قصة مريم السودانية والجدل حول الردة

د. أحمد القديدي

سألني صديق من الخلص:” ما سر عنايتك بقصة مريم السودانية حينما كانت المسكينة تنتظر تنفيذ حكم الإعدام في سجنها بأم درمان بعد إقرار محكمة سودانية بقتلها إقامة لحد الردة؟ خاصة والشرق يحترق أمام عيوننا في كل قطر من أقطاره” وأضاف صاحبي: “لا أفهم سر اهتمامك بمصير امرأة في عالم عربي إسلامي يعد مليارا ونصف من البشر ونحن لا ندري مصيره ولا نفقه أسباب بلواه؟” فقلت له إنني إنسان ولي قلب ينبض وضمير يحيا وعقل يفكر كسائر البشر وإنني سبق أن رأيت بالصدفة صورة لهذه المرأة في إحدى الصحف الفرنسية وهي تبتسم محتضنة طفلها (أو طفلتها) وزوجها بجانبها منشرح الأسارير مغتبط بأسرته الصغيرة وقرأت في هذه العيون الستة ألق الأمل والرجاء وحب الحياة مما لا يمكن أن يخطئه المشاهد للصورة فتأثرت بالمشهد العائلي الإنساني لهذه المرأة الشابة وبصراحة رأيت فيها ابنتي الاثنتين وفي طفلها رأيت أحفادي الأربعة فشعرت بوخز الضمير يدعوني لقول ما أعتقد أنه الحق انطلاقا من مأساة امرأة مؤمنة كتابية وليست ملحدة (مهما كان دينها أهو الإسلام أم المسيحية) مأساة تحولت لدي وفي تقديري إلى مأساة القضاء السوداني (ولي معه حكاية في الثمانينيات حين تم تنفيذ حكم الإعدام في المفكر السوداني محمود محمد طه بإذن من الطاغية العسكري جعفر النميري وكانت التهمة هي..(الهرطقة!) فشنقوا الرجل وعلقوه في حبل بتهمة لم نفهم في عصرنا الراهن معناها ولا أركانها ولا أسبابها! هكذا ورب الكعبة (الهرطقة!) فنددت في الإبان من موقعي كناطق باسم الحزب الدستوري الحاكم آنذاك بهذه الجريمة النكراء وكنت سببا مباشرا في تدهور العلاقات مؤقتا بين بلادي وبين الشقيقة السودان لأن الأعراف الدبلوماسية تقتضي التحفظ واحترام مبدأ عدم التدخل فيما يسمى الشؤون الداخلية للبلدان الأخرى ولكن ضمير المثقف أيا كان موقعه في السلطة لا يمكن أن يظل ساكتا عن الحق ويصبح شيطانا أخرس. وللتاريخ فإن رئيس الحكومة آنذاك محمد مزالي ووزير الخارجية آنذاك الباجي قايد السبسي استحسنا موقفي ولم يلوماني على مبادرتي فقد كانت الدبلوماسية التونسية تحتفظ ببعض ماء الوجه الأخلاقي ثم إن السودان في تلك العشرية كان أنموذجا ساطعا للتخبط بين الملل والنحل وسوء استغلال الشريعة للقضاء على الخصوم وكان للسودان وضع خاص به بسبب طبيعة الانشطار السوداني إلى شمال مسلم في الغالب وجنوب مسيحي في الغالب ندرك جميعا إلى يوم الناس هذا مدى الصراع الدائر بين الشطرين والمزايدات التي يمارسها المسلم السوداني والمسيحي السوداني نكاية من كليهما في الآخر واستقواء عليه بالتطرف والمكابرة والاستعداء إلى درجة أن بعض قادة الجنوب أصبحوا موالين للاضطهاد الصهيوني لأبناء عمومتهم العرب الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين على السواء.

