أخبار السودان

?مهنة مهددة? هل فعلاً سيفقد مليونا مُعدن تقليدي مهنتهم في ظل انعدام مدخلات الإنتاج وشح (الزئبق)

الخرطوم ? حسن محمد علي
تشير الأخبار الواردة من مناطق التعدين الأهلي للذهب، إلى أن الأوضاع غير مطمئنة، فمشكلات جمة تواجه العاملين في هذا المجال الشاق، ومعضلات بدأت تتسرب لأحد أهم وسائل كسب المعيشة والدخول الاقتصادية، فضلا عن كونها وسيلة بمثابة حائط الصد الحقيقي أمام الغول الطاحن للغلاء الذي يضرب المواطنين بقوة، لكن المهنة الآن مهددة بالانقراض من واقع ما تعانيه من انعدام مدخلات الإنتاج المتمثلة في المواد التي يتم بها استخلاص معدن الذهب ومن دون هذه المواد فإن الإنتاج سيقل كثيرا، ورويدا رويدا ستبدأ الهجرة العكسية من مناطق الذهب إلى أين..؟ إلى المجهول بالطبع، وهو الأمر الذي يبدو أن الحكومة لا تفكر فيه حاليا.
(1)
يرسل معدنون تقليديون التقتهم (اليوم التالي) تحذيرا إلى الجهات المختصة بانعدام وشح ?الزئبق?، أحد أهم مدخلات إنتاج الذهب، في وقت كان فيه مستقرا بصورة كبيرة ومتاحا لهم في الأسواق، ونادرا ما اشتكوا من قلته بخلاف المشكلات الأخرى التي ظلوا يشكون منها على الأقل في جانب ضعف الخدمات، ولا يوجد تفسير لدى (الدهابة) لشح وندرة العثور على الزئبق بصورة مفاجئة، لكن هنالك ما يشير إلى أن المادة الهامة لاستخلاص الذهب دخلت في دهاليز حكومية وباتت إحدى المواد المحتكرة لدى إحدى الشركات بعد أن كانت تستوردها أربع شركات قادرة على تغطية حاجة السوق منها وسهولة الحصول عليها للمعدنين التقليديين.
(2)
انعكاس شح مادة الزئبق وأثره الاقتصادي للكتلة العاملة والتي تمثل أكثر من (80 %) من حجم التعدين بالبلاد ستكون كارثية، فمن جهة تؤدي لتأثيرات على مهنة المعدنين أنفسهم وسيفقد أكثر من مليوني معدن مهنته مباشرة، لأنهم يعتمدون على (الزئبق الأبيض)، حسب رأيهم، فضلا عن الأثر المتعلق بتدني إنتاج الذهب، والذي يقول المعدنون إنهم بدأوا يشعرون به فعليا في حركة الأسواق، حيث يؤكدون أن الأسواق تشهد ركودا كبيرا، وأن العمل شبه متوقف بسبب عدم حصولهم على (الزئبق)، ويبدون قلقهم من فقد مهنتهم في ظل المعطيات الحالية، ويقولون: ?بدأنا نخاف على مهنتنا، فمن جهة هنالك انعدام في المادة التي نستخلص بها الذهب، ومن جهة أخرى لا نملك أي بديل متوفر حاليا في الأسواق?.
(3)
تنص اتفاقية ميانمات باليابان على حظر استخدام الزئبق بحلول العام (2020) لآثاره البيئية والصحية لكنه في الوقت نفسه وحسب المعدنين الآن أصبح محتكرا لإحدى الشركات، وكانت تعمل فيه أكثر من أربع شركات قادرة حسب المعدنين على توفير حاجتهم التي تفوق قدراتها، فالمعدنون يحتاجون لاستخدام الزئبق بأعلى مما قدرته الشركة بواقع (4) أطنان في الشهر، والصحيح أن الأسواق كانت تتحصل على المادة من عدة مناحٍ ليس أقلها دخول المادة عبر وسائل التهريب، ويقول المعدنون إن الحكومة عندما تقوم باحتكار الزئبق لجهة واحدة وهي في ذات الوقت غير قادرة على تغطية حاجة السوق ستفتح الباب لدخوله من أبواب كثيرة.
(4)
