المسرح الهولندي يفوز بجائزة سودانية

إبراهيم حمودة ? اذاعة هولندا العالمية /
فازت جماعة " بيبس لاب" المسرحية الهولندية بجائزة مهرجان البقعة المسرحي، احد أهم المهرجانات المسرحية في السودان والتي تجري فعالياتها في المسرح القومي بمدينة ام درمان. يرعى مبادرة المهرجان ويشرف عليها الممثل المسرحي على مهدي لاجل تنشيط وتحفيز الحركة المسرحية في السودان.
بيبس لاب جماعة تستخدم الوسائط المتعددة في عروضها المسرحية المعتمدة على الدلالات البصرية المكثفة والإيقاع السريع مقارنة حتى بطرائق العرض والإخراج الهولندية. المسرحية الفائزة بالجائزة اسمها " مؤامرة مسحوق الغسيل" وتدور حول حرب العراق والتدخل الغربي لفرض الديمقراطية في هذا البلد.
المسرح والسياسة
يلخص تايس دو فيت عضو الفرقة المسرحية ومنسقها في حوار له مع القسم العربي لإذاعتنا، بأن الجملة الإخراجية لهذه المسرحية تتلخص في أن الخير والشر ليسا مطلقين ويتداخلان بعضهما البعض. فالغرب أراد نقل الديمقراطية كمبدأ للمشاركة السياسية والمساواة الى المجتمع العراقي وذلك بكل النوايا الطيبة والحسنة ، وبكل اللين والنعومة، ولكن بازدياد مقاومة المجتمع للفكرة تزداد خشونة الغرب في فرض هذه الديمقراطية بقوة السلاح إذا لزم ، الأمر الذي يتعارض مع قصدية التدخل في الأساس.
قلت لتايس الا يبدو الأمر سياسيا؟ فأجابني بأن جماعة بيبس لاب لا تترفع عن ملامسة ما هو سياسي ولكنها لا تنشغل بهذا السياسي للنهاية. يقول تايس إن ما يميز عروضهم هو تعدد مستويات تفسيرها. يمكنك تفسيرها من ناحية موسيقية محضة ، أو الانسياق مع مجموعة الاشارات والرموز البصرية بكل إيحاءاتها. مثل تلك اللقطات المتحركة التي يتم التقاطها أثناء العرض لتتم معالجتها على الخشبة واعادة عرضها مرة أخرى للجمهور. ترى الشئ يحدث ثم تراه مرة أخرى معروضا ولكن بشكل وبترتيب مختلف.
مثل هذه الطريقة في العرض تعتبر مفارقة حتى في هولندا التي تشهد تنوعا كبيرا في فضاءها المسرحي وفي محاولات التجريب يقول تايس ما معناه أن جماعة بيبس لاب تعتبر من المغردين خارج السرب إذا تعلق الأمر بمسرح الوسائط المتعددة.
اختيار
هل كان اختيار السودان صدفة؟ يقول تايس دو فيت أنهم كانوا بصدد المشاركة في مهرجان أخر في افريقيا وذلك لأجل إثراء تجربة الفرقة من ناحية المشاهدة والمشاركة في مجال المسرح. لم يكن السودان في بالهم ولكن تشاء الظروف أن يتم التواصل بين الفرقة وبين منظمة (سفارة المسرح) وهي منظمة هولندية عاملة في مجال المسرح تمتد أنشطتها لتشمل جميع انحاء العالم تقريبا. عن طريق سفارة المسرح والممثل السوداني محمد تروس تم الاتفاق على المشاركة في مهرجان البقعة المسرحي. صادف اختيار السودان هوى الجماعة المسرحية واعتبروه بلدا أفريقيا مهما يحدث فيه الكثير على الصعيدين الداخلي والخارجي. هناك انفصال سيحدث ، أو حدث بمعني من المعاني. هناك فروقات وتعددية ثقافية كبيرة وهناك نزاع على مياه النيل بين مصر والسودان وأثيوبيا وبقية دول حوض النيل.
مفارقة
عن المشاركة نفسها وعن المهرجان يقول تايس بأن التجربة كانت غنية ومهمة بالنسبة لهم. الالتقاء بجماعات مسرحية أخرى وبطرائق تمثيل وأداء مسرحي أخرى ربما تكون هولندا قد تجاوزتها منذ زمان بعيد. يحكي تايس دو فيت عن مشهد بإحدى المسرحيات المشاركة من قطر وكيف أن ممثلا بدينا استلقى فجأة على الأرض وتدحرج عليها لينخرط الجمهور في ضحك صاخب وتصفيق حار. لم يكن تايس يدري سبب الضحك والتصفيق فسأل احدهم عن سبب التصفيق والضحك فأجابه بأن المفارقة تكمن في المفاجأة . أن تتدحرج مثل هذه الشخصية على أرضية المسرح. تشير هذه الحادثة بوضوح لكيفية الاستجابة للشفرات والإشارات المسرحية طبقا للخلفية الثقافية ولذاكرة المشاهدة وللحساسية الجمالية بشكل عام لدى مشاهد أوربي ومشاهد من ثقافة أخرى.
فروقات ثقافية
هل راعت جماعة بيبس لاب هذه الفروقات الثقافية حين اختيارها للعرض المسرحي الذي شاركت به في مهرجان البقعة المسرحي في السودان؟ يجيب تايس بنعم ولا في ذات الوقت، كان من الممكن المشاركة بعرض آخر يعالج فكرة المثلية الجنسية، ولكن تم استبعاد الفكرة نظرا لهذه الفروقات المتخيلة في ذائقة المشاهد في واقع في قلب أفريقيا. رأت الفرقة حينها اختيار موضوع حرب العراق وعرض مؤامرة مسحوق الغسيل التي تعالج هذا الموضوع. لم يتم تعديل أي شئ في المسرحية ليتناسب مع الذائقة السودانية. يقول تايس ضاحكا :
"الشئ الوحيد الذي غيرته كان في مشهد اظهر فيه بلباسي الداخلي. في هولندا اظهر بلباس داخلي قصير نسبيا، أما في العرض في السودان فقد حرصت أن اجعل اللباس أطول ببضع سنتمرات".
أما عن جمهور المسرح السوداني فيقول تايس بأنه جمهور متحمس ومتفاعل. يصفق متى أحس برغبة في ذلك ولا ينتظر نهاية الفاصل مثلنا هنا في هولندا. ترى البعض يجيب على هاتفه أو يخرج لقضاء غرض ما أثناء العرض. سألته إن كان مثل هذا السلوك يزعجه أثناء وقوفه على الخشبة ؟ أجابني بالنفي مضيفا بأنه كان ينزعج أكثر حين يحضر عرضا لفرقة أخرى كمشاهد عادى من مثل هذا السلوك.