العنف ركن متأصل في نظريات الجماعات الإسلامية

تشهد العديد من بلدان المنطقة العربية، وعلى رأسها مصر، شأنها شأن عدد من البلدان الغربية موجة متنامية من العنف ?الجهادي? يشتدّ سعيرها يوما بعد يوم، مما دفع الباحثين والمفكرين إلى إعادة طرح سؤال قديم جديد متعلق بأسباب نمو ظاهرة العنف المرتبط بالدين، محاولين الوقوف على أسباب عودة هذه الظاهرة الغريبة عن الإسلام والمسلمين.
العرب محمد الحمامصي
النائب العام المصري آخر ضحايا العنف الذي تنتهجه الجماعات المتشددة
اتّسمت كافة المعالجات الأكاديمية المتناولة لظاهرة الحركات الاجتماعية والسياسية وكذلك لظاهرة العنف الديني ضدّ الدولة والمجتمع بالتعدّد والتنوع الراجع بدوره إلى تعدّد وتنوع الأطر النظرية التي انطلقت منها، وكذلك أهداف الدراسة ومجالاتها. وفي هذا الصدد تتنزل دراسة للباحث، محمد حسين أبو العلا، تحمل عنوان ?العنف الديني في مصر.. قراءة في فكر الخطر الإسلامي?، وتقدم تشريحا أيديولوجيا متفرّدا لطبيعة العقل الجمعي لتلك التيارات الإسلامية.
وتنطلق الدراسة في إطار معالجتها لطبيعة الاتجاه نحو العنف الديني من داخل الأرضية النظرية لعلم الاجتماع السياسي، حيث تدرس طبيعة هذا الاتجاه نحو العنف الديني كظاهرة سوسيولوجية في إطار النسق الإيكولوجي، الذي تؤكد الكثير من الدراسات أنه يعد أحد العوامل في إفراز ظاهرة العنف الديني وتغذيتها وتنامي معدّلات صعودها.
ووفق هذا المنظور يطرح الباحث رؤية الشباب وموقفه من بعض القضايا المعاصرة والنظام السياسي والاجتماعي، وهل تشكل هذه الرؤية دورا كبيرا في درجة توجيههم نحو العنف الديني؟ وبمعنى آخر إلى أي مدى أسهم تداخل رؤى الأفكار السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية في خلق الاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع؟
ظروف النشأة
يتجدد الهدف الرئيسي للدراسة في معرفة حدود علاقة أيديولوجيا الفئات الاجتماعية من الشباب في المناطق العشوائية بالاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع. وفي ما يتعلق بهذا الهدف تطرح العديد من التساؤلات منها: ما هي أهم ملامح أيديولوجيا الفئات الاجتماعية من الشباب في المناطق العشوائية؟ ما هي رؤية هذه الفئات الاجتماعية لقضية العنف الديني ضدّ الدولة والمجتمع؟ ما هو موقف هذه الفئات الاجتماعية من قضية العنف الديني ضد الدولة والمجتمع؟ ما هي العوامل التي أسهمت في تصاعد أحداث العنف الديني ضد الدولة والمجتمع؟ ما هي أهم ملامح النسق الإيكولوجي لمجتمع البحث؟ ما هي علاقة أيديولوجيا الفئات الاجتماعية من الشباب بطبيعة النسق الإيكولوجي لمجتمع البحث؟ وأخيرا، ما علاقة النسق الإيكولوجي لمجتمع البحث والاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع؟
وقد تمّ الاتجاه في العمل الميداني إلى مجتمع حي عين شمس المصري، وهو من إحدى أكثر المناطق تظاهرا واستخداما للعنف في تظاهراتها، وقد شهدت خلال الأعوام الأخيرة خروجا منتظما واستخداما للعنف الممنهج. وعلى الرغم من أنّ الدراسة أجريت في العام 2012، إلاّ أنّه لم ينظر إلى نتائجها والتي يمكن أن تنسحب على مناطق أخرى في القاهرة الكبرى، كحي المطرية والطالبية وفيصل وغيرها من الأحياء الشعبية التي بنيت حول القاهرة بشكل عشوائي.
وأكدت الخطوات الاستطلاعية أنّ مجتمع البحث في منطقة عين شمس، هو مجتمع تسود فيه الثقافة الهامشية المتعارضة مع الثقافة الحضرية في إطارها ومكوناتها وطبيعتها، ممّا خلق لدى الباحث دافعا قويا لكي يتطلع إلى استكشاف طبيعة الرؤية التي تحملها هذه الثقافة الهامشية.
وتدخل منطقة عين شمس ضمن المناطق العشوائية التي أفرزت جماعات تنتهج العنف الديني عام 1988 شأن ?تنظيم الجهاد?، الذي استطاع بالقوة والعنف أن يفرض على سكان المنطقة بعض تعاليمه ومعتقداته بل أن يحدد عقوبات لمن يخرج عليها. وعاشت المنطقة في عام 1995 مرحلة جديدة مع ظهور الجماعات الدينية الإسلامية، حيث تم القبض على نحو 42 شابا من مختلف الفئات الاجتماعية بسبب بعض ممارسات العنف والإرهاب، مما يؤكد أن ظهور جماعات العنف في مجتمع البحث لا يعد حالة استثنائية مرتبطة بظروف خاصة، إنما يعني وجود عوامل متأصلة في السياق الاجتماعي تعمل على استمرار وخلق النزوع القوي نحو العنف.
