كلنا عملاء لإسرائيل!

غادة السمان
لا أعرف بلداً سعيد الحظ بأعدائه كإسرائيل! إنها نظرياً محاطة بالأعداء أما على الصعيد العملي فإن «الأعداء» ـ أي نحن ـ يقدمون لها الخدمة تلو الأخرى ويشغلون الجيل الجديد بالاقتتال الذاتي نيابة عنها ويقومون بنبش كتب التاريخ لإحياء أبشع ما فيها من فتن (كالفتنة الكبرى) مع (تحشيش) فكري ضد العقلانية. وبوسع إسرائيل وشعارها «من النيل إلى الفرات أرضك يا إسرائيل» تسريح جيشها لأن مسلحينا أو معظمهم يتولون قتل بعضهم بعضاً بالنيابة عنها وتدمير الذات العربية بعد خلخلتها من الداخل فكرياً وحضارياً وعصرياً مستقبلياً.
من زمان كان ثمة ما يدعى بـ»جيش الإنقاذ» العربي لمواجهة إسرائيل ومحاربة «الهاغانا» والصهاينة وتحرير فلسطين بقيادة فوزي القاوقجي واليوم هنالك «جيش إنقاذ اسرائيل» يضم بعض الجنسيات العربية والأخرى.. ومهمته تدمير الوطن العربي والحلم العربي.
ونسينا فلسطين وصار للوحدة العربية أيتام مثلي.
ثم ماذا؟ نهرب إلى الغرب بدلاً من جعل أوطاننا أماكن صالحة للحياة فيها.
مسلم زنجي جميل الخلق والإنسانية
واليوم لا مفر للعربي المسلم الذي يعيش في الغرب من التحلي بالصبر كي لا ينفجر أمام نظرات الشك الريبة التي يحيطه بها الجيران ورفاق العمل.. نظرات تساهم في تغذيتها الأفلام والمسلسلات الغربية المتلفزة، ويلعب المسلم فيها ـ للأسف ـ دور الشرير (الأعظم) ـ الهمجي بليد الإحساس نحو حياة البشر عامة والنساء خاصة ـ والحضارات التي يتسول بطاقة إقامة في ربوعها!
ولذا سرني حقاً أن أرى على شاشة التلفزيون الفرنسي فيلماً اسمه «روبن هود» من إخراج كيفن رينولدز وتمثيل كيفن كوستنر وإلى جانبه الزنجي مورغان فريمان الذي يلعب دور المسلم. وعبره شاهدت ربما للمرة الأولى في السينما الهوليوودية صورة جميلة قريبة من الحقيقة الداخلية للإنسان المسلم ولجوهر معتقده وحضارته، صورة تختلف تماماً عن صورة ذلك الإرهابي القاتل مضطهد النساء الذي نراه في معظم الأفلام والمسلسلات البوليسية الغربية، إنها صورة تختلف عن تلك (البشعة) النمطية للمسلم.. صورة لمسلم تقارب حقيقة روح الإسلام: مقاتل بارع عظيم الوفاء يحترم كلمته، وعلى درجة كبيرة من الرقي العلمي الذي سبق به الغرب وذلك بالذات أجمل ما في الأمر، بينما تنسى بعض المسلسلات والأفلام العربية في هذا الحقل الإشارة إليه غارقةً في تفاصيل فولكلورية هرائية ومملة.
مسلم في بلاد الغرب (الصليبي)!
ما الذي جاء بذلك المسلم الزنجي مع المسيحي (كما يناديه) إلى الغرب؟ إنها الحرب الصليبية حيث أنقذ النبيل الارستقراطي روبن دو لاكسلي، حياة المسلم وهربا معاً من الحروب الصليبية.
لماذا يلتصق المسلم مع (روبن)؟ لأن التقاليد الإسلامية كما يقول تقضي بأن ينقذ بدوره حياة منقذه المسيحي ليصير حراً من دَينه الأخلاقي. وحين يصلان إلى (إقطاعية) روبن في إنكلترا يتعاونان معاً على تحرير الفقراء من ابن الساحرة الشريرة المهيمن على الحكم وهاجسه في غياب الملك ريتشارد «قلب الأسد» جمع الضرائب والمال ولو جاع الناس.. وينتصران حين يتحالف الارستقراطي مع الشعب ومع حليفه المسلم الذي ينقذ حياة (المسيحي) ـ كما يناديه طوال الفيلم ـ ويقول له بعدها: صرت الآن حراً بعدما رددت دَيني لك وسأعود الآن إلى قومي ووطني.
الرقي العلمي الذي كان الغرب يجهله
الزنجي الجميل المسلم، يرفض شرب الخمرة مع رجال روبن هود حين كانوا يحتفلون بإنقاذه لحياة زوجة (مسيحي صليبي) بما لديه من معارف متقدمة في الطب، سبقت الحضارة الإسلامية بها الغرب بقرون.. ويكتشفون عبره المنظار المكبر الذي يستطيع به أن ينذرهم بقدوم أعداء لهم لا يرونهم بالعين المجردة.. كما أن ذلك (المسلم) يعلمهم صناعة السيوف ويشير على روبن بأنه لا يستطيع مقارعة الظالم الذي شنق والده إلا بدروس لأعوانه في القتال بدلاً من الاكتفاء بالسرقة من السارق.. ويعلمهم فن المجابهة للظالم بالقتال.
نعم. أنا أصولية!!
ترى، هل قامت مهرجانات السينما العربية بتكريم ذلك المخرج الغربي «كيفن رينولدز» وأمثاله (من النادرين الذين يحترمون العطاء الإسلامي التاريخي الحضاري) في مهرجاناتها كلها بدلاً ممن لا ينفعنا ولا يحترمنا؟
ولماذا نقوم كعرب غالباً (بتدليل) من لا يكترثون بنا حقاً ولكنهم «نجوم»؟ وذلك ينسحب أيضاً على المجالات الفكرية والأدبية والفلسفية.
لماذا لا نشجع من ينحاز إلينا بذكاء وحنكة فنية دونما سوقية ونتهالك على تدليل (نجوم) سبق لهم دعم إسرائيل مالاً وحضوراً؟
لماذا لا نحتفي بمن يرسم الإنسان العربي الجميل وعطاءاته الحضارية البناءة وفضائله من علمية ونهضوية وعقلانية ونشجعه، ولماذا نباهي بحضور تلك النجمة أو ذاك النجم الذي سيكون غداً سعيداً بدعوة له من تل أبيب؟ ومتى نتعلم مصادقة من يصادقنا ونكف عن معاداة من يصادقنا أو الاستخفاف به.
نعم أنا (أصولية) في تعصبي للحقيقة التي ترسم جماليات الروح الأساسية الاصيلة والتي تم التعتيم عليها للأسف بفضل ممارسات بعض (المتأسلمين). وسطوة «اللوبي» الصهيوني الهوليوودي.
تيار إيجابي لم نحتضنه!
بعدما شاهدت الفــــيلم اكتشفت أنه يعود بتاريخـــه إلى ما قبل حوالي ربـــع قرن (1990) ولعــــله كان بداية ســـينمائية لتيار يحترم العربي والمسلـــم لم نتنبه له أو ندعمه وهــــو تقصير لا مفر من الاعتراف به وبسواه وفي حقول عديدة فكرية وإعلامية..
ونحن في انتظار رســــالة شــكر من إسرائيل بصفتنا نعمل لأجلها (أو بعضنا بدون أن يدري، ولا حليف لها مثلنا في الحقول كلها!
القدس العربي