قادة الأحزاب.. الاعتقال وفق مقتضيات السياسة

تقرير: بكري خليفة

قبيل اطلاق سراحه أمس كان كثيرون يتحدثون عن مغزى ومعنى هذا الاعتقال الذي تطاول لابراهيم الشيخ رئيس حزب المؤتمر السوداني وكذلك لبعض منسوبي حزبه ويبدو أن لا منطق يحكم الاشياء وطبيعتها ، فالاعتقال في كثير من الاحيان تلجأ اليه السلطة السياسية لتعطيل حركة حزب معارض واحيانا تكون في سياق عملية سياسية معقدة ، واحيانا تكون كمكيدة سياسية وفي كل الاحوال ، يعتبر اعتقالا سياسيا بابعاد سياسية
ومنذ أن وصلت حكومة المؤتمر الوطني إلى سُدة الحُكم في العام 1989م وسيناريو الاعتقال والإفراج عن قادة الأحزاب السياسية والخارجين من عبائتها ديدنها في التعامل مع معظمهم، والتاريخ يذكرنا ببداية الإنقاذ الأولى التي شهدت أولى الاعتقالات وإن كانت للتمويه: (اذهب إلى القصر رئيساً.. وسأذهب إلى السجن حبيساً)، لم تتوقف الاعتقالات للقادة السياسيين منذ ذلك التاريخ، عقب كل أزمة تتصدر المشهد السوداني، فيما يتبارى قادة وصقور الحزب الحاكم في توجيه الاتهامات التي يرتقي بعضها إلى تقويض النظام التي تصل عقوبتها إلى الإعدام إلى بعض هؤلاء القادة السياسيين الذين يتم اعتقالهم.
التهمة نفسها طالت نائبة رئيس حزب الأمة القومي د. مريم الصادق المهدي، ورئيس حزب المؤتمر السوداني د. إبراهيم الشيخ فهم متهمون بمخالفة المادة (50) من القانون الجنائي التي تعاقب من يقوم بفعل بغرض تقويض النظام الجمهوري بالإعدام، في حين تقول مصادر قانونية مطلعة إن الحكومة باعتقالاتها تلك يجعلها تتورط أكثر فأكثر لأنها لا تستطيع تقديمه للمحاكمة التي ما إن يقدم إليها تكشف عدم قانونية اعتقاله وبالتالي لا تجد الحكومة نفسها ودرءا للحرج بالافراج عنه أو انتظار عفو رئاسي أو الجلوس مع الحزب للملمة الموضوع والخروج باقل الخسائر التي تخصم من رصيد الحكومة المثقل بملفات بعضها يتصدره مجلس حقوق الإنسان والأمم المتحدة.
كثيرا ما يتساءل البعض عن الضمانات التي يمكن أن تقدمها السلطات في عدم ملاحقة قادة التنظيمات السياسية فإطلاق سراحهم ليس هو الحدث الأهم إنما العودة للاعتقال مرة أخرى هو الذي يتخوف منه بارجاع البلاد للمربع الأول اعتقال بذرائع مختلفة، بالرغم مما تشهده البلاد هذه الأيام من الترويج لمناخ إطلاق الحريات يريد القائمون عليه تهيئة الوضع السياسي لما يُسمى بالحوار الوطني الشامل الذي لا يستثني الحركات المسلحة وفي مقدمتها الجبهة الثورية التي تقود حربا لإسقاط النظام بالقوة.
الدعوة وإن اشترط بعض قيادات المؤتمر الوطني تخلي الحركات المسلحة عن حمل السلاح لم يُسمي بعضهم ذلك إنما قدموا الدعوة للحركات بالانخراط في مسيرة الحوار الوطني تمثل إرادة الشعب وإن احتفظوا بالسلاح.
إعلان باريس الذي احتضنت ولادته العاصمة الفرنسية بين رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي والجبهة الثورية والذي القى بحجر في بركة المياه السياسية الساكنة في الفترة الماضية كان له أثر كبير على الواقع السياسي في السودان، وكان بمثابة بالونة لقياس ردة فعل الحكومة من قبل حزب الأمة القومي، الجبهة الثورية على السواء، فالحكومة التي ظلت تدعو للحوار الوطني الشامل مع المعارضة بشقيها السلمي والعسكري سرعان ما كشف اعتقال د. مريم الصادق غير ذلك بعد عودتها مباشرة عبر مطار الخرطوم، واقتيادها إلى السجن الذي مكثت به قرابة الشهر، في حين ظل والدها يجوب دول العالم، مبشراً بإعلان باريس وإنه المخرج الوحيد لإنقاذ السودان، دون التطرق لاعتقال ابنته، فهو يعلم أن اعتقالها لن يطول.
في حين يرجع بعض المحللين السياسيين عدم عودة الإمام الصادق المهدي للبلاد ليس خوفا من الاعتقال حال عودته، فهو الذي فضل القاهرة لتكون مقرا له في خلال الأيام القادمة من مواجهة مع النظام، إنما قصد أن يثبت بعد اعتقال السلطات لابنته أن الحكومة غير جادة في عملية ما يُسمى بالحوار الوطني، وظلت تنقلب عليه كلما صعب عليها الأمر فكان تحركه الإقليمي بين الإمارات وإثيوبيا وقطر ومصر وبعض الدول الأوربية المؤثرة في الشأن السوداني، لمزيد من الضغط على الحكومة للقبول بإعلان باريس وارتضائه خارطة للخروج بالأزمة السودانية إلى بر الأمان.
