مقالات وآراء

الإنتهاكات و الإفرازات الاستثنائية للحرب

د. محمد حمد مفرح

٢/١

ظلت إفرازات الحرب الدائرة بالبلاد، و سلبياتها العديدة، علاوة على الانتهاكات واسعة النطاق التي تحدث من طرفيها، و بالذات قوات الدعم السريع، حسبما رشح و يرشح في الميديا و تؤكده شواهد عديدة، ظلت تترى و تتفاقم بصورة غير مسبوقة، لم يشهدها تاريخ السودان الحديث. و قد أخذ هذا الوضع الإستثنائي Exceptional status يتجلى بصورة متصاعدة، مع استمرار الحرب و إتساع رقعتها و تنامي تداعياتها، فضلا عن عدم حدوث أي إختراق إيجابي Positive breakthrough في واقعها، يعمل على وقفها أو حتى تخفيف وطأتها أو التقليل من آثارها بالغة الضرر على الكثير من الصعد. لذا، فقد ألقت إفرازاتها و تداعياتها الخطيرة بظلالها على الواقع الإقتصادي و السياسي و الإجتماعي و الانساني بالبلاد، على نحو لافت غدت آثاره الانسانية و المجتمعية تحدث عن نفسها، كما ضرب بنية الواقع الحضاري للبلاد، على تواضعها، في مقتل.
و قد تمثل هذا المآل الذي آلت إليه البلاد جراء إستمرار الحرب و بلوغها مدى بعيدا على صعيد الإنتهاكات الفظيعة dire violations للطرفين المتحاربين، و التدمير الممنهج للبنية التحتية، تمثل في صور كارثية عدة تعكس الوجه الكالح للحرب. و يتمظهر ذلك، بصورة عامة، في الآتي:

١.الموت المجاني واسع النطاق في أوساط الكثير من المواطنين بالمناطق التي طالتها الحرب، و الذي ظل يهز الضمير الإنساني لذوي الحس الانساني المعافى.

٢.ظاهرة الإعاقة جراء الإصابة، و التي تمثلت في وجود أعداد كبيرة من المعاقين Handicaps بسبب الحرب و همجيتها.

٣.تفشي الأمراض المختلفة الناتجة عن إفرازات الحرب مع التردي البالغ في الخدمات الطبية و انغدامها في كثير من المناطق، و ذلك بسبب استهداف المستشفيات و المرافق الصحية و عدم توفر الأدوية.

٤.المجاعة واسعة النطاق و التي أشارت إليها و أكدتها أكثر، من مرة، الجهات الدولية المعنية كبرنامح الغذاء العالمي World Food Program، معززة بالأرقام و النسب المئوية.

٥.اللجوء والنزوح و ما قادا إليه من افرازات سالبة و كثير من المآسي الانسانية التي يندى لها الجبين.

٦.القضاء على مقدرات البلاد الأساسية و بنيتها التحتية Infrastructure و كذا بنيتها الفوقية Superstructure ذات العلاقة بالإطار الفكري و الثقافي للمجتمع.
و بهذه المناسبة أذكر أن السفير الأمريكي ذكر، في معرض تعليقه على الحرب مع بدء اندلاعها، ما معناه (أن السودان بلد هش، على مستوى البنية التحتية، و سوف تعمل هذه الحرب، حال إستمرارها، على القضاء على هذه البنية).

٧.الاقتصاد و ما طالته من تأثيرات سالبة أدت إلى إنهيار اقتصادي غير مسبوق Unprecedented Economic collapse مع تدهور الأحوال المعيشية للمواطنين، بشكل فظيع.

٨.المرافق الخدمية كالصحة و التعليم و المياه و الكهرباء و ما لحقها من تدهور، علاوة على الانعكاسات السالبة للحرب على مستقبل الطلاب في مختلف المراحل، من جهة الشلل الذي أصاب الحياة الدراسية بالبلاد.

٩.انتهاك سيادة البلاد و تحولها لمسرح صراع دوليlnt. conflict stage، ما أثر سلبا على قرارها الوطني واستقلاليتها.

١٠.كيان الدولة و ما يواجهه من مهددات تنبيء بالتشظي جراء تداعيات الحرب و ما قادت إليه من تقسيم.

و لا شك في أن هذا المآل الذي آلت إليه بلادنا يجعلها تتصدر بلدان العالم الأخرى في تدهور الأحوال على نحو يفوق الوصف و يستدعي تحرك كل القوى السياسية و المدنية و المجتمعية من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان. و على الجميع الوعي بحجم الأزمة الآخذة في التفاقم و المتنامية، و التفاعل مع آثارها المدمرة. كما عليهم أن يدركوا أنه إذا لم يقدموا تنازلات سياسية هنا و هناك و يلتقوا في منطقة وسطى تروم مصلحة البلاد العليا، من أجل الضغط الجمعي على طرفي الحرب لايقافها ثم الشروع في العملية السياسية، إذا لم يفعلوا ذلك عاجلا، فسوف لن يجدوا وطنا يقيمون فيه.

إن الإنتهاكات الفظيعة التي نتجت و تنتج عن الحرب جراء الفظائع التي إرتكبها طرفاها، و خاصة الدعم السريع تقدح في إنسانية المتحاربين خاصة و أنهم مسلمون، يفترض فيهم أن يعرفوا حرمة قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق.

أما إذا ما نظرنا إلى هذه الانتهاكات بمنظار القانون الدولي Int. Law و حاولنا تكييفها وفقا لقواعد القانون الدولي الانساني و القانون الدولي لحقوق الانسان و القانون الجنائي الدولي، فستتضح لنا جليا انتهاكات الطرفين الواسعة و غير العادية لهذه القوانين، و ذلك بقدر يصعب تصوره.
الجدير بالذكر أن الجهات الدولية المعنية ظلت توثق هذه الانتهاكات و تدينها، كما نبهت لخطورتها و تأثيراتها الضارة على الشعب.

و في إطار هذه الإنتهاكات الاستثنائية للقوانين آنفة الذكر، فقد عكست الميديا جرائم و مخالفات نسبت لبعض جنود الجيش في مناطق مختلفة.
أما قوات الدعم السريع فقد حفل سجلها بالخرطوم و الجزيرة و دار فور و كردفان و غيرها، وفقا للإعلام و كثير من الأدلة، بفظائع تهز الضمير الانساني لدرجة تجعل جنود الدعم السريع و كأنهم يتصفون بصفة كره البشر Misanthropic، مع قدح سلوكهم هذا في التوجه المعلن لقيادتهم. فقيادتهم سبق و أن أعلنت وقوفها مع المواطن و إدانتها لاستهدافه لكن واقع الحال على الأرض يدحض هذا الإدعاء. فسلوك الجنود على الأرض ظل يناقض هذه التصريحات، حيث أصبح موقف قيادة الدعم السريع رافضا لهذه الأفعال قولا و متعامي عنها واقعا، مع تبريرات خجولة و غير منطقية ظلت تصدر عنها.

[email protected]

تعليق واحد

  1. شكرا لك د.محمد حمد مفرح على هذا المقال الذي اوجز ماتحويه الكتب عن وقائع هذه الازمه الكارىثيه التي اجتاحت بلادنا السودان بل ودققت لنا ناقوس الخطر للمسارعه لاحتوائها قبل استحفالها والا سيغرقنا طوفانها الجارف.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..