أهم الأخبار والمقالات

الاحزاب، معبوبات الغرقت ورا ود راجلها!

لبنى أحمد حسين

“معبوبات الغرقت ورا ود راجلها” مثلاً يحكي قصة زوجة اسمها معبوبات يتّمت أطفالها بعد أن غرقت حزناً أو في محاولة ” فاشلة منها لانقاذ ابن زوجها وابن ضرتها الذي غرق بينما كانت أمه أقرب منها الى النهر .. لكن ام الصبي الغريق التي لم يك بيدها رضيع أثرت سلامة نفسها و وقفت تتفرج علي ابنها يصارع الامواج و يغرق بينما جازفت معبوبات و ألقت برضيعها الذي كانت تحمله جانباً على حافة النهر و هو يبكي لتنقذ ابن ضرتها .. وهكذا فقدت معبوبات حياتها و أصبحت قصتها مضرب مثل.

قصة ثانية: كانت الساعة حوالي التاسعة مساءاً و أنا اتابع الاخبار بالتلفاز و أتاهب للنوم حين رنّ هاتفي و بالطرف الآخر صخب حفلٍ و صديقة تسألني عن سبب تأخيري عن الحضور الى صالة عرس كنت مدعوة له من قبل العروس و العريس و كلاهما زميلاي. أجبتها بأنني لا أنوي المشاركة بالحفل تضامناً مع الزوجة الاولى – متعهم الله بالصحة والعافية و أدام الود و المعروف بينهم جميعاً في وطنهم الجديد جمهورية جنوب السودان – فباغتتني الصديقة : بطلي نظريات الجندر دي.. هي مرتو الاولى زااااتها ياها بترقص و بناتها شباين للعرسان!.. حينها أدركت الفرق بين العبط و التضامن .. فقد كانت الزوجة الاولى ترقص كأخت العروس بحفل زفاف ضرتها.. فمالي أنا و مقاطعة الحفل ان لم تك عباطة؟

ماذا اريد ان اقول بعد سرد هذه القصص وضرب الأمثال؟ اريد ان اقول ان هناك فرق بين ” العباطة” و التضامن. لم يك شعب جنوب أفريقيا قد اعترف بنظام الأبارتايد حينما ساندناه وساندته الشعوب المحبة للخير و السلام .. نعم، هذا اسمه تضامن. . أما اذا اعترف اصحاب الشأن و رفضنا نحن من اجلهم لا من اجلنا، فتلك اسمها باللغة المهذبة مزايدة و بلغة العوام عباطة . الفلسطينيون الآن ليسوا بارض معركة ينتظرون النصر او الشهادة فخزلناهم. و لا هم بصفوف القتال فارتكبنا الموبقات بالتولي يوم الزحف. قلنا معاً لا لا لا .. فهل كفرنا اذا فكرنا في القبول بنعم و قد سبقونا لتلك النعم؟ أنا لم أقل بعد لا او نعم للتطبيع .. لكن أقول إن من واجبنا إخضاع ذلك على ميزان مصلحتنا السودانية لتحديد لماذا لا ولماذا نعم.. حال الاحزاب السودانية التي تعارض التطبيع الآن ارتكازاً على مبدأ التضامن مع القضية الفلسطينية دون قياس على ميزان ” مصلحة أو ضرر السودان” هو تماماً كحال معبوبات الغريقة و كحالتي حين قاطعت ذلك الحفل .. ذلك ان أصحاب الشأن انفسهم كان خيارهم التطبيع فما بالنا نحن؟ و ليس هو فقط اعتراف متبادل بين خصمين ببعضهما البعض او نبذاً للعنف و اتخاذ للتفاوض سبيلاً لحل القضية ، كل ذي فطرة سليمة يرحب بذلك ، أنما – كما ورد بالبند الثالث من اتفاق أوسلو- : ” تعترف منظمة التحرير الفلسطينية بدولة إسرائيل على 78% من أراضي فلسطين ” أي كل فلسطين ما عدا الضفة الغربية وغزة..لا أتهم أحد بالتفريط في القرار رقم ٢٤٢ الصادر من مجلس الأمن ١٩٦٧م و الذي ينص على انسحاب القوات الإسرائيلية من الأراضي التي احتلتها عام 1967م.. فمنذ تاريخه وحتى اتفاق أوسلو ١٩٩٣م اي بعد اكثر من ربع قرن لم ينفذ ولم تنسحب اسرائيل الا حسبما أرادت وفق اتفاقيات سلام. لكن أقول من حق القادة الفلسطينيين البحث عن خيارات اخرى و تجريب بدائل اخر. و من واجبهم الكف عن شتمنا و الصاق التهم بنا . من حق الشعوب الاخرى ايضاً ان تبحث عن مصالحها . هذا مع ملاحظة أن اتفاقيتي كامب ديفيد مع مصر و وادي عربة مع الأردن نصتا على تحقيق سلام مبني على قراري مجلس الأمن ٢٤٢و ٣٣٨ .. بينما سكتت اتفاقيتي الامارات و البحرين عن ذكر ذلك بالسلب او الايجاب.. و على الاقل يحمد لاتفاقيتي التطبيعين الاخيرتين انهما لم ينصا صراحة على اعتراف بسيادة اسرائيل على ٧٨% من الاراضي الفلسطينية كما فعل اتفاق اوسلو.

