شهر من الحرب.. إراقة الدماء تتواصل في أوكرانيا رغم التصدع الروسي

أعلن حاكم منطقة لوغانسك، الخميس، مقتل أربعة أشخاص على الأقل، بمن فيهم طفلان، وإصابة ستة آخرين جراء قصف روسي ليلي في شرق أوكرانيا في الوقت الذي ستوجه فيه الدول الغربية تحذيرا إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أن بلاده ستدفع تكاليف “مدمرة” لغزو أوكرانيا خلال ثلاثة اجتماعات قمة اليوم.
وقد بدأ زعماء غربيون التجمع في بروكسل لبحث مزيد من الإجراءات الرامية للضغط على بوتين لوقف حملته المستمرة منذ شهر.
وقال بوتين، ردا على العقوبات الغربية التي ألحقت أضرارا جسيمة بالاقتصاد الروسي وجمدت أصول بلاده، إن موسكو تخطط لتحويل مدفوعات إمدادات الغاز إلى الدول “غير الصديقة” للروبل، في خطوة أثارت انزعاج الأسواق الدولية.
وفي مؤشر على حدوث تصدعات في صفوف موسكو، قال مصدران إن أناتولي شوبيس أحد مساعدي بوتين المخضرمين استقال بسبب حرب أوكرانيا وغادر روسيا بلا نية للعودة، ليكون بذلك أول مسؤول بارز يختلف مع الكرملين منذ شن بوتين الحرب في 24 فبراير.
ورغم تعثر القوات الغازية في بعض المناطق وإحباط المقاومة الأوكرانية آمالها في تحقيق نصر سريع، واصلت المدفعية والطائرات الحربية الروسية قصفها للعديد من المدن بينما احتمى المدنيون بملاجئ تحت الأرض.
تقول كاترينا متكيفيتش (38 عاما) التي وصلت إلى الحدود البولندية مع طفلها بعد أن فرا من القصف العنيف على مدينة تشيرنيهيف في شرق أوكرانيا: “لم أشهد من قبل مثل هذه الوحشية”، مشيرة إلى أن المدينة “دُمرت عن آخرها”.
ووصل الرئيس الأميركي جو بايدن، الأربعاء، إلى بروكسل لحضور اجتماعات قمة اليوم لحلف شمال الأطلسي ومجموعة السبع والاتحاد الأوروبي بشأن أوكرانيا.
ومن المتوقع أن يفرض القادة عقوبات إضافية على روسيا. وقال الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ، في مؤتمر صحفي، إنهم سيوافقون أيضا على تعزيز القوات على الجناح الشرقي للحلف.
ومع ذلك، شدد ستولتنبرغ على أن الحلف لن يرسل قوات إلى أوكرانيا.
وقال: “من المهم للغاية تقديم الدعم لأوكرانيا ونحن نعزز هذا التوجه. ولكن في نفس الوقت من المهم للغاية أيضا منع هذا الصراع من أن يتحول إلى حرب شاملة بين الحلف وروسيا”.
وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إنه أبلغ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، في مكالمة هاتفية، أنه سيستغل الاجتماع للدفع في اتجاه زيادة الأسلحة الفتاكة المقدمة لأوكرانيا.
وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان إن واشنطن ستعلن حزمة من العقوبات على شخصيات سياسية وأعضاء النخبة الحاكمة في روسيا.
وأضاف أن قادة مجموعة السبع سيوافقون أيضا على التنسيق بشأن تطبيق العقوبات.
الدول “غير الصديقة”
أدى إعلان بوتين تحويل روسيا بعض مدفوعات الغاز إلى الروبل إلى ارتفاع العقود الآجلة الأوروبية، وسط مخاوف من أن يؤدي هذا التحول إلى تفاقم أزمة الطاقة وعرقلة الصفقات التي تصل قيمتها إلى مئات الملايين من الدولارات يوميا.
وتزود روسيا نحو 40 في المئة من حجم احتياجات أوروبا من الغاز.
ووضعت موسكو قائمة بالدول “غير الصديقة” والتي تضم البلدان التي فرضت عقوبات عليها، ومن بينها الولايات المتحدة وأعضاء الاتحاد الأوروبي وبريطانيا واليابان ودول أخرى.
