عثمان خالد مضوي: علي عثمان ساهم في توسيع الخلاف بين البشير والترابي
الصراع المبكر بين العسكر والمدنيين مهّد للمفاصلة

الترابي حلَّ مجلس الشورى للانفراد بالحكم
حوار: عبد الرؤوف طه ــ تصوير: محمد نور محكر
يعتبر من الرعيل الأول للحركة الإسلامية السودانية، وظل لصيقاً بها منذ سنوات التأسيس الأولى وذلك ما جعله خبيراً بكل مراحل تكوينها والتحديات التي واجهتها، وكان ومازال يعتز بتجربته في الاتجاه الإسلامي في السودان، ويرفض بشدة وصفه بـ”المنسي”.
ذلك هو عثمان خالد مضوي، الذي يصح من وجهة نظرنا ومن وجهة نظر آخرين أن نطلق عليه توصيف “ذاكرة الإسلاميين التي لا تصدأ”، فالرجل يبدو عارفًا وملماً بخبايا الحركة الإسلامية وتاريخها، بصورة لا تتوفر لكثيرين سواء من مجايليه أو الذين سبقوه أو لحقوا به في الحركة.. (الصيحة) قلّبت معه صفحات من تاريخه، فكان هذا الذي بين أيديكم الجزء الثالث والأخير من الحوار.
ــ مفاصلة الإسلاميين كانت حدثاً يستحق الوقوف عنده؟
ما تسألني من المفاصلة.
لكنك ضلع رئيس فيها؟
لم أكن جزءاً منها.
ــ عفواً.. أنت أحد الموقعين على مذكرة العشرة التي مهدت للمفاصلة؟
صحيح وقعت على المذكرة.
ــ كيف بدأ التفكير في صياغة المذكرة؟
البداية كانت عبر الخلافات المبكرة داخل هيئة القيادة بالحركة الإسلامية.
ــ من هم أقطاب الصراع وقتذاك؟
كان صراعاً بين العسكريين والمدنيين داخل هيئة قيادة الحركة.
ــ حدثنا عن تاريخ الصراع؟
كان مبكراً منذ العام 1993 تقربياً.
ــ ما هي أسباب الصراع بين العسكر والمدنيين؟
كانت هنالك شكوى من العسكر بأنهم غير (مرتاحين) لتصرفات الإسلاميين.
ــ يقال إن أقوال وأفعال الراحل الترابي ــ لو جاز التعبيرــ كانت غير مهضومة لدى العسكريين؟
العسكر طالبوا بأن يفصل في الصراع شيوخ الحركة الإسلامية.
ــ تقصد الـ (سوبر تنظيم) بشيوخ الحركة الإسلامية؟هم الرعيل الأول، ويلجأ إليهم الجميع في حالة حدوث مشاكل كبرى.
ــ من هم بالتحديد؟
أحمد عبد الرحمن، والكاروري، وموسى حسين ضرار، وعبد الرحيم علي، وعددهم (13) شخصاً.
ــ هولاء كانوا عبارة عن لجنة رأب الصدع بين القصر والمنشية؟
كانوا يجتمعون في منزلي بالمنشية وفي مكتب المرحوم عبد الوهاب عثمان وأحياناً بمنزله.
ــ ماذا فعلت المجموعة لتدارك الصراع؟
جلسنا مع الترابي بصورة منفردة ثم جلسة أخرى مع البشير وجلسة مع الزبير محمد صالح وجلسة مع علي عثمان محمد طه لاستجلاء حقائق الصراع بين العسكر والمدنيين.
ــ ماذا كانت النتيجة؟
الرئيس البشير والزبير محمد صالح، قالا إنهما أبلغا علي عثمان محمد طه بعض الشكاوى لإيصالها للترابي ولكن علي عثمان كان لا يقوم بإيصال شكواهما للترابي.
ــ لماذا؟
سألت علي عثمان نفس السؤال (وقلت ليهو إخوانك العسكريين زعلانين عشان ما بتصل المعلومات للترابي).
ــ بماذا رد عليك؟
قال لي (لن أسكت بعد اليوم).
ــ ما الذي كان يزعج البشير والزبير محمد صالح؟
عدم الشورى. والترابي كان يتصرف دون الرجوع إليهم، وذكروا هذا الحديث لعلي عثمان.
ــ يقال إن الترابي كان ينتقد الجيش في المناسبات الاجتماعية؟
لم أسمع بهذا الحديث والبشير والزبير لم يقولا به.
ــ من يتحمل مسوؤلية هذا الخلاف؟
علي عثمان محمد طه لعب دوراً كبيراً في توسيع الخلاف.
ــ كيف؟
لو قام بإيصال النقد المقدم من البشير والزبير للترابي لتمت معالجة الموضوع.
ــ هل كان علي عثمان متعمداً في عدم إيصال نقد العسكر للترابي؟
ــ لا تسألني عن نوايا البشر، ولكن لك أن تفسر الأمر كيفما تشاء.
