مقالات متنوعة

الهم الثالث

اماني ابوسليم

ان لمّ بالابن مكروه فيقع علي الوالد همّان، الاول المكروه نفسه و الثاني الاحساس بالذنب انه لم يكن هناك لحمايته، وقت احتاجه ابنه، و يظل مؤنباً نفسه، لائما لها الاّ ان يلطف الله به و يزيل هذا المكروه. و لكن تخيل ان يضاف للهمين همٌّ ثالث.

صديقتي، جوهرة من جواهر الزمان، من النوع الذي تفخر بمعرفته، لا تطرق بابها محتاجا الاّ و فتحته لك علي مصراعيه، ما اتيتها حزينا الاّ و اخرجت لك مكامن السعادة في داخلك. ما سألتها حاجة الاّ و انجزتها لك علي اتم وجه. نصائحها تخترق الطريق الي الحل كعداّء مُدرَب، لأنها تصدر عن قلب مخلص، مفعم بالحب، مستفيد من تجاربه و خبراته. لها امكانيات نادرة علي التوكل علي الله و اقتحام الصعاب، لا تأبه بغير قدرتها علي التحمل و الصبر، فلا نقص مال يحد من همتها و لا نقص سند او عون.

هاتفتها يوما للسؤال عن الحال و لأول مرة يأتيني صوتها ضعيفا، منكسرا، ثم ارتفع بالبكاء، صرخت فيها من مات، قالت و صوتها ينزف، لم يمت احد، و لكن. . .

ابنها الذي للتو بدأ يغادر طفولته و يخطو اولي خطواته نحو الشباب، خطفوه. في وضح النهار هو و شاب صديق للاسرة و هما في طريقهما الي البيت. ثماني رجال خطفوهما بعربة بوكس بدعوة ايصالهما الي البيت و كان الغرض شيطانيا بكل ما للشيطان من معانٍ رذيلة. و قد افشل الله مسعاهم ببسالة الشابين و سرعة بديهتيهما و تمكنّا من الهرب و الخلاص و حتي الارشاد علي المجرمين حتي تم القبض عليهم الثمانية.

الخوف عندما يدخل بيتك عابرا من بوابة الابناء، يحيل الحياة الي احباط، اين ثمرة الجهد في الرعاية و الحماية، كيف اخترق هؤلاء الشياطين سياج الامان الذي ظل الوالدان يبنيانه مع الايام، كيف هزوا الارض تحتها، فلا يستطيعان الثبات للقيام بدورهما في بث القوة و شحن الهمة و التذكير بما يجب القيام به. كيف ينجح ثمان رجال من الجهل و الضلال و السُكر و السطل بمكان ان يسحبوا سجادة الثبات و الاستقرار من اسرة تكرس جهدها و وقتها و مواردها للبناء في ابنائها. كيف ينجحوا في ازالة سياج الامان و هز الارض و تسيير رياح الهم و الخوف و الالم الي اسرة تسعي و تكابد لتبني الثقة و الامل في حياتها.

و كيف يضيف البعض الي هذين الوالدين همٌ ثالث علي هم المصيبة نفسها و هم الاحساس الضاغط علي الصدر بالذنب و العجز عن حماية الابن. لما يحول البعض المجني عليه الي جاني، لما يطالبونهم بالخجل و الكتمان و التواري و كأنهم هم من خَطف، و كأنهم هم الشيطانين التي سعت للرذيلة. الشابين خُطفا في وضح النهار لا في جوف الليل فنقول اخطأَ، دافعا عن نفسيهما ببسالة و ذكاء و سرعة بديهة قل ما تجود بها عقولٌ لحظة المفاجأة، فلا يمكن وصفهما بضعف او استسلام، كانا من الوعي و الادراك ان يلمّا بما يمكن ان يرشد الي عصابة الشيطان مما ساعد علي القبض عليهم خلال ساعات. من الجاني و من المجني عليه، من يخجل و من يفخر، من يتواري و من يمشي مرفوع الرأس.

