أخبار السودان

?الساحر الإفريقي? منفِّذ أكبر عملية احتيال على بنك إماراتي يخرج عن صمته

الحلقة الأولى

بعد ما يقرب من 20 عاماً، على أكبر واقعة احتيال مالي في العالم باستخدام ?السحر الأسود? استهدفت بنك دبي الإسلامي في الإمارات وأضاعت 242 مليون دولار، في أغسطس1995، يخرج بطل القصة ?فوتانغا باباني سيسوكو?، عن صمته ويروي حقيقة ما حدث.

وبحسب بريجيت شيفر، الصحفية في (بي بي سي)، التي التقت سيسوكو في مسقط رأسه بمالي، فإنه مازال حراً طليقاً ويعيش في مالي دون أن يدخل السجن ليوم واحد. وتصف ما قام به بأنها واحدة من أكثر حيل النصب جرأة وثقة في التاريخ، وتقول بريجيت:

كانت البداية عندما ذهب مواطن مالي في الإمارات يدعى فوتانغا سيسوكو، لطلب قرض من بنك دبي الإسلامي لشراء سيارة، وكان الخطأ الذي ارتكبه مدير البنك ?محمد أيوب? هو قبول دعوته على العشاء كنوع من رد الجميل للموافقة على القرض.

وأثناء العشاء بدأ سيسوكو تنفيذ مخططه بإدعاء شيء مدهش، وهو امتلاكه قدرات سحرية وأنه يمكنه ?توليد الأموال?، بمعنى مضاعفة أي مبلغ يريده، ودعا صديقه الإماراتي للحضور إليه مرة أخرى ومعه مبلغ من المال لتأكيد قدرته السحرية على زيادة الأموال.

لماذا الولع بالسحر والشعوذة؟

ويحرِّم الإسلام السحر الأسود ويعتبره نوعاً من الكفر بالله. ورغم هذا مازال هناك من يؤمن على نطاق واسع بهذا السحر، ومنهم أيوب الذي استسلم تماماً لسيسوكو، رجل الأعمال الغامض وصاحب الملابس المزركشة القادم من قرية نائية في مالي.

ولم ينتظر مدير البنك طويلاً حتى ذهب مجدَّداً إلى منزل سيسوكو ومعه أمواله، وقابله الرجل مندفعاً من إحدى غرف المنزل وهو يصيح بأن ?الجن? هاجمه للتو، وحذَّره من إغضاب الجن وإلا فلن تتضاعف أمواله، فاستجاب أيوب على الفور وترك الأموال في الغرفة المسحورة وظل ينتظر. وروى أيوب ما حدث معه وقال ?رأيت ضوءًا ودخاناً وسمعت أصوات الجن. ثم فجأة ساد الصمت?:

وكانت المفاجأة أن الأموال ?توالدت? وتضاعفت كما وعده الساحر. وهنا ظهر السرور على وجه أيوب، ومن هنا تهيأت الأمور لعملية السطو الكبرى.

بنك دبي الإسلامي يؤسس شركة عقارية جديدة

ويصف ألان فاين، محقق من ميامي استعان به البنك الإماراتي فيما بعد للتحقيق في الجريمة، ما حدث قائلاً: ?أيوب آمن بأن ما حدث كان سحراً أسود، وأن سيسوكو بالفعل قادر على مضاعفة الأموال?. ويوضح أنه بعد ذلك أرسل أموالاً إلى سيسوكو، وكانت من أموال البنك، واعتقد أنها ستعود إليه أضعافاً مضاعفة ويستفيد منها. وبحسب أوراق القضية فقد أجرى أيوب 183 تحويلاً مالياً إلى حسابات سيسوكو حول العالم، في الفترة من 1995 إلى 1998. كما عمل سيسوكو على استخدام أموال بطاقات ائتمانية كبيرة، بلغت الملايين بحسب فاين، وكان أيوب يتولى تسوية هذه الأموال بدلاً منه. وفي عام 1998، بدأت الشائعات تتناول البنك وأزمته المالية. حينها نشرت إحدى الصحف في دبي تقريراً عن أن البنك يعاني أزمة سيولة، وحدثت اضطرابات وتجمع المودعون أمام البنك في انتظار سحب أموالهم.

سعت حكومة دبي لتهدئة الأزمة، وقالت إنها ?مشكلة صغيرة ولن تتسبب في أية خسائر مالية سواءً في استثمارات البنك أو حسابات المودعين?. لكن هذا لم يكن صحيحاً.

يقول فاين عن حقيقة ما حدث ?مالكو البنك تعرَّضوا لضربة كبيرة وكبيرة جداً. ولم تكن أموال التأمينات لتغطيها?. وما أنقذهم هو وقوف الحكومة إلى جانبهم ومساعدتهم، ?لكنهم تخلوا عن الكثير من حصتهم في البنك مقابل هذا?. لكن في خضم هذه الأزمة أين كان فوتانغا سيسوكو؟ في هذا الوقت كان فوتانغا بعيداً جداً ينعم بأموال البنك.

فقد وضع مخططاً من البداية يقضي بعدم الوجود في دبي أثناء تلقي الأموال، واعتمد على أن يكون بعيداً عنها بينما تتدفق الأموال إليه في الخارج.

