مقالات وآراء سياسية

الفخر عند عبد الرحيم أبو شناح

محمد التجاني عمر قش

عمنا الشاعر الكبير الراحل عبد الرحيم محمد أبو شناح كان أحد أبرز شعراء الدوبيت في دار الريح. وبشكل عام يتميز شعره بجزالة اللفظ وروعة المعاني، مع دقة التصوير وتعدد الصور الشعرية.  كما كان شاعرنا، رحمه الله، رجلاً شهماً وعفيفاً ويتحلى بكثير من القيم النبيلة؛ ولهذا السبب كثر الفخر في شعره بصورة ملحوظة، حثاً للآخرين على مكارم الأخلاق والفضائل. ونعلم أن الفخر يكثر في الشعر العربي عموماً وفي الشعر الشعبي بصفة خاصة، وهو ذكر الشاعر لمحاسن نفسه أو قومه أو قبيلته وتغنيه بتلك المآثر التي ربما تكون هي نفسها الموجودة في باب المدح وتشمل الكرم والشجاعة وعفة النفس والصبر على المكاره وصدق الأخوة والوفاء. وفي هذا الصدد يقول عبد الرحيم ود أبو شناح:

ما مشكار نفس لكين صعب بالحيل

ناير وجهي أصقع، خاطري مو مكيسير

صنديداً لزوم فوق أم لهيب صبيّر

وشيال يا أم عروض فوق الوعاها بسيل

فقد احترس الشاعر أولاً بأنه لا يريد أن يفخر “ما مشكار نفس” ولكنه فعل حيث جلب معانيٍ من اسم ما يفخر به المرء فالوجه الصبوح الناير من سمات البشاشة في الرجل، كما أن رفع الرأس سواءً  كان  مجازاً أو حقيقة مما تطلب الرجال، ثم إن حالته النفسية وكينونته غير مهزوزة ولا مهزومة أو مكسورة؛  بالإضافة إلى أنه من الرجال الأشدّاء الذين لا تهزهم أو تضعفهم المواقف بل إنه لا يتزحزح عندما تمر به الصعاب، إنما يصبر عليها كصبره على النار وهو أيضا يستطيع أن يتحمل ما لا طاقة لغيره به ” شيال يا أم عروض فوق للوعاها بسيل” فقد حشد الشاعر معاني كثيرة في هذه الأبيات ببراعة فائقة واستخدم ألفاظاً غاية في الجزالة وعبارات هي دقة في الوصف والنسق ومما يلفت النظر صيغ  المبالغة التي أوردها وهي صيغ تناسب الغرض الذي تحمله الفكرة ومن ذلك ” صنديد وصبير وشيال”. أما جمال الإبانة فنلمسه في الشطر الرابع وهو يتحدث عن قوة التحمل لديه، ” فالوعاها بسيل” كناية عن ” الدَّبَر: أي الجرح العميق و”الشيل” أو الحمل عليها كناية عن مدى قوة التحمّل والمقدرة عليه. وأمثلة ذلك كثيرة في الشعر الشعبي في السودان فيقال إن ” فلان شيال فوق للدبر” ومن ذلك قولهم:

البشيل فوق الدبر ما بميل

قدل شيخي للرباعا مهيل

ويقول نفس الشاعر الأبي عبد الرحيم أبو شناح في مربوعة أخرى:

ما ببخل على الزاد النجيض بندارقُو

وماني زبيط منكاتل الرفيق بنفارقُو

بحدّر شدي في التيس الخبيبه بسارقُو

بعنى الديسو لي عند الفنايد طالقُو

فهو كريم لا يمكن أن يداري زاده على المارة والرفيق، كما أنه حليم واسع البال طويله، يتجافى عن هفوات الرفيق وكل تلك الصفات وعفة النفس تحول بينه وبين أن يأخذ نصيباً من اللهو ولكنه يمتطي جمله في طلب المحبوبة ذات الجمال الذي يلفت النظر وهو يرمز لذلك بطول شعرها الذي يتدلى حتى الأرداف. ومن أروع العبارات كلمة ” زبيط” تصغير ” أزبط” وفصيحها ” أضبط” وهو الذي يلزم الشيء بقوة ويقصد به الشاعر هنا ضيق الصدر وهو ينفي كل ذلك عن نفسه.

ويقول ذات الشاعر:

بعرفوني الرجال أبان دقوناً غر

بعرفني البنات الساكنات الضل

في البيوت قدّال قميصي بجر

مكّار في الخلا وكاهناً عيوني حُمُر

وهو هنا يصف نفسه بأنه لا يجالس إلا العقلاء من الرجال والكريمات العفيفات من النساء وهو شخص يهتم بمظهره في حال كونه داخل البيوت ولكنه إذا جاء وقت الحرب أو القتال في الخلاء فهو مكّار وفارس ” عيونه حُمُر” كناية عن أنه لا يعرف الخوف. وقد يدخل في هذا الباب الاعتزاء وهو عادة عربية معروفة “لكل قبيلة من قبائل العرب مفاخر من مفاخرها أو تأريخها تعتزي بها في أشعارها ومجالسها وتجري مجرى الاعتزاء عند الغضب أو في الحروب وتتخذ أحيانا كشعار لهذه القبيلة خصوصا في الحروب وتظهر صورتها جلية في الأزمات والمواقف العصيبة وتزداد أهميتها ومكانتها إذا صدرت من زعيم أو قائد هذه القبيلة أو كبير القوم وشيخها”. يقول عبد الرحيم ود أبو شناح الذي كثيرا ما نستشهد بشعره لجودته ورصانته ووضوح معانيه:

إنتي يا بوسيمة الهرسي أم خريفاً تمَ

شيومك بطّل الغجري الجرايده أصمه

وكت الشوف يشوف والقلب تدخله مَهَمَه

أنا بنستعزى بآمنة وبخيتة وشمّه

أما البوسيمة فيقصد بها القصبة والهرسي هو المطر الغزير وكلمة “الشيوم” تعني الركوب إلى ديار الحبيب و”الغجري” هو الجمل السريع والقوي وشاهدنا في الشطر الرابع حيث يقول “أنا بنستعزى بآمنة وبخيتة وشمّه”

ويقول عمنا عبد الرحيم في نفس هذا السياق:

يومنا النوينا وقلنا

ضاربانا الهبوب رجافة ما بتدخلنا

كان فزينا من شيةً بقي بكتلنا

بنوت دورنا ما يجرن مقانع سنة

هذه النماذج تدل على أن هذا الشاعر يعد من رواد الفخر في الشعر الشعبي السوداني.

 

محمد التجاني عمر قش

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..