هذه اسرة لا تحتاج حتي الي العطف و الشفقة اللّذان يرفعان من وتيرة الألم و الاحباط و يقوّيان من رياح الهم و الغم. هذه الاسرة تجرحها العيون التي ملؤها تساؤلات لا تصرح بها، تحيل الدعم الي هدم، و السند الي كسر، و المواساة الي تجريح. هذه الاسرة و كل اسرة مرت بهذا الموقف المرهق للروح و الجسد، تُدْعَم باخراجها من حالة الذهول، و الانكسار، و الاحساس بالذنب المتنامي. الدعم يكون باعادتهم للتوازن و هذا لا يأتي بمطالبتهم بالكتمان و ملازمة الخوف والحرج. الحدث اكبر من ان يمر عبر بوابة السكوت و الهروب، فالايام لا تبرئ الجرح الغائر في الروح و النفس، بل ستزيد من قروحه و ألمه و التهابه ان لم يُفتح و ينظف بالحديث عنه و لا يمكن لاسرة ان تضمد جرحا كهذا و هي مطالبة بالسكوت و لا تجد تشجيعا للتعبير عن آلامها. لما لا نقول لهم باننا نعرف و قد زاد احترامنا لكم، لما نسرق الشابين بطولتهما و قوتهما في حدث مروع كهذا. و المهم ايضا مع دعم الافراد و المحيطين تحقيق العدالة، لأنها هي التي ستعيد لهم التوازن و الثقة في انفسهم و في مجتمعهم، حين يكون القصاص عادلا، عبر اجراءات عادلة و سريعة و نافذة و عقوبة تماثل الجريمة و اثرها العميق و البعيد المدي.

كيف يجرؤ عاقل ان يأتي اسرة تغوص في جراحها و يتوسط لاحد الجناة لاسقاط الدعوة مقابل الاعتذار !!! اعتذار مقابل ماذا ؟ مقابل الهدم، ام الكسر، ام الالم، ام الانكسار، ام الاهانة، ام ضياع الامان، ام الهزة، ام الجرح الغائر، ام ضياع الثقة. كيف يجرؤ بالتصريح ان

السكوت و لم الامر في هذه الامور افضل. كيف يقتل الضحية و يحييّ القاتل. كم ضحية نصحها نفس النصيحة و كم مجرم اعتقه من الحكم العادل و شجعه علي المضي قدما فيما يقترفه دون خوف او ندم، دون احساس بالحطام و الهدم الذي يخلفه. ألاّ قاتل الله الجهل حين يكون في عمائم كبيرة تتوهم الحكمة و العقل فتضل اصحاب الحق عن حقهم و تعبد الطرق للمجرم فتسهل الجريمة و التستر عليها.

اسأل الله ان يدفع عن كل الاسر كل بلاء، و ان يعينها علي تجاوز محنها، و عبور الطريق الي الامان بابنائهم، حيث لا قادر فوق قدرته، و لا عزيز فوق عزته، و لا حافظ لعبيده الاّ هو.

اماني ابوسليم
[email protected]

تعليق واحد

  1. لا حول ولا قوة الا بالله انها ثالثة الأثافي يا أماني … والله ما يحدث في بلادنا يندى له الجبين… ونكاد لا نصدق ما يحدث لغرابته وبعده عن الأخلاق والقيم …وكان الله في عون هذه الأسرة … وليتك وصفتي لنا كيف نجا هؤلاء الصبية حتى يقتدي بهم الباقون لأن مسلسل الفساد وسوء الأخلاق في ازدياد وتطور ويسير على قدم وساق …لأن البلد أصبحت غابة يسكنها قوم لوط … اللهم دمرهم وأهلكهم كما أهلكت قوم سيدنا لوط …

