قطر والإسلاميون : من يكسب الرهان؟

الإسلاميون على اختلاف توجهاتهم، اخواناً وسلفيين وجهاديين وقاعديين، أول المستفيدين من «الثورات» الشعبية الأخيرة. والإعلام القطري يلعب دوراً مباشراً جداً في التحريض على هذه الثورات، أو بعضها على الأقل. والسؤال: أين موقع قطر في حمى التغيير، وهل تتحول ملاعب كأس العالم الموعودة إلى ملاعب إسلامية مفتوحة في المدى المنظور؟

المخاوف قائمة من أن تكون التحولات الديمقراطية ـ أو هكذا يرجى لها ـ في تونس ومصر واليمن بصورة خاصة فاتحة حقبة جديدة من سيطرة الايديولوجية الشمولية الدينية على القرارين الأمني والسياسي، خصوصاً وأن الكتلة الأعظم من الإسلاميين لا تزال تحجم عن الانخراط في العملية الديمقراطية بسبب بنيتها الفكرية التأسيسية القائمة على العصبية ومشروع الدولة الدينية. والتجارب التي شهدها السودان وغزة والجزائر تزيد الشكوك حول قدرة الإسلاميين على الانخراط في الصيغ الديمقراطية الغربية، وكثيرون من الخبراء يميلون الى الاعتقاد أنهم يتوسلون هذه الصيغ من أجل الوصول، وبعدها يكون لكل حادث حديث.
وليس سراً أن التيارات الإسلامية كانت أول المستفيدين من «الثورات» التي حصلت. فقد أطلق سراح سجنائها، وحازت الشرعية بعد إلغاء الحظر، وفتحت أمامها الأبواب كي تمارس نشاطها على نطاق واسع. بل إن هذه «الثورات» شكلت فرصة ثمينة لتوظيف الشعائر الدينية في ميادين الاعتصام وإظهار قوة التيار الديني المتشدد ما يهدد بصورة مباشرة أو غير مباشرة التحولات الأخيرة في اتجاه ديمقراطية تعددية ذات منحى مدني.
وليس سراً أن قناة «الجزيرة» القطرية، تلعب بإشراف رسمي دوراً كبيراً في استقطاب المشاهدين في أجواء يسيطر عليها الإسلاميون، مع تفاوت في حدة المواقف بين إعلامي وآخر ضمن فريق العمل الواحد. وكثيراً ما يخلط هذا الفريق بين التدين والتوجه الاسلامي السياسي. ليس سراً كذلك أن فريق عمل «الجزيرة» في مجمله مدعوم بتحالف واسع مع اسلاميين، ما يثير مخاوف فعلية محلية وإقليمية حول مستقبل قطر وأوضاع المنطقة ككل.
ولا يفوت المراقبين أن يعاينوا العلاقة المكشوفة بين النظام القطري والتيار الإسلامي خصوصاً في السنين العشر الأخيرة، والتي تتجلى في أكثر من شكل وعنوان، بدءاً بالإقامة الدائمة للرمز الإسلاموي المعروف الشيخ يوسف القرضاوي المحسوب فكراً وتنظيماً على الأخوان المسلمين، والذي يحمل الجنسية القطرية أيضاً، فضلاً عن الاقامة الاخوانية الأخرى داخل قناة ?الجزيرة? لعدد غير قليل من الاسلاميين، اداريين واعلاميين وكوادر فنية.
وقصة العلاقة القطرية الإخوانية حديثة نسبيا إذ لا تتعدى العشرين سنة الأخيرة، وإن بدت مؤخرا بشكل واضح، من خلال التقارب الكبير بين قطر وتيارات إسلامية محسوبة على الإخوان بشكل عام كحماس مثلا المدعومة قطريا، فضلا عما بات يلاحظ بوضوح أيضا على السياسة القطرية من قبيل دخول قطر بقوة في ما بات يعرف بمحور الممانعة أو المقاومة، الذي يعد الإخوان المسلمون أحد دعائمه ? هذا عدا عما أفرزته قمة غزة في الدوحة من واقع جديد لتيارين مختلفين في الشكل والمضمون على الساحة العربية. وتمثل الإقامة الدائمة والمستمرة للشيخ يوسف القرضاوي في الدوحة والتي تمتد لأكثر من ثلاثين عاما، فضلا عن المكانة الكبيرة التي يحضى بها الشيخ لدى القطريين حكومة وشعبا، إحدى العلامات البارزة في قصة هذه العلاقة القطرية الإخوانية.
