الإنترنت تجيب عن جميع أسئلة زماننا

مع النمو الهائل في إمكانية الوصول إلى تكنولوجيات الإنترنت خلال السنوات الأخيرة، زادت الفرص لإثراء المعارف والنقاشات، لكن يبقى السؤال المطروح هل ستكون المجتمعات محصنة من قمع الشبكة العنكبوتية من قبل المنظمات والاجهزة الاستخباراتية؟
العرب
لندن- الإنترنت الطوباوية هي أيديولوجيا تقوم على أساس أن التقدم في العلوم والتكنولوجيا سوف يؤدي في نهاية الأمر إلى إقامة المدينة الفاضلة أو على الأقل المساعدة على تحقيق إحدى قيمها المثالية، لذلك فإن المدينة التكنولوجية الفاضلة هي مجتمع مثالي افتراضي في مستوى القوانين، والحكومة، والظروف الاجتماعية، وينحصر هدف إقامتها على تحقيق الرفاه لجميع مواطنيها باعتماد العلوم والتكنولوجيا المتقدمة التي سوف تسمح بإقامة هذه المعايير المعيشية المثالية في الواقع.
إلا أن صحيفة الغارديان البريطانية اعتبرت، في هذا السياق، أن الإنترنت الطوباوية هي عبارة عن رجل قش وسط البراري الممتدة، معتبرة أن إعلان جون بيري بارلو حول استقلال الفضاء الإلكتروني هو عبارة عن قطعة منمقة من خطاب يتبنى رؤية لمجتمع العقل، بعيدا عن دوافع حكومات العالم الصناعي.
ولا يمكن في هذا الإطار دراسة المسألة برمتها دون المرور على إعلان بارلو المعروف بـ?إعلان استقلال الفضاء السيبرني?، وهو عبارة عن مقال مبكر مؤثر حول قابلية تطبيق (أو غياب) فرض حكومة على عالم الإنترنت الذي يشهد نموا سريعا. وقد كتبه جون بيري بارلو، مؤسس مؤسسة الحدود الإلكترونية، سنة 1996. ولم يكتب بارلو الإعلان لأنه لا يمكن أن يتصور كيف يمكن للدولة أن تفرض سلطتها على الناس من خلال شبكة الإنترنت، بل تمت كتابة الإعلان للرد على سلسلة من غارات عملاء الأف بي أي وعمليات الاستيلاء غير المبررة قانونا على الخدمات العامة للبريد الإلكتروني للأشخاص.
الإعلان ليس بيان لحقيقة ثابتة، إنه دعوة لحمل السلاح -وهو بمثابة وصف لما ينبغي الاستعداد إليه- وليس ما يمكن أن يحدث تلقائيا.
لكن إعلان بارلو لم يكتمل، فقد كان الإعلان جزءا من مشروع سياسي واسع، والذي تعهد بإتمامه كل من بارلو، وجون غيلمور، وميتش كابور، الذين أسسوا مؤسسة إلكترونيك فرونتيار فاونديشن، وهي منظمة للحريات المدنية التي بلغت 25 سنة هذا العام. وكانت مهمة المؤسسة استخدام القانون، والسياسة، والرموز والمعايير للتأكيد على أن الحريات التي كانت تشغل البشر في عالم ما قبل الإنترنت يجب أن تبقى على حالها حتى وإن انتقلوا إلى العالم الافتراضي.
ويعمل الناس لصالح هذه المنظمات، فقط لأنهم الطوباويون. والمقصود بالطوباوية هنا ليس الاعتقاد أن الإنترنت تم تصميمها للتمتع بجميع الحقوق دون أدنى مشكل، بل يكون الناس طوباويين لأنهم مرعوبون من مسألة المراقبة والتتبع على الإنترنت، فالعمل سويا من أجل تغيير الإنترنت وتحديد الشكل الذي ستصبح عليه، يعتبر من أكثر الأمور طوباوية.
وهناك العديد من المعارك الأكثر أهمية من الصراع حول كيفية تنظيم شبكة الإنترنت، مثل المساواة في العرق أو التمييز بين الجنسين أو الميول الجنسية، وغيرها من الهموم المعاصرة التي هي أهم بكثير من الصراع على قواعد الشبكة العنكبوتية. إلا أنه لا يمكن إغفال أن شبكة الإنترنت أصبحت الجهاز العصبي للقرن الحادي والعشرين، فهي تكمن في الأسلاك المعلقة وفي الأجهزة التي تصحب الناس في تنقلاتهم، بل إنها موجودة في الأجهزة المزروعة في أجسام البشر. إنها موجودة في نسيج الخدمات الحكومية، ونظم الحرب والقتال، وفي منظمات المجتمع المدني، في الشركات الكبرى والمنظمات الاجتماعية للمراهقين وتجارة الباعة المتجولين في الأسواق. إذا كيف يمكن للفرد الانتصار أو الهزيمة في معاركه العصرية التي عددناها سابقا دون إنترنت حرة ونزيهة ومفتوحة.
الإنترنت ليست المعركة الأهم، لكنها الأكثر تأسيسا. وتبقى أكثر الأسئلة الملحة اليوم من نوع كيف يمكننا إنقاذ الكوكب من أزمة المناخ؟ وماذا نفعل لمشكلة إزدراء النساء، والتمييز العنصري والعنف الذي تمارسه الشرطة، والخوف من المثليين؟ وكيف نتحقق من مراقبة الإعلام واتساع سلطة الدولة؟ وكيف يمكننا إسقاط الأنظمة الاستبدادية، والتعاطي مع حقوق الإنسان دون أن يتسبب ذلك في الفوضى والمأساة؟
وأي اقتراح إصلاح لهذه المسائل دون استخدام الإنترنت، يكون مقترحا غير جاد بالمرة. وإذا رغب الناس في تحرير الإنترنت لاستخدامها في كل هذه المعارك، فسيجدون أنفسهم أمام ربع قرن من نضال المستخدمين الطوباويين للإنترنت.
وهذا ما فعله طباويو الإنترنت، لقد اختلقوا مناقشة معيارية حول مخاطر الإنترنت ?الشريرة? وقوة الإنترنت الجيدة. وهذا أمر ضروري، لكنه غير كاف، لتحديد مشاكل الشبكة.