  2. عندما يصب الهم الخاص في الهم العام يجب على الجميع رفع الأكف للضم الوضع العام العوج أنتي بيت ابو سليم تدخلي مداخل تصب في عصب هموم من طال بهم المقام في أراضي المنافي و يتوجسون خوفا من الاستقرار بفلذة أكبادهم هناك بين النيلين مرتع الصبا و يخافون من ثقافة المنافي حينما تصطدم بثقافة الديار و مرتع الصبا على المستوى الأسري و ليس فقط على مستوى الواقع

  3. قاتل الله من أحيوا فقه السترة في غير موضعه حماية للمفسدين .. حتي بات الفساد مفخرة و دربآ للعلو و الترقي .. بينما صارت النخوة و الشهامة سلعة نادرة يحتفل بها من فقدوها في شخص راعي بصحاري الخليج ..

  4. ما في حاجة بتضيع الحق في السودان زي الأجاويد

    أحياناَ كثيرة يكونون سبباً في تمادي المجرم في أفعاله وتجاوز العقوبة وترك الألم في قلب الضحية وأهله

    الحق العام يجب أن ينفذ حتى لو تنازل أهل الضحايا

    إنتو قايلين البعملوا الجرئم ما أولاد ناس ???

    كثير من المجرمين تستر المجتمع على أخطائهم حتى صارت كوارث
    وأكثر المتضررين هو من حماهم وتستر عليهم وسعى في التوسط لهم

    المجرم يجب أن يأخذ جزاءه أي كان .. وأكثر في ظروف السودان.

    الردع

    توقيع أقصى العقوبات

    حماية الطفل ,إحترام الإنسان ,

    كفااااااااااية

  5. لاحولا ولاقوة الا بالله العلي العظيم
    اطفالنا ديل نوديهم وين يعني
    نبلعهم

  6. لك الله ياسودان لكن لسه مازال اهل السوان كلعهد بهم شهامه ورجوله ومااولئك الكزان الا حثاله المجتمع وان طال ليلهم لابد ان تشرق شمس الحق

  7. الان بدأت جملة في الغرب استغربت لها اول الامر ثم اقتنعت بنبل مقصدها من كلام الضحايا والمعلقين . تجد ان امرأة في عقدها السادس تتهم احد جيرانها او معلميها مثلا قد اغتصبها عندما كانت في الثانيةعشرة من عمرها ! طيب يا بت الحلال : لماذا الاّن ؟ ترد : لي ابنة في نفس العمر ولا اريدها ان تمر بما مررت به من عذاب , انها البسالة في اسمي معانيها والحب الحقيقي غير المشروط لابنتها . بعدها خرج طوفان من النساء حدث لهن مثل ما حدث لها وامتدت موجة الشجاعة للصغيرات انفسهن فوقع مجرمون هم اخر من يفكر اي انسان انهم كذلك : مدربو سباحة وجمباز تخرجن علي ايديهم بطلات شهيرات وكشافو نجوم التمثيل والغناء ومقدمو البرامج الترفيهية واشهرهم من يسمي (سافيل) جذب معه افراد من الاسرة المالكة وهربت ناديا كومانتسي اسطورة الجمباز الرومانية من مطاردة ابن الطاغية شاوسيكو وهي في طاشرانها . بدات منذ عقود قليلة تعليم الصغار كيف يتعاملون مع الغرباء وهذا اول الغيث في عالم لم يعد مجنونا فحسب بل شرسا اشد ما تكون الشراسة. وسقي الله تلك الايام عندما هرعت الينا تلك الطفلة التي كانت كأنها قبضة من نور ابوها الطبيب الحلبي وامها المصرية تكاها ناءمة وذهبا الي السينما . اخدناها الي السوق وضربت معنا فولا مكندشا كما قالت لابويها اللذين اغرقا في الضحك ولم نر في اعينهما ذرة من الريبة ! هل من عودة هل يااختاه لمثل ذلك الزمان وهل بكي المساح علي زمن اجمل منه ؟ لم لا اليس دائما القادم هو الاسوأ !

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..