فبعد أسابيع قليلة من عرضه السحري أمام مدير البنك الإماراتي، توجه سيسوكو في نوفمبر/تشرين الثاني 1995، إلى مصرف آخر في نيويورك، وفعل أكثر بكثير من فتح حساب.

وقال ألان فاين: ?لقد دخل إلى مقر سيتي بنك يوماً ما، بدون موعد سابق، والتقى بإحدى الموظفات في قسم التحويلات المالية وسرعان ما تزوَّجها?. ويوضح المحقق الأمريكي أن تلك السيدة ?لعبت دوراً في تسهيل علاقته مع سيتي بنك الأمريكي، وانتهى به المطاف لفتح حساب هناك، يمكنني تذكر أنه من خلاله تم تحويل أكثر من 100 مليون دولار إلى الولايات المتحدة?.

في الواقع، وفقاً للقضية التي رفعها بنك دبي الإسلامي ضد سيتي بنك الأمريكي، فقد تم تحويل أكثر من 151 مليون دولار، ?خصمها سيتي بنك من حساب المراسل الخاص ببنك دبي الإسلامي دون إذن مناسب?. وقد تم إسقاط القضية لاحقاً. ودفع سيسوكو أكثر من نصف مليون دولار لزوجته مقابل مساعدته في تحويل الأموال من دبي إلى نيويورك.

وعن هذا الزواج يقول فاين :?لا أعلم الإطار القانوني لزواجه منها، لكنه قال إنها زوجته وهي بدورها صدقت أنها زوجته أيضاً?. وقد أدركت أنه لديه زوجات أخريات، بعضهن من أفريقيا والبعض من ميامي وحتى كان هناك زوجات من نيويورك.

ومع تدفق الأموال عليه كان بإمكان سيسوكو تحقيق حلمة بإنشاء شركة طيران في غرب أفريقيا. واشترى للشركة طائرة مستعملة من طراز هوكر-سيديلي 125 وطائرتين عتيقتين من بوينغ 727 إس . وكانت هذه البداية الحقيقية لشركة طيران ?أير دابيا?، التي سماها على اسم قريته التي ولد فيها في مالي.

لكن سيسوكو ارتكب خطأ كبيراً، في يوليو 1996، عندما حاول شراء مروحيتين من طراز هيوي تعودان لحرب فيتنام، ومن غير المعروف السبب وراء هذه الصفقة.

ويقول فاين عن هذه الصفقة :?أوضح سيسوكو أنه أراد شراءهما لاستخدامهما في خدمة الإسعاف الطائر. لكن المروحيات التي كان يبحث عنها كانت كبيرة جداً، فهي ليست النوع الذي يستخدم في المستشفيات ومراكز الصحة في الولايات المتحدة، كانت أكبر بكثير من ذلك?.

ولأنها يمكن إعادة تهيئتها كطائرات حربية، فإن المروحيات تحتاج إلى رخصة تصدير خاصة في الولايات المتحدة.

حاول رجال سيسوكو تسريع الأمور من خلال تقديم رشوة بقيمة 30 ألف دولار، إلى ضابط الجمارك. وبدلاً من ذلك، فقد عرضوا أنفسهم للاعتقال. وأصدر الإنتربول أمراً بتوقيف سيسوكو أيضاً. وتم القبض عليه في جنيف، حيث ذهب إلى فتح حساب مصرفي جديد.

ويتذكر توم سبنسر، محامي من ميامي تم تعيينه لتمثيل سيسوكو، بوضوح لقائه في سجن تشامب -دولون في جنيف، حيث تم احتجاز سيسوكو.

وقال سبنسر :?تحدثت مع مدير السجن، الذي سألني ما إذا كان سيسوكو سيذهب إلى الولايات المتحدة أم لا?.

ويروي الحوار الذي دار بينه وبين مسؤول السجن، (?قلت، حسناً، كما تعلمون، سوف ننظر في هذا?. وقال آمر السجن ?حسناً، نرجو تأخير ذلك لأطول فترة ممكنة.? وقلت: ?حسناً لماذا؟? وقال: ?لأنه يطلب لنا وجبات رائعة من باريس بالطائرة كل ليلة?. وكان هذا أول شيء غريب أقابله مع سيسوكو).

وسريعاً تم ترحيل سيسوكو إلى الولايات المتحدة، حيث بدأ في حشد داعمين مؤثرين.

وأصيب قاضي جلسة الاستماع الخاصة بقضيته بصدمة عندما رأى استعداد دبلوماسيين لضمان سيسوكو. كما تفاجأ سبنسر عندما وجد عضو مجلس الشيوخ الأمريكى السابق ?بيرتش بايه? ينضم لفريق الدفاع عنه.

ويقول فاين عن هذا ?حسناً، عليك أن تسأل نفسك، لماذا يمكن لأي شخص أن يتورَّط مع مواطن أجنبي ليس له قيمة واضحة للولايات المتحدة؟ لا أعرف الإجابة على السؤال، ولكن الأمر مثير للاهتمام?.

كانت الحكومة الأمريكية تريد احتجاز سيسوكو في السجن، ولكن تم إنقاذه بكفالة 20 مليون دولار، وهو رقم قياسي في ولاية فلوريدا في ذلك الوقت.

التيار.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..