مقالات وآراء

معلمو الخرطوم بين صيام الحقوق وإفطار القهر

حسن عبد الرضي الشيخ

 

بينما تتحدث الدول عن تكريم المعلم ورفع مكانته، يصحو معلم الخرطوم يوم العيد بلا مرتب، بلا دقيق، بلا عجين، بلا حذاء جديد، ولا ملابس تفرح أطفاله بالعيد السعيد. يقف في صباحه كالغريب بين أبنائه، ينظر في أعينهم فلا يرى سوى الأسئلة الحائرة: “أين العيدية؟ أين الثوب الجديد؟ متى نأكل اللحم؟” فلا يجد إجابة سوى صمت يملؤه العجز والقهر.

 

إن معلمي ولاية الخرطوم يواجهون واقعًا مريرًا، حيث تتوالى عليهم الإهانات من حكومة ترى فيهم مجرد أرقام في ميزانية مثقلة، لا أصحاب رسالة ولا بناة أجيال. ومع حلول العيد، يُحرم كثير منهم حتى من رواتبهم الضئيلة، بحجة أن “الصرافين قليلون”، في مهزلة تعكس الاستهتار بحقوقهم وكرامتهم. إنهم يصومون عن حقوقهم، ويفطرون على قشرة البصلة، لا على البصلة ذاتها. صائمون عن ترقياتهم، عن مستحقاتهم المالية، عن منح الأعياد، عن العلاوات، وعن رواتب بالكاد تسد رمق أسرهم.

 

وما زاد الطين بلة، هو انتقاص نسبة ٣٠٪ من رواتبهم، تلك النسبة التي اعتبرتها الحكومة “كرمًا” وهي في الأصل عرق جبين المعلم، الذي أفنى عمره في بناء العقول وتنوير الأجيال. جاءت هذه “الصدقة” من جيب وزير المالية، الذي لم يرَ في المعلم سوى عبء على ميزانية الدولة، متجاهلًا أن التعليم هو الركيزة الأساسية لأي نهضة حقيقية.

 

كيف يحتمل المعلم دموع أبنائه ووجع زوجته وأمه وإخوته الذين ينتظرون الفرج من مرتب لا يأتي؟ كيف لمعلمٍ، يعيش على هامش الحياة، أن يؤدي رسالته بإخلاص، وهو الذي يفتقر إلى أبسط مقومات العيش الكريم؟ أي ظلم هذا الذي يجعل من حامل مشعل النور متسولًا على أعتاب الحاجة؟ .

 

ورغم كل هذا، يبقى الأمل حيًا. لقد أثبتت التجربة أن الحكومات المدنية وحدها هي التي تعترف بحقوق المعلم وتسعى لإنصافه. فالحكومة المدنية السابقة أنجزت أكبر زيادة في رواتب المعلمين، رغم العراقيل والمؤامرات. وعندما حاولت قوى الظلام إسقاطها، بقيت صامدة تدافع عن حقوق المعلمين بلا هوادة.

 

لا ظلم مع الديمقراطية، ولا حقوق مهدرة في ظل حكومة مدنية عادلة. المعلم هو أساس النهضة، وإنكار حقوقه هو خنق لمستقبل الأجيال. فإلى متى يبقى المعلم صائمًا عن حقوقه، مفطرًا على القهر؟ متى تصحو الضمائر وتعود الحقوق إلى أصحابها؟ .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..