تعديل يحتاج لتعديل

نبيل أديب عبدالله / المحامي

يسعى المؤتمر الوطني جاهداً لإجراء الإنتخابات في موعدها المحدد في أبريل 2015 لإضفاء شرعية على حكمه لخمس سنوات قادمة، وهو يعلم أنه لن يواجه منافسة حقيقية من الأحزاب المكونة للمعارضة في الشمال النيلي، لأسباب إختلف حولها الطرفان. ففي حين يعزوها المؤتمر الوطني لضعف تلك الأحزاب، تعزوها الأحزاب للمارسات السلطوية التي يمارسها المؤتمر الوطني، والتي تحجب عنها أي وجود فاعل في الساحة السياسية.

أياً كان السبب، فالمؤتمر الوطني على ثقة من أنه سيكسب الإنتخابات التي لن ينافسه فيها أحد. ولكن فوز حزبه بالإنتخابات، لا يطمئن قيادة الحزب الحاكم، بل على العكس من ذلك هو مصدر قلق لها، لأنه سيمنح قوة أكثر للقيادات المحلية التي أصبح نزوعها للإستقلال عن المركز الهاجس الوحيد للقيادة السياسية. تسبب تحول حزب المؤتمر الوطني من حزب أيديولوجي مهمومٍ بخياراته الفكرية، إلى حزب يهدف للمحافظة على السلطة، في تغيير كيفي في عضويته، فأصبحت تتشكل بشكلٍ أساسيٍ من المجموعات التي تتحلَّق حول السلطة لإرتباط مصالحها بها.

تسبب ذلك في أن يفقد مركز الحزب السيطرة على العضوية في الهامش، التي تحول ولاؤها لمراكز السلطة الأقرب لها، والتي وفرتها الفيدرالية. وخلق ذلك بدوره نزعةً إستقلاليةً لدي حكام الهامش، الذين إستقووا بتلك الولاءات على المركز. الإستعاضة عن عملية إنتخاب الولاة بتعيينهم سيضمن خضوعهم للمركز، ولكنها في نفس الوقت ستؤدي للإطاحة بالفيدرالية.

ولكن ما المشكلة في ذلك ؟ لم تكن الفيدرالية هي خيار المؤتمر الوطني لمخاطبة ما تعج به البلاد من تنوع ديني وثقافي وعرقي، وانما كانت علاجاً لمسألة تطبيق الشريعة في الشمال، وإستثناء الجنوب من تطبيقها. الدساتير الفيدرالية عادة تلبي مطالب الولايات المكوَّنة للدولة، كالدستورين الأمريكي والأسترالي اللذين كانا نتاج مؤتمرات فيدراليةٍ. ولكن دستور 2005 هو دستور قرر فدراليته طرفان إنصب إهتمامهما على المستويين فوق الولائي، وهما مستوى جنوب السودان، ومستوى الحكم القومي. لذلك تم قص أحكامه الفيدرالية من دساتير أخرى، وإلصاقها بدستور يحكم ولايات مجهولة العدد، والأسماء، والعواصم، والحدود الجغرافية. وترك الدستور كل ذلك ليحدده مجلس الولايات، الذي آثر أن يترك ذلك بدوره لدستور 1998م ، ولم يتدخل فيما تلى ذلك من تبديل.

