الإنقاذ من الإنقاذ ..!ا

كلام والسلام.

الإنقاذ من الإنقاذ !

امين محمد سليمان

استمعت أمس لتعليقات قادة بعض الأحزاب والقوى السياسية في لقائهم مع السيد الرئيس في أول ظهور إعلامي له بعد أحدث ولاية النيل الأزرق. و لأن تعليقات قادة هذه الأحزاب والقوى السياسية لا تهم وليس لها مثقال حبة من خردل في صنع القرار أو في التأثير عليه، ولعلمي أنهم إنما جيء بهم لا لسبب غير ظهور الحكومة بمظهر من يجلس ويحاور ويستمع للفصائل السياسية المختلفة عندما تدلهم الخطوب وتحيط المحن بوطننا المنكوب كما هو حادث الآن، لعلمي بأن الأمر كذلك، استمعت لما قال متحدثو الأحزاب وقادتها السياسيون من باب (علم لا ينفع وجهل لا يضر). السيد الرئيس تحدث بعد حديث ساسة بلادنا، وتركز حديثه على ثلاثة محاور: – الإنقاذ سعت للسلم دائماً وفاوضت كل من رفع السلاح. – الحروب في السودان لم تبدأ بالإنقاذ. – المعارضة والحكومة يجب أن تكون يداً واحدة من أجل مصلحة البلاد والعباد. وإذا بدأنا من آخر النقاط، تجدني أتفق مع سيادته في أن كل الدول المحترمة (وأحسب أن سوداننا الذي نحب أحدها) تتوحد على قلب رجل واحد عندما يكون الخطر على البلاد والعباد كما هو الحال الآن. السؤال الذي يطرح نفسه: على أي أساس تتوحد الحكومة وكل القوى السياسية موالية كانت أم معارضة؟ والإجابة ببساطة السؤال نفسه، وهو أن التوحد يكون في ما فيه خير ومصلحة البلاد والعباد. فهل في الحل العسكري خير ومصلحة للبلاد والعباد؟ هل في الحرب مصلحة للوطن والمواطن وكل نقطة دم تراق وكل رصاصة تطلق وكل أسرة تنزح يدفع ثمنها الوطن والمواطن؟ السيد الرئيس محق تماما عندما يقول إن الحروب في السودان لم تبدأ بالإنقاذ، فهي فعلاً لم تبدأ بالإنقاذ لكنها تمددت وتوسعت واتسعت في عهد الإنقاذ، بؤر الحروب الإنقاذية طالت دارفور وكردفان والنيل الأزرق، لم تبق جهة في الجنوب والغرب لم تطَلها الحرب في زمن الإنقاذ. واهم من يظن أن أمر الحروب الإنقاذية سيقف هنا واهم من ظن صدق الإنقاذ بقولها إن السلام سيستتب بذهاب الجنوب. والسيد الرئيس أيضاً محق تماماً عندما يقول إن الإنقاذ سعت للسلم وفاوضت كل من حمل في وجهها السلاح، لكن أو ليست هي الإنقاذ نفسها من قالت إنها لن تفاوض إلا من يحمل السلاح؟ أو ليست هي التي لم تجعل لمعارضيها حلاً غير حمل السلاح؟ أو ليست هي من ظلت تعين قادة الفصائل الموقعة على اتفاقيات السلام الهزيلة نواباً لرئيس الجمهورية؟ ماذا فعلت الإنقاذ لحل مشاكل التهميش والتوزيع غير العادل للثروة والسلطة ومشاكل العنصرية والجهوية؟ ماذا فعلت الإنقاذ غير صب مزيد من الزيت في القضايا المشتعلة أصلاً؟ أكثر من خمسين سنة والحكومات المركزية في الخرطوم تعتمد الحل العسكري لقضايا المهمشين، ترسل الجيوش وتعلن الجهاد على من تقاسموا معنا عناء الانتماء لهذا الوطن المنكوب. مات ملايين السودانيين في أطول حرب عرفتها أفريقيا -حيث الحروب مثل مشاجرات التلاميذ في المدارس- تتم دونما سبب، تماماً مثلما يحدث اليوم. مات ملايين السودانيين جراء الحرب اللعينة، جرح وشرد منهم الملايين وبعد خمسين سنة كان الحل سلمياً، وعرف الناس لأول مرة أن من ظلوا يقاتلونهم لأكثر من خمسين سنة لهم قضية وقضية حقيقية كان يمكن حلها بدون قطرة دم واحدة. إن الذي حدث في الدمازين كان يمكن أن يحتوى لو كانت الحكومة والحركة الشعبية يحملون أي قدر من الحكمة وأي بصيرة سياسية أو أخلاقيه تمنعهم من تصعيد العمليات العسكرية، فالدم السوداني أجل من أن يهدر سدىً. الحكومة السودانية والحركة الشعبية بالشمال وجهان لعملة واحدة، لا يمانعون تدوير الحرب مرة أخرى و تجريب المجرب والمثبت فشله، فهم بلا وطنية ولا رؤية سياسية، لا يهمهم مصلحة الوطن ولا المواطن ولا يكترثون إذا ما تفجرت أنهار الدماء في كل بقعة من سوداننا الذي نحب. من الغباء ألاّ نتعظ بما حدث جراء حرب الجنوب عند اختيار الحلول العسكرية لحل مشاكلنا، وتجربة الجنوب التي لم يجف حبر انفصالها ولا دماء من ماتوا وجرحوا جراء فشل ساستنا في حل المشاكل من جذورها. لا حل لأي من مشاكل الوطن ما دامت بلادنا تحكم بعقلية الإنقاذ: نحتاج إلى إنقاذ من الإنقاذ هذا أو لا وطن!! اللهم إني قد بلغت، اللهم فاشهد!

التيار

تعليق واحد

  1. الهم انك قد بلغت باننا نريد انقاذ من الانقاذ ونتمناه يوم الجمعه اذا كان فى بلدى ثورات جمع مثل باقى العرب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..