ــ كل ذلك حدث قبل مذكرة العشرة؟
هذه كانت محاولات قبل مذكرة العشرة لتدارك صراع العسكر والإسلاميين وحسمه.
ــ موقفك من الصراع بين الطرفين؟
منذ وقت مبكر أنا اختلفت مع الترابي.
ــ تحديداً؟
منذ خروجه من السجن عقب عملية التمويه التي سبقت الانقلاب.
ــ بالحديث عن الانقلاب يقال إنك أحد الرافضين لفكرة الانقضاض على السلطة عبر الانقلاب؟
مجلس شورى الحركة الإسلامية كان موافقاً على الانقلاب ولكن هنالك رافضون للانقلاب منهم الطيب زين العابدين.
ــ هل كنت موافقاً على الانقلاب؟
لم أرفضه.. ولكن.
ــ ولكن ماذا؟
اشترطت أن يكون مجلس شورى الحركة الإسلامية متابعاً لكل التفاصيل بعد ترتيب الأوضاع.
ــ لماذا وافقت على الانقلاب وما هو مبررك؟
وافقت لأن الحركة الإسلامية كانت تُضرب في كل العالم، وكانت هنالك معلومات مؤكدة عن تحرك عدة تنظيمات للانقضاض على السلطة.
-هل تقصد تحركات البعثيين؟
نعم وتنظيمات أخرى. تم ضرب الإخوان المسلمين في الجزائر رغم أنهم فازوا بغالبية المقاعد البرلمانية، وإخواننا في مصر ضربوا ونكل بهم عبد الناصر، وفي السودان مايو بقيادة النميري نكلت بالإسلاميين، وفي سوريا ذهبت بنفسي وحذرتهم من انقلاب البعثيين..
ــ (مقاطعة): كيف علمت بانقلاب سوريا؟
وردت إلينا معلومات، وطلبت مني الحركة الإسلامية بأن أذهب للإخوان في سوريا وأحذرهم من انقلاب وشيك وقد حدث بالفعل.
ــ هل أخطرت إخوان سوريا مسبقاً؟
تم إرسالي لسوريا لإبلاغهم بالانقلاب الذي يقوده حافظ الأسد، وكان الإخوان بسوريا فازوا بأربع دوائر انتخابية منهم نبيل الطويل وعمر عوض الخطيب وزهير شاويش ومحمد سعيد العطار.
ــ ماذا حدث؟
حضر الترابي وعبد الرحيم حمدي الى منزلي وطلبا مني السفر لسوريا وإبلاغ مسوؤل الإخوان أبو أيمن بالخطر الانقلابي القادم، وفعلاً ذهبت لسوريا والتقيت بأبو أيمن وقال لي لا يمكن المساس بالديمقراطية في سوريا.
ــ كان واثقاً؟
كان يراهن على الشارع السوري بعد فوزهم بأربع دوائر انتخابية بالبرلمان السوري.
ــ وحدث الانقلاب؟
نعم، انقلاب حزب البعث الذي أتى بحافظ الأسد ثم خلفه بشار الأسد وصار في الآخر حكماً علوياً في سوريا.
ــ كنتم تخشون من هذا السيناريو بالسودان؟
نعم، كنا نخشى ذلك.
ــ لكن معلومات مؤكدة أشارت لرفضك الانقلاب؟
ليس صحيحاً، فعقب انقلاب النميري خرجنا وأسسنا الجبهة الوطنية وحملنا السلاح.
ــ نعود لمذكرة العشرة؟
المذكرة كانت تطالب بأربع نقاط (المؤسسية والشورى والشفافية وأن يكون الحاكم متاحاً).
ــ كل هذه الأشياء كانت غائبة؟
شيخ حسن الترابي كان متاحاً في كل الأوقات.
ــ أين الشورى؟
كانت منعدمة تماماً.
ــ وأين مجلس الشورى؟
تم حله من قبل شيخ حسن.
ــ ثم ماذا بعد الحل؟
حينما أصبح الناس يتحدثون عن الشورى باستمرار قال الترابي إنه يريد إنشاء شورى (قطاعية).
ــ بمعنى؟
يعني مشاراوت منفردة مع المهندسين والزراعيين وهكذا.
ــ لماذا حل الترابي مجلس الشورى؟
لأنه أراد الانفراد بالحكم.
ــ حتى المقربين لم يكن يشاروهم؟
كنت أقرب إليه من علي عثمان مع ذلك لا يشاورنا.
ــ من الذي كتب بنود مذكرة العشرة؟
شخصياً لم أكتبها.
ــ من الذي كتبها؟
لا أريد ذكر اسم معين.
أمين حسن عمر قال سيد الخطيب وبهاء الدين حنفي وغازي صلاح الدين هم من كتبوا المذكرة بحكم عملهم في مركز الدراسات الاستراتيجية؟
صحيح، التقيتهم بمركز الدراسات الاستراتيجية وتناقشوا معي في موضوع المذكرة.
ــ إذن حديث أمين صحيح؟
(ما بقدر أؤكد ليك الحكاية دي).
ــ من أين نبعت فكرة المذكرة؟
الفكرة كانت متداولة وسط الإسلاميين.
