أزمة شخوص..!

كلما تأملتُ الواقع السوداني، ازددتُ يقيناً بأن ما تمت كتابته ? حتى الآن – من أفكار ومقترحات لحل الأزمة السودانية كفيلة في نظر الكثيرين بإنهاء تعقيدات المشهد الاقتصادي والسياسي والأمني، شريطة أن تتوفر الإرادة السياسية، وخاصة لدى من بيدهم مقاليد الأمور، وأعني المؤتمر الوطني.

الشاهد أن الحوار الوطني على علاته، وهوانه عند كثيرين، وعلى الرغم من أنه جاء في أجواء خانقة وغير مشجعة على النقاش بسبب غياب الحريات، إلا أن مخرجاته احتشدت بإشراقات كبيرة، ما كانت متوقعة عند الكثيرين، خاصة أن غالبية الذين جاؤوا إلى قاعة الصداقة ـــــ حيث حوار الوثبة ـــــ كانت أعينهم على كيكة السلطة. وربما هذا ما جعل أحلام الناس تتقازم في رؤية وصفة حاذقة تقود إلى تفكيك دولة الحزب الواحد لصالح دولة القانون، ودولة الحريات والعدالة والديمقراطية.

وبالطبع وكما تعلمون أن مخرجات الحوار الوطني وجدت الثناء من تشكيلات سياسية راسخة، على رأسها حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، ولكن مع ذلك لا تلوح في الأفق أيّ بادرة جادة لحل أزمة السودان، ذلك أن الحوار الوطني تحوَّل إلى محاصصة لإرضاء الذين تسابقوا إلى طاولة الكيكة، على الرغم من جودة كثير من المخرجات التي حوتها الوثيقة الوطنية. وهو ما ضاعف من إحباط الناس، وجعلهم يشعرون بخيبة أمل شديدة، بعدما شعروا بضياع الفرص والسوانح واحدة تلو الأخرى.

الثابت أن المحاولات الفكرية الرصينة الساعية لإنهاء الضوائق المعيشية، ولإرساء السلام، وإعادة الهيبة إلى الجنيه السوداني لم تنقطع، ففي كل مرة تظهر أطروحة متمساكة وجادة تجترح مساراً لحل الأزمة السودانية. ومؤخراً وقعت في يدي واحدة من أبرز تلك المحاولات، خطها المهندس الشيخ أزهري النجار، بعدما أدخل عينة من الحالة السودانية إلى مختبر التشريح، وتفحّصها بعين حاذقة، وعكف بعدها على كتابة روشتة شاملة من داخل معتكفه الفكري، فكانت الحصيلة سلسلة إصدارات بلغت العشرين كتاباً، تناولت التعقيدات السياسية والفكرية والأمنية والاقتصادية، ولم تغفل الجانب المجتمعي، حيث ناقشت الأزمات المجتمعية بصورة تفصيلية وجريئة، واقترحت لها حلولاً تبدو فعالة بدرجة جيدة.

والنجار لمن لا يعرفونه هو الأمين العام لحركة البركة، التي تطرح رؤية كاملة أجابت على أمهات القضايا، دون أن ترهن تنفيذ تلك الرؤية بوجودها في الحكم والسلطة، كحالة وقناعة نادرة ربما لم تتوفر لأيّ فصيل سياسي أو فكري. ذلك أن قادتها يرون أنهم مهمومون بالإجابة على سؤال “كيف يُحكم السودان؟”، لا من يحكم السودان. وربما لهذا أظهروا زهداً في السلطة، فلم يطرقوا أبواب السلطان. والمثير للانتباه هو أن الديباجة التأسيسية لحركة البركة ترفع شعاراً مزيجاً من تيارات واتجاهات فكرية لا تجمعها مرجعية واحدة. وهو ما يرى مُنظِّر وعراب الحركة المهندس الشيخ أزهري النجار أن فيه يكمن سر الحل، وسر الوصفة القائدة لوضع حد لأزمات البلاد، والقائمة بصورة رئيسة على الثنائية المبدعة الخلاقة، دون إقصاء، أو تحيُّز صارخ، أو انحياز أعمى لفكرة.

قناعتي أن الأطروحات المبذولة لإنهاء المشكلة السودانية تتجاسر على العد، وتستعصي على الإحصاء، فهناك أيضاً بعض التشكيلات السياسية المعارضة ترفع برنامجًا متكاملًا يأتي تحت لافتة “البديل الديمقراطي”، ينتظر تهيئة المناخ لابتدار وإجراء حوار حقيقي، ومثلها يفعل تحالف القوى الوطنية للتغيير، الذي أنهى كتابة رؤيته لحل التعقيدات السودانية، وهو ما يبرهن على أن الأزمة لا تكمن في النصوص، وإنما في الشخوص..!

الصيحة