كيف أسقطوا هيبة الدولة ؟

عزيزي القارئ أرجو أن تختار دولة فاسدة وفاشلة غير السودان وأنظر إليها بعمق … فلنقل إنك إخترت مثلا دولة زيمبابوي ورئيسها (موغابي) العجوز الفاسد المتشبث بالسلطة
السؤال : ماهو الإنطباع العام الذي رسخ في ذهنك عن هذه الدولة ؟
الجواب : إنها دولة فاقدة للهيبة لأنها فاسدة .. وعندما يزور رئيسها أي دولة يكون عبء ثقيل على تلك الدولة ولن يكون هنالك أي اهتمام إعلامي بهذه الزيارة .. وقد يكون في إستقباله وزير السياحة أو أي شخص من المراسم .. وقد لا يستقبله رئيس الدولة حتى يغادر .. وأحيانا يكون شخص غير مرحب به لوجود ضيوف كبار في زيارة الدولة
هذه النظرة البائسة التي تخيلتها عزيزي القارئ للدولة الساقطة الفاسدة ورئيسها عبء على الآخرين في حله وترحاله هي نفس النظرة التي ينظر إليها الآخرون للسودان في ظل عهد الإنقاذ إنها دولة فاسدة فاقدة للهيبة فلا تستغرب من هذا لأن الدولة تستمد قوتها من هيبتها .. والعالم اليوم ليس كما يتخيله الفاسدون العالم على علم بالدولة الفاسدة والدولة الفاشلة وهناك معايير دولية لتقييم الدول في الشفافية وفي الفساد تصدر سنويا والعالم لا تخفى عليه صغيرة ولا كبيرة ويعلم بالفاسدين والمفسدين في كل دولة وبأسمائهم والذين يستغلون مناصبهم وتحقيق الصفقات وماهي عمليات الفساد التي طالتهم وحجمها وحتى أرقامها …
نعود إلى عنوان المقال : كيف أسقطوا هيبة الدولة ؟ أو ممكن أن يكون بعنوان آخر : من الذي أسقط هيبة الدولة ؟
بما ان التجارة والوزارة لا يجتمعان إلا على فساد فقد رأينا كيف ان جرائم الفساد والبزنس قد دمرت الاقتصاد السوداني منذ عام 1989 وأصبح لكل وزير تجارة ! ولكل مدير تجارة ! ولكل سفير تجارة ! ولكل إمام جامع تجارة ! وحتى نساء المسؤولين لهن تجارة !! والكل ينهش في الوطن والمواطن الضعيف المغلوب على أمره .. وأصبح للفساد أذنين وشفتين وعينين وعلى يد عصابات معروفة أجهزت على ما تبقى من قيم المجتمع السوداني ثم على الشركات وعلى المشاريع الزراعية وعلى مقدرات الوطن فباعوها و نهبوها في وضح النهار و باسم القانون ، حتى الاراضي الزراعية والسكنية وحتى الأوقاف لم تسلم من شرهم .
أدى ذلك الفساد المدمر إلى فقدان الثقة بالدولة وفقدان هيبتها بل وسقوطها لإحساس المواطن بأن الدولة عاجزة عن حماية مقدراته ومقدرات الوطن او استردادها من السارقين وأنه لما يزيد الغيظ ويدعو للإستفزاز عندما يرى الإنسان أن من يسرقه معروف ويمشي بينهم ويوعظ في الناس ويتحدث عن السيرة النبوية وعندما تراه وتسمع أقواله تحسبه وكيل الله في الأرض وهذا يسبب للإنسان الشعور بالغبن وبالذل والإهانة البالغة
وكلما يتحدثوا عن محاربة الفساد يزداد الفساد شراسة وقوة وبالتالي تزداد الدولة ضعفا وتسقط هيبتها (وكيف لمن يداه متلطختين أن يقوم بالتنظيف) ومن قال إنه سيحارب الفساد في ظل الدكتاتورية والسلطة المطلقة فهو واهم وبضحك على البسطاء .. إلى متى يستمر تغييب العقول … اما عن سجن القليل منهم أو محاكماتهم الصورية فيقول الشعب ان التحقيق معهم ليس لانهم فاسدون بل لانهم ? خربطوا بالحساب ? و دليل ذلك الفاسدون الطلقاء الذين لم ? يخربطوا بالحساب ? .
من الطبيعي ان يؤدي ذلك إلى اجماع شعبي على حقيقة سقوط هيبة الدولة و للتأكيد من جديد على ان التجارة و والوزارة لا يجتمعان الا على فساد .
وإن الفساد يشكل إعتداء صارخا على حقوق الغير فالفساد المالي ينهش بالاستيلاء على مال الغير العام أو في الشركات والفساد الإداري بما في ذلك الواسطة والمحسوبية وفي عهد الإنقاذ جاء نوع من الفساد الإداري وهو الأخطر ما يسمى (بالتمكين) الذي تأذى منه الوطن والمواطن بعد أن إستبدلوا الذي أدنى بالذي هو خير وهذا يشكل إعتداء على حقوق الغير في إختراق مبدأ تكافؤ الفرص والمواطنة
إن الفساد يدمر تطور الدولة واستقرارها ويقوض حكم القانون لأن الفساد هو إستخدام المنصب العام أو الخاص لجني مكاسب شخصية مما يضعف الدولة بين بقية الدول وتصبح تتسول رزق اليوم باليوم وتسقط هيبتها
ولا يمكن محاربة الفساد في ظل هذا النظام لأن محاربته تتطلب الإقرار بأن الفساد ظاهرة أصبحت متأصلة في المجتمع وهذا ما لا يستطيع المؤتمر الوطني الإعتراف به
أهم خطوة في محاربة الفساد بعد ذهاب هذا النظام هي عدم فقدان الأمل في محاربته بالرغم من حجم الضرر الذي حدث خلال هذه السنين الطويلة حتى تجذر وتفرع وأصبح جزء من الثقافة .. لذلك يتطلب مجهودا كبيرا وضخما للغاية ويتطلب البحث عن صناعة الوسائل والطرق والأساليب التي تبقي الأمل في محاربته وفتح أكاديمية متخصصة لهذا الغرض تسمى ( أكاديمية محاربة الفساد ) تعني بالمواطن من سنوات عمره الأولى في الروضة وطيلة فترة دراسته وحتى يتم تهيئته إلى موقع المسؤولية … ونشر ثقافة نبذ الفساد وبيان أضراره ومخاطره على الوطن والمواطن تنشر في الطرقات كوسائل للتوضيح وتشترك فيها جميع أجهزة الدولة وجميع وسائل الإعلام .. وزراعة الطمأنينة لدى المواطن بأن هناك جدية في محاسبة الفاسدين وحينها ستعود هيبة الدولة والثقة في الدولة من جديد.
ياسر عبد الكريم
[email][email protected][/email]