عامل آخر من الأهمية بمكان في مهنة (الدهابة) أن سعر الزئبق نفسه ارتفع بصورة كبيرة، حيث ارتفع الكيلو من (1.5- 6) آلاف جنيه، وهو سعر باهظ مقارنة مع تجارة وانتاج الذهب، فالمعدنون يشيرون إلى أن الزئبق فيه فاقد كبير، وقد يضطرون في بعض المرات للعمل به واستهلاكه دون تحقيق أي انتاجية للذهب، لكن رغم غلاء سعره فإنهم يرون في طريقة توزيعه الحالية بواسطة الشركة التي قامت باحتكاره معضلة أخرى، حيث يشيرون إلى أن الشركة لديها وكلاء وتجار يقومون بتوزيعه على المعدنين والمتعاملين في استخلاص وانتاج الذهب بصورة غير عادلة، فضلا عن ارتفاع اسعاره بسبب المضاربات وحاجة المعدنين لاستدامة عملهم، ودخول طبقة كبيرة من السماسرة بين الحكومة والمعدنين تتلاعب هي الأخرى في الأسعار والتوزيع.
(5)
ويبدو المعدنون الآن بحسب حديثهم للصحيفة ملاحقين بتوفير الزئبق حتى يضمنوا استمرارية الإنتاج ودخلهم الاقتصادي، لكن عليهم أيضا حسب ما ذكروا أن يتكبدوا مشاق توفير الزئبق في رحلة طويلة تتطلب ترحيله والعثور عليه من أسواق في العاصمة ومن ثم إلى مناطق التعدين المنتشرة في جميع أنحاء البلاد، وهي رحلة شاقة ومُكلفة حسب رأيهم وسببها الرئيسي عدم قدرة الشركة في توزيع الزئبق بصورة آمنة وميسرة لهم، وهو ما يضع الحكومة في محك ندرة دائمة تتطلب الاستعانة ومنح امتياز استيراد الزئبق عبر عدة شركات لتحقيق الوفرة اللازمة منه لأسواق المعدنين.
(6)
ولا يمكن تجاهل الأمر من الناحية الاجتماعية والوضع المعيشي الذي سيتركه تأثر مهنة المعدنين خاصة في الوقت الراهن الذي يواجه فيه المواطن العامل مشقة في الحصول على مستلزماته المعيشية دعك من مشكلة عطالة، فحوالى مليوني معدن ينخرطون في مهنة حديثة لكنها وفرت عائدا ضخما وغطاء لفجوات اقتصادية بالبلاد سببها خروج النفط، واستطاع التعدين الأهلي تقليل حدة الفقر في مناطق انتشاره، وفتْح أسواق جديدة، فضلاً عن أنه حد من هجرة الريف إلى المدينة وساهم في الصادرات بصورة كبيرة، ووفقاً لبيانات رسمية، فإن التعدين الأهلي على الرغم من مخاطره، إلا أنه استطاع العمل على سد جزء من الفجوة في العملات الخارجية، كما أن حياة الناس تغيرت من الناحية المادية، وساهم التعدين الأهلي في التقليل من نسبة العطالة، وكانت وزارة المعادن تقوم بجولات على مناطق التعدين الأهلي بكل ولايات السودان لتوعية المعدنين حول كيفية استخدام الزئبق لحين إيجاد بدائل له.
(7)
صرخة المعدنين لا يمكن تجاهلها في ظل مناشدتهم لرئيس لجنة الطاقة والتعدين بالبرلمان، وأعضاء اللجنة، فهم جادون حسب حديثهم لـ(اليوم التالي) في عملهم، ويقدمون تضحيات ليس أقلها البقاء لفترات زمنية طويلة بعيداً عن أسرهم وفي مناطق خلوية تخلو من الخدمات الأساسية، كالكهرباء والمياه، ومع ذلك معرضون لخطر انهيار آبار الذهب، فيما يشيرون إلى أن زملاءهم في مناطق متاخمة للحدود المصرية كثيرا ما تعرضوا للمضايقات، ومع ذلك يجتهدون في دعم الاقتصاد الوطني، لكنهم ينوهون لعقبة توفير الزئبق في الوقت الراهن، ويعتبرونها المحك الأساسي الذي تتعرض له مهنتهم ويطالبون الوزارة بسرعة حل معضلة لم تكن كذلك حتى قبل شهور قليلة، والحال كذلك فإن على الوزارة أن تنتبه لاحتياطات الزئبق وطريقة وصوله بصورة آمنة للمعدنين لضمان عدم تسربه بصورة مضرة.

اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..