أزمة الفكر القومي

الغريب في الأمر أن وضع الفكر في السودان يخالف القانون التاريخي له وهو أن الفكر يتجه من الخصوصية إلى العموم ومن الذات إلى الجماعة ومن الفردية إلى القومية ؛ في الفكر في السودان يفتقد هذا التطور المتزامن له. فهو فكر يعد ويبرمج ﻷغراض ضيقة جدا وربما بلغ من الضيق أن يكون شخصيا جدا ، فهو فكر إضافة إلى عمائه لا يخرج بمعاييره عن المحلية المتوارثة ، فهناك توارث فكري يصبغ الصياغات والخطابات السياسية بشكل عام ويخضعها لتكرار إلى درجة الملل ومع ذلك فإن الوعي العام لا يتلقاها إلا بالقبول . إنني هنا لا أتحدث عن الفكر المكشوف رغم ضحالة هذا الأخير ولكني أتحدث عن الفكر المستتر خلف الفكر المكشوف ؛ أي الدافع إلى فعل التفكير نفسه. إن أوضح دليل على ذلك هو حالة الانقسامات التي تطال المنظومات السياسية المدنية منها والمسلحة. وحتى سلوكيات السلطة الحاكمة هي سلوكيات تنحو إلى تحقيق مزايا لمجموعة صغرت أو كبرت ، ونرى الدائرة تزداد ضيقا عندما يتولى شخص ما منصبا ما فهو يفتقد للفكر القومي ولذا نراه تائها بلا انجاز حقيقي سوى الفساد الشخصي . الفكر القومي يعني أن تتصيد ما يحقق المصلحة القومية والنظر إلى الدولة كمستوطنة وأرضا للميعاد. التفكير شديد الذاتية يحول دون الابداع ويقمعه ويقمع ظهور أبطال قوميين ويصادر على مصالح المواطنين ويؤدي إلى عدم الاكتراث بالقصور في أداء الخدمة العامة ويورث الأنانية والفساد. وهو يعود على صاحبه بضيق المدارك والجهل وحتى سوء المبطن وفساد الخلقة ونفور الجماعة وانقسامهم وتشرذمهم .
نحن نعاني حقيقة من أزمة الفكر القومي في كافة المجالات ؛ السياسية والرياضية والفنية والعلمية والاقتصادية والعدلية وخلافه ، هي أزمة متوارثة وأتمنى من الجيل الجديد أن يستأصل جينتها وأن يرى الحقائق والطموحات والسياسات على أفق وطني قومي ؛ وإلا فإن الجميع خاسرون.
26يوليو2916

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..