أما قادة الجبهة الثورية الذين حكم على بعضهم غيابيا في محاكمات وصفت بالصورية حوكموا بالإعدام، فحكم الإعدام وإن كان غيابيا والذي طال رئيس الحركة مالك عقار، والأمين العام للحركة ياسر عرمان، تجعل من اعتقالهم امرا حتميا حال عودتهم أن لم تكن هنالك ضمانات قاطعة بعدم الاعتقال وأن كان أمر الحوار الوطني قد يأتي بضمانات لم يتم طرحها بعد مناورة الحركات المسلحة والجبهة الثورية وأحزاب المعارضة .
وقال نبيل أديب المحامي لـ(التيار) إن اعتقال ابرز قادة الأحزاب السياسية وفي مقدمتهم إبراهيم الشيخ أن اعتقالهم له تأثيره على ملف حقوق الإنسان للسودان. ويجب على الحكومة ألا تتذرع بأنه ليس معتقلا من قبل سلطاتها وإنما متهما بجريمة تستدعي قانون حجزه، فمثل هذه الأقوال غير مجدية، وإبراهيم الشيخ المتهم بمخالفة المادة (50) من القانون الجنائي التي تعاقب من يقوم بفعل بغرض تقويض النظام الجمهوري. وكون أن انتقاد الأستاذ إبراهيم لممارسات نسبها لأحد أجهزة الدولة يشكل الفعل المعاقب عليه بموجب هذه المادة، يحتمل أحد أمرين لا ثالث لهما: الأول هو أن تفسير النيابة العمومية للمادة، هو تفسير غير صحيح، أو أن يكون ذلك التفسير صحيحاً. في الحالتين فإن احتجاز الأستاذ إبراهيم هو احتجاز خاطئ بالنسبة للمجتمع الدولي والحكومة مسؤولة عنه. إذا كان تفسير النيابة غير صحيح، فبالنسبة للجهات الدولية والإقليمية المعنية بحقوق الإنسان، الحكومة مسؤولة عن خطأ تفسير أجهزتها العدلية للقانون، إذا كان ذلك التفسير يخل بحقوق الإنسان كما هي مقررة لدى المجتمع الدولي. أما إذا كان تفسير الأجهزة العدلية صحيحاً للمادة، فإن المادة تكون مخالفة لإلتزامات السودان الدولية تجاه حريات مواطنيها في التعبير، والحكومة مسؤولة عن ذلك لأن تلك المادة لم تنمو على الأشجار، ولم تسقط مع الأمطار، بل شرعتها الحكومة ومازالت تتمسك بها، رغم مخالفته الواضحة لإلتزاماتها الدولية .
المحلل السياسي الأستاذ أحمد دقش قال لي إن الضمانات بعدم عودة اعتقال قادة وكوادر الأحزاب السياسية لا يتأتى إلا بالوصول إلى توافق سياسي وإصلاح دستوري وقانوني يتفق عليه الجميع المعارضة والحكومة، ويدخل فى ذلك الاتفاق على الثوابت الوطنية والتي لا يجب تجاوزها وأن لا تعلو المصلحة الحزبية على مصلحة الوطن، وبالتالي يمكن للأحزاب أن تجد مناخا لممارسة انشطتها الحزبية في مساحات متفق عليها وذلك يجعل من النشاط الحزبي ينتقل من مرحلة العداء إلى نقاش أكثر هدوءا حول الخلافات الفكرية بين الأحزاب المختلفة والحكومة ويجعل من إمكانية الوصول إلى مناطق وسطى ممكنة وبالتالي ينعكس ذلك على الوضع السياسي والاقتصادي للدولة، أما أن لم يتحقق ذلك تظل مرحلة الاعتقالات من قبل الحكومة متواصلة وكيل الاتهامات من المعارضة (البدنية ولفظية) مستمر.
ويضيف (دقش) أن الحكومة تظل متخوفة من تقارب الأحزاب السياسية والحركات المسلحة حتى لو كان ظاهره لا يؤكد على ذلك فهي تعمل على محاصرة الحركات المسلحة في اضيق نطاق وتعمل على تخويف الأحزاب السياسية من التواصل معها وكل من يتصل بها أو يوقع معها يكون مصيره الاعتقال ويضيف أن أحزاب المعارضة هي الأخرى تعاني من مشاكل كثيرة وضعف في تركيبتها وهيكلتها وعدم وضوح خطتها السياسية تجاه التعامل مع الحكومة لذلك تلجأ للتقوي بالحركات المسلحة لتحقيق عدد من المكاسب، اهمها التكتيك السياسي الذي يحقق مكاسب للطرفين، كما يجعل من الحركات المسلحة تثبت للمجتمع الدولي أن لها رأي سياسي وأن حملت السلاح .
(التيار) اتصلت ببعض قيادات المؤتمر الوطني وفي مقدمتهم قبيس أحمد المصطفى وياسر يوسف الذين ردوا واعتذروا بلطف أنهم في اجتماع، وأن نعاود الاتصال منهم مساءً ولم نتمكن من ذلك بفعل ضيق الوقت وذهاب الصحيفة للمطبعة.

التيار
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ((المحلل السياسي الأستاذ أحمد دقش قال لي إن الضمانات بعدم عودة اعتقال قادة وكوادر الأحزاب السياسية لا يتأتى إلا بالوصول إلى توافق سياسي وإصلاح دستوري وقانوني يتفق عليه الجميع المعارضة والحكومة،))
    قول لزولك دا توافق شنو؟ هو الصادق المهدي كان شال بندقية ضدهم لما سجنو وهو جاري يلملم ليهم المعارضين ؟ الشغله كلها بيد جهاز الامن وديل قادتهم نافع وعلى عثمان وبكري فبدل تضيع الوقت في الكلام الغوا قانون الامن البمنحهم حق الاعتقال بدون رقابة او مساءلة من احد حتى لو كان عمر بشكير.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..