المشكلة بالنسبة للمؤتمر الوطني ليست في الفيدرالية بل في الإستحالة العملية لإنجاز ذلك التعديل. فتعديل الدستور حسب المادة 224 (1) منه، يتتطلب شرطين الأول هو موافقة ثلاثة أرباع مجموع عضوبة كل من مجلسي الهيئة التشريعية، في اجتماع منفصل لكل منهما، والثاني هو ما نبه له الأستاذ عثمان ميرغني في الأسبوع الماضي وهو أن يُقدم مشروع التعديل قبل فترة شهرين على الأقل من المداولات. حسب لائحة المجلس فإنه يعقد دورتي انعقاد كل عام تبدأ الدورة الثانية في يوم الاثنين مـن الأسبوع الأول من شهر أكتوبر، وتنتهي في يوم الأربعاء من الأسبوع الأخير من شهر ديسمبر من ذات العام. أي ان الدورة الأخيرة للمجلس ستنتهي قبل إنتهاء فترة الشهرين المتطلبة لبدء مداولات المجلس في مقترح تعديل الدستور. ورغم أن رئيس الهيئة التشريعية القومية قد صرح بأنه لا توجد سلطة لرئيس الجمهورية، أو المجلس الوطني، لتمديد أجل البرلمان عن الفترة المحددة له، مما يعني القضاء المبرم على التعديل، إلا أن ذلك غير صحيح،لأن لائحة المجلس تجيز للمجلس أن يقرر مد دورة الانعقاد. ولكن ذلك لن يحل المشكلة، فقد أعلنت المفوضية القومية للإنتخابات الجداول الزمنية لبدء العملية الإنتخابية، والتي بدأت بالفعل في 28 أكتوبر بمرحلة فتح ونشر سجل الناخبين على أن تكتمل هذه المرحلة في 30 ديسمبر القادم، بنشر السجل النهائي للناخبين. فيما يبدأ تقديم طلبات الترشيح في 31 ديسمبر، وتستمر لمدة أسبوع . وستبدأ الحملات الإنتخابية يوم الجمعة 13 فبراير حتي 30 مارس 2015م. ثم تبدأ عملية الاقتراع في الثاني من أبريل 2015م. وهذا يتطلب عودة اعضاء المجلسين لدوائرهم لإكمال إجراءات الترشيح، والبقاء فيها، في نفس الموعد المقرر لإنتهاء الدورة. الأغلبية المتطلبة لإجازة التعديلات تتطلب على الأقل حضور ثلاثة أرباع عضوية كل مجلس، على أن يدلوا جميعاً بأصواتهم لصالح التعديلات. و حضور الجلسات يبعد أعضاء المجلس من الولايات عن دوائرهم الإنتخابية، في وقت هم في أشد الحوجة للبقاء فيها. فهل ستعيد المفوضية القومية للإنتخابات ترتيب الجداول الزمنية الخاصة بالعملية الانتخابية؟ وعلى أي أساس تفعل ذلك، وهي هيئةٌ مستقلةٌ صَّرحت مراراً وتكراراً بأنها لن تقبل تأجيل الإنتخابات؟ أم يتم تعديل الدستور بإلغاء المادة 224 لإجازة التعديل المطلوب واللحاق بإنتخابات أبريل؟ ولكن ألا يتطلب إلغاء المادة 224 نفس الزمن ونفس الأغلبية؟ نحن لانعلم كيف سيتم علاج ذلك، ولكننا نعلم، بحسب تجاربنا مع المؤتمر الوطني، أن الإنتخابات ستجرى في أبريل، وأنها لن تشمل إنتخاب للولاة.

الميدان

تعليق واحد

  1. منذ متى كانت الحكومة حريصة على تطبيق القانون او الالتزام بنصوص الدستور؟ ومنذ متى كان الكيزان يحتكمون الى الشريعة التي يقولون انهم جاءوا للإحتكام بها؟ هؤلاء القوم هدفهم الحكم والسيطرة على مقدرات البلاد تنفيذا لتنظيم دولي يرى ان السودان هو الدولة الوحيدة التي نجحوا في السيطرة على الحكم فيها وبالتالي هم يكتبون الكتاب والقانون بأيديهم ويقولون هو من عند الله وهو من الشريعة ثم لا يلتزمون به .. ولا حتى مجلس فقههم و لا مجلس علمائهم يستنكر عليهم شيئاً .. ولا حتى يطالبهم بالانصياع الى حكم الله او الوفاء بتعهداتهم..
    والكيزان على رأي رئيسهم الترابي يعتمدون على سياسة اليهود التي تقول اعمل ما تريد ولا تلتفت الى الآراء المعارضة لأن ا لناس سرعان ما تنسى المسالة المعترض عليها وان الزمن كفيل بتغيير قناعات الناس..

    يعنى بإختصار لا تحاججهم بالقانون ولا بالشريعة ولا بأي نصوص دينية فإنهم قوم مُكر.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..