وقال بوتين، في اجتماع مع وزراء الحكومة، جرى بثه على التلفزيون، إن روسيا ستواصل توريد الغاز الطبيعي بما يتماشى مع العقود المبرمة سابقا.
وقال: “التغييرات ستؤثر فقط على عملة الدفع والتي ستتغير إلى الروبل الروسي”.
وكان بوتين أرسل قواته إلى أوكرانيا في 24 فبراير، فيما سماه “عملية عسكرية خاصة” لنزع سلاح هذا البلد. ويقول الغرب إنها حرب عدوانية تهدف إلى إعادة تأكيد نفوذ روسيا على الجمهورية السوفيتية السابقة.
لكن رغم إراقة الدماء على مدى شهر كامل، أخفقت القوات الروسية في السيطرة على أي مدينة أوكرانية كبرى بينما أدت العقوبات الغربية إلى إبعاد موسكو عن الاقتصاد العالمي.
وعلى الرغم من أن الكرملين يقول إن العملية تسير كما هو مخطط لها، تكبدت القوات الروسية خسائر فادحة وتجمدت في مواقعها منذ أسبوع على الأقل على أغلب الجبهات، بينما تواجه مشكلات في الإمداد ومقاومة شرسة.
وتحولت القوات الروسية لاتباع أساليب الحصار وقصف المدن، مما تسبب في دمار واسع ومقتل كثير من المدنيين.
ودفعت الحرب نحو ربع سكان أوكرانيا، البالغ عددهم 44 مليون نسمة، للفرار من منازلهم.
وأفادت السلطات المحلية في منطقة لوغانسك الأوكرانية، الخميس، بمقتل أربعة أشخاص وإصابة ستة على الأقل، في قصف روسي.
وقال حاكم المنطقة سيرغي غايداي: “للأسف، قد يكون عدد الضحايا أعلى بكثير”، متهما القوات الروسية باستخدام قنابل الفوسفور.
واتهم مسؤولون آخرون في المنطقة روسيا باستخدام هذه القنابل أيضا مؤخرا، لكن لم يتمكن موقع “الحرة” من التحقق من صحة ذلك على الفور.
وتنفي روسيا استهداف المدنيين.
النار والدخان
وشهدت مدينة ماريوبول الساحلية في جنوب أوكرانيا والمحاطة من كل الجهات بالقوات الروسية أسوأ تداعيات للحرب، حيث يختبئ مئات الآلاف منذ أول أيام الغزو تحت قصف متواصل دون إمدادات من طعام أو ماء أو تدفئة.
وأظهرت صور جديدة التقطتها الأقمار الصناعية من شركة ماكسار التجارية دمارا واسعا بالمدينة التي كان يسكنها قبل الحرب 400 ألف نسمة، مع تصاعد أعمدة الدخان من بنايات سكنية تحترق.
ورغم الخسائر التي تكبدتها حتى الآن، ربما لا تزال روسيا تأمل في تحقيق المزيد من المكاسب في أرض المعركة خاصة في الشرق، في مناطق تشمل ماريوبول التي تطالب موسكو أوكرانيا بالتنازل عنها لانفصاليين تدعمهم روسيا.
وقالت المخابرات العسكرية البريطانية إن ساحة المعركة بأكملها في أنحاء شمال أوكرانيا، الذي شهد صفوفا ضخمة من العربات المدرعة التي كانت متجهة صوب كييف، تتسم حاليا بالجمود وإن الغزاة يحاولون فيما يبدو إعادة تنظيم صفوفهم.
لكن في الشرق، يحاول الروس ربط القوات في ماريوبول بتلك القريبة في خاركيف ثاني أكبر مدينة في أوكرانيا على أمل تطويق القوات الأوكرانية بينما يتجاوزون، في الجنوب الغربي، مدينة ميكولايف سعيا للتقدم صوب أوديسا أكبر موانئ أوكرانيا.
وتحدث مسؤولون أوكرانيون عن قصف بين الحين والآخر على مدن أخرى خلال الليل، مما أدى إلى مقتل اثنين من المدنيين في منطقة ميكولايف وتدمير جسر في منطقة تشيرنيهيف.
ولم يتسن لموقع “الحرة” التحقق بعد من تلك التقارير.
الحرة