قصة أغنية أنا أم درمان .. الأغنية التي أعجب بها محمود محمد طه

وثق لها: سراج الدين مصطفى
ثمة ضبابية تكتنف حياة الشاعر المهاجر عبد المنعم عبد الحي الذي عاش في جمهورية مصر وأصبح مَعلماً سودانياً بارزاً.. فهو أثرى الساحة الغنائية بالعديد من الأغنيات الفارعة، فهو كان صاحب لونية شعرية خاصة جذبت إليه الكثيرين من كبار الفنانين.. وكانت زياراتهم إلى هناك تعني ميلاد أغنيات جديدة.. استأثر عميد الفن أحمد المصطفى بمعظم أشعار عبد المنعم عبد الحي.. ومن بين تلك الأغاني أغنية “أنا أم درمان” والتي راجت فيما بعد وانتشرت حتى إن الراحل الأستاذ محمود محمد طه جعلها نشيداً للحزب الجمهوري.
(1)
ويحكي شاعرنا ويقول (رجعت من فلسطين في شهر مارس 1949م واتذكر أول لقاء لي بعد عودتي من فلسطين كان مع الفنان أحمد المصطفى واثناء حديثنا جاءت سيرة أغنية الخرطوم للفنان حسن عطية عندها ذكر لي أحمد المصطفى بأنه يريد أغنية لأم درمان مثلما تغنى حسن عطية للخرطوم فقلت له: طيب اديني مهلة أفكر.
(2)
ويواصل في السرد (وفي نبطشية في القشلاق قعدت اقرأ في وصف أغنية الخرطوم لحسن عطية – الخضرة والزهور والحاجات دي .. طيب أم درمان بالنسبة لي أكثر من وطن صغير داخل الوطن الكبير .. انا لما جيت أوصف أم درمان ما لقيت فيها جانب أجمل ولا اخلد من الجانب الوطني، فأم درمان صورة مصغرة للوطن الكبير).
(3)
ويضيف عبد المنعم عبد الحي (أمسك أم درمان ربع ربع وحارة وحارة تلقى فيها صور من الشعب السوداني كله من الشمال للجنوب تلقى، ومن الغرب للشرق تلقى، وحتى فيها جوانب بتصور أحقابا تاريخية من تاريخ بلدنا، في الموردة مثلاً تلقى حي المواليد، وفي السوق الكبير تلقى حي المسالمة، الى جانب الأحياء المختلفة، وبعدين مافي احداث وطنية عاصرها السودان الا كان لأم درمان وأولادها النصيب الوافر فيها، وفي المرة دي ما كنت في الحقيقة محتاج أقلد صورة أو شكلاً وفي نفس المكان في القشلاق الكتبت فيهو أول أغنية سودانية .. ابتديت اكتب) ..
أنا أم درمان تأمل في نجوعي
أنا السودان تمثل في ربوعي
أنا ابن الشمال سكنت قلبي
على ابن الجنوب ضميت ضلوعي
(4)
وما توقف القلم في يدي الا بعد ان اكملتها كلها، وأذكر انها كانت ثلاثة كوبليهات والثالث منها كان عنيف شوية وضد الاستعمار بشكل مباشر، يعني ما فيهو رمز ولا حاجة وعشان كده افتكر حذفه أحمد المصطفى والأغنية كلها ما كان ممكن تذاع في إذاعة أم درمان في ذلك الوقت..
أنا أم درمان في جيد الوادي دره
أصيلة في معدن وكريمة حرة
أنا أم درمان اذا العادي تجرا
أنا حجر افضا في جبينه قرا
أنا الصبر المرير في حلقه مره
أنا السم النقيع في الجوف أمرا
وأنا دار الأمان لفتاتي دارى
وأنا الذكرى اذا عزت له الذكرى
(5)
ثم يضيف الشاعر الكبير فيقول: (تاني يوم جاني أحمد المصطفى في البيت واديتو الكلام وبعد يومين بعد أن قرأها عجبتو وقال لي أنا بمجرد ما أوصل السودان سأقوم بتسجيلها في الإذاعة وأنا متأكد أنه اغنية أنا أم درمان ستنال إعجاب الجميع.. قلت ليهو: انت شد حيلك في التلحين.. قال لي: ما تخاف .. وفعلاً بعد شهر أو شهرين سمعت من بعض الطلبة اللي وصلوا من الخرطوم قالوا إنهم سمعوا لأحمد المصطفى أغنية جديدة اسمها أنا أم درمان ولاقت نجاحاً).
(6)
الحكاية دي شوقتني اني لازم اسمعها بعدما اتلحنت بقت كيف؟ وبعدين أتذكر أنه الأخ منصور أحمد الشيخ في مرة من المرات قال لي انو بيت الطلبة السودانيين عندهم حفلة سمر بمناسبة وطنية ما بتذكرها دلوقتي .. وقال لي نحن نمشي نشارك إخوانا الطلبة باعتبارنا زملاء سابقين ومشيت معاهو الحفل وهناك فوجئت من ضمن برنامج الحفلة طلبة غنوا وطنية منها أنا أم درمان ومافي زول كان عارف اني كتبتها غير الأخ منصور أحمد الشيخ.
(7)
وعجبتني الأغنية بعد ما اتلحنت والطلبة قابلوها بصورة طيبة وبعدين منصور وقف قدام الطلبة وقال ليهم دي فرصة طيبة عشان أقدم ليكم مؤلف أنا أم درمان وهو الملازم أول عبد المنعم عبد الحي والزميل السابق .. وقوبلت كلمة منصور بتصفيق شديد خلاني خجلت والكلام غلبني وفعلاً ما قلت ليهم غير أنا شاكر شعوركم الطيب وقعدت.
(8)
ويستطرد الشاعر الكبير عبد المنعم عبد الحي ويقول:(ذهبت للسودان في الإجازة وقابلت بالطبع أحمد المصطفى وعاتبته عشان ما غنى الأغنية كاملة ولكنه قال لي: في الإذاعة رفضوا يوافقوا على الكوبليه الثالث واضطريت أغنيها ناقصة.
الصيحة