مقالات وآراء سياسية

القوى المدنية السودانية والحرب المدمرة

عبدالغفار محمد سعيد
تجاوز عمر الحرب المدمرة بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان ومليشيا الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو حميدتى أكثر من سنة منذ اشتعالها في منتصف أبريل 2023م ، مما أدى حتى الآن لسقوط نحو 15 ألف وخمسمائة قتيل وأكثر من 6.8 مليون نازح داخل البلاد و 2 مليون لاجئ فى دول الجوار بينما يحتاج 24.8 شخص أي نصف سكان البلاد الى مساعدات انسانية عاجلة وفقا للأمم المتحدة. ووسط استمرار المعارك في الفاشر منذ أسبوعين ، أكدت منظمة “أطباء بلا حدود” أن 134 شخصًا قتلوا في مدينة الفاشر التي تقع في إقليم دارفور غرب السودان ، والذي شهد قبل فترة عملية إبادة جماعية لقبيلة المساليت قامت بها قوات مليشيا الدعم السريع. ما يعقد هذه الحرب اكثر والتي تعتبر احد اسواء الازمات على مستوى العالم ، هو دور لأطراف إقليمية فيها عن طريق دعم احد أطرافها ، حيث تعتبر دولة الامارات المتحدة الطرف الإقليمي الأكثر تورطا في دعم مليشيا الدعم السريع . وحسب د. البدوي إن التدمير الممنهج للبني التحتية تسبب في خسائر فادحة للاقتصاد القومي ، وتوقع ان تتزايد الخسائر في ظل تعنت طرفي الحرب في إيقاف استنزاف الارواح وتدمير الاقتصاد المتهالك بسبب السياسات الفاشلة لوزير مالية الانقلاب الذى نفذه الجيش و مليشيا الدعم السريع قبل الحرب ، وسيحتاج الاقتصاد لسنوات طويلة لاستعادة عافيته “واكد وزير المالية الاسبق دكتور إبراهيم البدوي ، إن الضرر في البنية التحتية في المناطق الثلاث الأكثر تضرراً من الحرب ، وهي الخرطوم ودارفور وكردفان ، تبلغ قيمته 60 مليار دولار أو 10% من قيمة البنية التحتية الإجمالية ووفقاً لتقديراته فقد ينخفض الناتج المحلي الإجمالي هذا العام 20%. واضاف إذا توقفت الحرب فسيكون السودان في حاجة لدعم اقتصادي عاجل بين 5 و10 مليارات دولار لإنعاش الاقتصاد لافتا ان استمرار الحرب سيؤدي إلى تدمير الاقتصاد والدولة السودانية.”1 ارتفعت الكثير من الأصوات الوطنية بنداء ضرورة اصطفاف القوى المدنية في جبهة واسعة وخاصة بعد انقلاب أكتوبر 2022م والذى نفذه الجيش ومليشيا الدعم السريع ضد الحكم المدني في الفترة الانتقالية وفى اتجاه التحول المدني الديمقراطي ذلك النداء الذى كان يستقرأ التاريخ والتجارب وعلى الرغم من ان معظم القوى السياسية ظلت تردده إلا انها من الناحية العملية لم تكن تبذل جهد حقيقي لبناء تلك الجبهة ، بقصور نظر ميز القوى السياسية السودانية خلال التاريخ الحديث في انها تفكر في كيفية نيل المكاسب الانية في السلطة ، ولا تفكر في مستقبل البلاد ومصير التحول المدني الديمقراطي بصورة استراتيجية. وحتى بعد اشتعال هذه الحرب المدمرة بكل ويلاتها وخسائرها البشرية والمادية الفادحة حيث انهارت الدولة والسودان يكاد يسقط بصورة كاملة في المجهول ، رغم كل هذه الظروف لاتزال القوى المدنية السودانية قوى الثورة غير موحدة في جبهة واحدة واسعة لإيقاف الحرب وفتح الممرات الامنة وانقاذ ملايين السودانيين الذين يعانون من الجوع والرعب والموت والدمار والتشرد. يبدأ يوم الاثنين 27 مايو 2024م المؤتمر التأسيسي لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية “تقدم”، بالعاصمة الإثيوبية إدريس أبابا ويناقش