ليحدث الارتباك.. فقبل أيام محدودة فوجئت كافة الأطراف ذات الصِّلة وعلى رأسها الحكومة بتصريحات الخارجية الأمريكية التي تطالب حكومة جنوب السودان بضرورة إيقاف الدعم الذي تقدمه للحركات المسلحة التي تناهض حكومة الخرطوم.. وحين ارتفعت عقيرة البعض بالغناء هنا.. أن واشنطن رضيت عن السودان فراحت تضغط على جنوبه.. رأينا أنه لا بد من التدخل.. ولابد من الشرح.. حتى يدرك الناس الحقيقة.. فقلنا في هذه المساحة وقبل أيام معدودة.. إن الإدارة الأمريكية إنما تحمي حكومة الجنوب من نفسها.. وإنها تعلم قبل غيرها أن استمرار جوبا في دعم متمردي الخرطوم.. إنما يعني في المقابل استمرار الأخيرة في دعم زعيم المعارضة.. الأخطر والأقوى تأثيرا على جوبا من تأثير كل الحركات المتمردة على الخرطوم.. وخلصنا إلى أن التحذير الأمريكي لجوبا لا شأن للخرطوم به ..!
وها هي واشنطن نفسها تعود سريعا لتؤكد ما قلناه.. فتقرر تمديد عقوباتها لا على الحكومة في واقع الأمر.. بل على الشعب السوداني بأسره.. فماذا هي فاعلة الحكومة يا ترى؟.. صحيح أننا سنسمع أحاديث حكومية من شاكلة أن العقوبات لا تخيفنا.. ولكن الصحيح أيضا أن ذات هذه الأصوات الحكومية هي التي تشحذ حناجرها الآن للدفاع عن رفع الدعم في الميزانية الجديدة.. وخط دفاعها الأساسي هو العقوبات الاقتصادية المفروضة على السودان.. وهذا الموقف يفرض سؤالا جوهريا.. على الحكومة أن تجيب عنه.. ثم تبني سياساتها على الإجابة حتى يكون الناس على بينة من امرهم.. وهو: هل تؤثر العقوبات الأمريكية أم لا تؤثر..؟
اليوم التالي
كتابتك مسيخة زيك
ماخد مقلب في نفسك جد يا ما لطيف
كتابتك مسيخة زيك
ماخد مقلب في نفسك جد يا ما لطيف