وقد عمل القطريون على بذل كل الجهود لإغراء الشيخ على الإقامة في الدوحة والتي عمل القرضاوي فيها على تأسيس العديد من المؤسسات الفكرية والثقافية المحسوبة على التيار الإخواني فكرًا، وفي مقدمها مركز بحوث ودراسة السنّة التابع لكلية الشريعة في قطر والذي يرأسه الشيخ القرضاوي حتى الآن.
وتعد مجلة ?الأمة? القطرية التي كانت تصدر عن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية القطرية في الدوحة خلال ثمانينيات القرن الماضي، والتي كان يرأس تحريرها القيادي الإخواني السوري عمرو عبيد حسنة، واحدة من أسرار هذه العلاقة الإخوانية القطرية.
فقد مثلت تلك المجلة ناطقا فكريا باسم الإخوان المسلمين طوال فترة الثمانينيات وبداية التسعينيات حتى توقفها عن الصدور لأسباب أنها سياسية، ولا يزال كتابها الشهير، كتاب الأمة، مستمرا في الصدور حتى الآن وهو يمثل بدوره أحد روافد الفكر الإخواني الواضح، عدا عن مؤسسة ?إسلام أون لاين? حاليا، التي يشرف عليها الشيخ القرضاوي أيضا، ومكتبها الرئيس في الدوحة.
والكادر الاخواني في قناة ?الجزيرة? معروف، وهو في توافق وانسجام تامين مع النظام الذي يشرف على القناة، فضلاً عما باتت الدوحة تمثل من ?محطة لجوء? للقيادات الاسلامية المنفية من بلدانها، كالزعيم والقيادي الاسلامي الجزائري عباسي مدني وخالد مشعل (بعد طرده من الاردن)، وفي فترة لاحقة شريف شيخ احمد قبل انتخابه رئيساً للصومال، وقبله القيادي الاسلامي الشيشاني، سليم خان بندربايف، الذي تمكنت المخابرات الروسية من اغتياله هناك في الدوحة.
لماذا كل هذا الكلام؟
لسبب بسيط جداً يغيب أحياناً عن بال المراقبين هو ان قناة ?الجزيرة? التي توهم مشاهديها وهم كثر، بأنها تقوم بعمل ديمقراطي ريادي، تتلطى في الواقع وراء هذا الوهم كي تخفي الأهداف الحقيقية التي تعمل لها، وهي تمكين التيارات الاسلامية من توسيع دائرة انتشارها في المنطقة، علماً ان الديمقراطية القطرية ليست متقدمة على غيرها من الانظمة السلطوية الخليجية، وقدرة البرلمانات الخليجية على التشريع والمراقبة اكثر من محدودة. واذا ما استثنينا الكويت فإن ?التقدم? في اتجاه الديقراطية في كل من البحرين وعمان وقطر تقدم شكلي لا اكثر، لأن البرلمانات القائمة تصطف بصورة نمطية ودائمة في صف الحكومة لأن الاعضاء المعينين هم الذين يرجحون الكفة في مواجهة الاعضاء المنتخبين. وفي قطر تحديدا يستطيع البرلمان المكون من غرفة واحدة ان يحجب التشريعات بالاغلبية البسيطة التي تصل الى 23 من اصل 30 نائباً هم المنتخبون، وتلك عقبة كبيرة.