لئن كان التطبيع خيانة و عمل مشين كما وصفت القيادة الفلسطينية اتفاق التطبيع الاماراتي الاسرائيلي و من بعده البحريني ثم السوداني فقد خان اصحاب الارض انفسهم اولاً .. كانوا السابقين بينما اتينا لاحقين … عباس محمود ابو مازن وصف التطبيع بأنه نسفاً للمبادرة العربية للسلام ..مطالباً الإمارات و من بعدها البحرين و السودان بالتراجع عن التطبيع .. ولنا ان نسأله لماذا لا يتراجع هو اولاً عن ” اتفاق أوسلو ” و سيجدنا -ان شاء الله -من خلفه فاعلين؟ ..

لا أزايد بالطلب من ممثلي الأحزاب المشاركة في السلطة و الرافضة لمناقشة التطبيع بالاستقالة و الانسحاب من الحكومة ، انما اطلب التواضع للالتزام بما نصت عليه الوثيقة الدستورية حول أسس بناء علاقات السودان الخارجية. لحسن الحظ ، بالاخبار ان قوى الحرية و التغيير من المفترض أن تكمل اليوم الثلاثاء مشاوراتها لتسمية ممثلي كتلها واحزابها للمجلس التشريعي و الذي من المفترض انعقاده قبل انقضاء نوفمبر الجاري. بذات المسئولية الوطنية التي ابدتها ق ح ت و هي تتنازل طوعاً و بلا ضوضاء عن حوالي ١٢% عن مقاعدها في التشريعي لصالح الموقعين على اتفاق جوبا ، آمل أن تمضي اختيارات المجلس التشريعي بسلاسة حيث من المؤمل أن يوافق او يرفض المجلس بعد انعقاده على اتفاق التطبيع مع اسرائيل بعد ان يكون قد حدد ما هي مصلحة السودان. فمصلحة السودان وأسس أمنه ووحدته وتقدمه للأسف ليست هي من المتفق عليه . فان كنت انا اراها انها الخبز و الدواء و الكتاب و الوقود و خارطة الطريق المرصوف للمستقبل و صندوق الانتخابات .. يرى آخرون أن أمن السودان و وحدته وتقدمه هو قضية فلسطين.

عموماً، الفترة الانتقالية ليست حلبة لاختبار و تطبيق الايدلوجيات و الأفكار الخاصة بالأحزاب ، إنما هي فترة لتنفيذ اهداف الفترة الانتقالية. الخروج من حفرة قائمة الإرهاب أتى في أعلى سلم الأولويات و ان كلفنا التطبيع مع اسرائيل، فالعلاقة مع اسرائيل ليس زواجاً كاثولوكياً ..

