“بريق المزنة ” عبد الرحمن عبد الله.. صوت كصدى خارج من فوهة بئر

الخرطوم – محمد عبد الباقي

لم ينتم (عبد الرحمن عبد الله) إلى حزب سياسي قط، وكذلك يرفض وبدماثة أن يرتدي زياً رياضياً بعينه، فهو يفضل أن يبقى حيث الجمال والصدق أينما وجدا !! الحزب السياسي يكبله والانتماء الرياضي يصيبه بداء العصبية، وهو الذي يغني بكل جوارحه..

بريق المنزه يا ماطر يا ريتك تبقى قاشينا وريتك تجبر الخاطر

هكذا امتهن (بلوم الغرب) جبر الخواطر منذ أكثر من ثلاثين عاماً قضاها ممتطياً صهوة فنه الراقي هائماً كالقديس في ملكوت النقاء الروحي لم يحد ولم ينثنِ رغم العوائق التي تنزلت في طريقه منذ أول يوم اكتشف فيه نفسه أنه فنان؛ وإبداع (عبدالرحمن) لم يكن في صوته المتفرد فحسب، ولا في قدرته على الأداء بكل جوارحه إنما في كونه نبتا فريدا في بيئة لم تنجب قبله فناناً مطلقاً.

وعن هذا يقول: عن نفسه، إنه كان يذهب لـ (العِد) – البئر – ويدخل رأسه في فوهتها ويغني فيأتيه صدى صوته فيطربه، وهكذا اكتشف أنه فنان من بيئة لا يستمع أهلها إلا للمداح الوافدين، ويعدون كعادة أهل ذلك الزمان أن المغنين صياعاً يسيئون إلى سمعة أسرهم !!

* كالفراشة يعيش على الرحيق!!

انطلق (عبدالرحمن عبدالله) الذي كان يسمي باكراً بـ (ود بارا) من المدينة ذاتها التي حمل اسمها واتجه نحو مدينة الأبيض التي أفردت له شارعها فأبحر مطمئناً في لجج الإبداع الذي بلغ فيه شأواً جعله يقف في مقدمة أبناء جيله محافظة على نجوميته وغزارة في الإنتاج، حيث بلغ عدد الأعمال التي قام بتلحينها بنفسه (305) أعمال غنائية تخلو جميعها من الركيك وساقط القول.

وفي مدينة الأبيض انضم لفرقة فنون كردفان، فكان نجمها الأول في ظل وجود نجوم كبار كانوا ضمن عضويتها حينها، ورغم المصاعب التي واجهة (بلوم الغرب) بسبب تعنت لجنة النصوص والألحان بالإذاعة عندما حضرت لأم درمان لغرض إجازة صوته، إلا أنه استطاع إقناع أول لجنة زارت الأبيض كانت مهمتها بجانب تكوين الفرق الغنائية الولائية، إجازة أصوات المغنين المبتدئين وكانت تلك اللجنة تضم في معيتها وضمن آخرين العمالقة (محمد خوجلي صالحين) والفنان الكبير (محمد وردي)، فتمت إجازة صوته حالاً ومنح الدرجة الأولى من داخل مكاتب وزارة الثقافة والاستعلامات في ذلك الوقت، وهذا شرف لم ينله بعده فنان قط.

بعد إجازة صوته انطلق (عبدالرحمن عبدالله) يؤسس لمشروعه الفني – بحسب وصفه – حيث قال: إن لا شيء ظل يشغله منذ انطلاقته غير ترسيخ مفهوم أصيل للفن، وبعد هذه السنوات الطويلة والتجربة الثرة إلا أنه لا يدعي تحقيق كل ما كان يطمح إليه، لكنه لم يحس بالعجز بعد ولا زال يواصل سعيه لتقديم أعمال فنية تليق بتاريخه وجمهوره الذي لم ينساه رغم غيابه عن الساحة لما يقارب العشرة أعوام قضاها مستشفياً خارج السودان.

* لا للعيش في جلباب القديم!!

وتميز الأعمال الغنائية الأولى التي قدمها (عبد الرحمن عبدالله) في بواكير مسيرته الفنية لم تثنه كآخرين عن السير للأمام فظل محط أفئدة كل الأجيال التي صاحبت مسيرته واستمعت لأعماله الخالدة بدا من (ضابط السجن) و(جدي الريل) و(شقيش قولي يا مروح) و(رويحة الهاوية) و(تومي) و(البلوم) وغيرها من الأعمال التي حفظها جمهوره على جدار قلبه إلى أن جاءت آخر أعماله باسم (بريق المزنة).

و(بريق المزنة) تُعد أعظم مفاجئة للجمهور لما تميزت به من لحن رفيع وكلمات دالة، فهي لا تقل بأي حال من الأحوال عن روائعه الغنائية الأخرى، بل يمكن أن تضاهي أشهرها وتفوق عليها لحناً وأداء وكلمات.

* احتفاظ بذات الطراوة !!

المتتبع لمسيرة الفنان (عبدالرحمن عبدالله) يجده نسيجاً وحده، فهو الفنان الوحيد الذي قام بتلحين أكثر من (305) أعمال غنائية دون أن يلجأ لملحن، وفي هذا يقول: إنه ليس مؤدٍّ يغني كل ما يقدم له، ولكنه فنان لا يستطيع تأدية عمل غنائي إذا لم يحرك إحساسه الداخلي ويطربه هو أولاً، ورغم هذا القانون الوجداني الصارم إلا أنه يؤكد عدم ممانعته في التعاون مع أي ملحن بشرط أن يستطيع ترجمة إحساسه.

ومن يرهف السمع لبلوم الغرب يكتشف أنه لا يزال يحتفظ بصوته الطري وقدرته الممتازة على أداء كل الأغنيات بذات جمالها وقوتها التي غناها بها قبل أكثر من ثلاثين عاماً؛ ولم يأخذ منه انقطاعه عن معانقة جماهيره في السنوات الماضية سوى مزيد من الحب والالتفاف حوله وانتظار الجديد.

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. خلينا نشوفك فى السعودية ياعبدالرحمن ونمسح ذكريات الايام العصيبة بالنسيم .انت انسان فنان والفنانون قليلون هذه الايام ..

  2. كنت ادرس في مدرسة ابوزبد المتوسطة (ب) ويوما ما واثناء عودتي من المدرسة سمعت عبدالرحمن عبدالله يغني داخل منزل حكومي جوار مدرسة البنات الابتدائية وكان يودي في بروفة لاغنية اعجبتنى كثيراً رغم انني اول مرة اسمعها فاطربتني ووقفت اسمعه من خارج سور البيت دون ان يحس بي احد ومنذ ذلك اليوم وانا اتوق لسماع تلك الاغنية ولكني لم اسمعه يغنيها رغم اننى لا تفوتني اي حفلة له ييحيها في مدينة ابوزبد . مرت سنوات عديده وشاءت الاقدار ان اذهب السعودية ويوماً ما واثناء تصفحي في الكمبيوتر استعرض صفحة لهذا الفنان العملاق استمع لاغانية سمعت تلك الاغنية والتي سمعته يغنيها منذ 40 سنه وكانت اغنية رسوماتك . لك التحية الاخ الفنان عبدالرحمن عبدالله ومتعك الله بالصحة والعافية وحسن الحال وراحة البال.
    فانت فنان بمعنى ماتحمل هذه الكلمة من مدلولات وفقك الله .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..