باختصار ان النهج القطري الاسلامي او الاسلاموي لا يحتاج الى ادلة، وعلى سبيل التذكير يمكن القول ان الاخوانيين الذين سقطوا تحت وقع ضربات المخابرات المصرية في الحقبة الناصرية وجدوا ملاذا في قطر. و?ديمقراطية? قناة ?الجزيرة? التي اتاحت لها بث تسجيلات ورسائل بن لادن والظواهري، كما اتاحت التفرد باخبار الاسلاميين تحتمل الكثير من الاجتهادات حول اهدافها الحقيقية، الاميركية والاسلاموية معاً. وكثيرة هي الروايات التي تتقاطع على ان الاعلاميين الذين تركوا هذه المحطة بعدما شاركوا في تأسيسها، أُبعدوا عن مواقعهم بفعل ضغوط ?الاخوان? والتعبئة المنهجية التي يمارسونها ضد طاقم العمل الذي لا يأتمر بأوامرهم، وهو تعبئة حولت ?غير الاسلاميين? الى قلة منبوذة او مقهورة، مطالبة احيانا بالاحتشام في ملابسها، علما ان بعض شباب ?الاخوان? الذين كانوا متدربين في المواقع الاخبارية الاسلامية، تحولوا بين ليلة وضحاها الى مديرين لشركات انتاج اعلامي وتلفزيوني في عدد من العواصم العربية، وأمسوا من كبار منتجي الافلام الوثائقية التي لا زبون لها سوى قناة ?الجزيرة? التي تحول دون بوار هذا الانتاج. وكبار مقدمي البرامج الحوارية ليسوا احرارا في اختيار ضيوف برامجهم، كما كان الامر في سنوات ?الجزيرة? الاولى، لانهم مطالبون بمراعاة ?قائمة سوداء? غير معلنة من الوجوه التي لا يرتاح اليها الاسلاميون.
كيف يمكن ان تنتهي الأمور داخل قطر؟
الجواب ليس واضحاً بعد، لكن ما هو واضح جداً هو أن الاسلاميين حاضرون، وبقوة احياناً، في المشهد ?الثوري? العربي، وهو حضور لا ينسجم كثيراً مع المنحى الديمقراطي المدني الذي تتطلع اليه هذه ?الثورات?. ومعاينة ما حدث ويحدث في مصر وتونس واليمن وليبيا، تسمح بالقول ان تطبيق الشريعة همّ اساسي ومطلب دائم في هتافات التغييريين، كما تسمح بالتأكيد أن الحوافز العميقة التي حرّكت الشارع حوافز دينية الى حد بعيد.
أما مطالب التغيير والحرية والعدالة والديمقراطية، فهي جسر عبور الى الامساك بالسلطة من قبل الجماعات الاسلامية التي تتمدد بين المغرب والصين وبكل الوسائل المتاحة مدنية وعسكرية ودينية.
تبقى اشارة الى ان المسؤولين القطريين ليسوا واحداً في التعامل مع التيارات الاسلامية المتشددة، لأن بعضهم يخشى على صيغة الحكم القائمة ان تسقط تحت ضغوط هؤلاء المتشددين، وبعضهم دعا ويدعو سراً وعلناً الى الحد من غلواء الاعلام الاسلامي في ?الجزيرة?، والحد من الحضور الاسلامي القوي على المنابر القطرية. وهذا التوجه يجد من يسانده داخل الاسرة الخليجية التي تأخذ على قطر وعلى الاعلام القطري المبالغة في التعاطف مع التيارات الدينية.
وماذا يقول الاسلاميون انفسهم؟
بعد الاعلان عن استضافة قطر كأس العالم لكرة القدم في العام 2022، تعهد المنتدى الالكتروني الاسلامي ?شموخ الاسلام? بتحويل قطر قبل هذا الموعد الى ?دولة اسلامية?، وذلك في بيان نقله المركز المتخصص في مراقبة المواقع الاسلامية ?سايت?. البيان شكل بداية حملة واسعة لضم دولة قطر الى الخلافة الاسلامية التي اسسها اسامة بن لادن ?لان القاعدة على ابواب اقامة شرع الله تعالى ولأن الله سوف يمكن القاعدة من السيطرة على زمام الامور بعد سنة او سنتين او خمس سنوات على ابعد تقدير?.
هكذا تقول الرسالة.