[email protected]

‫18 تعليقات

  1. (عموماً، الفترة الانتقالية ليست حلبة لاختبار و تطبيق الايدلوجيات و الأفكار الخاصة بالأحزاب) هذا هو واقع الحال. اما عن التطبيع فالسؤال هو هل كان من الممكن فك كربتنا ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب دون تطبيع والاجابة قطعا لا والحمد لله انتهزنا فرصة الانتخابات التى لن تتكرر لنقدم لاول مرة الى مصالح وطننا على غيره…….مقال ممتع لك كل الشكر

    1. لكن يا دكتور تم خداعنا وطبعنا بلا ثمن!!! لم يتم رفع السودان من قائمة الإرهاب، وكان الواجب على حكومتنا الإتعاظ من مكايد الشيطان الأمريكي والذي يحصل دائماً على ما يريد بلا ثمن، كان الواجب أن يتم رفعنا من قائمة الإرهاب أولاً وبالكامل وليس وعداً، ثم من بعد يمكن أن نقوم بالمطلوب، إستكرات ولعب على الدقون مكشوف حتى للأطفال.

  2. بسم الله الرحمن الرحيم

    عباطة معبوبات ولا عباطة الاحزاب التي لا تجيد الا الانتقاد من حيث الا الانتقاد … وأنا متأكد لو كانوا على سدة الحكم لعملوا عكس ما يقولون اليوم .. واصبحوا مكشوفين للمتابع البسيط مثلي …. منذ بداية الاستقلال … امثال الحزب الشيوعي … الفي البر عوام ….
    وفقك الله استاذه لبنى …
    كفاية ضحك على السودانيين بسبب تلك الزمره من الاحزاب التي تعزف على اوتار الوهم ، يغدو الفلسطيني يعمل بالشيكل في اسرائيل ويسب السودان ليلا … كفى كفى كفي .

    لك التحية مرة أخرى …

  3. الفاضلة المحترمة لبنى سرد جميل وروح زطنية عالية اوافقك الراي المهم والاهم مصلحة السودان واحترام الدستور في ادارة العلاقات الخارجية انا مع التطبيع في نفس الوقت لا الوم معبوبات ولكني القي عليك اللوم بعد معرفتك ان الزوجة الاولى ترقص فرحا كان واجب عليك تمشي بعد الساعة تسعة لدي اضافة ياريت لو تكتبي عنها هي انه مفروض نضع من ضمن شروطنا للتطبيع تعويضنا عن الهجمات الاسرائلية المتكررة علينا لا سيما مصنع الدواء والذخيرة ،،،،،،،

    1. لبنى الله يديها العافية مابتقصر اول ماعرفت الزوجة الأولى بترقص .. اتهندمت واتعطرت ووقفت على سنجة عشرة ومشت جاملت …
      سرد جميل ودوما لبنى بتقطع قول كل خطيب ..
      ربي يديها الصحة والعافية ويوفقها في حياتا ..

  4. خلوكم في حالكم واتلموا في زول جاكم فالحين بس في قلة الأدب حريقة فيكم عندي متر عندكم تفووو

  5. “فمصلحة السودان وأسس أمنه ووحدته وتقدمه للأسف ليست هي من المتفق عليه . فان كنت انا اراها انها الخبز و الدواء و الكتاب و الوقود و خارطة الطريق المرصوف للمستقبل و صندوق الانتخابات .. يرى آخرون أن أمن السودان و وحدته وتقدمه هو قضية فلسطين.”
    مقال رائع وسرد ممتع للغاية أستاذة لبنى ليت “معبوبات” ومن سار في هداها على دراية بما نقول ونتطلع له .. وحقاً كفاية ضحك على السودانيين بسبب زمره من الاحزاب تعزف على وتر الوهم وليس من حق من ارتضى العمل بالشيكل في اسرائيل أن يسب بلادنا .

  6. الاخت لبني
    لقد اوضحت الفكره جليه واعتقد ان الغالبيه توافق علي مقالك الثر تماما

    كأني بك تبسيطين لهم شرح نظريه النسبيه … الله يكبر (عقلاتم هادول …….)