شيوع الرؤية الأحادية
راعى الباحث عند اختيار عيّنة الدراسة أن تمثل قطاعا معيّنا من فئات شباب المجتمع المصري داخل منطقة عين شمس الشرقية وعين شمس الغربية وقد اختارها بطريقة عشوائية، وهي تتكون من مجموعتين من الفئات الاجتماعية من الشباب وتمثل كل مجموعة منها مئة شاب. وتوصل إلى عدد من النتائج العلمية والموضوعية التي ترتبط بالرؤية الأحادية في علاقتها بالاتجاه نحو العنف الديني، حيث يمكن الاستفادة منها على المستوى النظري الأكاديمي، فضلا عن وضعها موضع التنفيذ في مجابهة العديد من المشكلات والقضايا المرتبطة بفئات الشباب في إطار إيكولوجي معين.
ومن أبرز وأهم نتائج التي تمّ التوصل إليها أنّ الاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع لا يرتبط فقط بعناصر وأبعاد المستوى الاجتماعي والاقتصادي، وإنّما يرتبط أيضا بعناصر ومستويات الرؤية الأحادية، ممّا يعني ارتباط قيم ثقافة وأفكار أفراد العيّنة الكلية بالرؤية الأحادية في ظل التناقص الثقافي والقيمي السائد.
وأوضحت نتائج البحث الميداني أنّ أهم دوافع الاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع هو شيوع مستويات الرؤية الأحادية بنسبة 63 بالمئة من عيّنة البحث لدى فئات الشباب المختلفة في إطار الدور المؤثر الذي تلعبه القيم والعادات والأفكار المتوارثة في صياغة الأطر الثقافية الشعبية التي تنبثق عنها هذه الرؤية.
وكشفت نتائج البحث في ما يتعلق باتجاه فئات الشباب نحو العنف الديني ضدّ الدولة والمجتمع أن نسبة 68.8 بالمئة من عينة البحث ترى أن العنف يعد أحد الأدوات والوسائل الهامة في مواجهة الدولة والمجتمع، بينما أشارت نسبة 31.2 بالمئة من المبحوثين إلى أن العنف لا يعد بالنسبة إليها أحد الوسائل في مواجهة الدولة والمجتمع، في حين لم تكن هناك آراء محايدة أو متحفظة في التعبير عن اتجاهاتها وميولها نحو العنف بشكل عام والعنف الديني بشكل خاص.
وتبدي معظم الفئات الاجتماعية الشبابية المختلفة في عين شمس اتجاها إيجابيا نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع، ولكن تختلف درجة هذا الاتجاه طبقا لتباين الموقع الاجتماعي والاقتصادي لهذه الفئات. وقد أوضحت النتائج وجود علاقات عكسية بين المتغيّرات التالية (الدخل، التعليم، المهنة) وبين زيادة درجة الاتجاه نحو العنف الديني ضدّ الدولة والمجتمع.
كما أبرزت وجود علاقات طردية بين العديد من المتغيرات مثل ?أحادية المدخلات، الإطلاقية، التمامية، الأحادية، الإقصائية ـ استبعاد الأحادي للمتعدد ? وجماع الإقصائية وبين زيادة الاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع.
كما أوضحت النتائج أيضا وجود علاقات عكسية بين متغير الإقصائية ـاستبعاد متعدد الرؤية لأحادي الرؤية ـ وبين زيادة الاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع. ووجود علاقات عكسية بين متغيرات مثل ?الدخل، التعليم، المهنة، محل الميلاد? وبين زيادة الاتجاه نحو مستويات الرؤية الأحادية.
وأكدت نتائج البحث الميداني أنّ فئات الشباب -على مستوى العيّنة الكلية- لديها معارضة شديدة للنظام السياسي القائم والذي تمثله شرعية الدولة بمتوسط 9.33 بالمئة، وقد مثل الاتجاه نحو العنف أهم أركان ودعائم هذه المعارضة باعتبار أن الدولة في نظرها هي المسؤول الأول عن سوء أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية وأنها الكيان الذي يجب تقويمه بكل وسائل وأساليب العنف.
ورأى الباحث أنّ الشكل المعرفي والإطار الكلي للتفكير يعكسان عند معظم أفراد العيّنة الكلية رؤية دوغمائية في التعامل مع النصوص الدينية كأحد المحددات الهامة في ارتباطها بالعنف الديني ضد الدولة والمجتمع من أجل قيام مجتمع إسلامي في إطار التمسك بحرفية هذه النصوص باعتبارها أحد الموجهات الاجتماعية الهامة للتغير. كما ارتبطت كافة الأبعاد والمحددات الخاصة بالاتجاه نحو العنف الديني ضد الدولة والمجتمع، بطبيعة النسق الاجتماعي والاقتصاد لمجتمع البحث، الذي يشارك في تدعيم الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والأيديولوجية التي يعانيها الشباب لا الدعوة إلى حلها.
ليخلص الباحث، إلى أنّ مجتمع حي عين شمس يعدّ تعبيرا عن كيان اجتماعي اقتصادي وأيديولوجي وتراثي، غاية في التشابك يحتاج إلى المزيد من الدراسات المعمقة. وبالإضافة إلى ذلك تشير النتائج بصفة عامة إلى وجود تأثير واضح للرؤية الأحادية عبر فئات من مجتمع البحث على درجة اتجاه العنف الديني ضد الدولة والمجتمع.