ولعل قضية مريم الراهنة ما هي إلا استمرار ساذج وسخيف لنفس تلك الممارسات فالقضاء السوداني ظل حبيس القوالب الجامدة والتفاسير المحنطة لما يعتقد بعض قضاته أنه من الشريعة والشريعة منه براء إلى يوم يبعثون. والرأي عندي أن حد الردة كان ظرفيا حسب خطر الردة على كيان الإسلام في فجره لأنه كان يعني الخيانة العظمى حسب تعريفنا القانوني الراهن ويعني الالتحاق بمعسكر العدو الظالم فحق على المرتد أن يعدم بحق وهذا الحق هو الخوف من غدر من يواليك واستودعته أسرارك ليلتحق بمن يعاديك وما يطبقه القضاء العسكري الحالي في كل دول العالم من قانون جنائي ما هو إلا تجريم الخيانة والجوسسة وتعريض أمن البلاد والعباد إلى الخطر وتنفذ إلى اليوم أغلب القوانين العسكرية عقوبة الإعدام على كل من تثبت عليه هذه التهم حفاظا على أمن الدولة وسلامة المجتمع من التخريب. أما وقد تطور العالم إلى تكتلات قوية جغرافية وتاريخية واقتصادية فلا مجال لاعتبار تغيير الديانة والمعتقد جريمة ففي الإسلام مثلا نستقبل سنويا نحو عشرة آلاف من الداخلين للإسلام ومن شرح الله قلوبهم للدين الحنيف قادمين من الديانات الأخرى ولا يشكل اعتناق بعض المسلمين للديانات الأخرى سوى ظاهرة منعزلة وأحيانا تصدر عن شواذ بسطاء أو طامعين في الشهرة بلا أدنى تأثير في أمة محمد صلى الله عليه وسلم. ثم إن القاعدة الخالدة في القرآن المجيد هي (لا إكراه في الدين) وهي الآية التي تتجاوز الظرف الزمني المتحول لتكون قيمة عليا ثابتة مدى الدهر بالإضافة إلى أن المسلمين لا يعيشون في المريخ بل في منظومة عالمية ذات ثقافات وحضارات متباينة ولكنها متفاعلة متلاقحة وبخاصة في عصر الثورة الرقمية التي وحدت قيم الناس أو أجبرتهم على احترام الاختلاف والتعايش مع المختلفين عنهم دون أن تكون لإحدى الأمم هيمنة على الأمم الأخرى. فالحكم الصادر على مريم لا يقنع العالم بوجاهة رأينا بقدر ما يجلب لنا المزيد من الأحقاد ويوغر صدور الناس ضدنا خاصة أن المرأة تقول إنها ولدت مسيحية ولم تفارق دينها الذي نشأت فيه. ولا أخفيكم أنني سررت جدا بما آلت إليه قضية مريم من كسر الحكم الابتدائي وإطلاق سراحها رغم ما وقع بعد ذلك من توجيه تهمة أخرى لها ومنعها من السفر ونأمل أن يثوب الرشد لأصحاب الأمر في الخرطوم حتى يجنبونا بلاوي كراهية الناس للمسلمين دون وجه حق. ثم كيف نطمح للحوار مع أهل الأديان السماوية الأخرى ونحن نضعهم مسبقا في قفص الكفار والمارقين بل نجعلهم غير آمنين على أرواحهم؟ تذكروا معي أيها القراء الأفاضل قصة عتق العبيد رغم عدم وجود نص قرأني قاطع يفرض عتقهم بل إن الله سبحانه في كتابه المبين تدرج بعقول المؤمنين خطوة خطوة نحو العتق والتحرير وترك للاجتهاد الإنساني رسالة تحقيق المساواة بين البشر حتى أن بلادي تونس حرمت العبودية وجرمتها سنة 1846 قبل الولايات المتحدة الأمريكية بل إن الزعيم التونسي المصلح الجنرال حسين رئيس بلدية تونس العاصمة قبل استعمار بلادنا من قبل فرنسا وجه رسالة خطية إلى الرئيس الأمريكي أبراهام لنكولن ينصحه فيها بتحرير العبيد والتخلي عن استعباد السود مذكرا إياه بما قاله الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا). إن هذه القصة من التاريخ الحديث تؤلم التوانسة نعم تؤلم شعب تونس لأننا نشهد انهيار دولة عريقة قائمة منذ 3000 سنة أنقذها شبابها من الاستبداد لكن الطبقة السياسية العاجزة التي انتصبت للحكم بعد 14 يناير 2011 لم توفق في خدمة الشعب وتحقيق أهدافه فعسى الله سبحانه يهدينا إلى سواء السبيل فيبعث من يجدد لنا ديننا على رأس كل مائة عام كما وعد نبينا الكريم أي بالحسنى والكلمة الطيبة والمثل الحي لا بالعنف والتقتيل والتكفير.