  7. مقال جميل.به مقاربات منطقية جدا,و نفذ الى لب الموضوع تحليلا لواقع دون التحيز الأعمى لفكرة مع أو ضد.

    ان إلقاء الكرة في ملعب مجلس تشريعي لحكومة ثورة عظيمة هو عين الصواب,و يجب ان ننظر كسودانيين لمصالحنا العليا بعيدا عن منطق العاطفة و التابوهات و الولاءات التي لم تبرح مكانها عقودا طويلة بينما تتجدد معطيات السياسة و تتلون مآلات العلاقات الدولية المتشابكة بناءا على مصالح الدول .
    لا يخفى على أحد ان لي الذراع وحده هو الذي جعل التطبيع ممكنا,فلولا موافقة حكومتنا لبقيت العقوبات لعقود اخرى.و نعي جيدا مكانة اسرائيل في العقل الجمعي السوداني و الحاجز النفسي الكلاسيكي القائم عبر عقود من تلقين المناهج و الثقافة السائدة و الممارسات السياسية و الثقافية التي تبنت مواقفا جذرت لذلك..
    فلنكن اذكياء في التعاطي مع الرياح العاتية حين تهب,فمغامرات دون كيشوت من شاكلة امريكا روسيا قد دنا عذابها,أوردتنا المهالك و صنعت عداوة و واقعا قاتما لم نكن بحاجة لإقحام وطننا فيه لولا ان دفة الامور قد تحكم فيها قسرا غلاة المتطرفين و دهاقنة الفساد.

    1. قالوا ليك أكتب كده (مقال متخلف وساذج)؟!! يا أيها الجهلول؟ مثل هذه المقاله توزن بميزان الذهب يا إمعه يا ارعن والعقلاء يتبنونها ويروجون لها لكن واهِ ثم اهِ من لكن فمن أين لنا مثل هذه الكاتبه الفذه الرائعه الجميله فى خِلقها واخلاقها.. كنت أثناء ترشيحات الوزراء قد رشحتها وزيره للثقافه والإعلام إلا أن البعض رأى ان يوكسنا فى ثقافتنا وإعلامنا وآتوا بخائب الرجاء فيصل محمد صالح الناصري الهوى.. الله المستعان،

  8. (فان كنت انا اراها انها الخبز و الدواء و الكتاب و الوقود و خارطة الطريق المرصوف للمستقبل و صندوق الانتخابات .. يرى آخرون أن أمن السودان و وحدته وتقدمه هو قضية فلسطين.) هل فعلا قيم المبدئية قيم بهذا الضيق فلا تسع طرفي هذه المعادلة المختلة.
    اعتقد طالما القصة بهاذا الفهم وهو السائد والغالب، الان. فالاصح هو انعقاد مؤتمر يهف للتوفيق بين المبادئ والمصلحة فضياع أي من القيمتين خسارة كبيرة.
    برضو ارى ان موقفك من الزواج صحيح وليس عبط.

  9. عفارم عليك يا أستاذة لبنى
    ليس من المعقول ان نكون ملكيين أكثر من الملك…
    200 الف من الفلسطينيين يقومون ببناء السور الفاصل بين الضفة وإسرائيل…
    يأكلون ويشربون من إسرائيل … والعملة الإسرائيلية هي السائدة في غزة والضفة الغربية …
    نحن من السودان قلبا وقالبا…والذين ينادون بعدم التطبيع هم أولئك الذين في قلوبهم مرض… شفاهم الله….

  10. لكن يا استاذة لبنى معبوبات هذا تصرفت بمنتهى الشجاعة والمروءة وليس من حقك السخرية منها لانها ليست مغفلة بل بطلة وكل قوانين العالم تقول اذا رايت شخص مهدد بالموت وفى امكانك انقاذه فمن واجبك انقاذه والا تعرضت انت للعقوبةوللاسف هى ترفعت عن تصرف الضرات وانت تمسكت به

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..