مقالات وآراء سياسية

المدافع لا تقتل الأوطان إنما يقتلها نضوب الأفكار

د. الهادي عبدالله أبوضفآئر
الدموع دليل حزن وأسي لكنها لم تعد قادرة لعلاج جراحاً غائرة في قلب وطن يُصبح  ويُمسى الحزن فيه خبراً للأطفال ، لكن الاكثر حزنا يوم ان تعامى النخب عن ابصار الحقيقة ، فكان سبباً للمآسي والاحزان ، بخلافٍ بسيط ، نتيجة أمور تافهة وجدت طريقها إلى قلوب ممتلئة حقداً وحسداً ، ونفوساً ملتهبة غلاً وضغينة ، أعماهم الانتماء الأيديولوجي ، يمييزون الناس على اساس اللون ، العرق ، الجنس ، الدين ، والجهة . لا بأس بوجود طوائف متباينة لكن على أساس المواطنة. فأيّ مصيبة يحصل للوطن نتقاسم مرارته جميعاً . العدل مذاقه مر لا ينادي به الا من ظُلم أو من له قلب سليم.
عقارب الساعة لن تدور للوراء ، الندم لا يجدي نفعاً ولن يعيد لنا ما فقدناه . ثلة لا يزالون في الحرب سكارى ، حيث لا تبقى ولا تذر ، دموع ودماء أحزان ومآسي ، خراب ، هجرة الديار والاهل ، نزوح ، ودمار . فقدنا أحباباً يعز علينا فراقهم ، لكن في آخر النفق ضوء أن تلاقحت الافكار يمكن أن ننجز ان كان لنا عقل واعي وقلب سليم ، عن طريق جسر الصبر والتسامح ، والعظة والعبرة من تجارب التاريخ ودول سبقتنا إلى هول الحروب . العدالة الانتقالية كنموذج ناجع لترسيخ مبدأ السلام ، وتجربة اذهبوا فأنتم الطلقاء في التسامي ، ضبطاً للنفس من الرغبة في الانتقام ، والإبتعاد عن الكراهية ، والحقد انعكاساً للشجاعة وتغليباً على الهوى رحمة بالمسيء تقديراً لجانب الضعف البشري ، وتوثيقاً للروابط الاجتماعية التي تعرضت للوهن والانفصام. فوهة البندقية لا تأتي بالديموقراطية بل توفر فرص جديدة للاستبداد ، لا خير فيها إلا بنهايتها ولا تنتهي في ميادين القتال إلا اذا انتهت في الأفكار.
معركة النباء والتعمير تحتاج النظرة إلى المصالح الآنية ، وتأجيل الملفات المعقدة ، وترتيب الأولويات ، وتقديم حلول ساسية توقف الحرب وتسكت البندقية وتقود بأتجاه الحريات العامة تعزيزاً لمبدأ الشراكة الموسعة نحو الاستقلالية والسيادة . بالمثال يتضح المقال ، اسرائيل دخلت مع العرب في حروب مدمرة ، وقفت معظم دول إفريقيا والهند والصين مع القضية العربية مع وقف الحرب . اسرائيل لم تنظر للذاكرة التاريخية ، وقعت إتفاقيات معهم ، بحساب المصلحة الآنية والاستفادة من الكتلة البشرية. ضُربت اليابان بالقنبلة الذرية ، لم تكن ذاكرتها سمكية ، لكنها نظرت للمسألة بعقلانيه ،  تحولت من بقعة سويت بالتراب ، نساء ثكلى واطفال جياع حفاة عراه وشيوخ مهزومين نفسياً وجيش منهار وبقايا معاقين ، تركت خلفها المآسي والآلام ، لم تفكر بعقلية الانتقام تحملت المسؤولية ، من دولة سويت بالارض مسحاً إلا جبال من حطام ، مسحت دموعها وضمدت جراحها ونفضت شعثها ونهضت من ركام رمادها ، متحدياً الحصار . سألت نفسها ، اسئلة ثلاثة غيرت حياتها من ضعف إلى قوة يتمنى الكل أن ينالها :
اولاً : ما هو الشيء السيء في اخلاقنا ، جعل الناس يكرهوننا لدرجة الضرب بقنبلة ذرية. ثانياً : اين جامعاتنا وعلماءنا  وطلابنا ، عندما صنع الناس القنبلة الذرية اين كانوا هم من التقدم في مثل هذه الصناعات.
ثالثاً : لماذا لم تكتشف مناهجنا الدراسية الخلل الموجود في اخلاقنا وفي تعليمنا . أزاحت الركام من ترابها ، جمعت الاشلاء في متحف ليكون عبرة وعظة للاجيال حتى لا  ينهجوا نهج الاباء وإلا مزيداً من الدماء.
علينا أن نطرح ذات الاسئلة ، لماذا الحرب والدمار الظلم والظلمات ، لابد ان ننظر الي الخلل بعقلانية وننقب عميقاً في الأفكار بدل التنقيب في الصحراء بحثاً عن المعادن .