كتب: المحرر السياسي
العربي

تعليق واحد

  1. (1)ولكن تجربتهم الفاشلة فى السودان هي التى ستبدد هذا الوهم.. وستنفر عنهم الشعوب.

  2. ان الأرض لله يورثها من يشاء من عباده الصالحين وليس الفاسدين المفسدين

    هذا المقال لو كتب في مطلع القرن يكون في الصميم نعم كانت وأكرر كانت الجزيرة

    إسلامية الهوى والمنشأ يوم أن كان تمويلها إخوانياً وقد دعمت ليس الإسلاميين فقط

    بل الأنظمة العربية والعراق كمثال في حروبه ضد الصليبيه الحديثه وكانت المرشد

    لصواريخ صدام لكن بعد خديعة 2001/9/11 ومايسمى الحرب على الإرهاب وحملة تجفيف

    منابع الإرهاب إنقطع الدعم المالي للجزيرة للحرب التي يخوضها الإسلام والمسلمون

    جميعهم فالحمله لم تميز وجفت منابع المال لدى الجزيرة وصارت تبحث عن المنقذ وكان

    هناك من يعي أهميتها ويتحين هذه الفرصة وأعني هنا فارس والدولة الخمينيه

    وبالفعل إختطفت الجزيرة ولكن تحت غطاء لكن في هذه الأيام انكشف الغطاء وظهر

    في كثير من التغطيات النفس الفارسي بل حتى قطر بكاملها تحت قبضة إيران

    وكأس العالم لولا الدعم والرشاوي المجوسية لما تم لها مرادها

    وغياب التغطية للسودان وسوريا حديثاً مما يفسر ذلك فهم من أقوى حلفاء فارس

    لذلك أرجوهم الا ينتظروا تغطية الجزيرة ولا العبرية ( العربية )

    فقط أنظروا لضيوف وكتاب الجزيرة بل إستضافة الجزيرة لليهود هل كان سابقاً ؟؟؟

    هذا المقال متأخر عشر سنوات على الأقل

  3. ليعلم الثوار في السودان ان الجزيرة سوف لن تبث اخبارهم بطريقة حيادية لانها تدعم نظام الكيزان وسوف تسمع من شيخهم القرضاوي ان ما يحصل في السودان هو ليس ثورة وانما دعوات عنصرية وطبعا مكتب الجزيرة في السودان يراسة الكوز المتعفن المسلمي البشير الكباشي الذي يسبح بحمد النظام والذي اذا التقيته سيصور لك سنين النظام كانها اعوام يوسف بانها السبعة اعوام التي سبقت السبع سنين العجاف وان الفرق بين عمر البشير وعمر بن الخطاب الا قليل

  4. مع أن كثيرا مما يقوله المحرر السياسي لمجلة "الكفاح العربي" في هذا المقال صحيح إلا أنه بمثابة كلمة الحق التي يراد بها باطل. فالمجلة تصف الثوار بالمتمردين وتنسبهم إلى القاعدة. تماما كما يفعل القذافي.

  5. شكرا شكرا ولايمكن أن تكفى شكرا لقطر التى أفرزت الجزيرة التى بدأت الأعلام التحررى والذى لاينكره إلا مكابر …

  6. حقيه الشي المستغرب ليه انو الجزيره سياسه تحريضيه ي الغرب وامريكا واكبر قاعده امريكيه في قطر؟
    ثانيا وضاح خنفر مدير قناه الجزيره هو من الاخوان المسلمين
    القرضاوي اخواني
    ؟امريكا بتدعم قطر وقطر بتزرع في العرب الفكر الاسلامي الاخواني
    واحد في اتنين
    يا اما قطر عايزه الاسلام يصل للحكم في الدول العربيه ويسيطروا ويكشوا الامرريكان وده شي مستبعد
    يا اما قطر عايز توقع العرب في شرك "توصل الاسلامين للحكم وبكده الغرب يقدر يستفرد بيهم واحد واحد
    ؟وماننسي كمان حلقه الشيعه والتشيع ؟صراحه راسي شطب انا من اعمال القطرين ديل بالجد ماقادر استوعب هم عايزين يصللوو لشنو بس هو ضرر وربنا يحفظنا من قطر وسمووم الجزيره

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..