الصحافة والسياسية في مضمار البحث عن هدف.. ينزوي الرأي وتبقى الكلمة لأجل الحقيقة

الصحافة والسياسية في مضمار البحث عن هدف.. ينزوي الرأي وتبقى الكلمة لأجل الحقيقة
” كش ملك”

الخرطوم ? حسن محمد على
ربما لن تفلح المفردات النضرة وغصون الزيتون التي يغرسها العشرات من كتاب الأعمدة في الصحف اليومية لقرع آذان القارئ، وتشكيل الرأي العام، فقد تكبدت مهنة الكتابة العمودية الراتبة الكثير من الخسائر، وانحنى مؤشرها بشكل لافت، وبشكل يومي أصبح يتسلل عدد منهم في إطار تسويات سياسية أو مهام دستورية حديثة التكليف، وبدا أن الفرح الغامر الذي ينتاب معجبي وقراء الكتاب العموديين يوميا قد ثبطت همته وخارت رغبته في المتابعة اليومية، وتمثل الأطروحات والآراء التي يقولون بها عبر مساحاتهم الصغيرة.
ورغم أنه من الصعوبة بمكان التقليل من مكانة كتاب الأعمدة في مستوياتهم الفكرية وطرح آرائهم بقوة والتصدير لها بأفكار متينة ومفردات جاذبة، لكن بدأت تتكاسل تجاههم الرغبة في القراءة والتأثير، وكثيرا ما يردد البعض أن الأعمدة المنصوبة في أخيرات الصحف تبدو مرتجفة في تناول قضايا بعينها، وتظهر هشاشة المستطيلات ذات الأسماء الرنانة كلما تفجرت قضية بعينها، وبشكل لافت تتبرج بالشلليات، والكتل، ويصبح من العسير التصويب في “التختة” التي تهم المواطن، ويندلق الحبر مسببا أذى بسيطا على الملابس، دون أن يجرح خاطر السلطة ويغضب سادتها.
من المهم الإشارة إلى الأجور العالية لكتاب الأعمدة التي يفوق بعضها عشرة ملايين جنيه إلا أنها بالضرورة تعود لحجم المتابعين والقراء، لكن لا يستبعد البعض أن تتراجع تلك الأجور العالية بالمؤشرات بسبب الموقف المترنح، وسيكون على الصحف التي تعتمد على ميزة كتاب الأعمدة أن تعدل من تقديرها، ورغم أن ظهور جيل من كتاب الأعمدة أصبح نادرا خاصة من شاغلي المساحة المفضلة في أخيرة الصحف، وإيقاف البعض الآخر لأسباب أخرى أيضا إلا أن ذلك لا يمنع أيضا من تأكيد حاجة الصحف لكتاب راتبين ينقبون في خبايا السلطة ويستقوي بهم المجتمع الباحث عن قيم العدالة والشفافية.
بالتأكيد لا يمكن استثناء حادثات جديدة من مخاطر طالت كتابة العمود – رغم قدم الاعتقاد في صدقية الكتاب المهتزة – تمثلت في الانتقال الدراماتيكي للكاتب المجيد حسن إسماعيل إلى منصب وزاري بحكومة ولاية الخرطوم وهجره لمهنته القديمة في نقد الحكومة التي صار جزءا منها، وذات المآل طال مجدي عبد العزيز كاتب عمود “الرواية الأولى” بصحيفة السوداني الذي اكتفى بتدوينة عبر حسابه الشخصي في فيس بوك وعلى أصدقائه في قروبات “الواتساب” بأمل التواصل مع الإعلام في منصبه الجديد، وقد يتفاجأ جمهور القراء بوداع أيضا لعمود الأستاذ مكي المغربي “نهاركم سعيد” الذي ينتظر بعثته إلى إحدى الدول لمهمة دبلوماسية، وعلى كتاب الأعمدة أن يتحسسوا مواقعهم ويفكروا مليا في عزلة قد تضربهم من القراء عطفا على موقف إسماعيل وآخرين وقد تنسحب الحادثة التي روج لها الإعلام الإسفيري على جمهورهم العريض بشيء من الإحباط، وبغض النظر عن ما طال الكاتب النحرير بالذات حسن إسماعيل من سهام النقد للموقف السياسي باعتباره أحد كوادر المعارضة، لكن لن تغفر لإسماعيل كلمات صاغها عبر عموده بعد أن غادر قبل أن يحيط قراءه مسبقا كما هي العادة الراتبة لكل من يغادر، رغم اعترافه بسهمهم الواضح عليه ككاتب.