التغيير لم يأتي الا بانفصال فكري بين الاجيال (الاباء والابناء) . الرسالات السماوية والتطورات التاريخية كلها بمثابة انفصال فكري . لكن لكل قديم حراس ، يقاومون ، (بل قَالُوٓاْ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰٓ أُمَّةٍۢ وَإِنَّا عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِم مُّهْتَدُون) حالنا الان يعد بمثابة انفصال فكري بين القديم والجديد ، لابد من طي صفحة الماضي وتحويل الشعارات إلى افعال بدل التغني بالاماني والاحلام.
وطن يسع الجميع شعار ، يعزز في قلوبنا حباً لبقعة عشقنا ترابها ، منذ نعومة اظفارنا ، مهما جار الزمان ، تحُدنا امل الرجوع إليها والعيش على ضفاف انهارها وتحت ظلال اشجارها قد نختلف مع النظام لكن تظل الوطن خالداً في الوجدان ، فشل العقل الجمعي، اليمين واليسار والإسلامي والعلماني ، الشيوعي والبعثي ، الختمية والانصار في انشاء وطن يسعنا جميعاً. منا من  ينادي بالشريعة وفق فهمه ، ومنا من يمني نفسه بدستور علماني وفق منظوره  في الحالتين وطن لا يسعنا جميعاً، القاسم المشترك ما أسميته بالدولة القيمية ، حيث لا تعارض بين الوهية النص وواقعية محتواه وانتمائه الى افق الفهم البشري ، الذي يربط قيم الارض بالسماء والاسباب بالمسببات ، لإعادة التوازن بين الوجود والغيب ، والعقل والعاطفة ، والذات والمجتمع ، والأنا والآخر ، وغيرها من الثنائيات التي مهما أنكرناها ، ماثلة في طبيعة الوجود . تقوم على ثلاثة ركائز أساسية اولها : القيم الانسانية ثانيها : كرامة الإنسان ثالثها : حقوق الإنسان، اذا ما توفرت تلك العناصر ، تُصبح دولة مدنية تسع الجميع، دستورها تساوى بين المسلمين وغيرهم من اليهود والنصاري امام العدالة بلا محسوبية ولا تمييز. دولة المساواة السياسية في توزيع  المناصب والعدالة الاقتصادية التي تنظم الثروة وتوزيعها بطريقة عادلة للنساء والرجال نفس الفرص في الحقوق والواجبات في كآفة المجالات . تمكين الكل من الوصول إلى الخدمات العامة، التعليم ، والرعاية الصحية ، ونظام العدالة . تفعيل القوانين لمكافحة الظلم ، ومعالجة الاسباب الاجتماعية والاقتصادية التي تؤدي لعدم المساواة بأنشاء نظم للعدالة تراقب حالات التمييز  وتعمل على إنصاف الضحايا.
المواطنة امر يتعلق بجميع المواطنين وسريانها في الواقع ومجريات الامور . هي الانتماء للوطن على اساس الرابطة الوطنية واستحقاقاتها ومقتضياتها وليس على اساس الدين او العرق او الجنس او غير ذلك. وهي لصيقة بالمدنية والابن الشرعي للحرية ورديفة للديمقراطية ، قرينة للعدالة والكرامة الانسانية . تعزز الاطار التعاقدي الرضائي بإرادة حرة لا وصاية فيها ولا اكراه ولا استبداد . قادرة على صهر العوامل المتنافرة لصالح وحدة مكوناتها عبر متلازمة الحقوق والواجبات . نبذ الفكر المغلق الذي يستند لذرائع وهمية ، أو دينية أو فئوية لتفكيك النسيج الاجتماعي . الانتظام ضمن دولة تحرير العقل من وهم الاستكانة والاستسلام ، تدين لها بالولاء وتحترم دستورها وقانونها ، وتقدم تصور معرفي جديد لمحاربة التنميط في سياقه القديم وتشكلاته التاريخية والثقافية والاجتماعية ، وتأطر للمشاركة في الحوار كأفضل طيب لعلاج الافكار ، وإلا سوف تحاصرنا الأفكار المريضة في زنزانة المآسي حيث الحُكام لُصوص ، يكسبون الرزق بلا عرق وينامون بلا قلق ، ويعيشون بلا ارق ، فالطبيب ليس من يصف الدواء بل من يضع يده على موطن الداء .

