اللاجئون مسألة مستعجلة.. يستضيف السودان نحو مليوني لاجئ نصفهم من دولة جنوب السودان ولكن هل إمكانياته وفي ولاية الخرطوم تحديداً تسمح باستقبال كل هذا العدد؟

أم درمان ? رندا عبد الله
عندما اندلعت الحرب في جنوب السودان نهاية العام 2013 بين أنصار الرئيس سلفاكير ميارديت ونائبه السابق رياك مشار، وتداعياتها الإنسانية التي أجبرت مواطني الدولة الوليدة إلى الفرار، كان السودان الجار القريب والبلد الأم هو الخيار الأول والملاذ الآمن، ولكن مع تطاول أمد الصراع هناك تزايد وتدفق لموجات متلاحقة من اللاجئين الذين تجاوزوا الولايات الحدودية مع جنوب السودان إلى ولاية الخرطوم في وسط البلاد، بدأت الأصوات تتصاعد، تارة تدعو لضبط الوجود الأجنبي عموما وتنظيم اللاجئين، وتارة تدعو إلى ترحيلهم إلى ولايات أخرى خارج الخرطوم التي اكتظت وضاقت بسكانها رغم الإرادة الشعبية والسياسية في الترحيب واستقبال كل ملهوف، خصوصا من كانوا جزءاً من هذه البلاد في سابق عهدها، ولكن لا بأس من مناقشة الأمر بموضوعية داخل قبة البرلمان بعد طلب النواب حضور وزير الداخلية للرد على مسألة مستعجلة حول اللاجئين من دولة جنوب السودان التي قدمها العضو علي عبد الرحمن.
ويصف النائب البرلماني عن المؤتمر الوطني علي عبدالرحمن في المسألة المستعجلة اللاجئين من دولة الجنوب بأنهم تسربوا إلى داخل مدن البلاد، خصوصا العاصمة بأعداد تفوق تلك التي كانت قبل الانفصال. وتساءل: لمَ لمْ يتم ترحيل هؤلاء اللاجئين إلى بلادهم وإلى المعسكرات رغم القرارات الصادرة في ذلك وما هي خطط الوزارة في ترحيل الأجانب الذين يقيمون في البلاد بطرق غير مشروعة؟ خصوصاً وقد ظل الوجود الجنوبي داخل السودان محل شد وجذب بعد اندلاع الحرب الأهلية، تارة تجرفه العاطفة، وتارة تنتابه المخاوف والشكوك.. المخاوف هنا تُستدعى لانتشار الأوبئة والأمراض، منها على سبيل المثال الإسهالات المائية واعتراف السلطات بأنها نتيجة عدوى من الجنوبيين، وأحداث أخرى هزت المجمتع مثل حادثة (خور الورل) وأخواتها.
يرى البعض أن من أسباب توافد الجنوبيين على السودان دون جوارهم الآخر، أنهم يرون أن الفضاء السوداني الأرحب والأفضل لهم مقارنة بالجنوبي. وأشار وزير الداخلية تحت قبة البرلمان أمس إلى أن هناك عدداً من الأسباب جعلت هؤلاء اللاجئين يلجأون إلى السودان كملاذ آمن دون سواه من الدول الأخرى المجاورة.. منها على سبيل المثال أن السودان هو الدولة الأم قبل الانفصال، كما أن حالة الأمن والأمان التي يتمتع بها السودان مقارنة بالدول المجاورة قرب الحدود بين الدولتين تعد الأفضل.
لكن نواباً برلمانيين حذروا خلال الجلسة وزارة الداخلية من اتخاذ قرار عاجل وصارم بإبعاد اللاجئين إلى خارج الحدود، فيما كشف النائب عمر سليمان عن وجود (20) ألف لاجئ من جنوب السودان في محلية الردوم بولاية جنوب دارفور. ووصف العدد بأنه يفوق إمكانياتها الضعيفة، لكونها محلية جديدة. وطالب بتدخل عاجل لمساعدتها.
بالنسبة لبشير آدم رحمة، فإن هناك معطيات لابد أن توضع في الاعتبار، وهي عبارة عن إجابات لأسئلة تتعلق بـ ?إن كان الوجود الأجنبي محصوراً على الجنوبيين أم أن هناك دولاً أخرى تفوقهم عدداً؟ وهل لهم وجود في الشوارع ويتسولون كما يلاحظ من مواطني دول أخرى؟ وهل يمثلون مهدداً اقتصادياً بتحويل الدولارات أو مهدداً أمنياً على المنازل؟ وهل يعاونون في أعمال الحصاد والزراعة اليدوية؟ وما هو معدل الجرائم التي ارتكبوها؟ وهل يديرون أعمالاً تخل بالآداب؟?.
في الأثناء، كشف أحد النواب وجود (70) ألف لاجئ في المعسكرات بمحلية الجبلين. وطالب بوضع ضوابط محددة للمعسكرات تكون مطابقة للمقاييس، بحيث تكون مؤمنة تماما ومعزولة عن المجتمع، مذكراً بأحداث معسكر خور الورل واغتصاب المعلمات.
وقال حامد منان وزير الداخلية، في رده بالبرلمان، إنهم في انتظار قرار رئاسي يحدد ولايات بعينها لنقل لاجئي جنوب السودان من ولاية الخرطوم إلى هذه الولايات المحددة، وأوضح منان أن عدد اللاجئين في السودان بلغ حتى نهاية سبتمبر الماضي نحو مليوني لاجئ منهم مليون و(227) ألفاً و(141) لاجئاً من دولة جنوب السودان، حيث يوجد منهم (450) ألف لاجئ في الخرطوم، مشيراً إلى أن الأعداد تقديرية، وأن الحصر لم يكتمل، منوها إلى أن نقاط الدخول والمنافذ لا تزال تشهد زيادة مطردة في الدخول لسوء الأحوال الاقتصادية والأمنية. وأقر منان بأن مشكلة اللجوء بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية والأمنية أكبر من مقدرات البلاد. وقال إن الدعم العالمي كان ضعيفاً دون المطلوب بالمقارنة مع حجم مشكلة اللجوء وإفرازاتها، حيث يدفع المواطن والدولة ثمناً باهظاً من حيث تدهور البيئة وإزالة القطاع النباتي والرعي الجائر وتعرية التربة وتدني الإنتاجية، بالإضافة إلى الضغط الشديد على الخدمات الخاصة بالمياه والانفلات الأمني، وتفشي بعض الجرائم الدخيلة على المجتمع مثل الإتجار بالبشر. وأضاف: ?وفي ظل تزايد اللاجئين وتسرب البعض يطالب المجتمع الدولي بتحسين ظروف الخدمات لهم في المعسكرات، والمساهمة في حصر وتسجيل الموجودين في المدن، وتنفيذ سياسة الاعتماد على الذات لتوفير التمويل اللازم، ووضع السياسة الراشدة طويلة الأمد?.
رد الوزير ربما لم يعجب مقدم المسألة النائب علي عبدالرحمن. وقال، في تصريحات صحفية، إن ترحيلهم للولايات سيشكل عبئاً عليها. وأكد أن الحل يكمن في تحويلهم إلى معسكرات في النيل الأبيض وشرق دارفور، منوهاً إلى تجربة سابقة فاشلة في القضارف عندما تم ترحيل اللاجئين الإرتيريين ومنحهم الجنسية السودانية.
اليوم التالي.