لكنني ولكي أصل بزعم تراجع أسهم كتاب الأعمدة سأحيلكم لحيثيتين، فقد ترسخت لدى القراء ذات الحقيقة التي ننشدها عبر هذا التقرير وتأثير ملابسات انتقال الصحافيين الكتاب إلى السلطة عندما أرسل أحد القراء رسالة ساخرة بمجرد ظهور رئيس تحرير صحيفة (الصيحة) الأستاذ أحمد التاي مع والي سنار الضو الماحي، حيث قال القارئ الذكي في رسالته: “أنا سامع إنو ولاية سنار دايرين يعملو ليها وزارة للحكم المحلي!!!”، ورغم نفي التاي المغلظ أن تطاله رياح السلطة الرطيبة، أما ما يؤكد خشية الكتاب أنفسهم من تضعضع سيادتهم على الورق الأبيض، هو الدفاع الكثيف والاصطفاف حول زميلهم حسن إسماعيل، وتبريرهم لخطوته كما يرى زميله صلاح عووضة وهو يقول في عموده المنشور أمس بصحيفة الصيحة: “إن خطوتك هذه يعود تقديرها لذاتك.. فأنت حر في خياراتك السياسية ولا أحد من حقه أن يفرض عليك شيئاً.. ولكن إن كانت مشكلتك هي فقط ما يقوله الصارخون هؤلاء فـ(انس)”.. بينما يطالب الكاتب الصحفي ورئيس تحرير صحيفة (التيار) الغراء عثمان ميرغني أن يتركوا حسن إسماعيل لتجربته البادئة لا أن يحكموا عليه مسبقا، ويقول في عموده الأشهر (حديث المدينة) المنشور في التيار: “في تقديري هذا حساب بالنوايا.. استباق الحدث بالحديث عن نتائجه.. أشبه بـ (بيع السَلَم).. حساب ثمن الحصاد قبل زراعة بذرته.. الحكمة تقتضي أن يمتحن المرء بعمله على نسق الشعار الذي ظل يرفعه الجنرال إبراهيم عبود (احكموا علينا بأعمالنا)”
ومع ذلك.. ومع ذلك، فإن يوسف حمد الصحفي المهاجر حديثا يهون كثيرا من كل تلك الفرضيات ويرى في حديثه لـ(اليوم التالي) إنه من المهم فك اللبس بين الصحافيين والكتاب الصحافيين، ويعتقد أنه ليس من المستحسن اتهام القراء بأنهم يجهلون الفرق بين الصحفي والكاتب الصحفي غير المتفرغ للعمل بالصحافة، ويضيف: “من المعروف أن الكاتب الصحفي مجرد قلم مستضاف على صفحات الصحف؛ ولا يظن فيهم الناس غير أنهم منحازون، مع أو ضد السلطة، ولا جرم في ذلك، بالتالي لا تتطابق أفعالهم ولا تنسحب على الصحافة. فهم ليسوا صحافيين بأي حال. وإذا كانت ثمة محاسبة لهم فإنها لا تبتعد عن محاسبتهم وفقاً لمواقفهم كمثقفين من قضايا بلادهم وشعبهم، أو وفقاً للتقديرات السياسية التي حملوها قديماً”، يمضي حمد: “صحيح، لقد اكتسب الكتاب شهرة وسعة في الرزق، لكونهم يكتبون لجمهور مغبون، يعجبه غيظ الحكومة”، وحول ما إذا كانت مثل هذه الانتقالات غير السلسة قد تؤثر على علاقة الجمهور بمجموع كتاب الأعمدة فإن يوسف حمد يعود ليؤكد ذلك تماما ويقول: “بكل تأكيد، هذا يوحي أن الكتابة كانت مصدر رزق، وكذلك الموقف السياسي، أكثر من كونها انحيازا لما هو صحيح”..

اليوم التالي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..