الشرق

تعليق واحد

  1. د. أحمد القديدي/د. لك التحية
    مريم انقذها الله ونفدت بجلدها ومأساتها اصبحت اسطورة من الاساطير….ولكن مازال هناك 35 مليون سوداني تحت اسر الظلم والقهر والاستبداد وباسم الدين وهذا ما لم يفطن اليه اخواننا في العالم العربي والاسلامي

  2. بارك الله فيك وجعلك شمعة تضيء ظلمة الاخوان أبلسة النفاق الديني والكسب التمكيني

  3. والرأي عندي أن حد الردة كان ظرفيا حسب خطر الردة على كيان الإسلا.

    سبحان الله تعيب على الآخرين آراءهم مع ما لها من حظ من النظر.

    وتقول الرأي عندي. وعندنا في القانون. من أنتم ومن أنت ؟؟

  4. ((مريم الحره))
    شوفوا مريم فى ثباتها
    لا بلاهة ولا عباطه
    زى اسد فى ساحه تقدل
    وزى عريس وسط السباته
    مريم العز والصلابه
    عرت (اسلام) الخيابه
    لبسوا قدامها الرحاطه
    وقالوا رده واستتابه
    ***
    يا اخوها وود ابوها
    يا خساره
    الرجاله والجساره
    مافى مريم
    وما فى دينها
    فى الفراشات السجينه
    فى البلد الزاد انينها
    مريم .. المنصوره حره
    ماسكه قى يدينها جمره
    ميرى تهتف فى سكاتها
    ميرى تسأل
    عن بلد اتلاشى ضائع
    عن شعب رائع
    علم الناس كيفن تثور
    لمتين يا شعبى الرائع
    لغير الله بتخضع
    وتتزله
    ومتين زى نيلك
    تفيض تملاها شوارع
    قدامك الشباب والطلبه
    ووراهم احرار النخبه
    لمتين بتأتى وتحبه
    وتجار الدين فى وطنك
    ما خلوا الحبه
    ***
    يا بلادى يا مآذن حق تنادى
    ويا كنائس دقى اجراس السلام
    ابن عربى من زمان حسم القضيه
    وقال كلام
    و(الماعندو محبه ما عندو الحبه)
    كلام قالوا ابن الفارض
    والشريف محجوب بقول
    ((كل واحد عندو رأى كل واحد عندو دين))
    وانتو وين
    ووينو دينكم
    لسه عايشين فى الظلام
    تعلوا فى قصور الفساد
    وتمصوا دم الكادحين
    خلوا مريم فى سبيلها
    وشوفوا شعبا كان عزيز
    اليوم صبح مقهور وجائع
    والنظام لم الحثاله
    من كل ناصيه وكل شارع
    وكل (مائع) وأى صائع
    والوطن الكان كبير
    نصو هاجر ونصو ضائع
    ***
    شوفوا مريم فى ثباتها
    لا بلاهة ولا عباطه
    زى اسد فى ساحه تقدل
    وزى عريس وسط السباته
    مريم العز والصلابه
    عرت اسلام الخيابه
    لبسوا قدامها الرحاطه
    وقالوا رده واستتابه
    ………………………
    تاج السر حسين ? كمبالا
    7/6/2014

  5. نعم القضاء السوداني تحكمه ارادة الحاكم. ان رضى رضوا او سخط سخطوا.

    الدين الاسلامي ليس جمعية ماسونية او مافيا حتى يشكل خروج افراد منه خطرا عليه.
    او خوفا من تسرب اسراره.

    الدين الاسلامس عبادة مكشوفة تحت بصر وسمع الجميع.

    الاسلام السياسي، مثلا حركة الاخوان المسلمين قد تحولت الى مفرخة للارهاب لانها جعلت داخل التنظيم نواميس و تربية سرية و قسم مغلط بان لا تشيء بشيء من اسرار التنظيم. مثل هذه الحركات جاز لها ان تهدد من يخرج منها. اما الدين الاسلامي فجعل الخيار للعباد ( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر). اتحدي انصار قتل المرتد ان يأتوا بآية او نص آية تدلل على قتل من قال للمسلمين لكم دينكم ولي دين.

    شكرا لكاتب المقال

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..