القطط السمان

بلا حدود
هنادي الصديق
سبق وان استبعدت الامم المتحدة تدفق الدعم للسودان من خلال تصريحات رئيس مكتب مساعداتها الانسانية بالخرطوم، والذي بدوره أكد عدم تجاوب المجتمع الدولي والمانحين مع الخطة التي قدمتها حكومة السودان، وشكل هذا القرار صدمة لحكومة الخرطوم وقتها وهرول مسؤولوها يمنة ويسري بغرض الرجوع عن القرار ولو الي حين. وكان السبب المنطقي من وجهة نظري ما ظلت تقدمه المنظمة العالمية وروافدها والمانحين من دعم للسودان لاكثر من عقدين من الزمن ورغم ذلك لم تبارح الأزمة مكانها ان لم تكن تفاقمت اكثر خاصة وأن السودان واحد من بين إثنين إلي ثلاث دول تتلقي الدعم التراكمي في العالم باستمرار بحسب الامم المتحدة.
تذكرت هذه الحادثة ونحن نعيش أسوأ ايامنا الاقتصادية علي الاطلاق، بعد انخفاض سعر الجنيه لاقصي مستوياته مقابل الدولار الامريكي، لنتأكد من صدق حديثنا الذي كررناه عشرات المرات وهو أننا نعيش علي (الهبات) و(الشحدة)، (فالقطط السمان) قضت علي الاخضر واليابس ورغم ذلك يخرج مسؤولونا في كل يوم بتصريحات (خنفشارية)، تجعلك في حيرة من أمرك وتجعلنا نشعر وكأننا اكتفينا ذاتيا رغم حالة الجوع والفقر التي ألمت بنا منذ مجئ عهد الانقاذ المشؤوم، بعد ان اشبعتنا شعارات جوفاء عن الاكتفاء الذاتي في الملبس والمأكل وغيرها من شعارات بئيسة لم تسوي الحبر الذي كتبت به مع ما خرج به(أصحاب الدولار واليورو).
الإكتفاء الذاتي حلم راود كل الحكومات السودانية المتعاقبة، ولكن الواقع يقول أن الإكتفاء الذاتي لدي حكومتنا الحالية يعني إكتفاءا ذاتيا (للبعض) وليس للكل.
فكل المؤشرات اثبتت أننا ومع وجود هذا النظام دولة تجيد (النواح والنباح)، نجأر للعالم بالشكوي من (قلة الفئران) رغم إمتلاء (المخزون)، ورغم أنه بإمكاننا أن نكون (سلة غذاء العالم)، ولكن حكومتنا وقبل أكثر من ٢8 عاما كان لها رأي آخر. اذ توزعت القطط السمان الثروة والسلطة وما بينهما ضاع الشعب والوطن.
ننشئ المشاريع الزراعية ونباهي ونفاخر بها ونقيم لها الإحتفالات والمهرجانات ورغم ذلك لا زلنا نستورد الكلأ والكساء والدواء بمليارات الدولارات، ونجتهد في تشييد المدن الصناعية، وفي ذات الوقت نغلق عشرات بل المئات من المصانع ونشرد عمالها، نتحدث عن محاربة الفساد والقضاء علي القطط السمان، ولا زالت تقارير المراجع العام تحكي قصصا لفساد كبري المؤسسات وكبار المسؤولين يشيب لها الولدان ولا زالت جمارك الوارد تشكل رقما صعبا في موازنة الدولة، ويحتكر الوارد والصادر ذات القطط السمان، ولا بأس من رفع سعر الدولار الجمركي بالزانة ليسقط من يسقط وليقف من في يده القلم.
شيدنا السدود، وفتحنا لها الميزانيات، وصاحب ذلك دعاية سياسية ضخمة غطت علي حقيقة الفوائد التنموية وحجمها، ورغم ذلك تظل الجارة إثيوبيا هي المستفيد الأكبر من قيام سدود فشلت في تغطية إحتياجات السودان من الكهرباء، ولازالت فاتورة إستيراد الكهرباء من إثيوبيا أرقامها في زيادة رغم تكتم المسؤولين.
ويظل فصل الخريف هو الفصل المحبب للقطط السمان من سماسرة (الإعانات الغذائية) التي تأتي عبر الطائرات والبواخر من دول (عربية واعجمية) لضحايا الفيضانات والأمطار، ولكن في الواقع المستفيد الاساسي من لا حاجة لهم بها، ويظل المتضررون يشكون لطوب الأرض جوعا وعطشا وقبل ذلك ظلم (ذوي القربي).
* الإخفاقات لا حصر لها، والتجاوزات فاقت كل الخطوط الحمراء، (الجوع دخل العضم) والكرامة صارت سلعة قابلة للتفاوض بين (البائع والشاري)، كل البيوت اضحت (تطن وتئن) ولازال هناك من يدافع بشراسة عن القطط السمان وهو اضعف ما يكون أمام الحاجة والفقر والجوع، وأهل بيته يبحثون عن ما يعوضهم سنوات الجوع والحرمان، الحل ليس في تكبير حجم الرغيفة، او إدارة عجلة الانتاج لردع الدولار في انتفاضته المزعومة، او بكبح جماح سوق الوارد ، او القضاء علي القطط السمان، بل الحل الجاد والحاسم يكون في رحيل هذا النظام الي غير رجعة غير وأيلولة اعادة تأهيل الدولة الي منسوبيها من الكفاءات الحقيقية، والشعب وحده هو صاحب القرار الاول والاخير في شكل وكيفية إدارة الدولة.
الجريدة




مظبوطزصاح مية المية
مظبوطزصاح مية المية