ــ متداولة بصورة سرية؟
الحركة الإسلامية كانت تعمل في الظل والسلطة في العلن.
ــ أين تم (طبخ) المذكرة؟
ــ اسأل الجماعة الـ (كتبوها).
ــ كم كان رقمك من بين الموقعين العشرة؟
لست متاكداً ولكن وقعت عليها دون تردد.
ــ هل كان الترابي مندهشًا وتفاجأ بالمذكرة؟
شيخ حسن حينما علم بالمذكرة قال أنا لست مندهشاً من المذكرة ولكن أدهشني أمر آخر.
ــ ما هو ذلك الأمر؟
الترابي قال في ساعة تسليم المذكرة إن تسعة من الموقعين عليها كانوا معي الليلة الماضية ولم يحدثوني عنها.
ــ هل كنت ضمن التسعة الذين يقصدهم الترابي؟
الترابي قال عثمان خالد الحديث المكتوب في المذكرة كان يقوله لنا باستمرار ولم يخف عنا أي حقيقة.
ــ كان راضياً عنك؟
لم يكن راضياً عني، ونحن كنا على طرفي نقيض.
ــ إذن كنت ضد الترابي؟
ــ لم أكن راضياً عن مسيرة الحركة الإسلامية بصورة كلية.
ــ كيف تقبل الترابي وجودك رغم عدم رضاك عن مسيرة الحركة؟
كان يعترف بواقع هو مناصحتي له، وكنت دائماً أقول له (الكلام دا غلط).
ــ المسيرة كانت مرضية للترابي؟
لم يكن راضياً عنها بصورة عامة، وكان يتفق معي بأن هنالك بعض الأخطاء يجب أن تصحح.
ــ هل ناصحت الترابي؟
كنا نجلس ساعات طويلة وأقدم له كمية من النقد، وكان يسلم بأي نقد أقوله، ويعدني بالإصلاح.
ــ ولكنه لم يصلح أليس كذلك؟
نعم، أكثر من ثلاث أربع مرات وعدني بالتغيير ولم يفعل.
ــ المذكرة خرجت من أقرب الناس للترابي؟
فعلاً المذكرة كتبها أقرب الناس للترابي.
ــ هنالك من عملوا خلف الكواليس حتى خرجت المذكرة للعلن؟
ــ زي منو يعني.
مجذوب الخليفة وعلي عثمان محمد طه؟
علي عثمان لم يكن يعلم بالمذكرة، بل لم يكن يعلم أن هنالك مذكرة ستقدم للرئيس.
ــ ولكن كثيرين يحملونه وزر المذكرة والمفاصلة؟
هذه تهمة غير صحيحة.
ــ في يوم تقديم المذكرة ذهب علي عثمان لندوة بمركز الشهيد الزبير كنوع من التمويه ما مدى صحة هذا الحديث؟
ــ علي عثمان طه كان حاضراً لتقديم المذكرة.
ــ من هو أول شخص تحدث إليه بعد تقديم المذكرة؟
سيد الخطيب باعتباره يمثل جيل الشباب وقتذاك.
ــ ثم تحدثت أنت أليس كذلك؟
هذه معلومة حقيقية، لأنني كنت من جيل الشيوخ، وأذكر كان يجلس إلى جواري أحمد عبد الرحمن، وقال لي يا عثمان أنت مشارك في المذكرة ولم تخبرني، قلت له يا أحمد لو كلمتك بالمذكرة سينتفي عنها عنصر المفاجأة والمباغتة ولما نجحت المذكرة.
ــ فعلاً المذكرة كانت مباغتة ومفاجئة للشيخ الترابي؟
بحسب اللائحة كان يجب تقديم المذكرة للترابي قبل 15 يوماً.
ــ لماذا قبل 15 يوماً؟
حتى يقوم بـ (تنفيس) المذكرة.
ــ بمعنى أوضح كيف يتم تنفيس المذكرات التي ترفع للترابي؟
ستكون أمامه فرص كافية لتنفيس المذكرة بأي الطرق.
ــ لذلك فضلتم المباغتة؟
صحيح، لكي لا يكون أمام الترابي أي إجراء احترازي لتنفيس المذكرة.
ــ الرئيس البشير كيف تعامل مع المذكرة؟
كان هنالك تعاون كبير بينه وبينهم.
ــ متى استلم البشير المذكرة؟
قبل نصف ساعة من بداية الاجتماع.
ــ وأين الترابي؟
كان لا يعلم بأي شيء لذلك كان مندهشاً وبشدة. المذكرة كانت متنوعة، عثمان مضوي يمثل الشيوخ، وسيد الخطيب الشباب، وبكري حسن صالح يمثل المؤسسة العسكرية.
ـــ لكنها كانت تخص مجموعة صغيرة لا تزيد عن عشرة أشخاص؟
ما كتب بالمذكرة لا يمثل رأي العشرة الموقعين عليها بل آلاف الإخوان كان لهم نفس الرأي.
المصدر: صحيفة الصيحة