أغاني الشجن.. هاشم ميرغني.. “تمثال القلوب المكسورة”

علي الطاهر
الحزن دائماً ما يلازم الفرح، يسيرا معاً حتى في الأغاني وأبيات الشعر، وكثيراً ما فاضت به قريحة الشعراء السودانيين من مفردات باكية مكسورة الجناح تعبر عن حالة حزن عميقة، أو تجربة عاطفية قاسية، وقد تكون ظاهرة للفشل، وفي كل الحالات فإن ألبوم الأغاني السودانية يحتوي عدداً كبيراً من تلك الأغنيات التي تسيل دموعها وتغرق مشاعر المستمعين على غرار الحزن النبيل أو ذاك القديم، وإن كانت هناك أغنيات تجسد الحزن وتفسر حالاته بلحن موسيقي دافئ، فهناك فنانون أصبحوا رمزاً له مثل “الطيب عبدالله” الذي طبع في ذهن المستمع هذه اللونية، فيما بات الفنان الراحل “هاشم ميرغني” تمثالاً للقلوب المكسورة، ومحراباً تتعبد فيه مشاعر “المشوكشين” الذين يجدون في أغنياته الأنس والسلوى التي تغذي أحاسيسهم بكميات كبيرة من الطاقة المعنوية، وهناك أيضاً الفنان الراحل “عثمان حسين” الذي تمتلئ بعض أغنياته بالشجن والحزن..
وتحدث عدد من الشعراء عن حالة الحزن التي تعتصر القصائد أصل الغناء وقال الشاعر “إبراهيم الرشيد” الذي أنتج عدداً من الأغنيات وشكل ثنائية رائعة مع الراحل “إبراهيم عوض” الملقب بالفنان الذري قال في تصريحات صحفية: الحزن دوماً ملازم للفرح، الحياة مد وجزر، دمعة وابتسامة.. والحزن في الأغنية السودانية يرجع إلى الطبيعة والتربية التي نشأ فيها، في السابق كانت سياسة الفصل بين الرجل والمرأة خلقت علاقات صادقة محدودة على عكس اليوم، العاطفة التي تخرج منها كانت صادقة وشفافة فأنتجت العديد من الأغاني الحزينة، والشجن في الأغنية هو حزن رومانسي، والفرح لا يمكن أن يكون جميلاً لولا الحزن..
أما الشاعر الكبير “اسحق الحلنقي” رئيس جمهورية الحب لم يخالف زميله إبراهيم الرشيد، وأكد أن الحزن من تركيبة الشعب السوداني لأنه رقيق وحنون، وفي الغربة تجد أن أكثر الناس الذين يتصلون بأنهم هم السودانيين، هذا الجمال أكد أن المواطن السوداني يحترم أسرته ويفتقدها، وهذا النوع من الترابط القوي في الغربة والفراق وغيرها من هذه الأمور منحت السودانيين نوعاً من الحزن…
فيما يرى الشاعر المرهف “مدني النخلي” أن الأغنية ابنة بيئتها والشاعر بن ظروفه، وأي كلام يكتب من واقع خيالي لا يصمد كثيراً، وكل الأغنيات الحزينة التي ما زالت تعيش بيننا كتبت من واقع معاش وحقيقي.. نحن أبناء بيئة مضغت الآلام حتى علاقتنا العاطفية تنتشر فيها ظاهرة الفشل لأسباب منها مادية، أسرية لذلك ليس غريباً أن تكون أغانينا حزينة، الفرح لا يصنع والحزن أيضاً، ونحن طوع هذه العاطفة حتى الطفل عند ولادته يولد باكياً..
فالحزن عاطفة إنسانية بحتة تناولها “عزمي أحمد خليل” والعديد من الشعراء الذين جسدوا عاطفة الحزن في كتاباتهم، والغريب في الأمر أن أغنية الفرح فردية، أما الأغنية الحزينة جماعية، ولكن للأسف أن في الفترة الأخيرة أن معظم منتجي الأغاني يلجأون عمداً لتكثيف حالة الحزن لاستجداء المتلقي..
ولم تنبت على أرض الواقع الحديث قصائد جديدة حزينة أو أغنيات وارفة الحزن توازي ذلك المنتج الضخم في تلك الحقبة الماضية رغم أن الوضع المأساوي والحالة الاقتصادية والاجتماعية تعد مناخاً ملائماً لولادة أغاني الشجون..
اليوم التالي
المناخ العام الحالي يشكل مناخا ملائما لأغاني السجون وليس الشجون.