ملف خارجية الانقلاب.. بين المصالح الذاتية وفقدان البوصلة

نزار مكي
قبل الانقلاب شهدنا تنازل السلطة التنفيذية المدنية بكل أريحية عن اهم ملفاتها لصالح العسكر فكان ملف السلام بيد حميدتي و الكباشي، وكانت النقلة في العلاقات مع اسرائيل بتحرك البرهان منفردا ولقاء نتنياهو في يوغندا. بعد أن قام البرهان بمد الجسور مع اسرائيل عمد حميدتي الي تمتين تلك العلاقة، ولا ننسى هنا الدور الإماراتي أيضا، والذي له علاقات خاصة مع الدعم السريع.. وبالطبع ينال الجيش /المكون العسكري نصيب في استثمار تلك العلاقات مع اسرائيل والإمارات الي درجة ان تكون اسرائيل وسيط تلجأ اليه أمريكا في تعاملها مع الانقلاب لما لها من تأثير على قادته.
لعل هذه التشوهات تمثل امتدادا لسياسة الإنقاذ الخارجية والتي جعلها الحصار الدولي تتعامل مع الخارج تحت الضغط والمصالح الآنية وبدون اي مستوى معبر عن دولة بها مؤسسة تسمى وزارة الخارجية، بل وبدون اعتبار لأي مؤسسة يتداخل نشاطها مع جهات خارجية. العلاقات مع إيران تم نسفها من داخل قصر البشير وفي ذات الوقت تمت المشاركة في حرب اليمن إلى جانب السعودية والإمارات، ليخرج مهندس ذلك التحول معززا مكرما ويتسلم منصبه مستشارا لولي العهد السعودي، بعد حرب مخابراتية انتهت بخنوع عصابة الإنقاذ وخروج أحد افرادها الي حيث يشاء حاملا معه كل تفاصيل دولة الإنقاذ. ويستمر الاستثمار في حرب اليمن على نحو تعود فوائده الي الجيش والدعم السريع ثمنا للدماء التي تراق فداءا لدماء سادة التحالف..
هذا المشهد يوضح ان هناك ملفات تراعي مصالح خاصة محددة وتفتقر الي اي رؤية وطنية وهذا أمر طبيعي في دولة اللا دولة، التي تحركها مصالح أفراد او جهات باسم الدولة. وبما ان الانقلاب منذ دقائقه الأولى دخل في مأزق لا يزال يعيش ضوائقه، فقد اضطر الي السير في اتجاه معاكس تماما لمصلحة السودان فعادت البلاد الي العزلة التي انعكست آثارها فورا على الوضع الاقتصادي وتمت إعادة تثبيت صورة دولة القمع والقتل ومصادرة الحريات. زادت عزلة الانقلاب بعد أن اقتصر الدعم الخليجي على الفاتورة المستمرة على المشاركة في حرب اليمن والتي تذهب إلى الجيش والدعم السريع. ليكون هذا هو الوجود الدولي لحكومة الانقلاب وتغلق بقية أبواب العالم الا من زيارات في إطار (مبادرات حلول) تلتقي كلها مع مجهودات ممثل الأمين العام ورئيس بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الفترة الانتقالية في السودان فولكر بيرتس الذي أكد على دوره كمسهل بين الأطراف السودانية، وقد خرجت تظاهرات داعمي الانقلاب تطالب بطرده.
لم يجد الانقلاب دعما دوليا حقيقيا وأتى على كل ما تم إنجازه خلال الفترة السابقة على مستوى العلاقات الخارجية، وقطع الطريق على كل ما كان مخطط له لينعكس ايجابا على البلاد. وكما كنا نتابع زيارات البشير الخارجية التي تأتي بلا مردود نتابع الان زيارات النائب الأول التي لا نرى لها أي عائد الهم الا إذا كان ذلك يرتبط بالدعم السريع فقط. نرى الان بوضوح ان سلطة الانقلاب فاقدة للبوصلة داخليا وخارجيا وتستمر حالة التوهان باستمرار هذا الوضع الذي قطع الطريق أمام عملية ترميم علاقات السودان الخارجية.
مداميك