‫5 تعليقات

  1. كفيت ووفيت ——بناء دوله المواطنة بلا تمييز عبر امتداد الحريه والعداله الاجتماعيه وتخليق الاندماج الاجتماعى ووضع المقدس فى موضعه الطبيعى ووسلطه الضمير , وكذلك التخلص من المكونات الولوليه السابقه لبناء الدولة المتموضعة حول التميز عبر اللون والعرق والجنس والدين والنوع والقبيله وكذلك تخليق تنميه متوازنه ونمو اقنصاد الريف ومحاربه صناعة الفقر والافتقار فى الهامش وهامش المدن —————ومن ثم تخليق السلطه المدنيه ::::::::::::::::::::::::::هذا عمليا يحتاج تفكيك بنيه السودان القديم وتفكيك المركز الصفوى النخبوى النيلى عبر ادوات المحاسبه التاريخيه ومن ثم تخليق حاله التسامح المجتمعى وقبول الاخر المختلف ورد الحقوق والمظالم التاريخيه ابتداءا من قانون الاراضى واحتكاريه السلطه والثروة عبر البنيه العشائريه وبنيه الامتيازات التاريخيه ::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::::مقالك سمح بالحيل ::::::::::::::ولكن صنعت السودان الغردونيه والاحتكاريه النيليه قد لا تتقبل كلامك لان ازمة السودانيين تكمن فى الذاتيه والنرجسيه واللاموضوعيه واللاعقلانيه والاجتهاد فى اثبات الذ1ات الانا المريضه عبر امتياز الوظيفه وامنتياز الدرجه العلميه الوهميه وامتياز القبيله وامتياز الاصاله( النظر للاخر المختلف كانه اجنى نتيجه لجهله الثقافى بالاخر المختلف) ———–امراض القلوب وسط السودانيين عائق جوهرى فى التقدم والنماء _____________________________________________________________________________________________________________________________مقالك رائع الطرح فى بلد عنصريه غردونيه احتكاريه للامتياز بواسطه نيلين وغردونيين يتموضوعون حول السلطه والثروة والاعتبار عبر ذهنيه الخدمه —————وديل بيستغلو الهامش وهامش المدن ويقعو فى احضان الامبرياليه والدراهم الخليجيه كعملاء عبر ازدواجيه الجنسيه ———-وديل نفسهم الذين استغلو الامير حميدتى الهامش الصاعد لتمرده وتدمير الخرطوم وقتل ابناء الجنيينه وغرب السودان لانهم يضمرون مشروع مثلث حمدى العنصرى ———————-ديل هم شر السودان ويتمظهرون فى اثواب كيزان وشيوعيين وقوميين وقحاته ————-والضائع بينهم الهاش وهامش المدن بين جدلية النيلين واللا نيليين ———————

  2. حاول القرايه.. إدخال هذا النهج في منهجنا.. حاربوه العسكر والفلول وقالو مرتد.. وعندما بدأت المدنية تتقدم انقض عليها البرهان.. اتمنى ان يفهم عسكرنا ان العيب فيهم هم.. وان دورهم هو حماية الشعب الحدود الدستور وليس لهم قدرة على الحكم والسياسة..
    اتمنى ان يفهم عساكرنا ان الازمة الحقيقية فيهم هم وانهم هم من اوصل البلد لهذاء المنزلق..

  3. النضافه غيروها .. زول يستغل اميركم عشان يدمر حصاد عمره كان انتو ما عميا ؟

  4. مقال متماسك ..ومؤشر علي ان لدينا من يفكر وفق رؤيا واحلام الغبش والمقهورين بعيدا عن خطاب الاعتداد بالتاريخ والانا الزائفه والعقل العنصري ..يجب فصل فكر الاباء عن الابناء كشي حتمي وفق تطور المعطيات ..لا يعقل ان تطالب بفكر البنا في الالفيه الثالثة ..كما ان ضعف عناصر قحت وانتهازيه بعض النخب النيليه انتج هذا الواقع الاليم ..صدقوني لن يزيل الم اي سوداني فقد عزيز او دار او انتهكت اعراضهم وعود الساسه وبهرجيه خطبهم ..العسكر اس المصائب بالسودان ..يااهل المؤتمر الوثني جزء من افكاركم الخلايا النائمة كونوا كذلك لعقد واحد وسوف تشاهدوا مافشلتم فيه سلام حب واخوة… دعوا السودان دون تمييز

  5. https://www.alrakoba.net/31839031/المدافع-لا-تقتل-الأوطان-إنما-يقتلها-نض/

    يادكتور ،
    الغباء هو الذى يقتل الأوطان ،
    الغباء هو الذى قتل السودان !
    الشعب السودانى أغبى شعب !
    وغباؤه ظاهر فى جميع المجالات .
    وقياداته أغبى قيادات ،
    ولا يحتاج إثبات ذلك إلى دليل ،
    لدينا أغبي مدنيين ، وأغبى عسكريين ،
    وأغبى أحزاب ، وأغبى مثقفين ،
    وأغبى جهلاء ، وأغبى رعاع ،
    ولكن لا أحد يعترف بذلك ،
    أو يعرف أن الغباء هو الذى قتل السودان ،
    وأن شيئاً لن يتغير مع إستمرار هذا الغباء .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..