المؤتمر الذي سيستمر حتى تاريخ 30 مايو الجاري قضايا الحرب وما ترتب عليها من أوضاع إنسانية حرجة ويجيز الرؤية السياسية والنظام الأساسي والهيكل التنظيمي وينتخب أعضاء الهيئة القيادية الذين بدورهم ينتخبون رئيسها والمجلس التنفيذي. وكان البيان التأسيسي للجبهة المدنية لإيقاف الحرب واستعادة الديمقراطية نص على “العمل على إيقاف الحرب فوراً ، وإسكات صوت البنادق ، والسعي لتوفير الاحتياجات الإنسانية والصحية والخدمية والبيئية العاجلة للمواطنين والمناطق المتأثرة ، العمل على استعادة مسار الانتقال المدني. الديمقراطي الشامل الخروج الكامل للمؤسسة العسكرية من الحياة السياسية والاقتصادية ، الإصلاح الأمني والعسكري ، وبما يقود لجيش مهني موحد ، عبر مسيرة سلمية وتحت مظلة مشروع انتقالي مدني وطني ديمقراطي”2” هذه مجهودات عظيمة لا يستهان بها إذا كانت في اتجاه تجميع قوى الثورة السودانية في صف واحد من اجل إيقاف الحرب ، واستعادة مسار الثورة في اتجاه التحول الديمقراطي ، ولكن ما يشكك في الامر شيئان الأول الاتفاق الذى عقدته تقدم مع مليشيا الدعم السريع بتاريخ 8 يناير 2024م ، بينما ترتكب هذه المليشيا تصفية عرقية وجرائم ضد الإنسانية ، ثانيا ان القوى الأساسية التي تشكل دعم هي في الأصل كانت الأحزاب الأربعة التي تبقت من القوى التي وقعت على ميثاق الحرية والتغيير وهى (حزب الأمة القومي ، حزب المؤتمر السوداني ، وحزب البعث والتجمع الاتحادي الديمقراطي) ، والتي ارتكبت أخطاء فادحة في الفترتين الانتقاليتين الأولى والثانية ، ذلك انها لم تلتزم حتى بالوثيقة الدستورية رقم قصورها واخطائها وثم انه لا توجد ضمانات في انها لن تدخل في مغامرة جديدة بالتحالف مع طرفي الحرب في سبيل احتكار السلطة . لذلك تحتاج قوى الثورة خارج تقدم خاصة لجان المقاومة الموقعة على الميثاق الثوري لضمانات حول هذا الامر. أصدرت لجان مقاومة السودان (الموقعة على الميثاق الثوري لسلطة الشعب) ، رؤيتها السياسية لإنها الحرب بتاريخ 10 أكتوبر 2023م ، حيث تعرضت الرؤية الى “أسباب الحرب والصراع المسلح ، وتحدثت عن مليشيا الدعم السريع وعن القوات المسلحة السودانية وعن جهاز الامن والمخابرات ، كما طرحت الأولويات الاجتماعية العاجلة ومالات وسناريوهات طول امد الحرب وتوسعها ، كما أوردت خطة لإنها الحرب”3. أصدرت لجان مقاومة السودان والقوى الموقعة على الميثاق الثوري لسلطة الشعب بيانا بتاريخ يوم الاحد 26 مايو 2024م موجها الى تقدم ورد فيه” انهم قدموا رؤيتهم النقدية لاتفاق تقدم مع مليشيا الدعم السريع باديس ابابا في يناير 2024م ، ولكن حتى الان وقد مضى عليه ما يقارب الخمس اشهر على طرحهم الرؤية النقدية لتقدم لم يتلقوا ردا حتى الان لذلك يحق لهم ان يتسألوا عن جدوى التوقيع على اعلان سياسي لوقف الحرب وحماية المدنيين مع مليشيا الدعم السريع بينما هي تواصل في حربها على المدنيين”4 توجد مجموعة أخرى باسم الالية الوطنية لدعم التحول المدني الديمقراطي ، هذه المجموعة تسعى لتوفير منصة تلتف حولها كل قوى الثورة (جبهة عريضة) ، ومكوناتها ، ولا تطمح هذه المجموعة للاشتراك في السلطة في الفترة الانتقالية ، وتتكون من “المنبر الموحد للجامعات السودانية ، المنصة الوطنية ، الالية القومية لحل الازمة الوطنية ، مكونات نقابية ومهنية ، حركة كاد للتنمية والسلام ، شركاء التغيير والمستقبل ، حركة 27 نوفمبر ، لجنة اسر الشهداء وقيادات شبابية من لجان المقاومة” من ناحية أخرى كانت هناك 48 كتلة وقوى سياسية ومدنية سودانية قد وقعت الأربعاء الموافق 08 مايو الجاري على ميثاق في القاهرة لحل الأزمة السودانية والتأسيس لمرحلة انتقالية في البلاد ، وإجراء حوار سوادني – سوداني لتحديد شكل ونظام الحكم ، واهم الموقعين هم كلٌ من رئيس الكتلة الديمقراطية ونائب رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي جعفر الميرغني ، ورئيس حزب الأمة مبارك الفاضل المهدي ، ورئيس حركة تحرير السودان مني أركو مناوي ، ورئيس حركة العدل والمساواة جبريل إبراهيم ورئيس كتلة الحراك الوطني التجاني السيسي ، وكيانات أخرى. “واقر الميثاق إجراء حوار سوداني – سوداني دون إقصاء ، والدعوة إلى آلية دولية وإقليمية لحل الأزمة ، ضمن فترة انتقالية تأسيسية ، ومخاطبة جذور الأزمة عبر مؤتمر دستوري لحسم نظام وشكل الحكم والهوية ، وإنشاء عقد مجتمعي ودستور دائم يستفتى فيه الشعب”.5 كانت معظم أحزاب وحركات هذه المجموعة الأخيرة قد ساندت انقلاب الجيش ومليشيا الدعم السريع على الفترة الانتقالية في 25 أكتوبر 2022م وقد اقامت اعتصام امام قصر قائد الجيش البرهان مطالبة له باستلام السلطة اطلق عليها الناشطين السياسيين الثوريين اسم مجموعة (اعتصام الموز). هذه المجموعة لا تمانع في الدخول في تحالف مع الجيش والمليشيا لاقتسام السلطة كما انها لا تمانع في اشراك النظام الاسلاموى السابق في السلطة. هذه المجموعة تعتبر حاضنة سياسية للثورة المضادة. هكذا يبدو المشهد السوداني قاتم ولا يدعو للتفاؤل، ذلك ان القوى المدنية مقسمة بين قوى الثورة التي تتخندق في اكثر من جبهة ، رغم ظروف الحرب والدمار ، من هنا ندعو القوى الثورية السودانية لجمع الصفوف والالتفاف حول اهم مهام المرحلة وهى وقف الحرب وفتح الممرات الامنة من اجل إغاثة الشعب ووقف الموت المجاني. وبما ان قضية وقف الحرب تتطلب مفاوضات بين الجيش ومليشيا الدعم السريع وكذلك تفاوض القوى المدنية مع الجيش ومليشيا الدعم السريع ، وبما ان القوى المدنية السودانية لا تملك قوى عسكرية للفصل بين القوات والاشراف عليه بعد توقيع اتفاق وقف اطلاق النار ، هنا يأتي دور الاتحاد الأفريقي ، في الفصل بين القوتين. كل يوم جديد يمر تلتهم هذه الحرب أرواح مواطنين سودانيين ، كما يموت البعض من الجوع ، وتتحطم المزيد من البنية التحتية ، على قوى المدنية السودانية تحمل مسئوليتها التاريخية والانصياع الى صوت العقل والحكمة والاصطفاف في تحالف جبهوى واسع من خلال عقد مائدة مستديرة يتم الاتفاق فيها على مشروع وطني يعالج قضايا إيقاف الحرب والسلام ويفضى الى فترة انتقالية تشرع في معالجة الجزور المسببة للحروب والنزاعات في السودان ، وتفضى الى نظام دستوري يساوى بين المواطنين في الحقوق والواجبات ، ويذهب نحو التنمية المتوازنة والفرص المتساوية في الاستفادة من موارد البلاد .

1- وزير المالية الاسبق دكتور إبراهيم البدوي – صحيفة مداميك بتاريخ 27 مايو 2024م.
2-جريدة الراكوبة السودانية.
3-صفحة الميثاق الثوري لسلطة الشعب بالفيسبوك.
4-صفحة الميثاق الثوري لسلطة الشعب بالفيسبوك.
5-جريدة سودان تريبون السودانية بتاريخ 08 مايو 2024م.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..